لماذا تُصوّر مريم العذراء غالباً مرتدية ثياباً زرقاء؟
أهمية اللون الأزرق ومعناه
أهمية اللون الأزرق ومعناه
مواضع مريمية
سالزيان الشرق الأوسط
للجميع
يتحدث الباحثون عن قليل من الألوان في ملابس قاطني الجليل القرويين في ذاك القرن الأول للميلاد. ويرجّحون الكتان والصوف مع بعض الأصباغ المتواضعة التي كان المحليّون يستخرجونها من النباتات المتاحة في مناطقهم. أما الأرجواني والأزرق فقد كان يميّز ملابس الطبقات الغنية وعائلة الحاكم: فالنباتات لتلك الأصباغ كانت أكثر ندرة.
لكن لماذا تُظهر العديد من اللوحات الفنية العذراء مريم وهي ترتدي عباءة زرقاء عِلماً أن ظهورات العذراء، المعترف بها في الكنيسة، كانت تُخبر عن السيدة بملابس مختلفة تظهر فيها العباءة الزرقاء وتغيب؟؟؟
فسيدة فاطمة (1917) ظهرت للأطفال وهي ترتدي ثوب وعباءة بيضاء مع تقليم مذّهب فيما يعلو رأسها تاج.
سيدة لورد (1858) تصفها القديسة برناديت بثوب بسيط وعباءة بيضاء مع وشاح أزرق.
أما سيدة غوادالوبي (1531) فبحسب القديس خوان دييغو، هي ترتدي ثوب وردي وعباءة من اللون الأزرق تستطع عليها النجوم الذهبية.
إذاً من أين أتى تقليد العباءة الزرقاء؟
للون معاني روحية متعددة، يكشف كل منها عن ميزة مختلفة لأم الله.
عند مشاهدة الفن المسيحي في الألف سنة الماضية، هناك لون واحد تقريباً مرتبط دائماً بمريم العذراء: اللون الأزرق، لماذا؟ ما هي أهميته؟ اللون الأزرق له جذور كتابية عميقة في العهد القديم.
بحسب الاب يوهان روتن، مدير المكتبة العالمية للبحوث المريمية في جامعة دايتون (كلية كاثوليكية): “أن عباءة مريم الزرقاء تعود الى حوالي العام 500 م وأصل هذا التقليد بيزنطي أما اللون فهو يرمز الى ملوكية الأم العذراء…وقد بقي الأزرق في رواج حتى القرن العاشر، حيث بدا الأحمر هو اللون الطاغي على ملابس السيدة…. والأحمر هو أيضاً لون الملوك وكان مفضلاً عند الرسامين الألمان. في التقاليد الكلاسيكية أطلت السيدة في رداء أحمر مع عباءة زرقاء على ما نرى مع رافايل”.
اللون الأزرق في سفر العدد:
“كلم بني إسرائيل وقل لهم: أن يصنعوا لهم أهداباً في أذيال ثيابهم في أجيالهم، ويجعلوا على هدب الذيل عصابة من أسمانجوني (اللون الأزرق القاتم). فتكون لكم هدباً، فترونها وتذكرون كل وصايا الرب وتعملونها، ولا تطوفون وراء قلوبكم وأعينكم التي أنتم فاسقون وراءها” (العدد 39:15-38)
بالنسبة لشعب إسرائيل الأزرق يذكّرهم باتباع وصايا الله، وليس إرادتهم الشخصية الأنانية. وقد عملت السيّدة العذراء طوال الوقت مشيئة الله متنازلة تماماً عن أي إرادة شخصية، “ها أنا أمة الرب. فليكن لي بحسب قولك” (لوقا 1:38). كانت “ابنة صهيون” المؤمنة التي استوفت نداء الطاعة الذي طلبه الله من بني إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، يأمر الله في سفر العدد أن يوضع غطاء أسمانجوني على تابوت العهد (الأسمانجون هو اللون الأزرق القاتم):
“ويجعلون عليه غطاء من جلد تخس، ويبسطون من فوق ثوبا كله أسمانجوني، ويضعون عصيه” (عدد 6:4)
وكذلك على مذبح التقدمة: “وعلى مائدة الوجوه يبسطون ثوب أسمانجون، ويضعون عليه الصحاف والصحون والأقداح وكاسات السكيب، ويكون الخبز الدائم عليه” (عدد 7:4)
يشير التقليد إلى مريم على أنها تابوت العهد الجديد، الذي حملت في داخلها حضور الأقنوم الثاني الإلهي.
معنى اللون في التقليد البيزنطي:
من ناحية أخرى، فإنّ التقليد البيزنطي بخصوص اللون الأزرق في ملابس السيّدة العذراء له معنى مختلف. يُمثل اللون الأزرق في الأيقونات السموّ والرفعة، الملوكية، الغموض والألوهية. إنه لون السماء لذا يُنظر إليه على أنه لون سماوي.
في المقابل، يُنظر إلى اللون الأحمر على أنه لون أرضي، لون الدم. عادة ما يتم تصوير يسوع في الأيقونات بثياب خارجية زرقاء وثوب داخلي أحمر، يرمز إلى لاهوته الذي يُغلّف إنسانيته. من ناحية أخرى، تُرى مريم بثوب خارجي أحمر وثوب داخلي أزرق، ويُمثّل كيف حملت الألوهية (يسوع) داخل إنسانيتها.
عندما ظهرت سيّدة غوادالوبي للقديس خوان دييغو، كانت ترتدي عباءة زرقاء مخضرّة مرقّطة بالنجوم، وترمز إلى السماء. بالإضافة إلى ذلك، يشير لون عباءتها إلى مُلكيتها، لأن فقط الملوك الهنود الأصليين يمكنهم ارتداء عباءات من هذا اللون. لذا فإن اللون الأزرق هو لون مهم للغاية في التقاليد الفنية المسيحية وله معاني روحية عميقة تُبرز سمات الأم المباركة المختلفة. إنه لون مقدّس، يُذكرنا بإيمان وأمانة مريم ودورها المميّز في تاريخ الخلاص.