الامتنــــــــــــــــــان
سرّ السعادة
سرّ السعادة
مواضيع تربويّة
توجيهات تربوية (39) حول الأسلوب التربوي الوقائي
نقلها للعربية بتصرّف الأب السالسيّ بشير سكر
للجميع
فضيلة بطولية وهي مصدر الأمل والصمود في الحياة
كان البروفسور ماتيو هنري عائداً من الجامعة، وإذا به وعلى بعد أمتار قليلة من منزله، يُفاجَأ بمسدّس مصوّب نحو عينيه.
خلف المسدس وقف لص ملثّم الوجه أمَرَه، مهدِّدا ً، بتسليمه الحقيبة وحافظة النقود. نفّذ البروفيسور الأمر. وما كان من اللص إلّا أن هرع بعدها ليختفي في الظلام.
كان البروفسور ما زال مضطربا ً تلك الأمسية على أثر تلك التجربة الصادمة. قعد خلف مكتبه ودوَّن هذا الدعاء:
“اللهم، كنت اليوم ضحية اختلاس.
أدرك تماما ً أنّ من الواجب أن أشكرك على أشياء كثيرة.
أشكرك أولاً لأنني لم أصادف سارقا ً من قبل وهذه بحد ذاتها معجزة في عالمنا اليوم.
ثانيا ً أريد أن أشكرك لأنهم خطفوا فقط محفظتي، والتي كالعادة كانت تحتوي على القليل من النقود، وكذلك حقيبة يد قديمة مليئة بالورق.
أريد أن أشكرك يا رب، لأنني كنت وحيدا ً ولم تكن في جواري زوجتي ولا ابنتي واللتان بلا ريب كانتا ستنهاران من الرعب (…)
أخيرا ً، أريد أن أشكرك يا رب، خاصة لأنني كنت المسلوب ولم أكن السارق.”
الامتنان فضيلة يصعب العثور عليها
في يومنا هذا نجد الناس معظمهم غير راضين. “لا شيء يسير على ما يرام” يقولون. وكأني بهم صبيان كبار عبيد نزواتهم لا يكفّون عن الشكوى والانتقاد، لا ينالون حقوقهم، ليس من يلتفت إليهم، الآخرون يتمتعون بامتيازات هم لا يحصلون عليها، لا شيء يُشبع رغباتهم وبالتالي لا قدرة لهم على التمتع بالحياة.
الامتنان يبدأ من الرؤية
الامتنان هو أسلوب نرى من خلاله الحياة. “أنسِلم غرون” يعلن: ” من خلال الامتنان تشكر على الفجر الجديد، تكتشف أنك استيقظت سليما ً لتستقبل شروق الشمس، تحمد الله على نسمة الحياة التي تنبض في عروقك. تشعر بالامتنان من هبات الخليقة التي تتذوقها منذ وجبة الصباح. الامتنان يفتح باب قلبك على مصراعيه ليدخل فيه الفرح ولتتجنب التشبّث بما قد يثيرك؛ وبالتالي لن يغضبك منذ الصباح سوء الأحوال الجوية، ولن تتوتر إذا سكبت الماء على المائدة… هناك في الواقع أناس يجعلون الحياة عسيرة لأنهم لا يرون إلّا السلبيات (…).
الامتنان إحساس فائق السموّ
هناك نشيد يهتف هكذا: “اللهم أنت ملكت قلبي … أنت صنعتني في الرحم وأبدعتني هناك في الخفاء…رأتني عيناك وأنا جنين وفي كتابك صُوِّرت أيامي كلها قبل أن يكون منها شيء…ما أكرم أفكارك عندي يا الله!”. الشاعر الإنجليزي وليم بليك يعتبر من يعيش بروح الامتنان إنسانا ً امتلك الجنة. إنه أسلوب مختلف في التفكير: يدعوك إلى تقدير قيمة ما تقدمه لك الحياة. فمن يقدّر قيمة ما يمتلك يشعر بأنه راضٍ عن حياته، أما من لا يقدّر قيمة الأشياء فهو قلق، متذمّر، دائم البحث عما يفتقر إليه.
الامتنان يقودنا الى التسامح أمام مفاجآت الحياة
وهذا هو سر المحافظة على اللطافة وبالتالي سر الشعور بالسعادة. وهو أيضا ً الأمر الأصعب: فهل نستطيع مثلاً أن نتغاضى عن الأمر حين لا تتحقق أحلامنا؟ حين لا يتّصف بالاحترام من يجاورنا السكن؟ حين تنتابنا الأوجاع البدنية؟ حين يتأزم أقرب الناس إلينا؟ حين نشعر بتراكم المصائب والشرور في العالم المحيط؟ … الامتنان فضيلة بطولية وهي مصدر الأمل والصمود في الحياة.
لنطّلع على هذه الواقعة: كانت هناك في ضاحية إحدى المدن أسرة تعيش في بيت صغير حياة هانِئة متآلفة. في إحدى الأمسيات، كان أفراد الأسرة مجتمعين حول مائدة العشاء وإذا بهم يسمعون من يقرع الباب. ذهب الأب وفتح الباب.
كان هناك عجوز بالي الثياب سرواله ممزّق يحمل سلة مليئة بالخضار يسأل لو كانت الأسرة في حاجة إلى بعض ما يحمله. ابتاعوا فورا ًبعضها رغبة منهم أن ينصرف سريعا ً.
بمرور الأيام توثّقت روابط الصداقة بين العجوز والأسرة. كان الرجل يؤمّن لهم الخضار أسبوعيا ً. واكتشفوا أنه كان مصابا ً بماء العين مما يهدد بصره بالعمى. غير أنه كان لطيفا ً دمث الأخلاق لذا كانوا ينتظرون زيارته بفارغ الصبر ويستحسنون صحبته.
في أحد الأيام وبينما كان يسلّمهم الخضار زفّ إليهم العجوز هذا الخبر: “وصلتني أمس هدية كبيرة! وجدتُ عند باب بيتي حقيبة ملابس تركها لي أحدهم.” وبما أن الجميع كانوا على علم بحاجته الماسة الى الملابس هتفوا: “هذه بشرى عظيمة!”
لكن العجوز الضرير قال: ” والخبر الأهم هو أنني وجدت عائلة كانت فعلا ً بحاجة الى هذه الملابس.”
إن غبطة العطاء أقوى من الحياة. الفقير حقا ً هو ذاك الذي لم يختبر قط تلك الغبطة.