لعبت الموسيقى الغنائية وآلات الطرب دوراً هاماً في ممارسات دون بوسكو التربوية، وحتى في روحانيته. ويتبيّن ذلك مما قال وكتب المربي القديس، إذ يشدّد بكل صراحة على فاعلية الموسيقى في التربية وعلى وقعها في قلب الشباب. إنهم يميلون إليها فطرياً ولا يحبّونها فقط، بل يعيشونها ويعتبرونها وسيلة مميّزة للتعبير والتواصل. فالموسيقى، بوجه أو بآخر، إيجاباً أو سلباً، تتوغّل في داخلهم وتعبّر عن مشاعرهم وعواطفهم وتطلّعاتهم، تريحهم حيناً وتحفزهم حيناً آخر، لا بل تُثيرهم وتُغريهم وقد يشكّل كل هذا فرصة تربوية مميّزة.
قديس الفرح والتفاؤل، الذي هو في الوقت نفسه الداعي إلى الالتزام والمشاركة في المسؤولية والمحبة الفاعلة، كان مقتنعاً بأن فاعلية التربية تكمن في توفير جوّ مفعم بالفرح والحيوية “نظيف” أخلاقياً وغني بالقيم والحوافز، يُنعش الشباب. لذلك أعلن مراراً أن أيّ أوراتوريو أو مدرسة تجمع شبيبة بدون موسيقى هو مثل “جسد بلا روح”.
الهدف إذًا من هذا الإعلان ليس فقط التعبير عن اهتمام دون بوسكو بالموسيقى ودور الغناء والعزف كي يعيش الشباب بفرح، ولكن إبراز ما قام به من خيارات واضحة ومدروسة في حفل الموسيقى، مثل الدرس المنظَّم ودقة التنفيذ، كوسائل تربوية لاكتساب الذوق الرفيع والسيطرة على الطاقات التعبيرية الشخصية، جامعاً بين الجانب الترفيهي والمهنية الفنية. ويدلّ كل هذا على أسلوب دون بوسكو التربوي يرى في الموسيقى وسيلة تربوية وثقافية قوية.
تشغل الموسيقى مكاناً بارزاً في الحفل الديني وحتى في روحانية دون بوسكو. إنه لا يتصوّر صلاة جماعية أو احتفالاً طقسيّاً لا تحُييها التراتيل والعزف. كان زوار الأوراتوريو يتعجّبون عندما يشاكون في الطقوس والاحتفالات الدينية في بازليك مريم أمّ المعونة في تورينو ويستمعون إلى ألحان يُصعدها إلى السماء نحو800 صبي بصوت واحد… وكذلك كان دون بوسكو يشجّع انضمام تلاميذه إلى جوقات الرعايا عند عودتهم من الأوراتوريو إلى قراهم.
أما روحانيته فهي” موسيقية” بكل معنى الكلمة. الفرح عنده أساس القداسة فالذي يحفظ نعمة الله في قلبه ويخدم الرب بفرح يُنمي دعوته الإنسانية ويتذوّق أفراح الحياة، مما يجعل قلبه يرنم فرحاَ وروحه تبتهج سروراً.
أخيراً، لما يضيف دون بوسكو مجد السماء، حيث تكتمل حياة الشركة مع الله وتتمثّل بالسجود والتسبيح الدائمين، يستعير صوراً موسيقية ويتحدّث عن ألحان سماوية واختطاف روحي لأن تتجلّى وكأنها نشيد حمد، إذ تنضمّ إلى جوقات الملائكة والقديسين لتعظّم الرب إلى الأبد.