دون بوسكو في سطور
صديق للكُلّ
صديق للكُلّ
سالزيانيات
الأب السالسي بشير سكّر
للجميع
رسالة إيمان ومحبّة وسلام لكل إنسان
إنسان عاش طفولة صعبة جداً. فقد أباه وهو في الثانية من عمره. أبوه مات شاباً في السابعة والثلاثين. يوحنا بوسكو كان أصغر إخوته. أنطونيو كان الأكبر بفارق سبع سنوات. ويوسف كان الأوسط.
عاش في قرية فقيرة سكانها طيبون بسطاء يعيشون من رعي الحيوانات. لم يجد مدارس في قريته فعلّمه شيخ صالح من أصدقاء الأسرة “دون كالوسّو”، لأنه وجد فيه حباً للعلم وطموحاً لخدمة الآخرين إلى جانب روح التقوى.
تفنن منذ صغره في حركات الرشاقة واللياقة البدنية فكان يلعب ألعاباً صعبة وخطرة كأي لاعب جمباز أو لاعب سيرك محترف، لا بل وصل به الأمر إلى أن يربط حبلا بين شجرتين متباعدتين وعلى ارتفاع عالٍ ثم يتسلق الشجر ليمشي ويتأرجح على الحبل المعلّق بكل ثقة وشجاعة. لم يتدرب على يد أحد لكن كانت لديه قوة ملاحظة هائلة حين كان يراقب لاعبي السيرك وهم يزورون قريته. وبالتالي كان يتمرّن بكل جلادة مع نفسه ثم يقدم عروضه للجمهور، بادئاً وخاتماً كل مرة بقصة تربوية و بدعاء.
كان يُعامَل من أخيه الكبير معاملة قاسية جداً. كان هذا يقول له:” لا يحق لك أن تأكل لقمة العيش إن لم تتعب مثلي في أشغال الحقل ورعي الأبقار”. وحتى لا يصطدم يوحنا بأخيه كان يهتم برعي الحيوانات وفي يده كتاب يستذكر فيه. حدث الصدام ذات يوم عندما وجده أنطونيو على مائدة الطعام يأكل وفي يده الأخرى كتاب. فما كان من أنطونيو إلا أن أخذ الكتاب وألقى به بعيداً وهو يقول “أنا أصبحت كبيراً وقوياً ولم أحتج إلى الكتب ثم اننا لا نريد فلاسفة في البيت”…لم يحتمل يوحنا الإهانة ورد على أخيه رداً جارحاً وإذا بيد أنطونيو تنهال على وجه أخيه الصغير صفعاً بلا رحمة.
اضطرت والدته بلوعة شديدة إلى إبعاده عن البيت والقرية خوفاً من غضب أخيه وأرسلته إلى بعض الأقارب ليعمل قرابة سنتين في أشغال الأرض والرعي.
لم يدخل يوحنا المدارس إلا في سن الرابعة عشرة وبين رفقاء أصغر منه، لكنه بطيبته وشجاعته وذكائه استحق احترام الجميع واستطاع اللحاق بالمستوى المطلوب في فترة وجيزة.
أصبح من رجال الدين وهو في السادسة والعشرين من العمر وكان أولَ اهتماماته الشبانُ الملقَون في السجون لإرشادهم واصلاحهم وإعادة تأهيلهم لدى خروجهم. وكان ثاني اهتماماته الأحداثُ المتجولون في الشوارع والأزقة، خاصة الذين ينامون في العراء والأيتامُ الذين بلا بيت أو مأوى والمهاجرون من القرى بحثا عن العمل. كل هؤلاء فتح لهم بيته وقلبه وأسس لهم مركزاً للمبيت والتعليم والنشاط المفيد سمّاه أوراتوريو (المصلّى)، وسط مناخ عابق بالقيم التربوية. وأرسلهم في البداية إلى المدارس الخارجية ثم استطاع بمساعدة بعض المحسنين تأسيس وبناء العديد من المراكز بشكل مدارس صناعية خاصة، مع ملاعب وقاعات للنشاط التربوي والشبابي.
كان يتميز منذ صغره بخيال خصيب جداً واشتهر بأحلامه التي كان كل منها قصة مثيرة يمكن تحويلها إلى فيلم سينمائي شيّق. أول الأحلام التي حكاها حلمه وهو في التاسعة من العمر والذي اعتبره أساس مستقبل حياته. وجد نفسه في الحلم أمام بيته الريفي في البرية وجمهورٌ من الأولاد من سنّه كانوا يلعبون وهو من بينهم. كان بعضهم يتشاتمون ويتشاجرون فوقف في وسطهم ليمنعهم لكنهم لم يأبهوا له فراح يؤدبهم بذراعيه ولكماته…فجأة ظهر رجل عظيم وسيدة جميلة لابسان ملابس بيضاء بهية وأفهماه أنه ليس بالضربات ولكن بالمحبة والمعاملة الحسنة يستطيع أن يصلح ويكسب أصحابه وقالا له:” كن لطيفاً ومتواضعاً واهتم بالعلم وفي الوقت المناسب ستفهم كل شيء”. والتفت فجأة فرأى رفقاءه قد اختفوا وظهرت مكانهم حيوانات شرسة. ثم نظر مرة أخرى فرأى الحيوانات الشرسة قد بدأت تتحول إلى حملان وديعة فقالت له السيدة: “انظر يا يوحنا هذا سيكون مجال عملك أي تربية الأولاد ليعرفوا شناعة الخطيئة من جهة وليتعلموا من جهة أخرى طريق الله والفضيلة “.
عندما بدأ عمله مع أولاد الشوارع والمشردين لقي صعوبات جمة في إيجاد مكان لهم قبل أن يتبرع أحدهم بموقع المصلى الأول. كان يتجول بمئات الأولاد في الشوارع والحقول ويتلقى إهانات وشتائم من سكان المناطق الذين كانوا يعتبرون أولاده مزعجين.
طاردته وزارة الداخلية بعناصر من الشرطة كانوا يراقبون الأولاد خوفا من أن يتحولوا الى عصابات تهدد أمن البلاد. لكن دون بوسكو كان يطمئن الجميع بأنه سيجعل منهم رجالات محترمين يبنون وطن المستقبل.
كان وهو شاب صغير في مراحل الدراسة يصرف على نفسه لأن أمه كانت فقيرة فاشتغل فيما يقارب ست عشرة مهنة مختلفة ليكسب قوته من عرق جبينه وليصرف على دراسته. ولذلك راح هو بنفسه يعلّم أولاده الصغار مختلف المهن، بينما كان يسعى لإدخال الكبار في الورش والمصانع.
كان يهتم بمتابعة أبنائه العمال الصغار في الورش ليدافع عن حقوقهم ويتصدى لأرباب العمل الذين يستغلونهم بشغل يزيد على ثماني ساعات في اليوم أو بتحميلهم أعباء أعمال ثقيلة تفوق طاقاتهم.
اهتم خاصة بتقريبهم إلى الله وساعدهم على أن يكتشفوا أن الله قريب منهم وأنه يحبهم ويريد خيرهم وأنه يرعاهم ويريد سعادتهم. علمهم أن كل عمل إذا تم بإتقان وبحب وبفرح فهو عبادة يتقبلها الله. علّمهم أن الله يريدهم سعداء فكان يشجعهم على الأنشطة التي يحبونها: الألعاب الرياضية والترفيهية والغناء والموسيقى والمسرح والرحلات وكل نشاط يساعد على تنمية مواهبهم لكي يضعوا كل طاقاتهم في خدمة اخوانهم وتحسين وتطوير مجتمعهم.
اهتم بأن يدربهم على المواظبة على الصلاة وعلى حب العبادة وكان يرشدهم باستمرار ليقدّروا قيمة الحياة والعمر والوقت مبينا أنها هدية عظيمة من الله يجب استثمارها لفعل الخير للناس وأن الحياة قصيرة وساعة الانسان قد تأتي في أية لحظة، فعلى كل منهم أن يكون مستعداً بالتوبة وروح الايمان والتقوى وبالسهر على الأعمال الصالحة.
لقد جعل دون بوسكو من أولاده مناضلين متطوعين أسخياء ينطلقون إلى كل مكان وزمان ليحملوا رسالة الإيمان والمحبة إلى أصحابهم وإلى كل انسان يلتقون به. هناك من كوَّنوا معه جماعة السالزيان، أتباعه المنتشرين اليوم في مئة وثلاث وثلاثين دولة. وهناك كل الآخرين، وشبان مراكز دون بوسكو اليوم منهم، يحملون رسالة السلام والحب والخدمة والتضامن الى كل مكان وزمان.