أنواع الصلوات
إصغاء الله لأشواق القلب
إصغاء الله لأشواق القلب
مواضيع في التعليم المسيحي
سالزيان الشرق الأوسط
للجميع
صلاة التسليم:
كانت حياة يسوع كلها تسليماً للأب منذ أول لحظة منها إلى آخرها. منذ صغره قد قال لأهله: “يجب على أن أكون لأعمال أبي” (لوقا49:2)، وأثناء رسالته قال مراراً: “طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني وأن أتم عمله”(يوحنا 34:4) وعلى الصليب صرخ: “أبت، بين يديك أستودع روحي”(لوقا 46:2).
وكان تسليمه هذا للآب ومشيئته في سبيل أن يسلّم نفسه للبشر أيضاً، لخدمتهم وخلاصهم. ففي صلاته قبل موته، وإذا هو يتشفع لأجلهم، قال لأبيه “أكرس نفسي من أجلهم” (يوحنا 19:17).
فأنت أيضاً… سلّم حياتك للآب، قدمها له في سبيل أن تكون حياة خدمة ومحبة لإخوتك البشر. فقدِّم ذاتك له يومياً كما فعل كل القديسين. وإليك صلاة القديس اغناطيوس دي لويولا، ثم صلاة شارل دي فوكو. يمكنك الاستعانة بهما إن شئت، مما لا يغنيك أن تقوم أنت بنفسك بتأليف صلاتك الشخصية.
صلاة القديس أغناطيوس: “خذ يا رب، وأقبل حريتي كلها وذاكرتي ووعظي وإرادتي كلها، كل ما هو لي وكل ما هو عندي، أنت أعطني ذلك، فإليك أعيده يا رب، كل شيء لك، فتصرف فيه بكامل مشيئتك، أعطني حبك ونعمتك، فهذا يكفيني”
صلاة شارل دي فوكو: أبت إني أسلم لك ذاتي، فافعل بي ما تشاء، ومهما فعلت بي، فأنا شاكر لك. إني مستعد لكل شيء وأرتضي بكل شيء، ليس لي رغبة أخرى يا إلهي سوى أن تكمل إرادتك فيَّ وفي جميع خلائقك. إني أستودع روحي بين يديك، وأهبها لك يا إلهي بكل ما في قلبي من الحب، لأنني أحبك، لأن الحب يتطلب مني أن أهب نفسي، أن أودعها بين يديك من دون ما قياس وبثقة لا حد لها، لأنك أبي.
شعلة الحب المتقدة
أدخل الهدوء في نفسك بضع لحظات…
تخيل أنك تنزل في أعماق كيانك، أو في مركزه، كل ما فيه ظلام.. ولكنك تكتشف فيه ينبوعاً حاراً حتى الغليان متجها نحو الله… أو تصور أنك تجد في هذا العمق شعلة حب متقدة تندفع نحو الله… اختر كلمة أو عبارة قصيرة جداً تتبع تواتر هذه الشعلة أو هذا الينبوع.. كاسم “يسوع” أو ” يا أبتاه” أو “تعال أيها الروح القدس” أو “ربي أنت كل ما أبتغيه…” أصغ إلى هذه الكلمة تلفظ في أعماق كيانك… لا تلفظها، إنك تسمعها خافتة الصوت، كأنها آتية من بعيد جداً.. من أعماق كيانك.. الآن.. تصور أن الصوت يعلو ويملأ كيانك تدريجياً، حتى أنك تسمعه في قلبك، في رأسك، في معدتك، في كل جسمك. بعد زمن بسيط، تخيل أنك تسمعه يملأ كل الغرفة.. ثم كل ما حواليها.. ويشتد أكثر فأكثر فيملأ الأرض والسماء.. بحيث أن كل الكون يردد صوت هذه الكلمة التي تخرج من أعماق قلبك.. تذوق الراحة في هذه الكلمة.. وعندئذٍ إذا راق لك ذلك، الفظها بحب.
صلاة الحمد والتسبيح:
“ليكن حديثكم مزامير وتسابيح وأناشيد روحانية. رتلوا وسبحوا للرب من صميم القلب واحمدوا الله الأب حمداً على كل شيء باسم ربنا يسوع المسيح”. (أفسس 19:5-20).
يخشى البعض أن حمدهم لله في كل شيء يجعلهم يصبحون مستهترين ومستسلمين للغاية، ولكن هذا الخطر نظري أكثر منه واقعي، فالذين يمارسون بإخلاص طريقة الصلاة هذه يعرفون أنهم، من جهتهم، يبذلون كل جهدهم لعمل الخير وتجنب الشر، إنهم بعد كل مجهودهم، يبادرون في حمد الله من أجل هذه الجهود أية كانت.
إن طريقة الصلاة هذه لها خطر وحيد، ليس هو التعصب، بل كبت اضطراباتنا المزعجة، فقد يكون من الضروري أن نبدأ بالحزن على ما خسرناه وبالشعور بأوضاع غضبنا وحرماننا قبل أن نحمد الله ونفتح قلوبنا للفرح والسلام الذين تقدمهما لنا هذه الصلاة. إن هذا السلام وهذا الفرح يصبحان لنا استعداداً داخلياً مألوفاً، إذا اعتدنا أن نحمد الله ونشكره بلا انقطاع.
بينما كانت أعصابنا في الماضي القريب تتوتر وكنا نقلق من جراء حالات خيبة الأمل العديدة التي تسببها لنا الحياة حتى في أوضاع لا أهمية لها (كقطار لم يصل في ميعاده، أو طقس يسوء في وقت نريد الخروج فيه..)، أصبحنا الآن مستعدين بكل هدوء لعمل ما في وسعنا وترك كل باقي الأمور بين يد الله بطيبة خاطر، عالمين أن كل شيء سيكون على ما يرام، بالرغم من الظواهر السلبية والمظاهر المعاكسة.
يحكي الصينيون قصة شيخ صاحب مزرعة كان يملك حصاناً مسناً يجر المحراث في حقول سيده، وفي ذات يوم، هرب الحصان إلى التلال. فعطف عليه جيرانه. فأجابهم: ” أهذا حظ أو بؤس؟ من يعلم؟ وبعد أسبوع، رجع الحصان من التلال جارّاً وراءه قطيعاً من الخيل المتوحش. وعليه هنأ الجيران المزارع على حظه السعيد. فأجاب أيضاً: “أهذا حسن حظ أو سوء حظ؟ من يعلم؟ ثم وقع ابنه وانكسر ساقه، عندما أراد أن يروض أحد الأحصنة المتوحشة. فظن جميع الناس أن الحادث سوء حظ جسيم. وأما المزارع فاكتفى بالقول: “سوء حظ أو حسن حظ؟ من يعلم؟” وبعد بضعة أسابيع، دخل الجيش في القرية وعبأ جميع الشبان صحيحي البنية. ولكن عندما لاحظوا ابن المزارع بساقه المكسورة، أعفوه من الخدمة، كان حظ أم سوء حظ من يعلم؟
كل ما يظهر لأول وهلة شراً قد يكون في الواقع خيراً مقنعاً. وكل ما يظهر لأول وهلة خيراً قد يكون في الحقيقية شراً. ولذا فمن الحكمة أن نترك الله يقرر حسن حظنا وكذلك سوء حظنا، وأن نشكره على أنه يوجد كل شيء نحو خير من يحبهم. وعندئذ نشارك بعض الشيء هذه الرؤية السرية العجيبة، رؤية عدة المرات التي لفظت هذه الكلمات التي قد تجد أنت فيها أعظم جاذبية وحلاوة: “كل شيء سيكون خيراً، وكل شيء سيكون خيراً، وكل نوع من الأشياء سيكون خيراً!
صلاة الطلب:
تكاد تكون صلاة الطلب طريقة الصلاة الوحيدة التي علّمها يسوع لتلاميذه، عندما طلبوا منه أن يلقنهم الصلاة. ولا يمكننا الادعاء أننا تعلمنا الصلاة من المسيح نفسه إذا كنا نجل صلاة الطلب. نقرأ في إنجيل لوقا: “وكان يصلي في بعض الأماكن، فلما فرغ قال له أحد تلاميذه: “ربنا، علّمنا أن نصلي كما علّم يوحنا تلاميذه”. فقال لهم: “إذا صليتم فقولوا: أيها الآب، ليتقدس اسمك (اجعلنا نتعرف أنك الله)، ليأتٍ ملكوتك. أرزقها كل يوم خبزنا كفافاً. واغفر لنا خطايانا لأننا نغفر لمن أساء إلينا، ولا تعرضنا للتجربة” (لوقا 1:11-4).
كل فقرة من فقرات صلاة الرب طلب! اسمع الآن ما قال الرب ليشرح هذه الصلاة، ويكون هذا الشرح جزءاً من طريقتنا الحالية:
ثم قال يسوع لتلاميذه: “من منكم يمضي إلى صديق له نصف الليل ويقول له: يا أخي، أقرضني ثلاثة أرغفة، فقد وفد على صديق من سفر، وليس عندي ما أضيفه. فيجيب ذلك من الداخل: لا تكلّفني، فالباب مقفل وأولادي معي في الفراش، فلا يمكنني أن أقوم فأعطيك، أقول لكم: أن لم يقم ويعطه لكونه صديقه، فإنه ينهض لجاجته، ويعطيه كل ما يحتاج إليه.
وأقول لكم أيضاً: اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم. فمن يسأل ينل، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له. فأي أب منكم إذا سأله ابنه رغيفاً أعطاه حجراً؟ أو سأله سمكة أعطاه بدل السمكة حية؟ أو سأله بيضة أعطاه عقرباً؟ فإذا كنتم أنتم الأشرار تحسنون العطاء لأبنائكم، فما أولى أباكم السماوي بأن يمنح سائليه الروح القدس (لوقا 5:11-13).
إن كلمات المسيح بسيطة إلى درجة الذهول: “اطلبوا تجدوا”.. أجل من يطلب يجد… تخيل أن يسوع يوجه إليك هذه الكلمات، تساءل: هل أنا أومن حقيقة بهذه الكلمات؟ أي معنى لها في نظري؟ ثم أشرك يسوع في جوابك على هذه الأسئلة.
يمكنك أن تفعل بالمثل بنص لوقا (1:18-6). أو اللجوء إلى النصوص التالية:
“وبينما هو راجع إلى المدينة صباحاً أحس بالجوع، فرأى تينة عند الطريق فذهب إليها، فلم يجد عليها غير الورق، فقال لها: “لا يخرجن منك ثمر للأبد”. فيبست التينة من ساعتها، فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا وقالوا: “ما أسرع ما يبست التينة!” فأجابهم يسوع: “الحق أقول لكم: “لو كان لكم إيمان لا يدخله ريب، لفعلتم لا كما فعلت بالتينة حسب، بل كنتم إذا قلتم لهذا الجبل: قم فاهبط في البحر، يتم لكم ذلك. فكل شيء تطلبونه وأنتم تصلون بإيمان تنالونه” (متى 18:21-22).
“وبينما هم راجعون في الصباح، رأوا التينة قد يبست من أصلها. فتذكر بطرس كلامه فقال: “رابي، إن التينة التي لعنتها قد يبست”. فقال لهم يسوع: “آمنوا بالله. الحق أقول لكم: كل شيء تطلبونه في الصلاة، آمنوا بأنكم قد نلتموه، يتم لكم. وإذا قمتم للصلاة، وكان لكم شيء على أحد فأعفوه منه، لكي يعفو عن زلاتكم أبوكم الذي في السماوات ” (مرقس 20:11-26).
بعدما تسبر أحد هذه المقاطع وتحدث يسوع عنه، حقق الهدوء في نفسك لتقوم بطلب.
سامح كل شخص يكون لك شكوى عليه.. تخيل أنك تقول لهم “إني أغفر لكم ذنوبكم من كل قلبي كما غفر لي يسوع نفسه ذنوبي…”
الآن اطلب من الرب أن يملأ قلبك إيماناً يجعل صلاة الطلب قادرة نافذة: “يا رب، إني أومن، ولكن أعن قلّة إيماني…”
أطلب النعمة التي تنتظرها من الرب: الصحة، النجاح في مشروع ما، وتصور أن الرب يهبك هذه النعمة، وأنك تشكره وتسبحه بفرح عارفاً بجميله… أو أنه يرفضها، ولكنه في الوقت نفسه يغمر قلبك بسلامه، وأنك تشكره وتسبحه بفرح من أجل ذلك.
صلاة التشفع:
إننا نعلم شيئاً بسيطاً جداً عن طريقة يسوع، فإنها سر تحفظ بعناية غيورة وبحرص شديد قمم الجبال والأمكنة المقفرة حيث كان ينسحب عندما كان يريد أن يكرس وقتاً للصلاة. نعلم أنه كان أليف المزامير، فيرددها مثل أي يهودي تقي، ونعلم أيضاً أنه كان معتاداً أن يتشفع لم يحبهم. “سمعان، سمعان، هوذا الشيطان قد طلبكم ليغربلكم كما يغربل القمح، لكني دعوت لك ألا تفقد إيمانك” (لوقا 31:22). وهذا ما يدلنا باختصار على أنه في ساعة الصلاة كان يمارس صلاة التشفع.
إننا نجد إشارة أخرى إلى صلاته التشفعية في إنجيل القديس يوحنا: “أنا أدعو لهم، ولا أدعو للعالم، بل لمن وهبتهم لي… أيها الآب القدوس احفظ باسمك الذين وهبتهم لي، ليكونوا واحداً كما نحن واحد.. لا أدعو لهم وحدهم، بل أدعو أيضاً للذين سيسمعون كلامهم فيؤمنون بي، فليكونوا بأجمعهم واحداً: وكما أنت فيَّ أيها الآب، وأنا فيك، كذلك فليكونوا فينا واحد، ليؤمن العالم بأنك أنت الذي أرسلتني” (يوحنا 9:17-21). وهذه أيضاً صلاة التشفع.
يقول لنا الكتاب المقدس أن يسوع يقوم الآن بنفس الصلاة التشفعية، فإن كانت قد تمت رسالة فدائه، إلا أنه لا يزال يتحمل مسؤولية الشفيع. “وأما هذا (يسوع) الذي يبقى للأبد فله كهنوت لا يزول، وهو قادر على أن يخلّص الذين يتقربون به إلى الله خلاصاً تاماً لأنه باقٍ ليشفع لهم”(عبرانيين 24:7-25).
“فمن يتهم الذين اختارهم الله، والله يبررهم؟ ومن يحكم عليهم؟ مات يسوع المسيح، بل قام، وهو عن يمين الله يشفع لنا” (رومة 33:8-34).
هذه هي طريقة الصلاة – وكذلك صلاة التي سنعالجها فيما بعد – التي كان يسوع يعهد بها إلى تلاميذه: “الحصاد كثير، ولكن العملة قليلون، فاسألوا رب الحصاد أن يرسل عملة إلى حصاده” (متى 37:9-38). وقد يخطر في بالنا جميع أنواع الاعتراضات: لماذا نطلب من الله شيئاً يعلم أننا نحتاج إليه؟ ألا يعلم الله أن الرسالة تحتاج إلى عملة؟
إن يسوع يضع جانباً جميع هذه الاعتراضات ويعلن قاعدة سرية خاصة بعالم الصلاة، وهي أن الله قرر أن يضع نوعاً ما سلطته بين أيدي أشخاص تتشفع، بحيث أنه إذا غاب تشفهم، لا ينعم بقدرته الإلهية.
وها هي روعة صلاة التشفع: عندما تمارسها قد تتأكد من قدرتها الهائلة. لذلك لا تتخلَ أبداً عن الصلاة، وفي نهاية العالم فقط سوف نفهم أن مصير الأشخاص والأمم لم يتحقق إلى حد كبير بأعمال خارجية لأناس عظماء أو بأحداث حتمية ظاهرياً، لكن بصلاة هادئة، صامتة، ولكنها قديرة. قام بها أشخاص لم يعرفهم العالم قط.
يتحدث الأب تيار دي شاردان في كتابه “الوسط الإلهي” عن راهبة تصلّي في معبد في مكان قفر ويتراءى لنا أن أثناء صلاتها تعيد كل نوى الكون تنظيمها لتستجيب رغبات هذه المرأة البسيطة التي تصلي، وكان محور العالم يمر خلال المعبد القفر هذا. ويقول القديس يعقوب: “صلاة البار الحارة لها قوة عظيمة، كان إيليا بشراً مثلنا وكان يلح في الصلاة لكيلا ينزل المطر، فاحتبس الغيث عن الأرض مدة ثلاث سنوات وستة أشهر، ثم عاد إلى الصلاة فأمطرت السماء وأخرجت الأرض خيرها” (يعقوب 17:5-18).
ويكفي أن تتصفح رسائل القديس بولس لتلاحظ أنه لجأ مراراً إلى صلاة التشفع. لم يكن واعظاً بليغاً، كما يعترف بذلك لأهل كورنثوس.
الوسط الإلهي “كتاب للأب تيار دي شاردان اليسوعي” يعبر تماماً عن عمق حياته. وكان الكتاب مسيرة باطنية تعلن عن نظرة المؤلف إلى مجمل تاريخ الإنسان، الذي عاشه تياراً شخصياً قبل أن بكتب عنه.
ولكنه كان قديراً في معجزاته وفي صلاته. وها هو نموذج طريقة تشفعه لشعبه: “لهذا أجثو على ركبتي للأب. فمنه كل أبوّة في السماء والأرض. وأساله أن يؤيدكم بروحه على مقدار سعة مجده ليقوى فيكم الإنسان الباطن وأن يقيم المسيح في قلوبكم بالأيمان، حتى إذا تأصلتم في المحبة وأسستم عليها أمكنكم أن تدركوا وجميع القديسين ما هو العرض والطول والعلو والعمق، وتعرفوا محبة المسيح التي تفوق كل معرفة، وتتسعوا لك لما عند الله من سعة”.
ذاك الذي يستطيع أن يبلغ بنا، بقوته العاملة فينا، مبلغاً أبعد مما نسأله أو نتصوره، له المجد في الكنيسة وفي المسيح ويسوع على مدى جميع الأجيال والدهور… آمين (أفسس14:3-21).
“أحمد الله إليكم كلما ذكرتكم ودعوت لكم جميعاً بفرح في جميع صلواتي.. وما دعائي إلى أن تزاد محبتكم معرفة وبصيرة زيادة مضاعفة فلا يخفى عليها شيء وتميزوا الأفضل” (فيلبي 3:1و4و9و10).
ويؤكد بولس للمسيحيين في معظم رسائله أنه لا يزال يصلي من أجلهم، أو يطلب منهم أن يصلوا من أجله: “أقيموا كل وقت الصلاة والابتهال في الروح وتنبهوا لذلك وأحيوا الليل في الدعاء لجميع القديسين ولي أيضاً ليفتح الله لي فأجرؤ على الكلام وأعلن البشارة، فأنا سفيره المقيد بالسلاسل. واسالوا لي الجرأة على التبشير به كما يجب أن أتكلم ” (أفسس 18:6-2).
قد يكون أنت أحد هؤلاء الذين دعاهم الرب، بصفة خاصة، إلى أن يمارسوا خدمة التشفع، أن يحوّلوا العالم وقلب الناس بقدرة صلواتهم. يقول الأب تيار دي شاردان في هذا الصدد: “لا شيء على الأرض يوازي قدرة العفاف والصلاة”. إن سمعت دعوة الله هذه، فلتصبح صلاة التشفع جزءاً لا يتجزأ من صلاتك الشخصية. وإن لم تسمع دعوة خاصة لممارسة خدمة التشفع، فسوف تشعر في ظروف عديدة ومختلفة أن الرب يدعوك إلى التشفع، وتوجد وسائل كثيرة لممارسة طريقة الصلاة هذه. إليك واحد منها:
خلال لحظات، حاول أن تشعر بحضور يسوع وأن تتصل وتتحد به.
تخيّل أن حياة يسوع ومحبته، نوره وقدرته تغمرك، إن هذا النور الذي يشع منه ينير كيانك كله… ثم اذكر الأشخاص الذين تحب أن تصلي من أجلهم الواحد بعد الآخر. ضع يديك على كل منهم، ناقلاً إليهم الحياة والمحبة، والنور والقدرة التي حصلت عليها تواً من المسيح. امض ما يلزمك من الوقت لتطلب صامتاً أن حب المسيح ينزل على كل منهم.. ولاحظ كل شخص يشع نوراً ويتحول بفضل حياة المسيح وحبه… ثم تقرب من شخص آخر.. وهلم جراً…
ينبغي إلى أعظم حد أن تفكر في يسوع من بداية صلاة التشفع التي تقوم بها وأن تتصل وتتحد به. لولا ذلك، لما أصبح تشفعك صلاة، بل أضحى مجرد تمرين لذكرى بعض الأشخاص. وقد تعرض نفسك على تركيز انتباهك عليهم لا على الله، الذي يتعامل معهم.
بعدما تصلي هكذا لكل من الأشخاص الذين تعزهم، صل من أجل كل الذين عهد بهم إليك: الرعاة يصلون من أجل رعاياهم. الآباء والأمهات من أجل أولادهم.. المدرسون من أجل تلاميذهم.. ثم بعد فترة راحة تهدف إلى أن تقبّل حضور ومحبة المسيح.. نوره وقدرته، باشر الصلاة من أجل “أعدائك”، لأن يسوع أوصانا بأن نصلي من أجلهم. ضع يديك بالفكر، إشارة بركة، على كل شخص من الأشخاص الذين تكرهكم.. أو الذين يكرهونك.. على الذين أحزنوك… أدرك قدرة المسيح الذي يلتحق بقلوبهم خلال يديك..
ثم صلّ من أجل أمم بأكملها.. من أجل الكنيسة.. فكنوز المسيح لا متناهية. لا تظن أنك تستنفذها إذا أغدقتها على أمم وشعوب..
أجل ذهنك مدة لحظات من كل شيء، واترك الروح القدس يوحي إليك بأشخاص تصلي من أجلهم وأسباباً تتضرع لصالحها.. وحالما يخطر في بالك شخص.. ضع يديك عليه باسم المسيح..
في الرياضات الروحية، إن بعض الأشخاص يصلون إلى اتحاد عميق بالله، ويشعرون بأن الله يدفعهم إلى أن يتشفعوا للآخرين. في بادئ الأمر، يتساءلون إذا ما كان هذا الشعور تشتتاً، ولكنهم سرعان ما يكتشفون أنهم وصلوا إلى الاتحاد الذي يمكنهم أن يتشفعوا لنظراتهم بموجبه، وأن هذا التشفع، بدلاً من أن يشتتهم، يعمق اتحادهم بالله!
فإذا دعاك الله لخدمة التشفع، اكتشف، في ممارسة صلاة التشفع، أنك كلما أغدقت كنوز المسيح على الآخرين، فاضت هذه الكنوز في قلبك وحياتك بصلاتك من أجل الآخرين، واغتنيت شخصياً خيرات وافرة.