السالزيان والعلمانيون
شراكة ومشاركة في روح دون بوسكو ورسالته
شراكة ومشاركة في روح دون بوسكو ورسالته
سالزيانيات
الأب السالسي فيتوريو بوتسو
للشبيبة
سالزيان حقيقيون وكاملون علمانيون في وسط العالم
مشروع المعاونين السالزيان (أو السالزيان المعاونين) تبلور عند دون بوسكو في السنوات ١٨٧٠ و١٨٧٩، ولكن لم تكن الفكرة ارتجالية. جذورها قديمة، بل سابقة لمشروع تأسيس جمعية الرهبان والراهبات. كتب هو بنفسه: “ما إن ابتدأ مشروع المصلّيات في ١٨٤١، حتى جاء عدّة كهنة وعلمانيين أتقياء ليساعدوا في رعاية الحصاد الذي بدأ كثيرًا منذ ذلك الوقت في قطاع الأحداث المعرّضين للخطر. إن هؤلاء “المعاونين والمساعدين” كانوا في جميع الأحوال، سند المشروعات التي تَعهَد إلينا بها العناية الإلهية. (ت. بوسكو، دون بوسكو صديق الشباب، ١٩٨٣، ص ٣٤٢).
كان بعض هؤلاء المعاونين ينتسبون إلى أُسَر الأرستقراطية وكان غيرهم عمالاً بسطاء وتجارًا. كانت مساعدتهم متنوّعة، فكان دون بوسكو يطلب منهم خصوصًا أن يتفرّغوا للقيام بالتعليم الديني، يوم الأحد وأيام الأعياد وفي الصوم الكبير، وكان أناس منهم يساعدون أيضًا في الدروس المسائية ومراقبة الأحداث، وكان غيرهم يبحثون عن عمل جيد للصبيان ولاسيما الذين خرجوا من السجن.
ولم يكن الرجال وحدهم، بل كان عدد من النساء “الأمّهات” يقمن بالخدمات المنزلية كغسل الثياب والاهتمام بنظافة الأولاد (ونذكر منهن ماما مرغريتا وأمّ الأب روا…) وكان كثير من الناس لا يعاونون بالعمل بل بالمال… (المصدر نفسه).
نستنتج من هذه الأمثال أن دون بوسكو، منذ البداية، فتح باب مركزه على مصراعيه أمام كل شخص يأتي إليه بقصد المساعدة، ثم جمعهم في جمعية. كانت المحاولة الأولى عام ١٨٥٠ مع ٧ رجال ثقة، “كلهم كاثوليك علمانيون”، فلم يفلح.
قام بمحاولة أخرى عام ١٨٦٤، أي ٥ سنوات بعد قراره تأسيس جمعية السالزيان (كانون الأول ١٨٥٩)، وكان ذلك لما قدّم قوانين رهبانية إلى روما. أدخل إليها فصلاً يتكلّم عن “سالزيان خارجيين”، يقصد بهم كل شخص، ولو كان يعيش في عائلته، يستطيع أن يصير سالزيانيًّا، ليس عليه أن ينذر نذرًا، بل أن يعاون في عمل السالزيان في سبيل الصبيان الفقراء. واستدرك في البند الخامس أن كل سالزياني يخرج من الرهبانية “لسبب معقول” يصبح عضوًا خارجيًّا فيها.
رفضت السلطات الكنسية ذلك الفصل لدى فحصه، فعاد دون بوسكو وقدمه تحت شكل مُلحَق، ولم يفلح. واستمرّ هذا الخلاف ١٠سنوات وأخيرًا أضطُرَّ دون بوسكو، لينال الموافقة على القوانين (١٨٧٤)، إلى حذف ذلك الفصل.
كنتيجة لرفض مشروع “السالزيان الخارجيين”، رسم تدريجيًّا مخطّط “اتّحاد المعاونين”، بدون أن يخرج من الإطار الرسمي التقليدي، المعروف والمقبول من قبل الكنيسة تحت اسم “الأخويات”. ومع ذلك فكان دون بوسكو مصرًّا على فكرته وكان يقول: “أنتم لا تفهمون، ولكنكم سترون أن هذا الاتحاد سوف يكون سند رهبانيتنا. فكّروا فيه”. فما رُفِض منذ ١٢٠عامًا، يبدو اليوم “حدسًا عبقريًّا” (المصدر نفسه. ص ٢٤٢-٢٤٤)
الحدس العبقري:
العبقرية كامنة في هذه الفكرة: “الدعوة السالزيانية هي سالزيانية قبل أن تكون رهبانية” (أعمال مجمع السالزيان الخاص، ١٩٧١، رقم ٧٣٩). الأساسي والمهمّ عند دون بوسكو الخدمة السالزيانية للشباب المشرّدين، لذلك ليس المعاونون المكرّسون لهذه الرسالة “غرباء”، ولكنّهم أعضاء عائلة رسولية واحدة، بينما الأساس والمهمّ عند رجال القانون في روما كان الانضباط الرهباني وحياة الزهد، حسب المقاييس التقليدية للحياة الرهبانية. وبالطبع يخرج المعاونون عن هذا الإطار. الفكرة التي لم تكن واضحة ومقبولة في الماضي، أصبحت واضحة ومقبولة بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، فقام الرهبان السالزيان في المجمع العام العشرين للرهبنة (١٩٧٠-١٩٧١) بإعادة بناء صورة المعاون طبق الصورة الأصلية التي وضعها دون بوسكو.
يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في الوثيقة في رسالة العلمانيين: “على العلمانيين، الذين بدعوة خاصة، انتسبوا إلى جمعية أو مؤسسة أقرتها الكنيسة، أن يجدّوا أيضًا وبأمانة في اكتساب الميزة الخاصة التي تميّز حياتهم الروحية” (في رسالة العلمانيين، ٤). المجمع إذًا فتح الباب وأعطى المجال كاملاً لإعادة هذه “الميزة الخاصة التي تميّز حياتهم الروحية” وهي، في عائلة دون بوسكو، الوجه الرسولي السالزياني.
المجمع السالزياني العشرون هو محطة أساسية، أي، كما قيل، “الحدث الصدمة”، لأنه تعمّق في موضوع العائلة السالزيانية وفي صورة المعاون، فلا يُستغنى اليوم عما قاله في نصوصه وفي مقرراته.
كان المجمع الفاتيكاني قد طلب بإعادة اكتشاف روح المؤسّس بصورة واضحة وأن يحافظ عليه وعلى مقاصد المؤسس الأصلية (قرار في تجديد الحياة الرهبانية، ٢ب). فالمجمع السالزياني صرّح بأن “السالزيان لا يستطيعون أن يعيدوا النظر بكل صدق في دعوتهم داخل الكنيسة إلا بالإشارة إلى أولئك الذين يحملون معهم إرادة المؤسس. لذلك يتوجّب عليهم أن يبحثوا عن السبيل لتحقيق وحدة أفضل للجميع، مع الحفاظ على الميزة الخاصة لكل واحد منهم” (المصدر نفسه، ١٥١). فكان لا بدّ من العودة إلى دون بوسكو نفسه: إنه مؤسّس أقامه الله وأعطاه موهبة جديدة لأجل الكنيسة جمعاء، ولكل من هم الذين تلقّوا هذه الموهبة ويكونون مسئولين عن تناقله؟
عدد من الرهبان أعضاء المجمع قالوا: “نحن السالزيان، ونقسّمها مع غيرنا”. أما الأكثرية فقالت: “يشهد دون بوسكو نفسه، وكذلك أقواله وأفعاله، أن موهبته سُلِّمت مباشرة إلى عائلة، إلى مجموعات تعيش في شراكة، ولو يجب الاعتراف بأن السالزيان يتحمّلون مسؤوليات خاصة، من جراء كونهم الأخ البكر بين الإخوة. بالواقع أسّس دون بوسكو ثلاث مجموعات: السالزيان، بنات مريم أم المعونة والمعاونين وكذلك هو مؤسّس وحدتهم” (المصدر نفسه، ١٥٣-١٦٠).
هذه النظرية ثورية وفجّرت الواقع المقبول. ليس المعاونون الذين يموّلون مشروعات السالزيان، وليسوا علمانيين صالحين فقط، بل يحملون معهم وبطريقتهم الخاصة الموهبة السالزيانية، هم سالزيان حقيقيون وكاملون، علمانيون في وسط العالم، يتقاسمون مع إخوتهم الرهبان وأخواتهم الراهبات مسؤولية حمل رسالة وروح دون بوسكو في الكنيسة وفي المجتمع. لذلك توجد دعوة سالزيانية أساسية مشتركة تتجسّد في أشكال مختلفة. وهذا ما هو مدّون ومبيّن اليوم في قوانين السالزيان وفي نظام المعاونين (المادة ٥).
في المناسبة عينها، كما هي العادة عند انعقاد كل مجمع للسالزيان، أرسلت جمعية المعاونين رسالة إلى المجمع، جاء فيها ما يلي: “نحن واعون أننا ننتمي إلى العائلة السالزيانية الواحدة من خلال مؤسّسنا المشترك، والغاية التي نتوخّاها، وهدف رسالتنا، والمشاركة في الخيرات الروحية، والرؤساء المشتركين …، لذلك نُثبِّت إرادتنا ونؤكّد أن نحيي جمعيتنا حتى يتحقّق مشروع مؤسّسنا العبقري … فقد حان الوقت لنُقيم علاقة أخوية حقّة على جميع الصعد بين السالزيان الرهبان والسالزيان المعاونين … بأن تفتح للمعاونين أبواب الجماعات التربوية… لا تخيّبوا آمالنا وثقتنا بكم. فهذا المجمع يجب أن يلعب دورًا تاريخيًّا بالنسبة إلى جمعيتنا…”.
لم يتأخر المجمع السالزياني فأجاب جوابًا مزدوجًا للمعاونين والرهبان، من خلال وثيقة رقم (١٨) تحدّد هوية المعاون وتدلّ بوضوح على أهمّ عناصر دعوته ورسالته، كما وضّحها لاحقًا القانون. يقول المجمع: “المعاون السالزياني، في نظر دون بوسكو الأوّل والأساسي، هو سالزياني في العالم، أي مسيحي، علماني أو كاهن، بدون رباط النذور الرهبانية، يلبّي دعوته الشخصية إلى القداسة بأن يلتزم بممارسة رسالة معينة لأجل الشبيبة والشعب، بروح دون بوسكو، في خدمة الكنيسة المحلية وفي الشراكة مع رهبنة السالزيان” (رقم ٧٣٠و٧٣١). ويضيف “أنتم تشاركون معنا المسؤولية حيال مصير العائلة السالزيانية. أنتم مساعدونا الأولون والضروريون، وتتميزون عن سائر مساعدينا العلمانيين … فنحن لا نكون، بدونكم، ما تصوّر دون بوسكو وأراد أن نكون” (رقم ٧٣٣ و٧٤١) … (يجب أن) “تصبحوا قادرين على التعاون في المهام الرسولية” (رقم ٧٣٤ و٧٤٣). ويؤكّد السالزيان أن همّهم الرسولي الأوّل هو تنشئة المعاونين السالزيانية” (رقم ٧٣٥).
وتجدر الإشارة إلى أن مجمع الراهبات السالزيان في ١٩٧٥ تبنّت هذه النظرة وهذه المبادئ. وكل ما حدث لاحقًا هو نموّ وتطوُّر طبيعي. فالإقرار بنظام الحياة الرسولية وإصداره في أيار ١٩٨٦ هو الثمرة الناضجة للمراحل السابقة، فجاء هذا القانون المجدَّد يكرّس ويثبت اختبار دون بوسكو. يقول الرئيس العام في قرار الإصدار إنه: “يحدّده كتذكرة هوية، أصيلة تعرّف عن المعاون السالسي اليوم وفي المستقبل ويؤكّد مطابقته التامة لمقاصد دون بوسكو ولمبادئ المجمع التنبّؤية في آن واحد، على أنّه جواب كنسي على مقتضيات الأزمنة الجديدة” (تقديم النظام المجدَّد).
بعد هذه اللمحة التاريخية التي فتحت أمامكم، بلا شك، آفاقًا جديدة، نتطرّق إلى صلب الموضوع: “العلمانيون السالزيان”، وهو حديث اليوم عند السالزيان الذين هم في صدد تحضير المجمع ٢٤ للرهبنة حول هذا الموضوع. كما تعلمون، دعا المسئولون عن جمعية المعاونين في العالم جميع مراكز المعاونين إلى المشاركة في التفكير لإعداد مجموعة من الآراء والأفكار والاقتراحات تُقدّم إلى مجمع السالزيان باسم جميع المعاونين.
ليس المعاونون العلمانيون الوحيدون الذين يتعاونون مع السالزيان في مؤسساتهم ومدارسهم ومراكزهم، لأن هناك مجموعات أخرى من الأشخاص لهم علاقة بالرهبان، مثل الخريجين والمنشّطين في المراكز والمعلّمين في المدارس وأصدقاء دون بوسكو عمومًا والمحسنين وغيرهم. كل واحد مهمّ يلعب دورًا مهمًّا، ولكن المعاونين لهم علاقة خاصة، مميزة، ثابتة، أي علاقة تتخطّى المشاركة في العمل أو في نشاطات مختلفة، مجانًا أو مقابل راتب، كما تتخطّى تقلّبات الحياة والانتقال من مكان إلى آخر، لأن هذه العلاقة تتمحور حول وحدة الدعوة والرسالة مع السالزيان، وبالتالي تتخطّى كل المسافات في المكان والزمان. يأتي المعاونون إذن في المرتبة الأولى ومن الضروري أن يعوا تمامًا هذا الأمر ليكونوا على المستوى المطلوب من دون بوسكو المؤسس.
المادة ٢٤ من نظام الحياة الرسولية يحدّد نوع علاقات المعاونين، كجمعية وكأفراد، مع السالزيان. هذا نصّها:
وضع هذه المادة بعد تلك المتعلّقة بالمشاركة في حياة العائلة السالزيانية (المادة ٢٢) يدلّ على أن جمعية الرهبان ليست “فوق” المجموعات الأخرى، وكأنها رأس الهرم، بل “داخل” العائلة وكأنها النقطة المركزية في الدائرة. هذه هي رؤية دون بوسكو.
المادة ١/٦ تحدّد أن جمعية المعاونين “ثبّتها الكرسي الرسولي في الكنيسة كجمعية عمومية للمؤمنين” وهي تشارك جمعية السالزيان في تراثها الروحي. هذا التراث الروحي هو الأساس والقاعدة الراسخة الثابتة للرسالة. المشاركة في الرسالة، أي، عمليًّا، في النشاطات، تنبع فقط من المشاركة الروحية، لأن حياة المعاون ورسالته تخضعان لمنطق الإنجيل وليس لمنطق الإنتاج، مهما كان الإنتاج الرسولي مهمًّا ووافرًا على الصعيد الثقافي والاجتماعي ومهما تجسّد في خدمة الإنسان والشباب بنوع خاص. منطق الإنجيل قاعدته الوحيدة هي قول يسوع: “أنا الكرمة وأنتم الأغصان. فمن ثبت في وثبت فيه فذلك الذي يثمر ثمرًا كثيرًا” (يو ١٥/٥ ).
المعاون، ليبقى معاونًا، يجب أن يحفظ سلّم الأولويات، والأولوية الأولى هي الحياة الروحية المعاشة بروح دون بوسكو. هذا هو الإرث السالزياني الأصيل، وإلا تحوّلت نشاطاته إلى نشاطات مشابهة لتلك التي يقوم بها أي شخص آخر. ففي هذه الحال يستغنى عن الانتساب إلى جمعية المعاونين.
المشاركة في التراث الروحي للسالزيان تعكس تمامًا إرادة دون بوسكو الذي يتحدّث عن “انضمام”، “اتحاد”، “وحدة الروح”، و “أخوّة” مع السالزيان، وجميع هذه المواصفات تنعكس على هيكلية ونظام الجمعية. فالرئيس العام للسالزيان مثلاً هو في الوقت عينه رئيس المعاونين، وكل رئيس سالزياني، إقليمي أو محلي، بل كل أسرة رهبانية وكل راهب بمفرده، يعبر بمواقفه عن مسؤولية واهتمام الرئيس العام نحو المعاونين.
يعي السالزيان أنهم “الرباط الثابت والأكيد” بأن يضمنوا وحدة الروح، والفاعلية الرسولية في القيام بالرسالة المشتركة، والحيوية الدائمة لمشروع دون بوسكو، والقوة والاندفاع، لأنهم في طليعة حركة واسعة ومتماسكة ترمي إلى إنقاذ الشبيبة الذين في خطر. ويعون تمامًا أنهم النقطة المركزية المحرِّكة والمنشطة للحركة الرسولية الواسعة التي تنتسب إلى دون بوسكو (أعمال المجمع السالزياني الخاص، رقم ٧٣٢).
وبالمقابل، هل يمكن القول إن جميع المعاونين (وأنتم بالتحديد) تعون تمامًا أهمية الارتباط مع السالزيان وتلتزمون بالأمانة لتوجيهات الرئيس العام الذي هو رئيسكم؟ كيف تقبلون مثلاً التوجيه الرسولي السنوي الموجّه إلى جميع أعضاء العائلة السالزيانية؟ هل تسعون بجدية إلى فهمه واستيعابه وتطبيقه؟ هل تشعرون أنكم بحاجة إلى السالزيان كما يحتاج الأخ الأصغر إلى أخيه الكبير لتكتمل العائلة ويكون عملها مثمرًا وفرحها كاملاً؟ لا نقبل بأي شكل من الأشكال الانقسامات والتنافر، لأن، على حدّ قول يسوع نفسه: “كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب، وكل مدينة أو بيت ينقسم على نفسه لا يثبت” (متى ٢٥/١٢).
لمعنى الكلمة “علمانيين”، راجع: “نور الأمم”، رقم ٣١(بكامله). ومما جاء فيه: أنهم يعيشون وسط العالم أي يقومون بجميع أعماله والواجبات المختلفة على أنواعها، في الظروف العادية للحياة العائلية والاجتماعية وكأنها تنسج حياتهم. فإلى هنا يدعوهم الله ليعملوا كالخمير على تقديس العالم من الداخل، وذلك بقيامهم بوظائفهم الخاصة بوحي الإنجيل، ولكي يظهروا المسيح للآخرين بشهادة سيرتهم قبل كل شيء ومما يشعّ منهم من إيمان ورجاء ومحبة”.
دعوتكم الخاصة إذًا، داخل الكنيسة وداخل العالم، ودمج هذا الانتماء المزدوج يتطلّب، بحسب الإرشاد الرسولي “العلمانيون المؤمنون بالمسيح” عملاً ملحًّا ومتواصلاً على ٣ محاور:
تنشئة كنسية واجتماعية ملائمة، لأنكم تعملون على جبهتين.
روحانية ملائمة تتوافق مع حاجات العصر (ومن الواضح أن روحانيتكم هي الروحانية السالزيانية).
دعم مستمر في مسيرتكم، في حضوركم في العالم وفي تقديسه من خلال حياتكم وأعمالكم.
“الطابع العلماني” لحياتكم لا يكون مجرّد وضع اجتماعي، بل له مفهوم لاهوتي بحكم المعمودية، فبانتسابكم إلى العائلة السالزيانية تعيشون معموديتكم على الطريقة السالزيانية، أي ليس فقط بالمشاركة في نشاطات السالزيان، ولو بتحمّل مسؤوليات مختلفة عندهم، ولكن بتأسيس حياتكن المسيحية والرسولية على مقوّمات الرسالة السالزيانية، أي العمل مع الشبيبة عامة، والخيار الثقافي والتربوي، والاهتمام بالشباب المحتاجين أو المعرّضين للانحراف، والحسّ مع الطبقات الشعبية وغير ذلك مما يدخل في إطار الممارسات السالزيانية. ولكن أكرّر وأقول إن الأساس هو وجود روحانية حقيقية، عميقة ومعاشة، تبقى الأساس المتين لنموكم كمسيحيين وكسالزيان، والغاية القصوى هي القداسة. فتقديس الذات هو السبيل إلى تقديس الآخرين.
يقول البابا في الإرشاد نفسه (رقم ٥٩): “لا يمكن أن يجمع وجودهم بين حياتهم متوازيتين: إحداهما المسمّاة “روحية” وهي كذلك بقيمها ومقتضياتها، والأخرى التي يقال لها “علمانية” تتمثّل في حياة الأسرى والعمل والعلاقات الاجتماعية، والالتزام السياسي، والنشاطات الثقافية. إن الغصن المطعّم والثابت في الكرمة، التي هي المسيح، يثمر في كل قطاعات النشاط والوجود، لأن جميع قطاعات الحياة العلمانية تتدرج في تدبير الله، الذي يريدها “مجالاً تاريخيا” للوحي ولتحقيق محبة يسوع المسيح، لمجد الله الآب، ولخدمة الإخوة”.
بعد الاطلاع على دور السالزيان والعلمانيين، كل واحد على حدة، وانطلاقًا من الشراكة في الهوية السالزيانية، نصل إلى المشاركة في المسؤولية، أي إلى الجانب التطبيقي، لأن تذكير المبادئ لا يكفي، ولا نريد أن يكون دور المعاونين مجرّد زينة وزخرفة لنشاط السالزيان. فأنتم، كمعاونين، يجب أن تعبّروا عن آرائكم ورغباتكم، مع ذكر الخدمة المميّزة التي تقدّمونها في حقول وبطريقة قد يتعذّر على الرهبان القيام بها، وذلك من خلال اقتراحات عملية يمكن درسها وتطبيقها. ولكن، كمنهجية عمل، يُفضّل تقييم الواقع من جميع جوانبه وفي كل قطاعاته، قبل أن يفكّر بالجديد. رسالة دون بوسكو واسعة، وآفاقها تُخرجنا من حدود البيت، والمدرسة، والمركز والرعية، ولكن التركيز على نقاط معينة وتنظيم قوانا الرسولية بصورة أفضل، خير من التشتت في ألف مبادرة ومشروع لا نستطيع أن نقوم بها جيداً.
فيما يخص العلاقات بين السالزيان والعلمانيين، تُركّز الوثيقة التي أُعِدّت من قبل المسؤولين عن جمعية المعاونين على الصعيد العالمي والتي أُرسِلت جميع المراكز المحلية للدرس والتعمّق، على بعض النقاط المهمة:
هل هناك اتصال حقيقي بين السالزيان والمعاونين؟ وعلى أي مستوى؟ وفي أي موضوع؟ وبأية وسائل؟
هل يجري الاتصال في الاتجاهين أم في اتجاه واحد فقط؟ ومن هم أصحاب المبادرة في أغلب الأحيان؟
هل أوقات أو لقاءات مكرسّة لتبادل الأخبار والخبرات؟ وما هي نوعية هذه اللقاءات؟
(مع العلم أن ٧٠% من أعضاء جمعية المعاونين هم من النساء):
ما هي وظيفة المعاونات في الجمعية ومع السالزيان؟ هل يُعلى شأنهن وكيف؟
ما هي انطباعات المعاونات بالنسبة إلى مشاركتها في الرسالة السالزيانية؟ هل يشعرن أن لديهن أبعادًا وإمكانات جديدة لا تستثمر كما يجب؟
ما اختباركم مع السالزيان؟ هل عندكم انطباع أن النشاط هو مشترك بالفعل؟
ما هي العوامل التي تسهّل أو تعرقل العمل المشترك؟
هل هناك تحضير وتنفيذ وتقييم مشترك؟
ما اهتمام السالزيان بحياتكم العلمانية (العائلية، الكنسية، الاجتماعية) خارج أوقات العمل المشترك؟
هل تشعرون أنكم مهمّون للسالزيان؟
الخاتمة:
“روح التطويبات” وحده يستطيع أن يغيّر العالم.
إن شاء الله نتعاون، نحن كرهبان وأنتم كعلمانيين، لكي ينتشر هذا الروح.
نحن جميعًا أصحاب رسالة قبل أن نكون أصحاب مشاريع، أي المشاريع والنشاطات هي في خدمة الرسالة، ورسالتنا هي رسالة يسوع المسيح الخلاصية نفسها، على خطى دون بوسكو.
المركز المحلي للمعاونين، بالرغم من حدوده ونقائصه، هو الوجه الأساسي والرسمي للجمعية، والفاعل الأول، وبالتالي يعمل المعاونون كلهم في داخله أو من خلاله أو بتفويض منه. فصورة المعاون الحر غير واردة على الإطلاق وهذا ما أكّده من جديد مؤتمر المعاونين الإيطاليين الشبان الحادي عشر (روما ٥- ٨ /١/ ١٩٩٥). فالمركز مركز للتفكير، للصلاة وللتخطيط، منه ينطلق المعاون للقيام برسالة لا تكون شخصية، بل باسم الجمعية دائمًا، وإن كانت فردية.