الله يدعو
دعوة للحب
دعوة للحب
مواضيع في التعليم المسيحي
من مُعجم اللاهوت الكتابي دار المشرق – بيروت
للجميع
بين الصفحات المؤثرة في الكتاب المقدس، تمثّل مشاهد الدعوة مكانة مرموقة:
دعوة موسى في العليقة:
“وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان. فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء الى جبل الله حوريب. وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليّقة. فنظر وإذا العليقة تتوقّد بالنار والعليقة لم تكن تحترق. فقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة. فلما رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال موسى موسى. فقال هانذا”. (خروج 3/1-4)
دعوة أشعيا في الهيكل:
“رأيت السيد جالساً على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كلّ الأرض. فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخاناً. فقلت ويل لي إني هلكت لإني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينيّ قد رأتا الملك رب الجنود. فطار إليّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي وقال إن هذه قد مسّت شفتيك فانتزع إثمك وكفّر عن خطيتك. ثم سمعت صوت السيد قائلا من أرسل ومن يذهب من أجلنا. فقلت هاأنذا أرسلني. فقال اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعاً ولا تفهموا وأبصروا إبصاراً ولا تعرفوا”. (أشعيا 6/1-9)
الحوار بين الله وإرميا الشاب:
“قبلما صوّرتك في البطن عرفتك وقبلما خرجتَ من الرحم قدستك. جعلتك نبياً للشعوب. فقلت آه يا سيد الرب إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد. فقال الرب لي لا تقل إني ولد لأنك إلى كل من أُرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به. لا تخف من وجوههم لأني أنا معك لأنقذك يقول الرب. ومد الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر. قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس” (ارميا 1/1-10)
تتم في كل دعوة مواجهة بين الله في عظمته وسرّه من ناحية، وبين الإنسان الذي يظهر على حقيقته، بما فيه من خوف وسخاء، كما تظهر أيضاً قدرته على المقاومة والتقبّل من جهة أخرى. وإن الأهمية التي يوليها الكتاب المقدس لهذه الروايات لدليل على الدور الخاص للدعوة في وحي الله وخلاص الإنسان.
الله يدعو ليرسل
تستهدف كل الدعوات في العهد القديم غاية واحدة، ألا وهي “الإرسال”. يدعو الله ليرسل.
“وقال الرب لأبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك”. (تك 12/1)
“فالآن هلمّ فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر” (خروج 3/10)
“فقال اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعاً ولا تفهموا وأبصروا إبصاراً ولا تعرفوا”. (اشعيا 6/9)
“فقال الرب لي لا تقل إني ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به”. (ارميا 1/7)
يقول: اذهب! إنّ الدعوة هي نداء يوجّهه الله للإنسان الذي يختاره لذاته والذي يخصّه لعمل معيّن في تدبيره الخلاصي وفي مصير شعبه.
إذن تبدأ الدعوة باختيار إلهي، وتنتهي بتنفيذ أمر إلهي. غير أن الدعوة تضيف شيئاً إلى الاختيار وإلى الإرسال. هي نداء شخصي موجّه إلى أعماق ضمير الإنسان، يقلب أوضاع كيانه، لا في ظروفه الخارجية فقط، ولكن حتى في عمق قلبه، فيجعل منه شخصاً آخر.
نستشف طابع الدعوة الشخصي هذا من النصوص نفسها. إنّ الله ينادي مراراً من يدعوه باسمه:
وحدث بعد هذه الامور ان الله امتحن ابراهيم. فقال له يا ابراهيم. فقال هاأنذا. (تكوين 22/1)
فلما رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال موسى موسى. فقال هاأنذا. (خروج3/4)
وعلى هذا النداء ينتظر الله جواباً، أي موافقة واعية تعبّر عن الإيمان والطاعة.
اختيار الله
بدون مفهوم الاختيار، لا نفهم شيئاً عن قصد الله ومشيئته بخصوص الإنسان.
خبرة الاختيار في العهد القديم:
من خلال الآباء والأنبياء، يظهر الله استمرارية قصده في الاختيار. ينتخب لنفسه رجالاً يجعلهم وكلاء على رسالة، ويحمل هذا الانتخاب الذي به يفرزهم ويكرّسهم، سمات اختيار اسرائيل. ويظهر الاختيار غالباً خلال “الدعوة” أي نداء الله المباشر، الذي يعرض أسلوباً جديداً للحياة ويطلب جواباً. ونرى في دعوة موسى النموذج المثالي (خروج 3). كذلك عاموس وأشعيا وإرميا قد مروا بالاختيار عينه: فقد اجتذبهم الله وانتزعهم من حياتهم العاديّة، وأرغمهم على إعلان وجهة نظره ومعارضة شعبهم.
“فأخذني الرب من وراء الضأن وقال لي الرب اذهب تنبأ لشعبي اسرائيل” (عاموس 7/15)
“فإنه هكذا قال لي الرب بشدة اليد وأنذرني ألا اسلك في طريق هذا الشعب” (اشعيا 8/11)
“وجدت كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي لأني دعيت باسمك يا رب إله الجنود. لم أجلس في محفل المازحين مبتهجا. من أجل يدك جلست وحدي لأنك قد ملأتني غضبا”. “قد اقنعتني يا رب فاقتنعت وألححت عليّ فغلبت. صرت للضحك كل النهار كل واحد استهزأ بي”. (ارميا 15/16-17، 20/7)
كما اختار الله الملوك:
الله يعرب عن اختياره للملك على لسان النبي، الذي يتلقاه من خلال كلمة الله:
“فقال الرب لصموئيل حتى متى تنوح على شاول وأنا قد رفضته عن أن يملك على اسرائيل. املأ قرنك دهناً وتعال أرسلك إلى يسّى البيتلحميّ لأني قد رأيت لي في بنيه ملكاً”. (1 صموئيل 16/1)
دعوة اسرائيل
إن الله لا يعامل شعباً مثلما يعامل شخصاً فردياً، كما إن ردود فعل شعب غير ردود فعل الفرد، إلاً أنه يتصرف إزاء اسرائيل، مثلما يتصرّف إزاء الذين يدعونهم. إنه ما نسميه بالـ “عهد”.
تقوم خبرة الاختيار عند اسرائيل في إدراكه أن مصيره يختلف عن مصير الشعوب الأخرى. إنها مبادرة مقصودة وسامية من جانب يهوه. لا ينفصل هذا الوعي في الاختيار عن “العهد”. هذا الوعي يعطي عمقاً دينياً للعهد ويرفعه إلى مرتبة “السرّ”. “تكونون لي خاصّة من جميع الشعوب” (خروج 19/5)
تفيض الشريعة والأنبياء بمثل هذه النداءات: “اسمع يا اسرائيل”
اسمع يا اسرائيل. أنت اليوم عابر الأردن لكي تدخل وتمتلك شعوباً أكبر وأعظم منك ومدناً عظيمة ومحصّنة إلى السماء. (تثنية 9:1)
اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم. اصغوا إلى شريعة إلهنا يا شعب عمورة. (اشعيا 1:10)
فقال اسمعوا يا بيت داود هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهي أيضاً. (اشعيا 7/13)
اسمعوا كلمة الرب يا بيت يعقوب وكل عشائر بيت اسرائيل. (ارميا 2:4)
اسمعوا قول الرب يا بني اسرائيل. إن للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا احسان ولا معرفة الله في الارض. (هوشع 4:1)
تدعو هذه الكلمة الشعب إلى حياة خاصة، يضمنها الله ذاته:
أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين. وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم اليّ. فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الارض. وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة. (خروج19/4-6)
لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك. إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعباً أخصّ من جميع الشعوب الذين على وجه الارض. (تثنية 7:6)
وتمنع الشعب من أن يعتمد على إله آخر غير الله:
هل بدلت أمة آلهة وهي ليست آلهة. أما شعبي فقد بدل مجده بما لا ينفع. ابتهجي أيتها السماوات من هذا واقشعري وتحيري جداً يقول الرب. لأن شعبي عمل شرين. تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آباراً مشققة لا تضبط ماء. (ارميا 2:11-13)
يرجع أصل الاختيار إلى مبادرة الهيّة مجانيّة. إن الربّ هو الذي “لصق بكم واختاركم” (تثنية 7/7)، ولستم أنتم الذين اخترتموه. والسبب الوحيد لهذه النعمة هو “المحبة”: لا يبرّرها أي فضل ولا أي امتياز، من جانب اسرائيل، فإنه يقلّ عن جميع الشعوب “ولكن… الرب أحبكم” (تثنية 7/7-8). فيضع الاختيار علامة حميمة بين الله وشعبه” “أنتم بنو الرب” (تثنية 14/1). فتصبح بين الله وشعبة قرابة روحية ناتجة عنه.
ويهدف الاختيار إلى تكوين شعب مقدس، مكرّس للربّ، مرتفع “فوق جميع الأمم للتسبيح والذكر والمجد” (تثنية 26/19)، لينشر بين الشعوب عظمة الرب وسخاءه. وتقوم الشريعة، بمثابة الوسيلة الكفيلة بتحقيق هذه القداسة.
“لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك. إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعباً أخصّ من جميع الشعوب الذين على وجه الارض. ليس من كونكم أكثر من سائر الشعوب التصق الرب بكم واختاركم لأنكم أقل من سائر الشعوب. بل من محبة الرب إياكم وحفظه القسم الذي أقسم لآبائكم أخرجكم الرب بيد شديدة وفداكم من بيت العبودية من يد فرعون ملك مصر”. (تثنية 7/6-8)
وأخيراً ينتظر هذا النداء جواباً أي تكريس القلب والحياة بأكملها. هذه هي العلامات المميزة للدعوة:
فأجاب جميع الشعب معا وقالوا كل ما تكلّم به الرب نفعل. فرد موسى كلام الشعب إلى الرب. (خروج 19/8)
فقال الشعب ليشوع. الرب إلهنا نعبد ولصوته نسمع. (يشوع 24:24)
الدعوة في العهد الجديد:
يسوع، المختار من الله:
لقد تمّ في المسيح التدبير الذي بدأ عند اختيار ابراهيم واسرائيل. إنه الوحيد “القدوس”، “وخادم الرب”، الممسوح والمكرس لعمل مشيئته. هو الحجر المختار، الوحيد القادر على تحمّل البناء الذي يشيّده الله “ويجمع فيه كلّ شيء”. (أفسس 1/4)
من أول صفحة في الأناجيل إلى آخرها، نرى يسوع عارفاً من أين يأتي، وإلى أين يذهب:
أجاب يسوع وقال لهم وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق لأني أعلم من أين أتيت وإلى أين أذهب. وأما أنتم فلا تعلمون من أين آتي ولا إلى أين أذهب. (يوحنا 8/14)
يسوع لم يمر بنفس الاختبار للدعوة الذي مرّ به الأنبياء من قبله والرسل من بعده. إنه يتمتع بكيان فريد، كيانه الإلهي. لكنه مرسل من الآب:
وكان صوت من السماوات. أنت ابني الحبيب الذي به سررت (مر 1/11)
دعوة التلاميذ ودعوة المسيحيين:
إذا كان يسوع لا يسمع من الله نداء خاصاّ به، إلا أنه يكثر من النداءات لأتباعه. فالدعوة هي الوسيلة التي يجمع بها الإثني عشر حوله. وبهم ظهرت رغبته في إتمام عمله بمشاركة “الذين أرادهم”.
“ثم صعد إلى الجبل ودعا الذين أرادهم فذهبوا إليه. وأقام اثني عشر ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا”. (مرقس 3/13-14)
إنهم يمثلون حوله الأسباط الاثني عشر للشعب الجديد.
ولكنّه يوجّه لغيرهم نداءً مماثلاً:
“فنظر اليه يسوع وأحبه وقال له يعوزك شيء واحد. اذهب بع كل مالك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني” (مرقس 10/21)
“قال يسوع لتلاميذه إن أراد أحد أن يتبعني فلينكر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني”. (متى 16/24)
لا ننسى “دعوة مريم” إلى الأمومة الإلهية واستجابتها المطلقة لمشيئة الربّ: “هاءنذا أمة للرب، فليكن لي بحسب قولك”
ودعوة بطرس “صخر الكنيسة” ومركزها، دعوة بولس رسول الأمم… الخ… كما تحفل السنين والأجيال منذ نشأة الكنيسة بدعوات زيّنتها بشهادات مقدسة.
وإن كان “المدعوّون كثيرين والمختارون قليلين”، فلأنّ الدعوة إلى الملكوت هي نداء شخصي، يصمّ البعض آذانهم عنه: (مثل الدعوة إلى الوليمة: متى 22/1-14) فالحياة المسيحية نفسها –اتباع المسيح- هي دعوة بحد ذاتها. ففي عظة بطرس الأولى في أورشليم، يوجّه نداء إلى اسرائيل شبيهاً بنداء الأنبياء، ويحاول حثّهم على اتخاذ موقف شخصي: “تخلّصوا من هذا الجيل الفاسد!” (أعمال 2/40) ويرى القديس بولس تقابلاً حقيقياً بين دعوته كرسول وبين دعوة مسيحيي رومة أو كورنتس، “الذين دعاهم الله ليكونوا قديسين” (رومة 1/1)
ولإرجاع أهل كورنتس إلى طريق الحقّ، يذكّرهم بولس بدعوتهم:
“فانظروا دعوتكم أيها الاخوة إن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ليس كثيرون أقوياء ليس كثيرون شرفاء، بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء”. (1 كورنتس 1/26)
إن الحياة المسيحية هي دعوة، لأنها حياة في الروح:
“الروح نفسه ايضا يشهد لأرواحنا أننا أبناء الله.” (رومة 8/16)
حتى يسمعنا كلمة الآب ويحدث فينا الجواب البنوي.
الكنيسة هي جماعة المدعوين، هي نفسها المدعوّة، مثلما هي المختارة. فكل الذين من خلالها يسمعون نداء الربّ، يجيبون!
الكنيسة شعب مختار:
فمن الطبيعي أن يسمّي المسيحيون أنفسهم “المختارين”
” من بطرس رسول يسوع المسيح إلى المتغربين من شتات بنتس وغلاطية وكبدوكية وآسيا وبيثينية المختارين” (1بطرس 1/1)
وقد أدركوا أن الله دعاهم من الظلمات ليجعل منهم “ذرية” مختارة… وشعباً مصطفى:
“وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب”. (1بطرس2/9)
إلامَ دُعِيَ المسيحيون؟
“إنكم أيها الإخوة قد دُعيتم إلى الحرية” (غلاطية 5/13) فلقد جاء المسيح “ليبلغ المأسورين إطلاق سبيلهم، ويفرج عن المظلومين” (لوقا 4/18).
لقد بدأ تاريخ الشعب المختار بحادث أساسي ألا وهو تحرير الله له من عبودية مصر (خروج 1 إلى 15). وعندما أدّت خيانات شعب الله إلى خراب أورشليم ثم إلى السبي، صار تحرير اليهود المنفيين في بابل بمثابة فداء ثانٍ. وهكذا يبرهن الله عن إخلاصه لشعبه رغم خياناته المتكررة. فهذا الشعب المختار هو عروس يهوه رغم خطاياه، بموجب العهد الذي تم أثناء الخروج الأول:
“فتقول لفرعون هكذا يقول الرب. اسرائيل ابني البكر”. (خروج 4/22)
كان تحرير اسرائيل يرمز مسبقاً إلى الفداء المسيحي. والمسيح هو الذي يقيم فعلاً عهد الحرية الكاملة والنهائية لكل من اتحد به بالإيمان والمحبة، سواء كان يهودياً أم وثنياً. “إن المسيح قد حررنا لنكون أحراراً… ” (غلاطية 5/1)
الحرية المسيحية، أتت نتيجة حدث تاريخي هو موت المسيح الظافر، واتصال مباشر معه في المعمودية. المؤمن حر، بمعنى أنه قد نال في المسيح قوة على أن يعيش منذ الآن وإلى الأبد في صلة حميمة مع الآب، كاسراً قيود الخطيئة والموت والشريعة.
مدعوون إلى حياة القداسة، حياة أبناء الله. والقداسة ليست حكراً بالمكرسين. إنّما هي للجميع.
هل عدم الانصياع لدعوة التبتّل خطيئة؟
كلاّ، إنّما هو خطأ كبير على من صلّب قلبه لنداء المسيح. فلنتذكّر حادثة ذلك الشاب الذي دعاه المسيح، فتهرّب لأنه “كان ذا مال كثير”.
لا ننسى أنّ الزواج حسن: “وقال الرب الإله لا يَحسن أن يكون المرء وحده، فأصنعُ له عوناً بإزائه” (تك 2/18)
إنما البتولية المكرسة أحسن:
“إن أردتَ أن تكون كاملاً، فاذهب وبِعْ كلّ شيء وتعالَ اتبعني” (متى 19/21).
إنّه التحرّر من أمور الدنيا لخدمة فضلى في حقل الرب: “إنّ الغير المتزوّج يهتمّ بما للرب، كيف يُرضي الرب. وأما المتزوّج فيهتمّ للعالم… فهو متجزّئ..” (1 كور 7/32)
إنّها أسمى وأكمل، لأنها تضحية بما هو سامْ (الحبّ البشريّ والعائلة البشريّة)، ولأنّها تَمَثّل بالمسيح المنقطع عن العالم لينصرف إلى شؤون الملكوت… لذا يقول القديس بولس: “من يتزوّج يفعل حسناً، ومن لا يتزوّج يفعل أحسن” (1كور 7/38)
مهما كانت الدعوة التي يختارك لها الربّ، تذكّر أنها كَثرت وجوهها، لكنّ المطلوب واحد: حبّ الله فوق كلّ شيء وحب قريبك كنفسك. تشبّه بالمسيح القائل: “لم آتِ لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني”