بولس دعوته مسيرته
أول لاهوتي في الكنيسة
أول لاهوتي في الكنيسة
مواضيع في التعليم المسيحي
سالزيان الشرق الأوسط
للجميع
كانت دعوة بولس حدثٌ هام في تاريخ الكنيسة الناشئ فأحبوه واهتموا به. وكان ارتداده هذا مؤثراً بهم أكثر من دعوته لأن الارتداد هو عمله أما الدعوة فمن عمل الله ولا تحتاج إلى مجهود بشري.
أهمية الحدث واضحة لأن سفر الأعمال (لوقا) يكرره ثلاث مرات (اع9/18/22). ثم يتكلم بولس عن دعوته. فبعد رجم اسطفانوس ووضع ثيابه على قدمي شاول… تدخّل المسيح بقوة في حياته ودعاه بعد أن كان قد أعدّه ثم فرزه لكي يدخل في علاقة قوية مع الله من ناحية، وعلاقة مع الآخرين من ناحية أخرى.
لكن (أع22) كان بولس معتقل، وطلب الكلام، وتكلّم بالعبري وروى قصة دعوته التي سجلها لوقا (أع9). وكان يركز على أنَّ دعوته من الله مباشرة ثم نجدها (22/14-15) “إله آبائنا قد أعدّك لنفسه أختارك لتعرف مشيئته وترى البار ويسمع صوته بنفسه، فإنك ستكون شاهداً له أمام جميع الناس بما رأيت وسمعت”.
بولس في سجن قيصرية يدافع عن نفسه ويتكلم على أنَّه يهودي وفريسي غيور على الشريعة، وكيف رأى المسيح على طريق دمشق ويركز على الرسالة، وعلى دعوته الشخصية ويرينا كيف أنَّ يسوع ظهر له ليقيم علاقة جديدة بعد علاقة الخصومة والعداء وأصبحت علاقة الرسول المبشر. وحالاً بدأ يبشر في كل مكان. نجد دينامية بولس حتى في الأسر يبشر بغيرة متقدة وبحماس حار.
لا يذكر بولس قصة دعوته في رسائله، ولكن يلمح إليها لأنها كانت معروفة عند الجماعات لم يكررها لكن كان يشير إليها.
بولس يهودي غيور، يعرف التعليم الصحيح، يحافظ عليه، ذو المذهب الفريسي المتشدد، وكان يفتخر أنّه عبراني يهودي أكثر من الكل. لكن عندما رأى الإيمان المسيحي. تحول هذا الفريسي إلى مبشر (1كو15/8-9) “حتى تراءى آخر الأمر لي أيضاً أنا السقط. ذلك بأني أصغر الرسل، ولست أهلاً لأن أدعى رسولاً لأني اضطهدت كنيسة الله” تحوّل بعد رؤية الرب القائم. (1كو9/1) ” ألست حراً؟ ألست رسولاً؟ أو ما رأيت يسوعَ ربنا؟ ألستم صنيعتي في الرب؟ وإن لم أكن رسولاً عند غيركم، فأنا رسولٌ عندكم لأن خاتم رسالتي هو أنتم، في الرب”. هذه الرؤية غيرت كل شيء. (غلا1/23) “إنّ الذي كان يضطهدنا بالأمس صار اليوم يبشر بالإيمان الذي كان يحاول بالأمس تدميره”. فدعوته كلّها غريبة ومدهشة لأنها عمل الله. وكذلك كل دعوة علينا أن نكتشف فيها هذا الجانب، حتى دعوتنا يا ليتنا نتأصل بدعوتنا بعرفان الجميل وبالاندهاش لما فعله الله فينا.
المفسرين يقولون أنَّ دعوة بولس لا تفسر تفسير بشري. هذا الفريسي الغيور والحساس ضد المسيحية، الآن يتبنى المسيحية. الرجل الذي كان يحارب المسيحية، الذي حكم طبقاً للشريعة لمن صار لعنة وملعوناً من علّق على خشبة. منطقياً يرفض الإيمان المسيحي لكننا نجده اليوم مبشراً. يعلن صندوق النعم لغير اليهود.
نعمة الله التي تبعث على الدهشة. هل يهتم الله بإنسان مجدّف مضطهد عنيف؟ هل يهتم بخليقة خاطئة هشة؟ نعم بولس، بطرس، رجال نساء، فقراء، أغنياء… كلهم أهتم بهم الله وأفاض عليهم نعمه. هذه الدعوة ليست ثمرة استحقاقات بشرية إنما مبادرة إلهية، ثمرة سخاء الله، ثمرة حب الله لنا. وهذا ما فهمه بولس وما أراد أن يقدمه لنا في رسائله، ثمرة سخاء الله.
لم يقل أبداً أنّ الذي دعاه هو المسيح إنما ينسب دعوته إلى الله مباشرةً، لكن يقول المسيح أعطاه مهمّة معينة. (غلا 1/15) “ولكن لما حسن لدى الله الذي فرزني، مذ كنت في بطن أمي ودعاني بنعمته، أن يكشف لي ابنه لأبشر به بين الوثنيين، لم أستشر اللحم والدم ولا صعدت إلى أورشليم قاصداً من هم رسلٌ قبلي، بل ذهبت من ساعتي إلى ديار العرب، ثم..”.
ينطبق على دعوة كل واحد (رومة 8/28-30) “وأننا نعلم أنّ جميع الأشياء تعمل لخير الذين يحبون الله، أولئك الذين دعوا بسابق تدبيره. وذلك بأنه عرفهم بسابق علمه وسبق أن قضى بأن يكونوا على مثال صورة ابنه ليكون هذا بكراً لإخوة كثيرين. فالذين دعاهم بررهم أيضاً، والذين بررهم مجدهم أيضاً”. ينطبق على كل المدعوين وعلينا نحن كذلك. هناك علم إلهي سابق. دعوة سابقة ثم تعيين، تغيير. الدعوة ليست حدث معزول. ليست حدث واحد إنما سلسلة، مرحلة، تاريخ عجيب، تاريخ إعلان حب الله لنا. حب عميق سخي. لكي يعلن علاقة هذا الحب المتبادل.
فرزني: فرزني ليست السلبي إنما فرزني لعمل معين، أدخله الفرز بعلاقة خاصة علاقة مميزة مع الله. (فرز القرابين فرز اللاويين فرز الناس المقدسين..) يفرز بولس ليكون موضع عناية خاصة ثم دعاني ليس من بطن أمه لكن عندما دعاه كان قادر على الإحساس على الفهم على الإدراك. ويمثل دعوته كإرميا (1/5) “قبل أن أصورك في البطن عرفتك وقبل أن تخرج من الرحم قدستك وجعلتك نبياً للأمم”. لكن هناك اختلاف بكلمة سحرية (KHARIS) النعمة هي فضل من الله هي هبة مجانية. لم تكن دعوة بولس مكافأة ولم تكن أجر لأعمال حسنة ولكنها نعمة مجانية من الله. اختارني الله بنعمته وأنا في بطن أمي تصبح دعوة بولس نموذج لكل الدعوات.
الله يكرر دعوته لكل إنسان. نعمته لم تكن باطلة بل اغتنى بنعمته، كان بولس على وعي بهذه النعمة (1كو3/9) “…إني أشكر الله في أمركم على ما أوتيتم من نعمة الله في المسيح يسوع. فقد أُغنيتم فيه كل الغنى في فنون الكلام وأنواع المعرفة، فقد ثبتت فيكم شهادة المسيح،”. الله بنعمته وضع الأساس ودوري أنا أن أبني (رومة12/3) “وأوصي لكل منكم باسم النعمة الموهوبة لي: لا في الاعتداد بأنفسكم مذهباً يجاوز المعقول، بل تعقلوا فتكونوا من العقلاء، كل واحد علة مقدار ما قسم الله له من الايمان”.
فدعاني بنعمته ولما شاء أن يعلن ابنه فيّ. أن يعلن ابنه فيّ مثل بطرس (متى 16/16) “أنت المسيح ابن الله الحي.. (نعمة الله).. فليس اللحم والدم كشفا لك هذا إنما أبي الذي في السماوات”. النعمة تدع الإنسان يدخل في حياة الله الباطنية. وكل دعوة تدع الله يُدخل الانسان بعلاقة معه فيعلن ابنه له.
قال: أن يعلن الله ابنه فيّ، ولم يقل يكشف ابنه لي، أي بواسطتي لأنه يقول لأبشر … يريد أن يقول أنّ عمل الله عمل باطني ليكشف عمل الله بداخلي حتى ولو له عمل خارجي لكن أساسه باطني داخلي (عمل داخلي لكن نتائجه تظهر للخارج). حتى إذا بشرت الآخرين تكون نابعة من خبرة عميقة عشتها. هناك فرق بين التبليغ الخارجي عن حدث وبين الإعلان الرسولي للإيمان المسيحي.
عندما مات يسوع، كان على بيلاطس أن يعلن تقريراً للحكومة أنه مات.
أما التلاميذ عاشوا هذا الحدث عاشوا دينامية موت المسيح، وراحوا يعلنوا. هناك فرق بين اعلان الحدث (للناس). وتبليغ الحدث (للسلطة).
بولس قبل هذا الإعلان في قلبه قبله واستنار به (2كو4/6) “فإن الله الذي قال: ليشرق من الظلمة نور، هو الذي أشرق في قلوبنا ليشع نورُ معرفة مجد الله، ذلك المجد الذي على وجه المسيح” كلنا أخذنا على مثال بولس هذه النعمة لنعرّف بدورنا كل الناس حب المسيح.
باختصار دعوة بولس:
التي هي مثال لدعوتنا لندخل بعلاقة مع يسوع فنعلن حبه للجميع، جديرٌ بنا لنشكر الله باندهاش عظيم.