كانت مريم العذراء وما تزال مثلاً رائعاً في الروحانية، ولا عجب أن تكون الشبيبة في طليعة من ينظرون إليها ليقتدوا بها.
ولكن الروحانية «المريمية» لأيامنا الحاضرة تتمحور حول المسيح، على أنه هو وحده «المركز» ونصب الأنظار. فمفهوم الروحانية «المريمية» هو أن نعيش مع مريم ومثلها في روح ابنها يسوع. يرتكز نمط العيش هذا على ثلاثة عناصر مترابطة هي التالية:
الشعور مع يسوع:
شعر يسوع بأنه ابن الآب وكل الاهتمام بحياة أخوته البشر. هذا ما عناه بولس الرسول لما كتب لأهل فيلبي: «تخلّقوا بخلق المسيح» (فل 2/ 5). ليس هذا الشعور بعاطفية سطحية، بل هو الينبوع العميق للهوية والحياة المسيحية، هو جوهر الإنسان الجديد، أي الإنسان الروحاني الحق.
يسوع نمّى فيه هذا الشعور وعبّر عنه بتمضية الليالي في حوار مع أبيه (لو 6/ 12 (وبانتقاله «من مكان إلى مكان يعمل الخير» (رسل 10 / 38). أمّا مريم فعبّرت عن الشعور نفسه باستسلامها لله: «فليكن لي بحسب قولك» (لو 1/ 38)، وبتحرّكها في
خدمة الناس.
العمل في سبيل ما عمل يسوع لأجله:
لم يكتفِ يسوع بالشعور، بل عمل: «ليس من يقول: يل ربّ، يا ربّ، يدخل ملكوت السماوات» (متى 7/ 21). لا يعني هذا العمل مجرّد تنفيذ لقرار إلهي، كل ما يقتضيه هذا الأمر من اهتمامات اجتماعية ملحّة، فضلا عن الروحية.
مريم التي «مضت مسرعة» لزيارة أليصابات (لو 1/ 39 – 45) وأدركت حرج العروسَيْن في قانا الجليل (يو 2/ 1- 12) طبّقت تعاليم ابنها يسوع وأصبحت «أُمّ المعونة» بكل معنى الكلمة.
الاستعداد لمواجهة الألم على مثال يسوع:
يسوع «الإنسان الروحاني الكامل» قاوّم الذين تحرضهم أرواح غير روح الله فصار «آية معرّضة للرفض» (لو 2/ 24) حتى الموت وهكذا نفّذ تصميم الآب.
لم تقف مريم متفرّجة من بعيد، بل شاركت في آلام ابنها، متذكّرة ما قال لها سمعان الشيخ: «وأنت سينفذ سيف في نفسك» (لو 2/ 25) فوقفت بشجاعة عند الصليب (19 / 25). هكذا مرّ يسوع ومريم عبر الألم لتكون الحياة وافرة للآخرين فكانا
مثل حبّة الحنطة التي تقع في الأرض لتموت وتُخرج ثمراً كثيراً (يو 12 / 24). من أراد أن يكون «روحانياً» مثل يسوع ومريم، لا بدّ له من أن يسير على خطاهما وأن يقبل الألم الخصيب. هذه العناصر الثلاثة تشكّل قاعدة ثابتة لروحانية «مريمية» لشبيبة اليوم، لأن الشبيبة غالباً ما يتطلّعون إلى ما هو جديد، وملكوت الله هو «الجديد الدائم» في تاريخ البشرية.
لم يحلم يسوع، ومعه مريم، بعالم جديد وهمي، بل عمل من أجل تحقيقه وكان له حجر الأساس بموته وقيامته. التزام يسوع ومريم حتى النهاية بُشرى ونداء للشبيبة. فإذا أردتَ أن تُسهم إسهاماً فعالاً في بناء هذا العالم الجديد، لا تنسَ قول يسوع:
«لا تجعل الخمرة الجديدة في زقاق عتيقة » (متى 9/ 17) كن إذًا وعاء جديداً، أي إنساناً جديداً، على مثال يسوع ومريم، بالرغم من رتابة الحياة اليومية والصعاب والظلام الذي يكتنفك أحياناً.
احلم مع يسوع ومريم واسعَ جاهداً لتجسيد هذا الحلم. فحضور مريم المميّز في بيوت دون بوسكو يجعلك في المناخ الملائم لتعيش هذه الروحانية «المريمية».