استقبال الرب في حياتنا
الصمت الداخلي
الصمت الداخلي
مواضيع في التعليم المسيحي
سالزيان الشرق الأوسط
للجميع
بدايةً ندعوكم إلى التفكير حول أهمية الصمت الداخلي، الصمت الداخلي ما هو مجرد عدم الكلام، أي الصمت الخارجي، بل هو الخلوة الروحية وحالة الانتظار لاستقبال الرب في عمق نفوسنا، ففي الخلوة الروحية نشعر بحضور روح الله الذي هو دائما حاضر وفاعل فينا، وذلك إذا انفتحنا له.
في هذه الخلوة نحن نرغب ونقصد أن نكون بحالة ترقّب للرب وفي انتظار له، على مثال العذارى الحكيمات اللواتي انتظرن العريس وهن حاملات مصابيحهنّ، فالربّ كما في رؤيا يوحنا يقول: “هاءَنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه، فإِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوتي وفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيه وتَعَشَّيتُ معه وتَعَشَّى معي” (رؤيا يوحنا 20:3).
في الخلوة الروحية نحن نصغي ونسمع للرب الذي يقرع على باب قلوبنا، رغبةً منه لندعوه حتى يشاركنا في مسيرة حياتنا. فيتحدث معنا ونتحدث معه في علاقة صداقة متينة. هكذا حدث مع زكّا العشار الذي فتح باب بيته ليستقبل يسوع فدخل يسوع وتعشى معه وأقام في بيته وهذا جعله يتغير رأساً على عقب ويتحوّل إلى إنسان جديد.
أحياناً قد نبقى غير حاضرين لعمل الروح القدس، وقد نغلق الباب بوجه الرب، والسبب في ذلك صعوبات الحياة وحبنا الزائد لأنفسنا وقلّة إيماننا وثقتنا بالرب وفي هذه الحالات، عوضاً عن محاولة الانفتاح، نتقوقع ونغلق باب قلبنا وعندئذ نكون بالحقيقية بعيدين عن الصمت الداخلي والخلوة الروحية وبالعكس نكون أقرب إلى الضجيج الداخلي، فنشعر بالملل من الصلاة وهذا ما يبعدنا عن الرب ومن العلاقة الحميمة معه فبالنتيجة تصبح حياتنا الروحية ضعيفة وهزيلة، إذ يصبح الرب بالنسبة لنا غائباً عنا أو بالأحرى نحن نصبح غائبين عنه.
في هذه الحالة لنتشجع ونكون صادقين مع أنفسنا ولنصرخ إلى الرب قائلين كما في مزمور55: ” أَللَّهمَّ أَصْغِ إِلى صَلاتي ولا تَحتَجِبْ عن تَضَرّعي أَصْغِ إِلَيَّ وأستَجِبْ لي فإِنِّي أَهْذي في شَكْوايَ ” وكما في مزمور70. لنصرخ إلى الرب قائلين: ” وأَنا بائِسٌ مِسْكين فأَسرعْ إِلَيَّ يا أَلله أَنتَ نُصرَتي ومُخَلِّصي فلا تُبْطئْ يا رَب ”
الله يحبنا كثيراً ويحنّ علينا ويشعر بنا وبمعاناتنا ويرغب أن يكون معنا ويشاركنا في حياتنا مع محبته الكبيرة لنا، فإنه يحترم حريتنا ويريدنا أن نفتح باب قلوبنا له وندعوه بتواضع وثقة ومحبة فلا نخف من شعورنا بتعاستنا وبُعدِنا عنه بالعكس، فإن شعورنا بتعاستنا الذي يبدو سلبياً وغير مرغوب فيه، هو بالحقيقة فرصة لتقبُّل نعمة ربنا ليأتي لمساعدتنا وليدخل في عتمة قلوبنا، إنها حقيقيةً دعوة للدخول في الصمت الداخلي وفي الخلوة الروحية، فالخلوة الروحية التي نتوخاها ونرغب فيها، خاصة في الرياضة الروحية ،ما هي إذن مجرد خلوة للاستراحة والاسترخاء الروحي بالعكس إنها خلوة للرب لنصبح له من خلال روحه القدوس فنجمع شمل ذواتنا ونرفع قلوبنا إليه ونقول له:
تعال يا رب، تعال وامكث معنا.
تعال يا رب وشاركنا في حياتنا وفي تفكيرنا وفي رغباتنا وقراراتنا.
تعال وكن معنا في مواقفنا ومخاوفنا وتردداتنا.
تعال وداوي نفوسنا وشدّد عزيمتنا.
تعال يا رب وساعدنا فإننا بدونك لا نستطيع أن نعمل شيئاً.
تعال يا رب في الصمت لأننا لا نعلم ما نقول.
تعال وساعدنا لنحقق مشيئتك لا مشيئتنا.
القراءة التأملية لكلام الله:
في قراءتنا للكتاب المقدس نميل عادة إلى التحليل والمناقشة لكن تحليل النص الكتابي ومناقشته، بالرغم من أهمية ذلك لفهم كلام الله، فإنه ليس تأملاً بكل معنى الكلمة لهذا بعد القيام بتحليل كلمات وأفكار الكتاب المقدس، علينا في التأمل أن ندع كلام الله يخاطب قلوبنا ويدخل إلى أعماقها عندئذ فقط يصبح بإمكاننا كما في مثل الزراع الذي تكلم عنه يسوع “أن نسمع كلمة الله ونفهمها” فتستطيع كلمته أن تخترق قلوبنا وتتفاعل معها في حياتنا.
الإصغاء الصامت لصوت الله:
لاستقبال كلام الله في عمق نفوسنا إننا بحاجة حقاً إلى وقت هادئ صامت نقضيه في حضرة الله، وغالباً ما نستصعب الجلوس بصمت وبدون الانشغال والاهتمام بأمورنا وأفكارنا العادية وفي أول الأمر تكون أصواتنا الباطنية جامحة ومدوّية فنسمعها أكثر ما نسمع صوت الله وتدريجياً وببطءٍ شديد نكتشف بأن وقت الصمت يجلب لنا الهدوء ويعمّق وعينا لأنفسنا ولله وتنشأ في أعماقنا قوة روحية تسحبنا أكثر وأكثر نحو الصمت وتقربنا من ذلك المركز الهادئ فينا حيث يكلمنا الله.
والإصغاء الصامت ليس مجرد عدم الكلام والسكوت، إنه الخلوة الروحية بكل معنى الكلمة إنه حالة الانتظار لاستقبال الله في عمق نفوسنا في الإصغاء الصامت نحن نصغي لصوت الرب ومن خلال إصغائنا هذا يفتح الرب علاقة حميمة معنا.
أما نحن فإننا أحياناً نتهرب من هذه الخلوة الروحية ونستخدم مختلف الوسائل حتى لا ندخل فيها فنشغل أنفسنا باللهو والاهتمامات المتنوعة وكما رأينا سابقاً أننا نحاول دائماً أن نملأ الفراغ الذي نشعر به في عمق قلوبنا، لكن مهما فعلنا لتعبئة فراغات حياتنا، فهناك فراغ أو آخر يبقى في عمق قلوبنا يذكّرنا بفقرنا الروحي الذي هو أساس احتياجنا العميق والجوهري لله الذي خلقنا لنكتمل به وفيه كما يقول القديس أغسطينوس مخاطباً الله: “لقد خلقتنا يا الله لنفسك، ولسوف تبقى قلوبنا قلقة حتى تجد راحتها فيك”. فنحن كثيراً ما نبحث خارجاً عن الله لتلبية حاجاتنا المختلفة وننسى ونتناسى بأن الله وحده بروحه القدوس، يستطيع أن يملأ الفراغ الجوهري الذي هو فينا والله يحترم حريتنا ولا يدخل حياتنا إذا كانت قلوبنا مليئة من ذواتنا وأفكارنا الخاصة إنه يدخل حياتنا عندما نسمح له.