القسم
مواضيع في التعليم المسيحي
مواضيع في التعليم المسيحي
سالزيان الشرق الأوسط
للجميع
كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة
(رؤ 2: 10)
يعتبر الموت من الموضوعات الهامة التي يهتم بها الإنسان، والتي يتقابل بها كل يوم في موت قريب أو جار أو أخ أو صديق. ويعلم كل إنسان أنه حتما سيعبر في طريق الأرض كلها وهو الموت. ورغم ذلك، فإننا نحاول كثيراً أن نبعد خاطر أننا حتماً سنموت عن عقولنا وأفكارنا، ربما يحلو لنا أن نقول إن الآخرين يموتون أما أنا فليس الآن؟
وقبل أن نتحدث عن الطريقة التي يجب أن نستعد بها لاستقبال الموت ينبغي لنا أن نتعرف على أنواع الموت كما يبينها لنا الكتاب المقدس.
6.موت الحياة حسب الجسد: وهو موت المسيحي الذي آمن واعتمد حينما يسلك حسب الجسد أو العالم الشرير كما يقول الكتاب “لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون. ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون” (رو 8: 13). وتعتبر التوبة هي الطريق للنجاة من هذا الموت كما يقول الرسول: “لذلك يقول استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح” (اف 5: 14).
قصة الموت والحياة:
خلق الله الإنسان ليحيا، ولكنه أخطأ بعدم استماعه لوصية الله وذلك عندما أكل من شجرة معرفة الخير والشر. وحينما أخطأ وجبت عليه العقوبة لأن “أجرة الخطية هي موت” (رو 6: 23) وهكذا “اجتاز الموت في جميع الناس إذ أخطأ الجميع” (رو 5: 12). وتلوثت طبيعتهم الصالحة بالخطية، وأصبحت الخطية جزءاً من كيانهم وسكنت في أجسادهم.
وكان لابد من وضع حد لهذا الفساد، وأن يرد للإنسان الذي خلقه الله وأحبه طبيعته النقية، وحياته الأبدية. فوعد الله آدم وحواء بالخلاص والنجاة من الموت وذلك بعد سقوطهم مباشرة حينما وعد أن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تك 3: 15)، وحينما أشار للفداء بالدم بصنعه أقمصة جلدية لتستر عريهم وخزيهم (تك 3: 21).
وقد تنبأ الأنبياء في العهد القديم عن هزيمة الموت أمام الله رب الحياة فقال إشعياء النبي:” يبلع الموت إلى الأبد ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه وينزع عار شعبه عن كل الأرض لأن الرب قد تكلم”(إش 25: 8).
وأكد هوشع النبي على زوال سلطان الموت حينما تنبأ قائلاً: “من يد الهاوية أفديهم من الموت أخلصهم. أين اوباؤك يا موت أين شوكتك يا هاوية تختفي الندامة عن عيني” (هو 13: 14).
وفي ملء الزمان جاء المسيح وتقبل عقوبة الموت عنا على عود الصليب وكسر شوكة الموت بموته، ووهبنا الحياة من جديد بقيامته. وأعاد لنا طبيعتنا الأولى وأعطانا عربون الحياة الأبدية ورجاء الخلاص النهائي من الموت في ملكوت الله حينما يطرح الموت والهاوية في بحيرة النار (رؤ 20: 14).
ولم يعد هناك سلطان للموت أو خشية من الهلاك، فنحن قد متنا فعلاً مع المسيح في المعمودية بقوة السر الفعالة، ومنذ ذلك الوقت فصاعداً نحن أحياء مع المسيح في الله (كولوسي 3: 3). وبهذا أعطانا القدرة أن نموت عن الخطية (رومية 6: 11)، والإنسان العتيق (رومية 6: 6)، عن الجسد (رو 6: 6، 8: 10) وشهواته (غل 5: 24)، عن الناموس (غلاطية 2: 19) وعن كل أركان العالم (كولوسي 2: 20).
تغير معنى الموت الجسدي:
ولذا فقد تغير معنى الموت الجسدي، وقد صار موت الجسد الوسيلة للخلاص. فوجب علينا أن نمارس الموت اليومي بإماته أعمال الجسد كما يقول الرسول بولس: “لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون” (رومية 8: 13)، أي أعضائنا التي على الأرض مع أهوائها: “فأميتوا أعضائكم التي على الأرض الزنى النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع الذي هو عبادة الأوثان” (كولوسي 3: 5).
ولم يعد الموت الجسدي سوى مرحلة يتخلص فيها الإنسان من الألم والمرض والحزن والكآبة وجسد الخطية لينتقل إلى عالم المجد والفرح والنور والبر وجسد القيامة، ليتمتع بالحياة في حضرة الله وملائكته وقديسيه.
لماذا الموت الجسدي؟
وقد يتساءل أحدكم: طالما أن السيد المسيح نقلنا من الموت إلى الحياة فلماذا ينبغي علينا أن نجتاز الموت الجسدي؟ ولماذا لا نعبر مباشرة إلى الحياة الأبدية؟
يجيب هذا السؤال الرسول بولس في رسالة كورنثوس الثانية حينما يقول: “لكن كان لنا في أنفسنا حكم الموت لكيلا نكون متكلين على أنفسنا بل على الله الذي يقيم الأموات” (2 كو 1: 9).
ففي هذه العبارة نجد أن للموت غاية أخرى هو أن يكون رجاؤنا دائماً في الرب واثقين أنه القادر أن يقيمنا من الأموات.
كما أن الموت الجسدي أساسي من أجل أن نحصل على ميراث الحياة الأبدية فجسدنا الحالي الذي لوثته الخطية ويحمل في داخله بذرة الفساد لا يقدر أن يرث الحياة الأبدية، لذا وجب تغييره بجسد آخر نوراني بلا خطية يستطيع أن يتمتع بأمجاد الملكوت كما يقول الرسول:” لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت إلى غلبة ” (1 كو 15: 53 -54).
الموت الخطير:
أما الخطورة، كل الخطورة فتأتي من الموت الثاني حينما يلقى الأشرار في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، حينما يقف كل واحد أمام الديان العادل ليعطي حساباً عما فعله على الأرض، ليعطي حساباً عن تمسكه بإيمانه في شخص السيد المسيح كما يقول لنا: ” ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضاً قدام أبي الذي في السموات” (مت 10 : 33)، ليعطي حسابه عما قدمه من أعمال المحبة نحو أخوته، حينما يقول للذين أرضوه:” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم”، وللذين خالفوه: “اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته” (راجع مت 25 : 31 – 46).
قريب جداً منا:
وكما نعلم فإن الموت الجسدي قريب جداً جداً منا، لذلك لابد أن يكون الإنسان مستعداً لمقابلة الموت الجسدي في كل لحظة من لحظات حياته، لأته في لحظة لا تعلم بها ننتقل من هذا العالم وأعمالنا تتبعنا، ربما يكون الإنسان طفلاً أو شاباً أو كهلاً أو شيخاً طاعنا في السن حينما يفاجئه الموت، ووقتها لن تكون هناك فرصة لتغيير الأوضاع لذا وجب الاستعداد من الآن.
كيف أستعد لمقابلة الموت الجسدي؟
وفي النهاية، وطالما أن الموت ضرورة حتمية، وأنه آت لا محالة فكيف تكون مشاعرنا تجاهه، وهل نحزن حينما يختطف الموت أحد أحباءنا؟
إن مشاعر الحزن تجاه فراق أحد الأحباء هي مشاعر ضرورية وهامة، تماماً حينما نحزن في وداع أحد الأحباء وهو ذاهب في رحلة طويلة إلى مكان بعيد، فلن نستطيع أن نراه أو نحدثه أو نناقشه، وسنشعر حتما بألم ناتج عن هذا الفراق. ولكننا لا ينبغي أن نفرط في هذه المشاعر كالذين ليس عندهم رجاء، فنحن نؤمن أن الموت هو انتقال وبداية لحياة أبدية سعيدة مجيدة، وليس نهاية وهلاك، نؤمن أننا انتقلنا جميعاً من الموت إلى الحياة. وأننا حتما سنتقابل معاً مرة أخرى في ملكوت السماوات.
أما مشاعرنا تجاه الموت فينبغي أن تكون مشاعر الاستعداد لا الخوف، دعونا نستعد حتى ننجو من الهلاك في بحيرة النار والكبريت (الموت الثاني)، دعونا نتمسك أكثر بالرب، نبني علاقة حية معه بالصلاة والكتاب المقدس والتوبة، حتى إذا جاء نستمع إلى ذلك الصوت المبارك: ” تعلوا إلي يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم من قبل تأسيس العالم”.