حديث للبابا بنديكتوس في الجامعة الألمانية
لقاء مع ممثلي العلماء في جامعة ريغينسبورغ (ألمانيا)
لقاء مع ممثلي العلماء في جامعة ريغينسبورغ (ألمانيا)
وثائق كنسيّة
البابا بنديكتوس السادس عشر
للجميع
التصرف ضد المنطق هو تصرف ضد طبيعة الله
فيما يلي نورد الترجمة الكاملة لنص حديث البابا في جامعة ريغينسبورغ والذي أثار ردّات فعل حادة في العالم الإسلامي. في هذا الحديث يتضح لمن يقرأه بكامله بأن البابا لم ينوِ أن يتكلم عن الإسلام، فحديثه كان موجها لعلماء أوروبيين، وكان يُعالج مشكلة فكرية في أوروبا، ألا وهي نقد المنطق الحديث. وحيث أن الحديث كان موجهاً لعلماء فمن الطبيعي أن يحتاج القارئ لخلفية ثقافية فلسفية معينة ليتمكن من فهم مغزى الحديث بكامله. أما فيما يخص الحديث عن الإسلام فالبابا في معرض حديثه عن العلاقة بين إرادة الله وطبيعته أراد أن يستشهد بحوارٍ قديم من القرن الرابع عشر دون أن يتّفق مع العبارات التي استخدمها ودون أن يقصد توجيه إتهامٍ لفئة معيّنة، وإنه وإن قام بالنقد فقد قام به ضد تيار لاهوتيّ مسيحي وليس ضد الإسلام، كما يتبين من سياق النص الآتي.
لقد قمنا بالترجمة من اللغة الإيطالية بالإعتماد على جريدة الفاتيكان الرسمية “المراقب الروماني” (Osservatore Romano) الصادرة يوم 14/ أيلول / 2006.
في مساء الثلاثاء 12 أيلول التقى البابا بندكتس السادس عشر ممثلي العلماء في الصالة الكبرى في جامعة ريغينسبورغ. بعد التحية الموجهة من قِبل المدير البروفسور أ. زيمِّر، ألقى البابا حديثه التالي:
إنها للحظة مثيرة بالنسبة لي أن أكون هنا في الجامعة مرة أخرى وأن ألقي فيها درساً. تأخذني الأفكار لتلك السنين التي تلت فترةً قضيتها في معهد فرايسينغ العالي، حيث بدأتُ نشاطي كمدرِّسٍ أكاديمي في جامعة بون. كان ذلك في عام 1959 زمن جامعةِ المدرِّسين الاعتياديين القديمة. لم يكن هناك أساتذةٌ مساعدون ولا حتى ضاربون للآلات الكاتبة، لكن في المقابل كان هناك اتصالٌ مباشرٌ بين الأساتذة والطلاب وبين المدرِّسين أنفسهم. كانت اللقاءات تتمّ قبل الدروس وبعدها في غرف المُدرِّسين. وكان التواصل بين علماء التاريخ، الفلاسفة وعلماء اللغات ذو طابعٍ كثيف، كان هذا أيضاً حال جامعتي اللاهوت. كان يُعقَدُ لقاءً فصليّاً يُدعى “اليوم الأكاديمي” الذي فيهِ يجتمع جميع مدرّسي الجامعات للقاء طلاب الكليّة، وبهذا كانوا يُتيحون الفرصة لخبرةٍ “جامعةٍ” – الأمر الذي ذكرتموه قبل قليل يا حضرة المدير – خبرة تجعلنا نعي كيف أننا وبالرغم من الاختصاصات المتعددة، الذي تجعل التواصل بيننا صعباً في بعض الأحيان، إلا أننا نؤلف وحدةً واحدة ونعملُ بواسطة المنطقِ الواحد في أبعاده المتعددة، مما يجعلنا سوياً أمام مسؤولية استخدام المنطق بشكلٍ صحيحٍ، هذا الأمر كان يتحول إلى خبرة حية.
لقد كانت الجامعة فخورة أيضاً بكلِّيتي اللاهوت. كان من الواضح أنهما بطرحهما التساؤل حول عقلانية الإيمان كانتا تقومان بعملٍ يشكّل جزءاً من “الكل” في “عالم العِلم”، حتى لو لم يكن الجميع يشاركون بالإيمان الذي يجتهد اللاهوتيون في إظهار علاقته المتبادلة مع المنطق. هذا التوافق الداخلي في عالم المنطق لم يُصَب بأي ضرر حتى عندما انتشر خبرٌ مفاده أن أحد المدرّسين صرَّح بأن هناك كليتان منشغلتان بشيء غير موجود أي الله!
حتى أمام تشكّكيةٍ جذريّةٍ كهذه يبقى من الضروري والمنطقي أن يُسائل المرءُ نفسه عن الله بواسطة المنطق، وأن يدور بحثه هذا في نطاق تقليد الإيمان المسيحي، كانت هذه قناعة لا جدل فيها بين أهل الجامعة.
خطر كل هذا على بالي عندما قرأت مؤخراً الجزء المنشور من قِبل البروفسور ثيودوروس خوري (مونستير) من الحوار الذي دار بين العلامة في التاريخ القديم الإمبراطور البيزنطي مانوئيل الثاني – ربما في شتاء عام 1391 م في أنقرة – وأحد العلماء الفرس حول المسيحية والإسلام وحول حقيقة كلٍّ منهما. وعلى ما يبدو أن الإمبراطور نفسه قد دوَّن هذا الحوار، خلال حصار مدينة القسطنطينية بين عام 1394 وعام 1402، ذلك أن حججه كانت واردة بشكلٍ مفصَّل أكثر بكثير من حجج محاوره الفارسي. يمتد هذا الحوار ليشمل جميع بنى الإيمان الواردة في الكتاب المقدس والقرآن، ويتوقّف بشكلٍ خاص عند صورة الله والإنسان، وأيضاً بشكلٍ ضروري عند العلاقة بين – كما كان يُقال – “الشرائع” الثلاث أو “أنظمة الحياة”: العهد القديم، العهد الجديد والقرآن. لا أود الحديث في هذا الدرس عن هذا الموضوع؛ أود فقط أن أتناول موضوعاً – لا يُشكِّل إلا هامشاً في الحوار المذكور – إلا أنه فيما يخص موضوع “الإيمان والمنطق”، موضوع سحرني شخصياً ولذا سأستخدمه كنقطة انطلاق لتأملاتي.
تابع القراءة بتحميل الملف