القسم
سالزيانيات
سالزيانيات
الأب السالسي فيتوريو بوتسو
للجميع
تناول القربان عمود أحد قُطبَي العالم
– مضمون هذه الاختبارات: عيش الفرح وقوّة الإيمان اليوم. لذلك، يجب أن يكون الإيمان أساس الحياة ومحرّك الخيارات المختلفة والمساعد على حلّ النزاعات الداخليّة والخارجيّة.
– الطريق والهدف النهائي هو اكتشاف شخص يسوع والسير معه في علاقة حميمة تحوّلنا من الداخل وتجعلنا نتمثّل به تدريجيّا.
ممارسات دون بوسكو:
– كان دون بوسكو يشجّع تلاميذه على الحفاظ على حياة النعمة من خلال توجيههم إلى الاقتراب من الأسرار المقدّسة، فهو بدوره كانت أمّه قد غذّته بالأسرار وربّته في طفولته على الاقتراب منها مرارا. كتب عن أمّه: “أتذكّر أنها هي بنفسها حضّرتني للاعتراف الأول. رافقتني إلى الكنيسة واعترفت هي الأولى، ثمّ أوصت بي للمعرّف، وبعد الاعتراف ساعدتني على تقدمة الشكر للربّ”.
وبعد المناولة الأولى، قالت ماما مرغريتا لابنها الصغير: “يا يوحنا، إنّه ليوم عظيم لك. استولى الله على قلبك والآن عِده أن تفعل كل ما بوسعك لتبقى صالحا حتّى آخِر حياتك. اذهب فتناول القربان المقدّس كثيرا في المستقبل.”. وختم دون بوسكو كلامه وكتب: “فعلت ما يلزم لكي أعمل بنصائح أمّي، ويبدو لي أنّه منذ ذلك اليوم حدث شيء من التحسّن في سيرتي”
– ركّز مع الشباب على منهجية مسيحية تولي الأسرار أهمّية كبيرة: “تذكّروا أن أساس التربية الحسنة هو القيام باعترافات ومناولات جيّدة”. “التناول المتواتر والذبيحة الإلهية اليومية هما ركائز كل صرح تربوي”.
– كانت “التربية من خلال الأسرار” تهدف لديه إلى تهيئة الشباب إنسانيّا لكي تفعل النعمة الإلهية بقوّتها الفائقة للطبيعة، على أن يندفعوا اندفاعا أقوى نحو مزيد من الالتزام الروحي. يتطلّب التناول استعدادا لائقا وليس التناول المتواتر بحدّ ذاته دليلا على قداسة أو سلوك جيّد. يفعل التناول ويُثمر في قلب الذين يعملون للتخلّي عن الأنانية والعلاقات الدنيوية ويسلّمون ذواتهم ليسوع بدون شروط.
– أمّا بالنسبة إلى التناول المتواتر فكان دون بوسكو يدعو، قبل كل شيء، إلى ارتياح الضمير، بحيث يتمكّن الشباب من التناول يوميا إذا سمح لهم بذلك مرشدهم الروحي، على أن يتصرّفوا بحرّية، بعيدا عن أيّ نوع من الضغوط، حتّى ولو بدا ذلك وكأنه فوضى. كان يتمنّى أن يتناول الشباب كثيرا فاكتفى دوما بالتوصية، لا أكثر (راجع مأخذه على أحد المُربّين الذي قسم تلاميذه إلى سبع فرَق تتناوب على المناولة في أيام الأسبوع (MB 13, 827).
– مع أنّه كان يؤمن بمفعول نعمة السرّ، كان يرى ضرورة تعاون الشباب معها، تفاديا لتفسير آليّ أو سحريّ لها. وعى تماما ما للشباب من ميل إلى السطحيّة واللامبالاة والعمل بشكل روتينيّ أو عشوائي، غير أنّه كان ينتظر تحسُّنا ملموسا في سلوك الذين يتناولون.
– القداس اليومي، أسوة لما كان يجري في ذلك الزمان في المعاهد الكاثوليكية، ركيزة أخرى من ركائز أسلوب دون بوسكو، فكرّس له أقوالا كثيرة دعا فيها بإلحاح إلى حضوره بخشوع وانتباه (فكرة المشاركة كموقف ليتورجي لم تكن واردة في عصره ونشأت لاحقا).
– إلى جانب التناول المتواتر وحضور الذبيحة لإلهية، نشر دون بوسكو بين تلاميذه ممارسة الزيارة للقربان المقدّس خلال النهار، وأدخل هذه الممارسة الاختيارية والعفوية، وكان قد اقتبسها من القديس ألفونس، في نظام الأوراتوريو الداخلي. كان يقول: “تذكّروا، أيها الأعزاء، أن يسوع حاضر في القربان، وهو غنيّ بالنعَم، ويريد أن يوزّعها على الذين يتوجّهون إليه”. أما أشهر ما قاله في الزيارة للقربان الأقدس قوله: “أتريدون أن يهَبَكم الله نِعَما كثيرة؟ زوروه مرارا. أتريدون أن تحصلوا على القليل منها؟ زوروه نادرا. أتريدون أن يجرّبكم الشيطان؟ زوروا يسوع القرباني نادرا. أتريدون أن يهرب منكم؟ زوروا يسوع مرارا. أتريدون أن تقهروا الشيطان؟ التجأوا إلى يسوع مرارا. أتريدون أن يقهركم الشيطان؟ انقطعوا عن زيارة يسوع. إنّ زيارة القربان وسيلة ضرورية لقهر الشيطان. اذهبوا إذًا فزوروا يسوع مرارا فلن يقوى عليكم الشيطان”(MB 8,49).
– لم يتكلّم دون بوسكو صراحة عن السجود للقربان الأقدس كما نمارسه اليوم (صمد القربان، أي عرضه لمرأى المؤمنين الساجدين مطوّلا: ساعة سجود وما شابه)، غير أن زيّاح القربان كان يختتم الرُتب الدينية في جميع أيام الأحد والأعياد وفي مناسبات أخرى.
– واضح إذن أن دون بوسكو، من خلال هذه الممارسات، وجّه تلاميذه نحو نمط قداسة بسيط وعميق في آن واحد، قائم على الصداقة الشخصية مع يسوع، أساسها “حبّه لكم وما أظهر من دلائل على أنه يحبّكم”، فأخذ أحسن تلاميذه، مثل دمنيك سافيو وغيره، أقواله على محمل الجدّ، نفّذوها وساروا على درب القداسة سيرا حثيثا وأكيدا.
أقوال أخرى لدون بوسكو في الإفخارستيا:
جناحان اثنان تطير بهما إلى السماء: الاعتراف والتناول.
تناول القربان عمود أحد قُطبَي العالم. أمّا الثاني فهو إكرام مريم العذراء (راجع الحلم الذي رأى فيه سفينة الكنيسة، المهدَّدة من قبل أعدائها، ترسو بين عمودين، على أحدهما القربان المقدّس وعلى الآخر تمثال العذراء).
الإفخارستيا والمسيرة التربوية مع الشبيبة:
– الإفخارستيا بما تعنيه تعلّمنا أن نشاطاتنا الرعوية لا تكون مجرّد آليّة في خدمة الإنجيل، بل شهادة حياة تنبثق من الاتّحاد العميق بالرب يسوع.
– الإفخارستيا تدفع الأسرة التربوية إلى تنظيم وبرمجة العمل وفقا لمتطلّبات الإنجيل وأساليبه، لأنها ليست بمثابة شركة أو مؤسّسة تجارية وما شابه، فمنطق الإنجيل والملكوت غير منطق إدارة الأعمال…، إن كان بالنسبة إلى الدوافع ونوع العلاقات بين الأشخاص ومقاييس القرارات وطريقة ممارسة السلطة وحتى بالنسبة للشؤون المالية. فالإفخارستيا وحدها تعطي الأسرة التربوية وجهها الصحيح، من خلال نمط اللقاءات والمشاركة وتقاسُم المسؤوليات وممارسة المحبّة الإنجيلية وغير ذلك.
– الاتّحاد بيسوع في القربان المقدّس يعلّمنا ويؤهّلنا لأن ننفتح على الجميع، ونُعنى بالذين هم يتعثّرون في مسيرتهم الإنسانية والإيمانية. ففي عالم متعطّش إلى التواصل، الاتحاد بيسوع وحده يجعلنا بُناة تواصل واتّحاد (راجع اختبار فالدوكّو).
– المسارات التربوية: يجب العودة إلى هدف دون بوسكو، وهو عرض نمط قداسة للشبيبة، قابل للعيش في الظروف اليومية وقائم على إرادة قويّة وسخيّة، على معرفة يسوع والصداقة معه، على ممارسة الأسرار المقدّسة، على السعي اليومي في سبيل النموّ الذاتي، على الفرح العميم وعلى الخدمة والعطاء.
– الوسائل: إعادة اكتشاف أولوية النعمة الإلهية، مركزية العلاقة بيسوع ودور الأسرار المقدسة لإقامة هذه العلاقة وتحويلها إلى اختبار (راجع ممارسات دون بوسكو، مثل التشديد على القبول المتواتر للأسرار، استغلال الأعياد لتستنير رتابة الواجبات اليومية بشوق انتظارها وتحضيرها، روحانية الفرح النابع من اللقاء بيسوع…). لا شكّ أن التركيز على الإفخارستيا ينمّي ويرسّخ في الشخص الشوق إلى بذل الذات في سبيل الآخرين، كما فعل يسوع، وذلك لأنه يختبر أن يسوع يستقبله ويخلّصه بحبّ غير محدود ويدعوه إلى القيام بالمثل.
– التربية على المشاركة الليتورجيّة: تتطلّب معرفة وفهم الرموز والطقوس الليتورجيّة للتوصّل إلى تذوّقها في جوّ إيماني صحيح، بعيدا عن القيام بحركات آليّة لا معنى لها. المشاركة الليتورجيّة مشاركة واعية وناشطة، ترتكز على مواقف وأعمال تخصّ الروح والجسم معا، مثل الصمت والدعاء والترتيل والوقوف والجلوس ورفع الأيدي وغير ذلك. فالذبيحة بكل ما فيها تنقل قيَما روحية أساسية: ما نعيشه، تقبّلناه من يسوع نفسه والرسل الذين أخبرونا بما فعل ونقلوا إلينا رتبة كسر الخبز؛ نختبر وحدة الإيمان ونحتفل به مع جميع الإخوة المنتشرين في العالم؛ نركّز على ما هو جوهري، وهو أن الله نفسه يعمل من خلالنا … ومن الأهمّية بمكان التربية على الإصغاء إلى القراءات، لأن ليتورجيّا الكلمة تهيّئ لليتورجيّا الذبيحة وتشكّلان معا وحدة متكاملة، ولا يجوز في القدّاس فصل مائدة الكلمة من مائدة الخبز والخمر.
تطبيق هذه التوجيهات، من شأنه أن يحوّل الإفخارستيا إلى احتفال حقيقي بذبيحة يسوع المسيح، نجتمع خلاله للقاء الرب، للإصغاء إلى كلامه، للاتّحاد به، للتغذّي بجسده ودمه في سبيل انطلاقة جديدة في حياتنا ورسالتنا.