رسالة من دون بوسكو

رسالة دون بوسكو إلينا في هذه الحقبة التحوّلية من التاريخ المحلّي والعالمي هي أن نؤمن بجبروت تلك الطاقة الخفية التي لا تعيرها ثقافة الاستهلاك والمادية في يومنا هذا أية أهمية:

التقوى والعبادة والصلاة: هذه هي الطاقة الأساسية التي يجب أن نعتمد عليها للتغيير…إلى جانب ما نبذله في ميدان التعليم والتربية.

كثيرا ما نستغرب من عدم تأثير تضحياتنا وجهودنا في عقلية وسلوك أبنائنا وبناتنا أو تلاميذنا وننسى أننا لسنا الا زارعين ننثر بذور الخير والعلم في عقول الصغار والله هو منير العقول ومغيِّر القلوب ومنضج الثمار. نتعب ونجتهد ولا نجني الثمار وننسى القدرة الوحيدة التي يجب الاعتماد عليها حسب نصيحة دون بوسكو، تلك الطاقة الخفية التي تغيّر وجه الأرض وعقل وقلب الانسان والنابعة من عند الله وحده والتي لا يبخل في أن يمنحها بسخاء كل من يسأل ويتوسّل ويبتهل…

تجربة دون بوسكو هي تجربة كل الأتقياء الصالحين. إنها تجربة الأيادي المرفوعة الضارعة التي تحقق إنجازات جبارة في تاريخ المدنيات والشعوب أكثر كثيراً مما تحقق الآلة العسكرية أو القوة الاقتصادية والسياسية.

مجتمعنا، بيوتنا، مدارسنا، دور العبادة، كلها مدعوة الى العودة إلى الله…الأيادي الضارعة المرفوعة نحو السماء هي التي تستمطر على بلادنا وشعوبنا وعلى القادة السياسيين روح الوفاق والتضامن وعلم صناعة السلام والحضارة…

دون بوسكو يعتبر أن العبادة أي تلك الصلة الحميمة بين الانسان وخالقه تحتل مكانة أساسية في عملية تربية الأجيال. كل انسان هو حامل رسالة شاء أم أبى؛ شهادة حياتي هي الرسالة التي أحملها إلى الآخرين، فإمّا أن تكون من السماء وإمّا أن تكون من الجحيم… فلكي أكون حامل رسالة خير وصانع سلام يجب أن أكون على صلة حميمة مع مصدر الخير ومنبع السلام. هذه هي الطاقة الخفية الجبارة التي تغيّر وتجدّد وجه الأرض ووجوه الناس…

مجتمعنا اليوم سريع الاشتعال. لماذا لا نكون البَلسَم الذي يلْأَم الجروح والواحة التي تخمد في ظلالها الصراعات. عالمنا محطّم تحت وطأة المستبدّين ولن ترمّم حطامه إلا الرُكَب الراكعة والرقاب الساجدة؛ أي أن يتحول كل منا إلى شعلة متوهجة بعشق الله ليجعل الله منا جسور سلام تربط بين القلوب وبخوراً فواحاً يصعد بأرضنا المعذبة إلى سماء الرحمة والمغفرة. لنُرجع النقاء الى أجواء الكون والى أعماق القلوب ليعود عالمنا خالياً من تلوث السموم سَبَب الأوبئة، ولتعود المعاملة على أساس الإخاء بين الإنسان والإنسان في كل مكان وزمان.

ما هو هام: أن نتذكّر بأن دون بوسكو ركّز التربية على ثلاثة أركان: التقوى وحوار العقل والمودة وأولها التقوى، بمعنى أن علاقة الإنسان بالله هي التي تتحكم بباقي القنوات التربوية وخاصة الحوار بالعقل والمودة…

أن نربي الأجيال الجديدة، التلاميذ والأبناء والبنات، على التقوى ومخافة الله، فيه ضمان لسلامة حياتهم في المستقبل وفيه عربون لآخرة صالحة مع الخالدين بعون من الله…

الأب السالزياني بشير سكر