الخلاص ولماذا صلب المسيح؟
الخلاص في الكتاب المقدس
الخلاص في الكتاب المقدس
مواضيع في التعليم المسيحي
سالزيان الشرق الأوسط
للجميع
أوّلاً: الخلاص في العهد القديم:
يعني الخلاص في العهد القديم الانتشال من خطر ما، وحسب الخروج يكون الخلاص، كما يعني الحماية والتحرر والشفاء والفداء… وبالمعنى الإيجابي الخلاص هو: النصر، الحياة، السلام. والخلاص يتجسد في الاختبار البشري، وهذا ما يقدمه الوحي “الله يخلص البشر”، “الله هو المخلص”، ولذلك فالخلاص هو للكل بشرط الإيمان (روم1/16).
1- خلاص الله في مجرى التاريخ، وفي الأزمنة الأخيرة:
فكرة أن الله يخلص المؤمنين به مشتركة في كلّ الأديان. والعهد القديم يركز عليها فنجد كثير من الأشخاص يحملون اسم “الله يخلص” مثل: يشوع، وأشعيا، وإليشع، وهوشع… ويصبغ الاختبار التاريخي هذه الفكرة بلون خاص، لأنها مرت ككل المفاهيم الأساسية بمراحل تطور ونمو.
أ) الاختبار التاريخي:
يظل دائماً حدث “الخروج” هو الحدث الأهم الّذي اختبر فيه الشعب الخلاص من العبودية (خروج14)، و(مزمور106/8)، و(أشعيا 63/ 8-9). ولكن الله يُنقذ شعب إسرائيل من مواقف حرجة، عن طريق إرسال نبي أو قائد يقودهم للنصر، فيختبر الشعب من خلال النصر خلاص الله (مل18/ 30-35). فنجد الله يخلص بني يعقوب من خلال يوسف، وقبل ذلك يخلص نوح من الطوفان، (تكوين 7/23) راجع أيضاً: شاول، وداود النبي، وجدعون، وشمشون، وإستير… “توكلوا على الله فهو ينقذهم…” وبالتالي اختبر الشعب من خلال التاريخ “الله المخلص” الّذي لا يتركه أبداً.
ب) وعود أخر الأزمنة:
هناك ثقة من الشعب أن الله سيتدخل دائما عندما يمرون بأزمة، ولكن لأن الشعب مرّ في تاريخه بحروب كثيرة كان أقواها السبي البابلي بدأت فكرة الله الّذي سيرسل “المخلص” تظهر رويداً رويداً حتى أصبحت “رجاء كلّ الشعب”، وكأن الشعب كله أصبح في انتظار لهذا “المخلص”، راجع: ميخا 7/7، صفنيا3/15، و(أشعيا33/ 22، 45/15،21)، و(باروك 45/22).
أما التنبؤات المتعلقة بالأيام الأخيرة، فتصف خلاص إسرائيل بطرق شتى وأساليب مختلفة مثل: العودة إلى الأرض (ارميا 31/7). إرسال المسيا المنتظر (ارميا 23/ 6). صورة الرعية والراعي الواحد (حزقيال 34/ 22).
إفاضة الروح على الشعب (حزقيال 36/ 29). كما توجد رسائل عزاء تتكلم عن الخلاص (أشعيا 43/ 4، 45/ 22).
ج) ثقة المصلي في الله المخلص:
يؤمن المصلي بأن الله مخلص من ليس له رجاء (يهوديت 9/11)، وذلك لأنه إله خلاص (مزمور 51/16، 79/9).
ولذلك تقوم كلّ الصلاة على كلمة “يا رب ارحم/ يا رب خلّص” (مزمور 118). ولأن ثقة الشعب في الله ليست ثقة وهميّة بل مؤسسة على الاختبار التاريخي نجد أن بعض المزامير تتكلم عن الخلاص وكأنه شيء حدث (مزمور 96/2)، بينما تعبر مزامير أخرى عن رجاء الأمم بفرح. وخلاصة القول إن الشعب الإسرائيلي مشيّ شيئاً فشيئاً نحو رجاء العهد الجديد.
ثانياً: الخلاص في العهد القديم:
1- الخلاص عند اليهود أيام المسيح:
سيطرت فكرة المسيا المنتظر على الشعب بعد انقسام المملكة أي بعد موت سليمان، ولاسيما بعد الحروب والصراعات التي دخلها الشعب الإسرائيلي مع الأمم المجاورة، وبعد خبرة السبي المؤلمة، ولكن ظهر مع العودة من السبي ثلاث أحزاب في إسرائيل هم:
ا) الفريسيون:
وهم شيعة يهودية مكونة من 6 آلاف عضو، وقد كافحوا مع المكابين ضد الوثنين (املوك2/ 42) وكانوا يؤلفون قلب الجيش (1 ملوك 7/13)، رغم أنهم لم يتبعوا سياسته.
وهذا الحزب يضم: بعض الكهنة، والكتبة، ومعلمو الشريعة. وقد انتظموا في جماعات ليظلوا أمناء للشريعة، عن طريق ممارسة التقوى. وكان أكثرهم ناقدين للمسيح. كانوا يؤمنون بالعقاب والثواب، والملائكة والشياطين، وينتظرون المسيا ولكن بنظرة سياسية.
ميزاتهم:
عيوبهم:
ب) الغيوريون:
هم جماعات صغيرة (شلل)، هدفهم الاستقلال والحصول على الحرِّيَّة بسحق الرومان. وكانوا ينالون تأييد الكثير من الشعب، وكان يعقوب من بينهم.
ج) الصدوقيون:
اسم مشتق من رئيس الأحبار في عهد سليمان الملك (2ملوك 8/17)، و(حزقيال40/46). وهم كهنة لحراسة المذبح، وهم من بني صادوق، وهم طبقة من الأعيان، منحازة بطبيعة الحال للأثرياء، ويرون في الثراء نوع من الخلاص. كانوا مكرهين من الشعب، لأنهم عملاء للاستعمار الروماني. كما ينسب إليهم نكران الشريعة الشفهيّة، ولا يقبلون سوى كتب موسى الخمسة. ينكرون قيامة الأموات (أعمال21/8). لا انتظار لديهم لأي نوع من الخلاص من الله. ولديهم من الجنون إتباع الغيوريين.
د) الأثينيون:
هم جماعة كالرهبان حالياً، لهم قوانينهم الخاصة، ومراسيمهم الطقسيّة الخاصة. وحياتهم الرهبانيّة تتميز بالصرامة الشديدة، وكانوا يحيون على انتظار المسيا المخلص. لديهم إيمان قوي بأن لهم دور في تشكيل التاريخ العالمي، من حيث أنهم الممهدين لمجيء المسيا المنتظر (يعملون على إعداد الطريق للرب). ويقول بعض الدارسين أن يسوع تردد على هذه الجماعة في بداية حياته.
2- يسوع المسيح مخلص البشر:
يظهر يسوع كالمخلص من خلال أعماله وتعاليمه التي تختلف عن أقوال وتعاليم بقيّة الأنبياء، لا سيما لأن يسوع لم يطلب الإيمان فقط ولكن الإيمان بشخصه. ورغم أن المسيح لم يطلق لقب المسيا على ذاته (لما يحوط باللقب من لبس سياسيّ) إلاّ أنه نادى “بالغفران” وبحب الله الشامل وغير المشروط للجميع ولا سيما للخطأة. وللخلاص الّذي يقدمه المسيح وجهان الأوّل: “انتهاز الفرصة المقدمة” (لوقا13/3،5). والثاني: “الدخول من الباب الضيق” (لوقا 13/23). فالتجرد شرط أساسي للحصول على هذا الخلاص (متى 10/39)، (لوقا9/14)، (يوحنا12/25). وقد قدم المسيح ذاته كتحقيق لهذا (عبرانيين5/17)، (يوحنا12/17). وخلاصة القول إن من يحتفظ بحياته لا ينال الخلاص ولكن من ينهج نهج المسيح فيقدم حياته يخلص.
3- إنجيل الخلاص:
أدركت الكنيسة منذ البداية أنها “جماعة خلاص”، وذلك انطلاقاً من إيمانها بالمسيح القائم والممجد، بالمسيح “المخلص”. ومن ثمَّ ربطت دائماً بين الخلاص والإيمان بالمسيح. واعتبرت أن الخلاص لم يعد بعد المسيح موضوع انتظار بل موضوع إيمان، يعاش في الواقع (1بطرس1/3).، (فليبي2/9)، وهذا ما شدد عليه القديس بطرس عندما تكلم في عظته عن أن لا خلاص بدون الإيمان بالمسيح الّذي تجسد ومات وقام من بين الأموات في اليوم الثالث، حيث “ليس بغيره خلاص” (أعمال4/12)، وحيث أن الله هو الّذي رفع المسيح وجعله رئيساً ومخلصاً (أعمال5/32).
وعندما أرسل المسيح رسله ليبشروا بإنجيل الخلاص نادوا قائلين: “آمنوا باسمه فتنالون الخلاص”. ولكن يجب أن نوضح أن الخلاص لا يُمكن أن يفرض بل يقدم مجاناً وينتظر أن يقبل.
الخلاصة: على الكنيسة أن تتذكر دائماً أنها نالت الخلاص من المسيح، وأنه مهمتها ورسالتها تكمن في تقديم هذا الخلاص للآخرين، عن طريق التأكيد على أن المسيح هو المخلص، وهو الخلاص بذاته.
وخلاصة القول إن المسيح لم يكن فقط المخلص بل الكاشف الأعظم عن “سر الله”، هذا السر العظيم في المحبة والذي يظهر من خلال حب المسيح وتعاليمه وخلاصه من الخطيئة، وهنا يجب الإشارة إلى أن خلاص الله أشمل من الخطيئة، فالخطيئة حدث عرضي، أي أن الخطيئة ليست هي الدافع للخلاص بل المحبّة.
فالله الّذي خلق الإنسان خلقه لينعم بالتأله، ولكن التأله هو هبة تعطى وليس هبة تغتصب، حيث أن الإنسان غير قادر بذاته على أن يحقق ذاته أو غاية وجوده “التأله”، أي الاشتراك في حياة الله، ومن هنا ينشأ موضوع الصليب.
فإرادة الله هي إدخال الإنسان في حياته، وكأن الإنسان مخلوق متجه نحو الله، وكماله متعلق لا محالة بأمانته لهذا الاتجاه. وبالتالي:
فسبب التجسد هو “الحب” وليس “الخطيئة”.
وهنا يجدر الإشارة إلى أن الفكر الوثني يعتبر أن اتجاه الإنسان إلى الله يهدف إلى إرضاء هذا الإله، أما المسيحي يتقدم نحو الله لأن الله لمسه (صاحب المبادرة)، ولأنه أحبه ولأنه يكتشف أن الله كماله مرتبط بجوابه الحر على هذا الحب المقدم والمجاني والذي ينتظر الجواب. (أفسس5/2،25)، (غلاطية2/20)، (2كورنثوس8/9)، (يوحنا13).
والصليب لا يُفهم إلاّ إذا اقترن بالمحبة الكاملة، حيث أن الصليب ليس هدفاً في حد ذاته إنما هو وسيلة لإشراك الإنسان في حياة الله (2بطرس1/3).
والقديس بولس يؤكد أن المسيح هو آدم الجديد، وأن هدف الله من التجسد والفداء والصليب هو أن يصير الإنسان كلّ إنسان على شاكلة الابن، ومن ثمّ فالمسيح هو الوسيط الوحيد للخلاص، من حيث أنه الغاية الأخيرة لكل إنسان “الله اختارنا في المسيح قبل إنشاء العالم”، أي “التطعيم” كما يقول القديس بولس.
إذن الخطيئة لا تفسر الفداء ولكن تجعل التجسد فدائياً.
تدبير الله هو تدبير حياة: حياة لا تفرض على الإنسان بل يختارها الإنسان حرّاً (تثنيّة30/19-20)، الحياة هي الهدف من التجسد (يوحنا10/10)، والحياة هي “البنوّة الإلهيّة”، أي الاشتراك في حياة الله ذاتها، وذلك كنعمة وهبة.
تدبير الله هو تدبير محبّة: الله أراد من البشر أن يغدو أبناء له بمحبّة فيّاضة، وكان تجسد الابن هو الوسيلة التي يتم من خلالها هذا الهدف “التبني”. (أفسس1/3-1، 5/30)، و(كولوسي1/18).
وبالتالي فالإنسان ليس مفعولاً به في عمليّة الخلاص بل فاعل مشترك مع الله، يشترك في حياة الله وأبوته وسيادته، من خلال عمله في التدبير الإلهي.
بعض النظريات الخاصة بالفداء والصليب:
1- نظرية اورجينوس القرن 3:
يقول إن الشيطان كان مسيطراً بعض السيطرة على الإنسان، بسبب الخطيئة التي قام بها آدم الإنسان الأول، أي أن الإنسان أصبح تحت سيطرة الشيطان بعد الخطيئة، صار ملكاً للشيطان. ومن هنا نشأ الصراع بين الله والشر، فأراد الشيطان أن يمد سيطرته على المسيح أثناء الصليب، حيث ضعف المسيح، لكن المسيح هزمه بالحيلة.
ومن عيوب هذه النظرية:
2- نظرية التعويض لإنسلم:
النتيجة: الإنسان محدود ولا يقدر على التعويض، فيظهر المسيح الإنسان الكامل والإله الكامل ليحل المشكلة فيقدم القصاص غير المحدود لله (فيرضي عدالته) ويحيا المحبّة تجاه البشر (فيرضى محبة الله).
ومن عيوب هذه النظرية:
تأكيدات هامة حول الفداء والصليب:
ماذا حقق لنا المسيح بصلبه؟
لماذا مات المسيح؟
1- القراءة التاريخيّة:
مات المسيح لأنه تصدى بجرأة لا تعرف التخاذل للاستغلال الديني (الحُكم الديني التسلطي) المتمثل في شيوخ الكهنة واليهود. وكان أمام المسيح اختيارات منها:
وقد اختار المسيح الاختيار الثالث متحملاً كلّ نتائجه مهما كانت، وذلك انطلاقاً من أمانته للآب السماوي، ومن أمانته لرسالته “الشهادة للحق”، ومن الجدير بالذكر أن المسيح فعل هذا بدون عنف وبدون حقد أو كراهيّة.
ولقد وعيّ المسيح بأن أمانته ستقوده حتماً إلى الموت على الصليب، ومن هنا نفهم كلامه عن موته وصلبه وقيامته. وقد كانت القيامة النصرة التامة لرسالته هذه.
2- القراءة الإيمانيّة:
المسيح بموته توّج حياته، وأظهر حقيقة الله وحقيقة الإنسان، وأدخل الإنسان في علاقة محيّيّة ملؤها المحبّة مع خالقه، وهذا يتضح من:
والواقع البشري (المأسوي) يؤكد على أن الإنسان كائن محدود الوجود غير محدود الرغبات، يحيا في صراع دائم، غالباً ما يصل إلى التمرد تجاه الله، واعتباره منافساً وخصماً له، وأن حريته مرتبطة بترك هذا الإله. إلاّ كلّ هذا “التمرد” لا يلغي حنينه (الإنسان) إلى الله، فهو يكتشف، في نهاية الأمر، رغبته الملحة نحو الخالق نحو مصدره.
ويمكننا القول إن الله بالمسيح أعاد تنقيّة الفكر البشري (من فكرة أن الله منافس للإنسان)، وبالمسيح أكد أنه محبة، بالمسيح أعلن أن به يمكننا عمل أي شيء وبدونه لا نستطيع عمل شيئاً.
وكان الصليب والموت ثمناً وتأكيداً لمحبة المسيح، وكانت القيامة رداً من قبل الله، وانتصاراً للمسيح وتأكيداً على صدق رسالته.
موقف التلاميذ الإيماني:
يسوع هو كلمة الله المتجسدة، هذه حقيقة إيمانيّة، إلاّ أن هناك بعض التساؤلات الخاصة بيسوع (كإله تام وإنسان تام)، وتساؤلات عن موته (لماذا الصليب؟)، وتساؤلات عن قيامته (كيف قام؟) …
وعندما نتكلم عن موت المسيح نقصد الموت الجسدي، هذا الموت الّذي أكد به المسيح أنه إنسان كامل وبالتالي كان لموته بُعداً خلاصياً موت فدائي 1كو15/3)، وخلاصنا هو ثمرة محبّة الله لنا.
ليس القبر الخالي في حد ذاته برهاناً مباشراً فمن الممكن تفسير اختفاء جسد المسيح من القبر على نحو آخر (راجع: يوحنا20/13). ومع ذلك فإن القبر الفارغ كان للجميع علامة جوهريّة. واكتشاف التلاميذ له كان الخطوة الأولى للوقوف على واقع القيامة نفسه. تلك حال النسوة القديسات أولاً (راجع: لوقا 24/3،22-23)، ثم حال بطرس (راجع: لوقا24/12). و “التلميذ الّذي كان يسوع يحبه” (يوحنا20/2)، رأى وآمن (يوحنا20/8). وهذا يعني أنه عندما رأى خلو القبر وغياب يسوع عرف أنه قام.
خلاصات موجزة:
المسيح وهو البار مات من أجل خطايانا. وكان موته تأكيد لحقيقة التجسد (فابن الله المتجسد هو الّذي مات بالحقيقة وقام؛ ولذلك لم يرى فساداً (أعمال13/37)).
خلاصنا هو ثمرة محبّة الله لنا.
المسيح قدم نفسه بحريته واختياره، وهذه التقدمة حققها مسبقاً أثناء العشاء الأخير مع تلاميذه.
أقامه الله من بين الأموات لأنه أطاع فكانت القيامة انتصار وتأكيد لرسالة وحياه المسيح كلها. والعهد الجديد يؤكد على أنه لا موت بلا قيامة ولا معنى للقيامة بدون الموت.
الإيمان بالقيامة يتناول حدثاً يثبته تاريخياً التلاميذ الذين لقوا القائم بالحقيقة، ولكنه حدث يسمو سرّياً في كونه دخول الناسوت في مجد الله.
القبر الفارغ واللفائف المطروحة تعني في ذاتها أن جسد المسيح أفلت من قيود الموت والفساد بقدرة الله.
المسيح “البكر من بين الأموات” (كورنثوس1/18)، هو مبدأ قيامتنا الخاصة، منذ الآن بتبرير نفسنا (راجع: رومية6/4)، وفي الزمن الآتي بإحياء جسدنا (راجع: رومية8/11).
الجحيم هو مقرّ الأموات، بما أن موت وقيامة المسيح هما مصدر خلاص شامل وجامع (ليس آلياً أو مفروضاً على الكلّ)، فقد استفاد منه أيضاً من كانوا في الجحيم لا سيما من كانوا في انتظار للخلاص.
وقضيّة نزول المسيح للجحيم هي قضيّة إيمانيّة. والعهد الجديد يؤكدها ويشهد لها لسببين:
الأوّل: ليوضح انتصار المسيح الكلي على الشّرّ والموت “بموته داس الموت”.
الثاني: ليؤكد أن المسيح يملئ الكلّ، ويملك على الكلّ.
ففي موت المسيح التقى الآب كلّ البشرية بما في ذلك البشريّة البعيدة عنه. ولا يُمكن أن ننسى أن الفداء بالنسبة للمؤمنين هو انفتاح أبواب الجحيم وسيادة الرب (متى16/18)، والكنيسة هي أداة توصيل هذا الخلاص (1بطرس3/18).
وخلاصة القول إن المسيح عرف الموت كسائر البشر لكن الفرق يكمن في أنه لم ينزل الجحيم محكوماً عليه بل “مخلصاً”، ومعلناً البُشرى للنفوس المحتجزة فيه. وبالتالي فالنزول إلى الجحيم هو ملء خطة الله الخلاصيّة، حيث تغلّب المسيح على الموت والشرير وأعلن الخلاص.
قيامة المسيح هي حجر الزاويّة لكل الإيمان المسيحي، لأنه بدون قيامة لا إيمان ولا كنيسة ولا مسيح. وقيامة المسيح هي “حدث فريد” تماماً يختلف كلّ الاختلاف عن إقامة لعازر من الأموات أو ابن أرملة نايين…
1- قيامة المسيح والتاريخ:
هل قيامة المسيح حدث تاريخي؟ سؤال يطرح نفسه دائماً والإجابة عليه لا تتم إلاّ من خلال نعم، لا
“لا”:
“نعم”:
إيمان الرسل مر بثلاث مراحل:
وخلاصة القول إن المسيح حسب شهادات التلاميذ قام قيامة حقيقية، قام بجسده الّذي كان لديه قبل القيامة إلاّ أن هذا الجسد له صفات مختلفة (جسد نوراني)، وأكدوا أن ما شاهدوه لم يكن شبحاً أو وهماً بل هو الرب، وقدوا حياتهم لهذه الشهادة فواجهوا الموت والسيف ولم يتنازلوا عنها مطلقاً.
2- معنى وتأثير قيامة المسيح:
القيامة إثبات لكل ما عمل المسيح وعلّم به. إثبات لجميع حقائق الإيمان حتى الأكثر صعوبة منها على الإدراك البشري. وبالتالي فهي البرهان النهائي على حقيقة المسيح “كالمخلص”. وهي أيضاً إتمام لكل مواعيد العهد القديم (يوحنا8/8). وهي لذلك مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالميلاد، لأن في الميلاد (التجسد) دخل الله حياة البشر، وفي القيامة دخل البشر حياة الله (التبرير)، أي عادوا إلى النعمة التي فقدت بالخطيئة، أي أصبحوا أبناء الله بالتبني في المسيح الابن الحقيقي.
ومن هنا التأكيد على أن قيامة المسيح هي مبدأ وينبوع قيامتنا الآتية “فهو بكر الراقدين” (2كرونثوس15). فالمؤمنين بالمسيح القائم يختبرون القيامة الآن وهنا، حيث المسيح القائم يحيا في قلوبهم، وبه يتذوقون القيامة أي “حياة الله”.
الصعود:
الصعود هو استمرار لسرّ المسيح الممجد بالقيامة، ومن هنا يأتي الارتباط الوثيق بين الصعود والقيامة (راجع: أعمال 2/23-36). القديس لوقا يتحدث عن أن المسيح صعد إلى السماوات بعد أربعين يوماً (40يوم) في أخر إنجيله وأول إصحاح من سفر أعمال الرسل، “رفع يديه وباركهم، وارتفع عنهم إلى السماء” (لوقا24/50-53).، “يسوع بقيّ يتراءى لتلاميذه مدة أربعين يوماً، ويكلمهم عن شؤون ملكوت الله (أعمال1/3-10).
وعدد أربعين هو عدد رمزي يشير إلى مدة طويلة تمهّد لحدث عظيم، وهو يذكرنا بالمدة التي قضاها اليهود في البريّة قبل أن يدخلوا أرض الموعد. أي أن شعب الله الجديد أختبر الرب القائم أربعين يوماً قبل أن يحلّ عليه روح الرب. ومن هنا نفهم أن المسيح القائم كان يعلّم تلاميذه، أي يعدّهم كما أعدّ الرب الشعب القديم ويهيئهم لعطية الروح، وبالتالي لحمل الرسالة؛ لأنه حيث عطيّة الروح فهناك رسالة وحيث هناك رسالة فهناك عطيّة الروح.
والقديس مرقس يذكر “السحابة” (مرقس9/7)، وكلمة سحابة هي كلمة ذات خلفيّة كتابيّة لأنها تعني “حضور الرب”، لأن الله لا يرى بأعين الجسد فيرمز له بالسحاب. ودخول المسيح في المسيح في السحاب يعني دخوله في مجد الآب.
إذن السحابة تعني: الله لا يرى لكنه موجود.
معنى صعود المسيح:
الدخول النهائي لناسوت المسيح إلى مقرّ الله السماوي من حيث سيعود (راجع: أعمال1/11)، المقرّ الّذي يُخفيه في هذا الوقت عن عيون البشر (راجع: كولوسي3/3).
أن يسوع رأس الكنيسة يسبقنا إلى ملكوت الآب المجيد حتى نحيا نحن، أعضاء جسده، في رجاء أن نكون يوماً معه إلى الأبد.
أن يسوع المسيح الّذي دخل مرة واحدة مقدس السماء يشفع فينا أبداً، على أنه الوسيط الّذي يضمن لنا أبداً فيض الروح القدس.
أن المسيح يجلس منذ الآن فصاعداً إلى يمين الآب، يشفع فينا.
السماء: