لا بد أن نستنتج فرقا ً شاسعا ً بين فتى تعوّد على أن يسمع دائما ً وفقط كلمات مثل: الأكل – الشرب – الملابس… وفتى آخر يسمع أيضا ً كلمات من هذا النوع: الواجب – التضحية – المسامحة – العدل – السلام – الله تعالى …
الفتى الأول سيعتقد أن الإنسان يكفيه أن ينمو بدنيا ً في الحياة. أما الآخر فسيفهم أن الإنسان مدعو لأن يصبح شخصية مرموقة في الحياة (..)
الكلمات التي نخزّنها في مخيّلتنا هي التي توجّه حياتنا!
أولياء الأمور الحكماء يختارون العبارات الإيجابية في توجيه الأولاد. إنهم لا يستخدمون بتاتا ً كلمات مُحبطة: ” يا غبي!” “يا فارغ العقل” ” هل لديك كرامة؟”
هذا ليس أسلوب توجيه وإنما حجارة طاحنة تسحق الولد، تجرح كرامته الشخصية وهي ذات عواقب وخيمة في مراحل حياته التالية…
الوالدون الحكماء يستخدمون كلمات مشجّعة: ” أحسنت – نحن فخورون بك – سوف تنجح!”
الوالدون الحكماء يستعملون أيضا ً عبارات عكس التيار: ” تضحية – سكوت – تجرّد – واجب…”
الوالدون الحكماء، بمعنى آخر، يستخدمون كلمات ذات بعد عمودي، كلمات ترتقي بالإنسان، تشمخ بالإنسان، إذ يعتبرون ذلك من واجباتهم الأولية لصون تهذيب أولادهم!
إنه حقا ً من الواجبات الأولية!
بالمقابل ماذا نقترح على أولادنا؟ نقترح الأنواع المفضلة من الصابون، من معجون الأسنان، من مزيل الروائح، من المقوّيات…
نعلّمهم أن الحياة هي فرصة تتيح لنا شراء السعادة المخبّأة داخل علب أو عبوات محكمة الإغلاق مغلّفة بملصقات الماركات العالمية… أليست هذه خيانة!؟ أليس خيانة لالتزاماتنا التربوية عدم تداولنا الكلمات ذات البعد العمودي؟
عدد الأولاد المكتئبين، الحيارى، القلقين، في تزايد!
التشجيع هو البعد الأهم في عملية تربية الأولاد؛ وأهميته واضحة حين نكتشف أن نقصانه هو السبب الرئيسي في ظهور بعض حالات السلوك المرضية. فالطفل الذي يشاكس ما هو إلا طفل محبط. الطفولة عطشى الى التشجيع والتحفيز مثل ظمأ النبات الدائم الى الماء. (…)
من المؤسف أن الأساليب المتّبعة عامة لتربيتهم تساهم هي الأخرى في المزيد من الإحباط: احترامنا كرامتهم يلزمنا بأن نعاود بلا هوادة طرح أهداف وتحديات نبيلة تستحق المغامرة بالحياة في سبيلها. لانكف عن المناداة بأقوالنا وخاصة بقدوة أعمالنا بقيم مثل الاستقامة والعدل والحب والسلام والأمانة والأخوة…إنها قيم يفتقدها عالم اليوم كل الافتقاد!