القسم
مواضيع تربويّة
مواضيع تربويّة
توجيهات تربوية (44) حول الأسلوب التربوي الوقائي
نقلها للعربية بتصرّف الأب السالسيّ بشير سكر
للجميع وخاصة العائلات
أول هدية نقدمها لابننا أو لابنتنا هو حضن الأسرة
لننتبه: نقول “الأسرة”، لا نقول “المنزل”. فالأسرة ليست المنزل.
المنزل يتكوّن من أشياء: الجدران، الأثاث، الستائر، الأجهزة المنزلية…
أما الأسرة فهي جو ومناخ وعش دافئ يحتضن أشخاصا ً يتحابّون ويتعاونون.
الأسرة تعني أنك مرحَّب بك حين تعود إلى البيت.
الأسرة تعني أن هناك من يرعاك حين تمرض أو حين تكون في ضيق ما.
الأسرة هي المفاجآت السعيدة: كعكة عيد الميلاد، بهجة رحلة عائلية.
الأسرة هي أن نجتمع حول مائدة الطعام بروح البهجة والمشاركة وليس لمجرد التواجد واحدنا بجوار الآخر.
الأسرة هي المكان الذي نضحك فيه بطلاقة دون وَجَل.
الأسرة هي المكان الذي يرحِّب بنا على طبيعتنا وليس حسب مقدار ثقافتنا كما في المدرسة أو حسب مقدار انتاجنا كما في ميدان العمل (….)
الأسرة هي محطة التزويد لكافة الأمور: للنجاح في الحياة، للنجاح الدراسي، لتوطيد العلاقات الاجتماعية.
وفي الأسرة تنضج تدريجيا ًشخصيتنا بأبعادها النفسية والاجتماعية والتي سنصطحبها مدى الحياة.
أن أتحلّى بمسؤوليتي ودوري الفاعل في بنيان الأسرة هو قرار عليّ أن أتذكّره في مطلع كل يوم.
المرض العُضال
هناك عدة نظريات أرادت أن تعلّل سبب الانزعاج داخل أسرة اليوم، يقال إن الذنب يقع على مجتمع اليوم الصاخب والمتوتر؛ أو ربما على تصميم البيوت التي صارت ضيّقة إلى الحد الاختناق؛ أو على الشغل الذي يبعد الإنسان عن البيت ساعات وساعات… لا أحد يستطيع أن ينكر أن هذه العلل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. لكننا لو توغّلنا في تقصّي الأمر لوصلنا إلى أن المعضلة قائمة في صعوبة تراحم القلوب.
ما فائدة امتلاك بيوت غنية بالكماليات من أجهزة منزلية حديثة إلى تلفازات متنوعة إلى مطبخ حافل بالخدمات الآلية…. بينما لدى أدنى مشكلة يعلو الصراخ وتُصْفَق الأبواب ويُغتال التسامح…؟
نعم، الأسرة مصابة بداء تحجّر القلب. كل فرد فيها يدور حول فلكه وينغلق على ذاته. الفرد يتخطى الجماعة والأنا تستعبد النحن. وإذا ما صادف أن تقدّمت النحن على الأنا لحصلنا على ثورة عائلية حميدة. فعندما يسعى الزوج ليعيش لصالح الجماعة فإنه سيبادر إلى مراعاة المشاركة في نظافة البيت لأنه يدرك أن هذا ما يسعد الزوجة، علاوة على ذلك سيهتم بترتيب خزانة ملابسه ويؤمّن ضرورات البيت ويلاحظ احتياجات الأبناء حتى خلال بثّ المباريات المثيرة عبر التلفاز… والزوجة كذلك، حين تقرّر أن تعيش لصالح الجماعة ستكفّ عن إغراق الزوج بأسئلتها لدى عودته من العمل لأنها صارت تدرك أن هذا التصرف يضايقه كثيرا ً، ولن تقضي ساعات طويلة في مكالمات هاتفية ولن تتأخر في تنسيق زينتها الشخصية كل مرة قبل الخروج معه ولن تفرض عليه وجبات طعام معينة… والأبناء؟؟
حتى الأبناء يمكنهم أن يختبروا انقلابا ً إيجابيا ً في حياتهم لو فهموا أهمية العيش على أساس المشاركة في المسؤولية. سوف يكتشفون أن هناك أساليب لطيفة في الكلام كمثل: “شكرا ً”. “من فضلك”. “سامحني”… ولن ينظروا إلى الأم وكأنها خدّامة، ولن ينظروا إلى الأب وكأنه أمين الخزنة… وجو الأسرة بالتالي سيتغيّر. الأسرة ستتأنسن. وأفرادها لن يعيشوا بعدئذ الواحد جوار الآخر وإنما سيعيشون كعائلة، سيعيشون أشخاصا ً قادرين على الاصغاء، قادرين على أن يحبّ واحدهم الآخر على ما هو عليه وليس بمقدار ما يفعل أو ما ينتج.
في جو كهذا لن تكون الأسرة منذئذ مصدر أمراض عصبية كالتي كان يسببها الاستبداد أو الحسد أو العجرفة أو الأنانية وإنما ستصبح على العكس مصنع تضامن ووئام وسلام.