الخطايا السبع الرئيسية
“SALIGIA”
“SALIGIA”
مواضيع في التعليم المسيحي
سالزييان الشرق الأوسط
للجميع
قاوّموا خطيئتكم الرئيسيّة… وستربحون المعركة!
كلمة “SALIGIA” هي الحروف الاولى في اللاتينية للخطايا السبع المميتة:
(Superbia) الكبرياء، (Avaritia) البخل، (Luxuria) الشراهة، (Ira) الغضب، (Gula) الشهوة، (Invidia) الحسد، (Acedia) الكسل.
الخطيئة، هل هي رئيسيّة؟
خطايا عرضيّة، خطايا مميتة، خطايا رئيسيّة… لم نعد نسمع بها أبداً، حتى في التعليم المسيحي! ومع ذلك فكثيراً ما تتصدّر عناوين الجرائد.
سنتناول في هذا الكتاب الخطايا الرئيسيّة السبعة واحدة تلو الأخرى، هذه الرذائل الكبيرة التي تهدّد قلب الإنسان وقلب العالم. قاوّموا خطيئتكم الرئيسيّة… وستربحون المعركة!
إن أكبر مَكرٍ للشيطان هو أن يجعل الإنسان يصدّق أنه غير موجود، أو أنه موجود حيث هو عملياً غير موجود. فهو يحبّ خلط الأوراق وإحداث الفوضى في قوانين اللعب. ويعرف كيفّ يبدّل وجه الخطيئة، ويلبسها ثوب القداسة، مخفياً جذورها. “الرذيلة” عكس “الفضيلة”، “دوما” مقابل “بعض الأحيان”. وهذا ما يظهر من خبرة الاعتراف: نقرّ دائماً بنفس الخطاياِ، ونجد صعوبة في الدخول في أعماقنا لنفصل بين الحَبْ الجيّد والزؤان. أليس هذا أمرُ مخيّبٌ للأمل في كثير من الأحيان؟
ثمّ، ألم تعقّد الكنيسة كلّ شيء؟ خطايا عرضيّة، خطايا مميتة، سبع خطايا رئيسيّة… نخلط كلَّ ذلك بمخالفات المرور وفي الوقوف في أماكن ممنوعة وفي تخطّي السرعة المسموحة، والاتجاهات الممنوعة.
كيف نستطيع أن نعرف أين نحن في كلّ هذا؟
الخطايا التي تُرى… هناك أخطاء واضحة. وهي نوعاً ما تلك التي تخالف الوصايا العشرة. فمن الصعب ألاّ نرى أننا جدّفنا أو سرقنا أو خدعنا قريبنا إلخ… تشبه هذه الخطايا “شعر البنات”، يُرى بسهولة، ومغرٍ قبل أكله، ومخيّبٌ للأمل في النهاية، لا سيما عندما ننتهي من أكله ملطّخين بالسكّر، ونريد شيئاً واحداً فقط: الاغتسال.
ويساعد التساهل المستمرّ وتعقيداتنا الداخليّة على كل ذلك، خصوصاً عندما يصيبنا العمى الروحي عند الوقوع في بعض الخطايا، ومنها: الصعود إلى القطار دون دفع التذكرة بحجة الانتقام من “الإضرابات” يُعتبر سرقة. احتلام بعض المغامرات الجنسيّة، فقط على سبيل التسلية، هي خطيئة زنى إلخ…
ثمّ الخطايا التي لا تُرى… يمكن لخطيئة أن تخفي وراءها خطيئةً أخرى. هناك الكثير من الخطايا التي لا نراها. “أنه تملّق نفسه، حتّى لا يجد إثمه ممقوتاً في عينيه” (مز 35: 3). في كتاب (المرأة الفقيرة)، يقول الكاتب ليون بلوي: “إن تعاستنا من العمق بحيث أننا لم نعد نعرف أننا أصبحا أصناماً”.
لماذا سبع خطايا رئيسيّة؟
عالج القديس توما الأكويني، في القرن الثالث عشر، الخطايا الرئيسيّة على النحو التالي: إما رغبةً في الخير، أو هروباً من خير يرونه شرّاً.
تختلف الخطايا حسب درجة خطورتها، فمع الإنجيلي يوحنّا (1 يو 5: 16-17)، نستطيع أن نميّز الخطيئة المميتة التي تقود إلى الموت (فقدان النعمة، فقدان حياة الله)، من الخطيئة العرضيّة التي لا تقود إلى ذلك.
لنأخذ مثالاً على ذلك: تريد الذهاب إلى أحد أصدقائك: يمكنك أن تصل متأخراً، أن تتسكّع في الطرق، ثم تصل. ولكنّك تستطيع أن تقرّر تغيير الطريق، والذهاب في اتجاه آخر – وهذا أصعب بالنسبة لضيوفك.
في الحالة الأولى، لا تصيب الخطيئة إلاّ الأسلوب: فهي هنا عرضيّة، لكن في الحالة الثانية، فإنها تفقدك الهدف نفسه، لذا فهي مميتة.
في أصل كلّ خطيئة، هنالك عبادة أصنام نوعاً ما: فنحن نختار أن نعبد ما هو ليس بإله. ونغضّ النظر عن هذه الأصنام لثلاثة أسباب رئيسيّة:
هناك رذائل رئيسيّة: لم ننتظر علمَ النفس لنعرف أن بعض عادات النفس هي اعتيادية ومبرّرة ومتأصّلة في نفسّيتنا. لذلك يصعُب التعرّف عليها.
كان آباء الصحراء، يستقبلون، في القرن الرابع، أشخاصاً كثيرين في أديرتهم. وقد اكتسبوا من سماعهم لهؤلاء الأشخاص معرفة عميقة للطبيعة الإنسانيّة ولاحظوا أن الخطايا العادية قليلة جدّاً. ومن فضل أحدهم، وهو إيفاجر لو بونتيك Evagre le Pontique، لدينا لائحة من ثمانية “أفكار” شريرة، والتي أخَذت فيما بعد اسماً جديداً مع هيوغ دو سان فيكتور Hugue de Saint-Victor، هو “الرذائل الرئيسيّة”.
خطيئة رئيسيّة لا تعني خطيئة مميتة: يجب ألاّ نخلط الأمور، كما يحدث عادة، بين الخطيئة المميتة والخطيئة الرئيسيّة. “رئيسيّة” لا تحمل هذا المعنى الخطير. فالشراهة هي من الخطايا الرئيسيّة، ولكنها عرضيّة بطبيعتها. “رئيسيّة” تأتي من كلمة “رأس”. فالخطيئة الرئيسيّة هي التي تأتي في الأول، وهي مصدر خطايا أخرى. هي الخطايا التي نقترفها من أجل ذاتها هي. الغنيّ يجمع
المال من أجل جمع المال. ألا نقول إن الكذب هو أب الرذائل؟ بينما نحن لا نكذب من أجل الكذب، بل لنحمي أنفسنا أو لنجعل لأنفسنا قيمة. هناك خطايا هي “أبناء”، بينما الخطيئة الرئيسيّة هي الخطيئة “الأم”، وهي مصدر الخطايا “الأبناء”.
الخطيئة: هي الخطأ في اختيار السعادة. ماذا تعني الخطيئة؟ في اللغات الساميّة تعني كلمة “أخطأ”: “فقد الهدف، وفشل في التصويب”. أي هدف؟ السعادة. الخطيئة هي فشل في اختيار السعادة. الخطيئة لا تشبه مخالفة قوانين سير إلهيّة، بل هي عودة إلى الخلف، زوغ عن الطريق. الإنسان الذي يكذب، يقرأ لوحة “الكذب” ولكنه يترجمها “سعادة”. تشير عقيدة الخطايا الرئيسيّة إلى الطرق السبع التي يستطيع الإنسان أن يزوغ فيها عن سعادته الحقيقيّة.
الخطايا الرئيسيّة خطايا مسكّرة للإنسان. فهي تقدّم له أفخر القيم المغريّة، تلك التي تقترب من السعادة الحقيقيّة: الشركة مع الله. وهي تغشّ الإنسان كونها تشبه الهدف الصحيح. الخطايا الرئيسيّة عبارة عن مرآة خادعة، مغشوشة، مخفيّة. قيم مزيّفة، مخدّرات مُهَلوِسَة. إنها الأصنام السبعة للنفس – بما أن هدف الصنم الأوّل هو تقليد الله.
الخطيئة حسب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة:
حسب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة (رقم 1849،1850)، “الخطيئة إساءة إلى العقل والحقيقة، والضمير المستقيم، وهي إجحاف بالمحبة الحقيقية لله والقريب، بسبب تعلّق أثيم ببعض الخيور. إنّها تجرح طبيعة الإنسان وتؤذي التضامن البشري. وقد عرّفها القديس أوغسطينوس: “أنها كلمة، أو فعل، أو شهوة تخالف الشريعة الإلهيّة”. ويتبع هذا التعريف تعريف آخر يكمّل الأول: “الخطيئة إهانة لله: “إليك وحدك خطئتُ، والشرّ أمام عينيك صنعتُ”(مز 51: 6). وهي تقف في وجه محبّة الله لنا، وتُبعد قلوبنا عنها”.
الخطيئة هي أن تجعل من الخير الفاني صنماً: “رذائل الإنسان، مع ما فيها من بشاعة، هي البرهان على توق الإنسان إلى ما هو لامتناهي؛ الفرق هو أن هنا التّوق يُخطئ الطريق”، هذا ما كتبه الشاعر شارل بودولير، المراقب الكبير للإنسان المجروح، في قصيدة “الحشيش” أي الجنّة المصطنعة. ثمّ أضاف: “أظنّ أن سبب مخالفات الإنسان المذنبة هو في انحراف الحسّ اللامتناهي عنده”.
الشرف، الملذّات، الغنى… كلّها قِيَم معزيّة، لكنها أرضيّة. وبفضل حريته التي قد تجلب له التعاسة، يستطيع الإنسان أن يستثمر حياته، وأن يضع سعادته في الخيرات الفانية. الخطيئة هي أن نحبّ هذه الخيرات الفانية حبّاً لا متناهياً، أن نجعل منها غاية وصنماً يُعبد: الكبرياء يعمل من نفسه تمثالاً؛ والفجور يحوّل المتعة الجنسية إلى صنم.
هاجم الرأس: عندما نحارب خطيئة رئيسيّة، نحارب الرأس، أي الخطيئة التي تُوقف الحياة الروحيّة. الخطيئة كمن يحلّ خيط النسيج: المهمّ هو أن تسحب الخيط المناسب، والباقي يتبع.
صرّح أحد آباء الصحراء بعد محاربته خطيئة الغضب سنوات عديدة، قال: “في يوم من الأيام، تخلّصت من هذه الرذيلة، وفجأة اكتشف أن كثيراً من الخطايا الأخرى قد تراجعت أيضاً”. يستعمل يوحنا ساسيان، أحد آباء الكنيسة، صورة المبارز الذي يدخل الحلبة ليصارع الحيوانات المتوحّشة، فيقول: “بعد أن يرى أكثر الوحوش ضراوة ووحشّية، يهاجمها أولا، وعندما يقتلها، يتسنّى له القضاء على غيرها الأقل خطورة ووحشيّة بسهولة أكبر.”
لا يمكن القيام بأي شيء كبير دون محبة كبيرة، هذا ما يقوله الفيلسوف الألماني هيجل. الخطايا الرئيسيّة هي الرغبات القوية التي تقود العالم إلى الدمار. وبما أنها أصبحت خطايا عادية، تصعُب رؤيتُها في الحياة اليوميّة. والصراع ضدّ الخطايا الرئيسيّة يستمرّ! النعمة، ونعمة النعم هي الغفران، هي أن نعلم ماذا غفر الله لنا.
الخطيئة هي باب الدخول إلى النعمة:
“(…) “الناس الشرفاء” لا نقص فيهم بسبب خوذتهم الواقية. فهم ليسوا مجروحين. لا يعانون من جرح دامٍ يؤلمهم بشكل مستمر، لا يشعرون بضرورة الندامة ولا بحزن بسبب الشر المُعشّش في داخلهم، ولا بقلق مميت. لا فراغ فيهم يفتحهم على النعمة، لا خطيئة تستغيث طالبة المغفرة من أبي المراحم. فهم ليسوا خطأة، ولا يعتبرون أنهم معرّضون أساساً إلى الخطيئة. وبما أنه لا ينقصهم شيء، لا يمكن أن نعطيهم شيئاً. فمحبّة الله لا تضمّد الإنسان غير المجروح. مال السامري إلى الإنسان المجروح لأن هذا الإنسان كان منطرحاً على الأرض. فقط لأن وجه المسيح كان ملطّخاً بالتراب، مسحته فيرونيكا بمنديل. فمن لم يسقط لا يمكن أن يسنده أحد؛ ومن لم يكن وسخاً لا يمسح وجهه أحد”.
تختفي الخطايا أحياناً داخل الجروح:
غالباً ما يصعب تمييز الخطيئة، لأنها تختلط بالجرح النفسي. كيف يمكن التفريق بينهما؟
جورج رجل يبلغ من العمر أربعين عاماً، وهو ناجح في حياته، يمضي وقته في إظهار قيمة نفسه في المجتمع. ما أن يقابل رجلاً آخر حتى يعرف هذا الرجل بعد دقيقتين أنه نظّم مباراتين خلال هذه السنة، وقابل في الأسبوع الأخير وزير المواصلات، وأنه على وشك إنهاء كتابه الرابع. حتى أن أحد أقربائه قام بتعديل مزمور ديني، ووضعه على فمه، قائلاً: “عظيمة عجيبة أعمالي، يا ربّ، يا ربّ إنّي أملاؤك فرحاً”. هل هذا مضحك؟ ليس حتماً. فقد قال له شخص ما، بطريقة مؤدّبة، أنه يستأثر بالكلام على المائدة. كان جواب جورج لطيفاً ومتكبّراً: “يا صديقي، كثيراً ما صمتُّ، فلم يتكلّم أحد. فإن لم أتكلّم أنا، يصبح الجوّ مملاّ ومميتاً”.
هذا العجز في رؤية ما هو غريب في أن يضع الإنسان نفسه دوماً في المقدمة، يكشف بصورة أكيدة مشكلةً نفسيّةً. بدأ كلّ ذلك حين كان لجورج من العمر خمس سنوات. فقد عادت أمه من المستشفى مصطحبة معها أخاً جديداً لجورج. وحالاً، لم يعد جورج، الأخ البكر، مركز اهتمام الوالدين. منذ ذلك اليوم، أخذ عهداً على نفسه بأن يعمل المستحيل ليعيد لنفسه المكانة الأولى ليكسب عطف والديه.
لكن الدفاع النفسي لا يفسّر كلّ شيء. فعلى هذا أضيفت خطيئة كبرياء. ففي البداية، لم يكن جورج سوى ولدٍ صغيرٍ يبحث عن الحنان، ويحاول، دون وعي، أن يجذب انتباه الآخرين بكلّ الوسائل. لكن، فيما بعد، اختار هو، بوعي وحريّة كاملة، أن يُبعد كلّ من يراه أمامه، وأن يدمّر أي خصم ممكن أن يقف في طريقه.
هذه العلاقة المترابطة بين الجرح والخطيئة، هي سبب الصعوبة في تمييز حدود الخطيئة. تحتاج نفسيّة جورج، في الواقع، إلى اعتراف الآخرين بوجوده: لأنه إن لم يكن في مركز الاهتمام، يصبح كمن لا وجود له. وإن طُلب منه الصمت وممارسة فضيلة التواضع، فهذا يعني إنكار وجوده. عندئذ يشعر بقلق كبير في داخله. ولكن أن نعذره ونبقيه كما هو، ألا يعني ذلك حرمانه من المسؤوليّة؟ لا سيما وأننا بذلك نحكم عليه بعدم التطوّر؟
نقدم فيما يلي شرح مفصّل عن كلّ خطئية: