القسم
مواضيع تربوية
مواضيع تربوية
عن مجلة السالزيان الدورية نقلها للعربية الأب السالزياني بشير سكر
للآباء والأمهات
أبناؤنا يحتاجون إلى آباء وأمهات يتصرفون كأولياء لا كأصدقاء
يعلم الجميع أن من يربي هو إنسان مبدع (…) وأن من يبدع في تشكيل شخصية إنسانية عليه أن يكون قد اختبر ذاتيا ً تجربة النمو والإبداع…
من نشأ على هوى الطبيعة لن يقوى على رعاية شجرة من نوع وصلابة السنديان.
ما رأيكم بالاعتراف التالي:
“منذ نعومة أظفاري وطيلة مرحلة الطفولة والمراهقة، كان والدايَ يتركان لي ملء الحرية ولم يقولا لي أبدا ً افعلي هذا أو ذاك، تصرّفي بهذه الطريقة أو بتلك، هذا الفعل صائب أو خاطئ، هذا الإنسان على حق أو على ضلال… كان عليّ أن أتّخذ القرار وأختار بحرية في شتى المجالات دون أن يتدخّل البالغون… كان عليّ أن أفعل فقط ما طاب لي دون أن أكترث بما يراه الآخرون…
كان تصرفهما نابع من نية سليمة، غير أنني في الواقع لم أكن أدري ماذا أفعل من غير إرشادات، كنت أحاول أن أقتبس منهم، أن أستلهم منهم ما كان يمكن أن يفعلوه لو كانوا مكاني. غير أنني في معظم المرات لم أصل إلى قرار وكنت أتصرف على هواي دون أن أعرف هل أحسنت أم أسأت الاختيار. وهذا ما جعلني غالباً مترددة وربما أيضاً شديدة التركيز على ذاتي، على احتياجاتي وعلى حقوقي وقليلة الاهتمام بالآخرين وباحتياجاتهم؛ ومن الجمل التي كانت تتردد على لسان والديَّ “أنتِ تنتمين إلى ذاتك فقط…” لكن كلما كانا يردّدان هذه الكلمات كلما كان يزداد إحساسي بالقلق وبالوحدة وبعدم الانتماء…”
إنها ساعة النمو:
النداء الذي نريد أن نطلقه هو: ” أيها الوالدون، اضطلعوا بمسؤوليتكم!”. أبناؤنا يحتاجون إلى أن يشاهدوا بكل وضوح بالغين بكل ما في الكلمة من معنى، يحتاجون إلى آباء وأمهات يتصرفون كأولياء لا كأصدقاء.
إنه نداء عاجل ينطلق من كل جهة. الكاتبة هيلين لوفنثال تحذر قائلة: ” أبناؤنا المراهقون يراودهم، ويا للأسف، الإحساس بالارتباك، لكن تواجدهم بين بالغين أو والدين منغلقين قد يؤدي إلى عواقب كارثية (…) أما الكاتب أنطونيو ماتسي فيقول: “الحلقة الضعيفة في مجتمعاتنا ليسوا مراهقي الخامسة عشرة، لكنهم بالغو الأربعين. هشاشة بالغي الأربعين هي ذات طبيعة مَرَضية: منهم أُناس كبار صغار، بينهم مقتدرون ضعفاء، فيهم أغنياء حمقى…!” وعلى الوتر نفسه ينقر أخصائي التربية الأمريكي تشارلز غالي، المختص بإعادة تأهيل الفتية الجانحين في إصلاحيات الولايات المتحدة فيقول: “حين تبلغون الأربعين لا تتصرفوا وكأنكم مازلتم في السادسة عشرة! أبناؤكم يبحثون عن إنسان يفرض الاحترام. قد لا يجرأون الإفصاح عن ذلك لكن لا شك أن مضمون أفكارهم هو: “تصرفوا كوالدين وليس كأصحاب!”
ومن جهتها تقول خبيرة التربية فيرّاريس: “يجب أن يتمتع الطفل في طور النمو بحقوق ومقدرات (في التعبير وفي التضامن والمشاركة)؛ يجب أن يتعلم الاعتماد على النفس (باتخاذ مواقف حازمة تجاهه)؛ يجب أن يتدرب على تحديد الخيارات المناسبة، وهو ما يقتضي امتلاك معلومات ومهارات ضرورية”.
ابتكار الخطط:
بناءً على آخر الأبحاث التي أُجرِيَت وقد شمل أحدها 635 من الشبيبة ما بين 14-19 عاما ً، تم الوصول الى رؤية صريحة؛ فعلى سؤال يقول:” أي تصرّف من جهة الوالدين هو الأكثر إحراجا ً بالنسبة إليك؟” كانت الإجابة صاحبة النسبة الأعلى (29%) هي التالية:” تهافتهم على أن يكونوا، مهما كلف الأمر، أصدقاءً لنا!”. يلي ذلك مشكلة عدم التواصل (23%) وأيضا ً “خوفهم المَرَضيّ علينا من كل شيء ومن أي كان”.
الوالدون سيتغلّبون على جمودهم عندما سيتحرّرون من الاعتقاد أن مرحلة الشباب هي وحدها سرّ الحيوية…هذا الاعتقاد يُعتبر تشبثا ً بعقدة الشباب، أي التظاهر بالشباب بأي ثمن حتى في مرحلة فقدان الأسنان أو اللجوء الى الجراحة التجميلية، مع التوهّم بتعطيل عجلة التقدم في السنّ. الانتصار على الشلل التربوي ممكن فقط حين نتحرر من رواسب الطفولة والمراهقة التي ما زالت مستوطنة في قرارة نفسنا.
أمر إيجابي أن يقترح الوالدون خطة لأبنائهم أو برنامجا ً يساعد على النمو أو طرح أفكار وآفاق تضيء لهم الطريق… فمن الصعب على إنسان مازال في مرحلة النمو ولا يفقه إلّا القليل عن العالم المحيط أن ينشأ كشخص يعتمد على نفسه، إذا لم يجد على طريقه من يقدّم له بعض الخطط والإرشادات أو يقترح عليه كيفية استثمار إمكانياته ومواهبه.
علم التربية منتشر عبر ملايين الكتب وفي جميع اللغات؛ مع ذلك فالبشرية لم تتقدم على الصعيد الإنساني! مَ الذي ينقصها؟ شخصيات ناجحة، أشخاصا ً أنجزوا في حياتهم ليصبحوا مصابيح تضيء دروب التقدم.