التوجيه الرسولي ١٩٩٧
قبول يسوع
قبول يسوع
التوجيه الرسولي السالسي
الرئيس العام الأب خوان إدموندو فيكّي نقلها للعربية الأب فيتوريو بوتسو السالسي
للعائلة السالسية
نجعل يسوع، البكر لإخوة كثيرين، نصب عيوننا، ونساعد الشبيبة على قبوله بالإيمان (عب 12/2)
يندرج التوجيه الرسولي للعام الجديد في إطار مسيرة الكنيسة نحو الألف الثالث، وبالتحديد نحو اليوبيل الكبير الذي ستحتفل في العام 2000، والذي دعا قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى تحضيره بثلاثية تستمرّ ثلاث سنوات، ابتداء من مطلع العام 1997. لذلك، قبل الدخول إلى صلب موضوع التوجيه، أريد أن أعرض عليكم بعض المعلومات عن اليوبيل، لكي نعرف ما هو وما هي أهدافه وكيفية تحضيره.
1- ما هو اليوبيل؟
اليوبيل، هو عيد، الاحتفال بميلاد فرد أو جماعة، بنيل سرّ أو تأسيس مدينة ما. ففي هذه المناسبات تعلن الكنيسة “سنة الرب المقبولة” وتعمل على أن يتمتّع المؤمنون بالمزيد من الانتفاع بهذه النعمة. اليوبيل إذًا تقليد كنسي يتأصّل في العهد القديم. كان اليهود يحتفلون كل خمسين سنة بسنة مميزة يسمّونها سنة اليوبيل ويعتبرونها سنة خير وبركة من عند الربّ، سنة رجوع الإنسان إلى الربّ بالتكفير عن خطاياه، سنة رحمة يرأف الإنسان فيها بأخيه الإنسان فيُعفيه من ديونه ويترك له حرّيته.
يقول يسوع في إنجيل لوقا إن رسالته على هذه الأرض هي “إعلان سنة مرضية لدى الرب” (لو4/19) ويختم كلامه في تلك المناسبة، أي بعد تلاوة نصّ لأشعيا النبي في مجمع الناصرة، قائلاً: “اليوم تمّت هذه الآية التي تُلِيَتْ على مسامعكم ” (لو4/21) . وكأن يسوع ينسب إلى شخصه ما تنبّأ به أشعيا، أي أنه جاء يعلن يوبيلاً مقدسًا هدفه الخلاص الحقيقي، ليس فقط لبني إسرائيل بل لكل إنسان على وجه الأرض.
السنة المقدّسة التي يتكلّم عنها يسوع ليست سوى الحياة الجديدة التي منحنا إياها، تلك الحياة التي تؤدّي إلى الاتحاد به والثبات معه إلى الأبد.
اليوبيل اليوم، أي السنة المقدّسة، هو سنة مميّزة في الكنيسة، فيوبيل العام 2000 هو ذكرى الألف الثاني بعل ميلاد يسوع المسيح، فأراد قداسة البابا أن يحتفل جميع المسيحيين بهذه الذكرى وأن يحضّروها خلال ثلاث سنوات، تكّرس كل واحدة منها لأقنوم من أقانيم الثالوث المقدس: المسيح (1997)، الروح القدس (1998)، الآب (1999). أمّا السنة 2000 فتكون مخصّصة للاحتفالات الكبيرة لتمجيد الثالوث الأقدس في روما وأورشليم والأرض المقدّسة.
طرح قداسة البابا أفكاره ووضع برنامج يوبيل الألفين في الرسالة “إطلالة الألف الثالث”، التي صدرت في 10-11-1994. فالكنيسة على جميع الأصعدة وفي كل أنحاء العالم، تتبع مسيرة تحضيريّة موّحدة في خطوطها الرئيسية ومتنوّعة في المبادرات التطبيقية والعملية.
العائلة السالزيانية، كعنصر حي وفعّال في الكنيسة، تريد أن تشارك فكرة قداسة البابا وأن تتّخذ مبادرات من شأنها أن تُسهم في تحضير اليوبيل الكبير. فالمبادرة الأولى اتّخذها الرئيس العام الجديد، الأب خوان فكّي، بناء على توصية مجمع السالزيان العامّ الذي منه أن ينسّق موضوع التوجيه الرسولي السنوي للعائلة السالزيانية خلال السنوات المقبلة مع مسيرة الكنيسة نحو اليوبيل 2000، حتى تتناغم اهتماماتنا السالزيانية التربوية والرسولية مع اهتمامات الكنيسة الجامعة والكنائس المحليّة. هذا يفسّر موضوع التوجيه الرسولي لهذا العام 1997.
2 – خطوط التوجيه الرئيسية
يتضمن التوجيه أربع عناصر مميّزة تتوافق مع اهتمامات رسالة البابا في اليوبيل ومع برنامج هذه السنة:
3- يسوع نصب عيوننا
يدعونا التوجيه، مستشهدًا بالرسالة إلى العبرانيين (عب12/2)، إلى أن نجعل يسوع نصب عيوننا. لأنّه هو القدوة والمثال. فالمثال يؤيّد ويشجّع دائمًا. كاتب الرسالة إلى العبرانيين يشبّه مسيرة الإيمان بمسابقة في الميدان. المطلوب من المشاركين في السباق أن يخفّفوا من ثيابهم ويُلقوا عنهم كلّ عبء ليكونوا أخفّ وأسرع، ويُطلَب منهم كذلك التركيز وعدم التفات النظر إلى اليمين وإلى الشمال أثناء السباق، بل يجعلوا الوصول نصب عيونهم، أملاً منهم بالفوز. الحياة المسيحية هي بمثابة سباق، غايته يسوع المسيح. هو “رأس إيماننا ومتمّمه”. هو شاهد لا مثيل له هو الذي يؤيّد ثقتنا وشجاعتنا، لأنه هو الرائد والفائز، فعن طريق الصليب فاز بالقيامة وبالجلوس عن يمين عرش الله. المسيحيون يجعلون يسوع نصب عيونهم، لا ينسحبون من السباق، لأن المهمّ في النضال المسيحي هو الموقف الروحي، أي الموقف من يسوع فهذا الموقف الأساسي هو الذي يحدّد نوعية الممارسة المسيحية.
ولكن، قبل أن نفكّر بالممارسة المسيحية أو بالقيام بأي نشاط رسولي، يجب أن نتساءل: “من هو يسوع؟”. هذا السؤال بالذات طرحه يسوع يومًا على تلاميذه:” من أنا في قولكم أنتم؟”(مر8/29). فالإجابة الواضحة عن هذا السؤال فقط تمكّننا من السير في الاتجاه الصحيح، وكأن هذا الجواب محور الحياة المسيحية كلّها.
4- المسيحية قائمة في يسوع المسيح
المسيحية، في حدّ ذاتها، ليست نظرية حول الواقع، ولا مجموعة وصايا، ولا طقوس ليتروجية، ولا اندفاع إنساني إلى التضامن والتآخي. ونستطيع أن نقول أيضًا أن المسيحية ليست مجرّد ديانة. المسيحية حدث، وحدث يتلخّص في شخص. لذلك، لما نسمع أن جميع الديانات، وخاصةً الديانات السماوية، متساوية لأنها تحتوي على عناصر مشتركة وجيّدة، لا نستطيع أن نوافق تلقائيًّا. قد يكون هذا صحيحًا إلى حدّ ما، ولكن المسيحية تتسامى عن جميع الديانات، لأنها لا تعبّر عن محاولة بشرية لبلوغ الله، وإنما عن تنازل إلهي، صار ملموسًا في شخص هو يسوع المسيح.
نحن، كمسبحين حقيقيين، نراهن على يسوع، نراهن بحياتنا على هذا الشخص، مع أننا نعلم أننا نحيا مرّة واحدة. وهذا ما لا يحدث في الديانات الأخرى. اليهودي يخضع لله بقبوله الشريعة، والمسلم يستسلم ويتوكّل على الله المتسامي، أمّا المسيحي فهو عالم أنّه يتّكل على شخص هو حياته كما قال بوضوح بولس: “حياتي عندي هي المسيح” (فيل1/21)، “ما أنا أحيا، بل المسيح يحيا فيّ”(غل2/02).
5- هوية يسوع المسيح
نسمع الكثير عن يسوع، ولكن لا ننسى أن المصدر الوحيد لنتعرّف إلى شخصه وهويته الحقيقية هو الإنجيل. ما يقال عنه ولا يرد في الإنجيل، مشكوك فيه. ما يهمنّا هو أن نتعلّق بشخص يسوع الحقيقي أي يسوع التاريخ والإيمان معًا.
فعبر أحداث حياته التاريخية ندرك، بقوّة الروح القدس، شخصه، أي نؤمن بان هذا الإنسان الذي ولد في بيت لحم وعاش في الناصرة وتألم ومات في أورشليم هو ابن الله المتجسّد، هو مخلّص العالم. لا يحدّد الإنجيل شكله الخارجي، كلون شعره وعينيه، مع أنه يلمّح إلى جماله بخبر عن تلك المرأة التي رفعت صوتها فقالت: “طوبى للبطن الذي حملك وللثديين الذي رضعتها” فقال يسوع، وكأنه يريد صرف أنظار الناس من ملامحه وهويته البشرية: “بل طوبى لمن يسمع كلمة الله ويحفظها”(لو11/27-28).
مهما كان لون عينيه، فإن نظرته كانت معبّرة ونافذة، والتقاء نظرة الناس بنظرته كان له دائمًا مفعول. فنظرته تعبّر عن عطف ومحبّة وتضامن وغفران وتارة عن توبيخ وغضب وحزن، (الشاب الغني، زكا، بطرس، الخاطئون، يهوذا، تجار الهيكل الخ…).
أضف إلى ذلك أن يسوع رجل يتكلّم بصراحة: أفكاره واضحة، تصرّفاته شفّافة، لسانه حر (مع الفريسين وبيلاطس وهيرودس الخ). لا يدعو فقط إلى الحرية: “الحق يحرركم” (يو8/32)، بل هو صورة الإنسان الحر من مواقفه من جميع الناس، وبخاصة من الأقوياء والمرائين والكذبة. ولكنه يكون حرًّا حتى تجاه أصدقائه وأقربائه. لما انفرد به بطرس وأخذ يعاتبه على ما تحدّث عنه حول آلامه وموته، قال له بقساوة: “اذهب عنّي، يا شيطان، لأن أفكارك ليست أفكار الله، بل أفكار البشر” (مر8/31/33).
ولمّا ذهب ذووه ليمسكوه، لأنهم كانوا يعتبرونه مجنونًا (مر 3/21)، ثم أرسلوا إليه أمّه، آملين وطالبين أن يصغي إليهم، أجابهم: “من أمّي ومن أخوتي؟ ” وأشار إلى الجالسين حوله وقال: “هؤلاء هم أمّي وأخوتي” (مر 3/31-35). القساوة التي لجأ إليها يسوع أحيانًا يجب ألا تجعلنا ننسى أن ميزة يسوع الرئيسية هي الحبّ؛ يسوع كان يحب. يحب الأطفال: “دعوا الأطفال، لا تمنعوهم أن يأتوا إليّ” (متى 19-14). يحب الأصدقاء: الصداقة عنده، خاصة في إنجيل يوحنا، هي شعور عميق يخصّصه يسوع لبعض الأشخاص، منهم يوحنا المعمدان “صديق العريس” الذي يفرح بأن يكبر يسوع ويصغر هو (يو 3/29-30). مرتا ومريم ولعازر الذين كانوا يستقبلون يسوع في منزلهم، فأصبح بيتهم بيت الصداقة. يوحنا الحبيب، “التلميذ الذي أحبّه يسوع، ذاك الذي مال على صدر يسوع أثناء العشاء” (يو 21/20)، وهو صورة الحبّ الصميم الذي وحده يدرك الجوهر (أدرك يوحنا في إنجيله سرّ الكلمة المتجسد). بطرس الذي صرح ثلاث مرات: “أنت تعلم أني أحبك شديدًا” (يو 21) فأصبح صورة الحبّ الرسولي، وانطلق للخدمة الرسولية والكنسيّة. التلاميذ الاثنا عشر الذين قال لهم يسوع: “قد دعوتكم أحبائي” (يو 15/15).
يسوع إذًا صورة الإنسان الذي يحب، يحب دون مقابل، يحب بلا حدود، وحبه يشمل الخطأة على ألوانهم وأشكالهم، فصورته كإنسان، لا مثيل لها. ولكن، هل هو إنسان فحسب؟ بالنسبة إلينا، نحن المؤمنين به، هو أكثر من إنسان، هو المسيح ابن الله الوحيد” (متى 19/16). ولا يكون فقط ابن الله الحي، بل هو حيّ، بحقّ قيامته.
هل حاولنا مرة أن نفكر جديًّا في مفهوم هذا الواقع؟ أي يعني أن يسوع حيّ؟ لهذا الواقع انعكاسات رائعة، لأن مفهوم كل شيء يتغيّر، بدءا من مفهوم الحياة. نحن، كمسيحيين وبطريقة سالزيانية، مدعوون إلى أن نعيش روحانية الصداقة مع الربّ يسوع، أي مع يسوع الحي، الحاضر في حياتنا. الرئيس العام يطلب منا أن نركّز اهتمامنا خلال هذا العام لنشهد أمام الشبيبة وننقل إليهم هذه الروحانية.
6- روحانية الصداقة مع الرب يسوع
أكبر تحدٍّ يواجه المؤمنون، كأفراد وكجماعة، هو أن يترجموا اختبارهم الحياتي إلى اختبار إنجيلي بقوة الإيمان، وذلك بحلّ العقد التي يشكّل إشكالاً إلى الحياة على ضوء الإيمان والانفتاح على مقتضيات التطويبات وهي مقتضيات عملية وتطبيقية.
دون بوسكو، في سباق القديس فرنسيس السالسي، يعلّمنا أننا لا نحتاج إلى الانفصال عن حياتنا اليومية لنبحث عن الربّ، لأنها مكان اكتشاف الرب، ومكان اكتشاف حضوره الحي، وكأن يسوع يتجسّد من جديد. حياة يسوع البشرية تظهر أن الله حاضر في حياة الإنسان وأن الواقع الشخصي وواقع الآخرين، واقع اليوم وواقع التاريخ، هو المكان الذي فيه نلتقي الله: “كل ما صنعتموه لأحد إخوتي هؤلاء، فلي صنعتموه” (متى 25/40).
فحياتنا البشرية إذًا هي المدخل إلى حدث التجسّد ونستوحي منه أبعادًا وآفاقًا جديدة.
من بين هذه الأبعاد والآفاق أنّنا، كتلاميذ دون بوسكو، نعيش التطويبات بروحه، أي بترسيخ روابط الصداقة بيننا وبين يسوع، وما نعيشه نعلّمه للشبيبة. لا نكتفي بلقاء عابر أو بإظهار بعض التعاطف مع يسوع وإنما نريد أن نتعمّق في معرفته وننضمّ إليه انضمامًا وثيقًا ونتبنّى قضيته، فعندما نصل إلى هذه العلاقة العميقة، ننفتح على عطاء الذات بسخاء. إن اختبار دون بوسكو في فالدوكّو مع تلاميذه، وبخاصة مع بعضهم، مثل دومنيك سافيو وميشال ماغوني وغيرهما، يؤكّد أن كل الشباب قادرون على أن يسلكوا درب الصداقة مع الرب يسوع، يسوع كصديق، كمعلّم وكمخلّص: هذه هي الجوانب الثلاثة التي تحدّد نوع علاقتنا معه والتي تعبّر عن مركزية شخص يسوع في الاختبار الروحي المعاش بحسب أسلوب دون بوسكو.
دومنيك سافيو كتب: صديقاي هما يسوع ومريم”، وتلميذ آخر، هو فرنسيس بيزوكّو قال: “يسوع صديقي ورفيقي”.
اهتمام دون بوسكو الأوّل والمستمرّ هو أن يربّي تلاميذه على الإيمان، سائرًا معهم ليقودهم إلى شخص يسوع القائم من الموت حتى يصير كل منهم إنسانًا جديدًا. ففي أسلوبه ثوابت تلهمنا وتوجّهنا.
كان دون بوسكو يركّز على أهمّية الشهادة الجماعية وذلك بخلق جو يسود فيه الالتزام (كان يسمّيه “الواجب”) والصلاة والتقوى والفرح المتدفّق. فهذه القيم كانت تتجسّد في شخصه، في أمّه، في معاونيه، من رهبانيين وعلمانيين، وفي أحسن تلاميذه، حتى كان الآخرون ينجذبون تلقائيًّا إلى السير ورائهم. كان الأوراتوريو مكانًا يُدعَى إليه الأحداث للصلاة والتعليم الديني والترفيه، ولكن أهمّ ما فيه هو الجوّ، ولو لم يكن الجوّ الذي خلقه دون بوسكو، لما حقّق أهدافه ولما أثمر الثمار التي نعرفها. لذلك يبقى أوراتوريو فالدوكو مقياس ونموذج جميع المراكز والمدارس والمعاهد السالزيانية.
نعلم أن دون بوسكو، من خلال التزامه التربوي، حقّق قداسته الشخصية وفي الوقت ذاته طرح القداسة هدفا لأسلوبه التربوي، فخلق تفاعلاً بين “القداسة و”التربية” هو أبرز مميّزات شخصيته (راجع يوحنا بولس الثاني، رسالة” أبو الشبيبة” ع 5). نحن تلاميذه، نريد أن نسير على خطاه، عالمين أن غاية اهتماماتنا وممارساتنا التربوية، أيًّا كانت، يجب أن تُصبّ في خانة التربية على الإيمان كبُعد أساسي لحياة الإنسان في جميع مراحلها والتربية على الإيمان، عندنا، تكمن في عيش الصداقة مع يسوع.
لنتأكد ونؤكّد للشبيبة أن حبّ يسوع فقط يملأ حياتنا. فيه رجاء السعادة الكاملة، عليه نتّكل لنعيش بفرح التزامنا اليومي، فيه يكمن سرّ حياة ناجحة.
لقاؤنا بيسوع قد غيّر أو يغيّر حياتنا، لأنّه يقوّي عزمنا ويفتح لنا آفاقًا جديدة لم تكن نتصوّرها ويُدخلنا إلى حياة جديدة.
لمّا نتمثّل بيسوع نكتشف وجهنا الإنساني الحقيقي، فلم تعد الحياة لغزًا لا نفهمه، بل نستنير بنور الله، وندخل في الشركة الإلهية ونحيا دينامية القيامة ولو مررنا بمرحلة الآلام. كل هذا هو العيش في الصداقة مع يسوع.
نعلم أن مشاركة الحياة مع صديق حميم تؤدّي عاجلاً أو آجلاً إلى التناغم وتوحيد الآراء والاهتمامات والعمل والتقييم. فيسوع ليس صديقًا بين أصدقاء آخرين، بل هو “الصديق” أي صورة الصداقة الحقيقية.
كلما زاد الاقتراب منه والاتحاد به، زاد التخلّق بخلقه، ويتسنّى لنا الاضطلاع بمشاريعه وعيش حياته. لا نعيش ملء الصداقة إلاّ معه وننمّيها بممارسة سر الغفران وسر الإفخارستيا.
الخاتمة
كان “قلب يسوع المحب” نموذجًا لدون بوسكو ومصدر اختباره الروحي والتربوي طيلة حياته، فلذلك أراد أن يبقى الرب يسوع وبشراه محور الحياة اليومية لجميع الذين ينتسبون إليه ويستوحون من روحه، من مكرسين وعلمانيين وشبيبة. فبدون الصداقة مع يسوع لا نفهم شخصية دون بوسكو ولا مشروعه التربوي ولا الأسلوب الوقائي وكذلك لا نفهم ثمار تربيته، كدومنيك سافيو وأمثاله.
يبقى يسوع لنا وللشبيبة “صديقًا، معلّمًا، ومخلّصًا” وتبقى الشبيبة، على حدّ قول دون بوسكو، “فرح يسوع” و “أحبّاء الله”. وأخيرًا لا ننسَ أن قداسة البابا، أثناء لقائه مع الشبيبة، يردّد باستمرار أن يسوع والشبيبة يتجانسان وأن نوعًا من التيار الكهربائي يمرّ بين يسوع والشبيبة. فرسالتنا، كسالزيان، أن نوصل إليهم هذا التيار باستمرار، أي أربع وعشرين ساعة على أربع وعشرين. إنّه برنامج رسولي ليس لهذه السنة فقط، بل لحياتنا كلّها.