الحرية الدينية، درب للسلام
رسالة بمناسبة يوم السلام العالمي لعام ٢٠١١
رسالة بمناسبة يوم السلام العالمي لعام ٢٠١١
وثائق كنسيّة
البابا بنديكتوس السادس عشر
إلى الكنيسة جمعاء
رسالة البابا بنديكتوس السادس عشر لمناسبة الاحتفال بيوم السلام العالمي في الأول من يناير 2011
1.مع مطلع سنة جديدة أرغب بتوجيه أمنياتي إلى الجميع أفرادا وجماعات. إنها أمنيات بالصفاء والازدهار وقبل كل شيء بالسلام. تميزت وللأسف السنة التي أوشكت أن تنتهي بالاضطهاد والتمييز وأعمال عنف فظيعة وعدم التسامح الديني.
يتجه فكري بشكل خاص إلى الأرض العراقية العزيزة التي ما زالت، في مسيرتها نحو الاستقرار والمصالحة، مسرحا لأعمال عنف واعتداءات. تعود إلى الذاكرة آلام الجماعة المسيحية وبالأخص الهجوم الذي استهدف كنيسة “سيدة النجاة” للسريان الكاثوليك في بغداد في 31 من أكتوبر تشرين الأول والذي أسفر عن مقتل كاهنين وأكثر من خمسين مؤمنا في كانوا مجتمعين للاحتفال بالقداس الإلهي. وفي الأيام اللاحقة تلت هذه الحادثة هجمات أخرى استهدفت أيضا منازل ما أثار مخاوف المسيحيين والرغبة، لدى كثيرين منهم، في الهجرة بحثا عن أوضاع حياتية أفضل. أعبّر عن قربي من هؤلاء والكنيسة كلها، وهو شعور وجد تعبيرا له خلال الجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط. من هذا الحدث انطلق تشجيع للجماعات الكاثوليكية في العراق والشرق الأوسط كله لعيش الشركة ومواصلة أداء شهادة إيمان في هذه الأراضي.
أشكر بحرارة الحكومات الساعية للتخفيف من آلام أولئك الأخوة وأدعو الكاثوليك للصلاة من أجل أخوتهم في الإيمان الذين يعانون من العنف وعدم التسامح والتضامن معهم. في هذا الإطار أريد أن أقاسمكم بعض التأملات حول الحرية الدينية، درب للسلام. في الواقع، نلاحظ بألم كبير، أنه من الصعب ممارسة الدين والتعبير عنه بحرية في بعض المناطق في العالم إلا وتتعرض الحياة والحرية الشخصية للخطر. وفي مناطق أخرى هناك أشكال خفية لأحكام مسبقة ولمعارضة المؤمنين والرموز الدينية. المسيحيون يتألمون اليوم أكثر من غيرهم من جراء الاضطهاد بدافع إيمانهم إذ يتعرض كثيرون يوميا إلى الإهانات ويعيشون وسط مخاوف بسبب بحثهم عن الحقيقة وإيمانهم بيسوع المسيح ونداءاتهم للإقرار بالحرية الدينية. لا يمكننا القبول بهذه الأوضاع لأنها تهين الله والكرامة البشرية لا بل إنها تهديد للأمن والسلام يحول دون تحقيق نمو إنساني أصلي ومتكامل!
خصوصية الشخص البشري تجد تعبيرها في الحرية الدينية التي تضع الحياة الشخصية والاجتماعية في يد الله حيث ندرك بشكل كامل هوية الشخص ومعناه وغايته. إن رفض أو تضييق هذه الحرية بشكل اعتباطي يعني خلق رؤى تنقيصية للشخص البشري. إن تشويه دور الدين على الصعيد العام يعني خلق مجتمع غير عادل لا يتناسب مع طبيعة الشخص البشري الحقيقية ما يعني بالتالي استحالة التأكيد على سلام أصلي ومستديم للأسرة البشرية.
أحث الرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة على تجديد الالتزام ببناء عالم يكون فيه الجميع أحرارا في ممارسة دينهم وإيمانهم وعيش محبتهم لله بكل قلبهم وكل نفسهم وكل ذهنهم (متى 22، 37). هذه هي المشاعر التي توحي وتنير الرسالة لمناسبة يوم السلام العالمي الرابع والأربعين وموضوعها: الحرية الدينية، درب للسلام.
الحق المقدس في الحياة وفي حياة روحية
2.الحق في الحرية الدينية يجد جذوره في كرامة الشخص البشري 2 ذي طبيعة متسامية لا يمكن تجاهلها. خلق الله الرجل والمرأة على صورته ومثاله (تكوين 1، 27). وبهذا فإن كل شخص صاحب حق مقدس في حياة كاملة من وجهة النظر الروحية. بدون الإقرار بكياننا الروحي وبدون الانفتاح على المتسامي، ينطوي الإنسان على نفسه ويمسي عاجزا عن إيجاد أجوبة على تساؤلات قلبه حول معنى الحياة وعن اكتساب قيم ومبادئ أخلاقية ثابتة إلى حد عدم القدرة على اختبار حرية أصيلة وإنماء مجتمع عادل.3
إن الكتاب المقدس، بتجانس مع خبرتنا نفسها، يؤكد القيمة العميقة للكرامة البشرية: إذ أرى سماواتك عمل أصابعك، القمر والنجوم التي كونتها فمن هو الإنسان حتى تذكره؟ وابن آدم حتى تفتقده وتنقصه قليلا عن الملائكة، وبمجد وبهاء تكلله تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه” (المزمور 8، 4 – 7).
أمام روعة حقيقة الطبيعة البشرية بإمكاننا أن نختبر نفس الاندهاش الذي أظهره صاحب المزامير. إذ إنها تبدو كانفتاح على الأسرار وقدرة على التساؤل حول أصول الكون كتجاوب حميم لمحبة الله، بداية ونهاية كل الأشياء والأشخاص والشعوب.4 كرامة الشخص المتسامية قيمة جوهرية للحكمة اليهودية ـ المسيحية وبفضل العقل بإمكان الجميع الإقرار بها. إن هذه الكرامة، بمفهومها الذي يتخطى النواحي المادية بحثا عن الحقيقة، تشكل خيرا كونيا لا بد منه لبناء مجتمع يتمطى نحو تحقيق كمال الإنسان. إن احترام العوامل الجوهرية لكرامة الإنسان شأن الحق في الحياة والحق في الحرية الدينية شرط لتشريع القواعد الاجتماعية والقانونية من الناحية الأدبية.
تابع القراءة بتحميل الملف