نعم، هناك أناس حين تنظر إليهم، لا تدهشك أقوالهم أو أفعالهم وحسب، بل يدهشك هذا القلب الذي يسكنهم.
تتساءل في داخلك: ’’كيف لهذا القلب أن يتّسع لكل هذا الحب، لكل هذا التفهم، لكل هذه الرقة والحنية في جسد محدود صغير؟‘‘
إنّهم الأشخاص الذين لا ينتظرون أن يُطلب منهم شيئًا، بل يبادرون؛ هم الذين يرون ألم الآخرين في أعينهم قبل أن ينطقوا به؛ هم مَن يمدون يد العون دون ضوضاء، ويمنحون وقتهم دون منّة، ويصغون بصدق دون استعجال.
في عالم يمتلئ بالسرعة والأنانية والمصالح، يلمع هؤلاء كنجوم هادئة في ليل الحياة. هم الذين فهموا أن الخدمة ليست واجباً اجتماعياً، بل تعبيراً ملموساً عن نعمة الله في قلوبهم. هم من اختبروا وعاينوا ’’فرح العطاء‘‘ (را. اع 20، 35).
ففي داخلهم طاقة عجيبة على التقبل والتفهم: لا يسرعون في اطلاق الاحكام، بل بالعكس يبررون ضعفات الانفعاليين، لأنهم يدركون هشاشة الجنس البشري. يحتملون الإساءة، لا كضعفٍ منهم، بل لأن قيمة الشخص في نظرهم أثمن من أفعاله.
هم الذين إذا أخبرتهم عن مشكلتك، شعرت بأن الحمل بدأ يتلاشى عن كاهلك؛ كلماتهم الطيبة هي كبلسم شافي، حضورهم كحضن دافئٍ للجميع. هم الذين يبادرون في كل موقف قائلين: ’’لاتقلق‘‘، ’’أنا معك، أي شي بتحتاجه وبقدر عليه أنا جاهز‘‘، ‘‘الله كبير، هو شايف ورح يتدخل‘‘، ’’بكرة أحلى‘‘.
فتشعر معهم أنك لست وحيداً، وأنَّ همك أصبح همهم الشخصي.
إن سعة القلب ليست هبة عابرة، بل هي ثمرة تأمل في حياة من كان ’’يمَضي مِن مَكانٍ إِلى آخَر يَعمَلُ الخَيرَ‘‘ (اع 10، 38).
الذين يملكون هذه القلوب الكبيرة يكتبون قصة إنسانيتنا الأجمل.
إلى هؤلاء: أقول: أنتم تاج الإنسانية، أنتم مرآة صغيرة تعكس محبة الله لأبنائه، هذه المحبة المجانية غير المشروطة بالرغم من… ومن… ومن… ’’لإِنَّ الرَّبَّ صالِحٌ ولِلأَبَدِ رَحمَتُه، وإِلى جيلٍ فجيلٍ أَمانَتُه‘‘. (مز 100، 5).