القسم
مواضيع تربوية
مواضيع تربوية
توجيهات تربوية (52) حول الاسلوب التربوي الوقائي نقلها للعربية بتصرّف الأب السالسيّ بشير سكر
للجميع وخاصّة العائلات
“التشجيع على التحديات”
” حين كان ابني الأكبر دافيد في الثالثة من العمر، كانت لعبته المفضلة سوبرمان مصغر. كان يلعب به طول اليوم ويحتفظ به في جواره في السرير خلال النوم. ذهبنا يوماً أنا ووالدته لاستلامه من روضة الأطفال وعدنا به الى البيت. كنا نعيش في بيت في الطابق العاشر وهكذا دخلنا المصعد. أنا وزوجتي كنا نتكلم فيما بيننا ودافيد كان يكلم سوبرمان الصغير. حين وصل المصعد الى طابقنا انفتحت الأبواب وبينما كنا نخرج سقط سوبرمان من يدي دافيد وانزلق سريعاً عبر أخدود المصعد لينهار عشرة طوابق حتى قاع المصعد. فقد الى الأبد ولم نستطع أن نفعل شيئاً. دافيد راح يولول يائساً. عانقته محاولاً تهدئته، وحاولت أن أقول شيئاً، لكن كما يحدث غالباً زوجتي فهمت ما كنت سأقول وأشارت الي بالصمت. فقد كنت سأقول له في تلك اللحظة: ” دافيد لاتقلق سوف نشتري لك سوبرمان آخر، لا بل سنشتري لك مئة”. حالما دخلنا البيت دافيد أسرع الى غرفته وهو يبكي بيأس، فقلت لزوجتي: ” لماذ أسكتني؟ ألا ترين كيف يبكي؟ “. فأجابتني: ” لا تحرم دافيد من فرصة التعلم من مواجهة الصعوبات “.
لا تحرم دافيد من فرصة التعلم من مواجهة الصعوبات… هذا واحد من أهم الدروس التي يستطيع أن يعطيها الوالدون. زوجتي كانت على حق: هكذا فقط يستطيع الأطفال (والبالغون) تنمية الصمود والامكانيات الذاتية والابداع.
الوالدون يسعون الى التدخل سريعاً لسحب الأبناء من المواقف الصعبة. ماريا مونتيسوري، واحدة من كبيرات المربيات في التاريخ كانت تؤسس أساليبها التربوية على مبدأ أن البالغ ليس عليه أن يفعل ما يستطيع الطفل فعله وحده. وفي حديثه الى الجامعيين كان البروفيسور كلايتون كيستنسين يشارك الحضور هذه الرسالة: ” التحديات التي يواجهها الأبناء لها هدف هام جداً: انها تساعدهم على تنمية الإمكانيات التي يحتاجون اليها للنجاح في الحياة. التعامل مع معلم صعب المراس، الفشل في نشاط رياضي، التأقلم والجو المدرسي المعقد… هذه بعض المواد الأساسية في مجال اكتساب الخبرة”… الأطفال يتعلمون أشياء كثيرة من التحديات. اكتساب الخبرة من التعامل والصعوبات منذ نعومة الأظافر يجعلهم أكثر قدرة على تجاوز المشاكل وعلى إعطاء قدوة متميزة للآخرين عندما يكبرون.
لا نصنع من ابننا ديكتاتوراً صغيراً
علي ألا أحرم ابني من شيء. لا أريد أن يعاني ما عانيته أنا. لا أريد أن يعيش الحياة التي عشتها أنا”. عبارات نسمعها تتكرر. وهكذا نؤمّن لابننا ليس فقط ما يحتاج اليه وانما أيضا ما يزيد. لا نريد أن يساء فهمنا. نحن لا نريد أن يتألم الأولاد لا نريد أن يعانوا من الحياة.
نقصد بقولنا أن الرفاهية الزائدة تقضي على صحة وسلامة النمو. الرفاهية قد تنمي الجسم لكنها لا تجمّل الروح. الرفاهية وحدها تصنع رجالاً ضخاماً لا رجالاً عظاماً. نريد أن نقول ان تدليل الأبناء خدعة. الحياة ليست كلها احتفالات واعياد ميلاد. التربية هي أيضاً بذل جهد! التربية هي أيضاً تدريب على تجاوز العوائق، متناسب ونمو الأبناء جسمياً ونفسياً.
لنكن صريحين: ماذا يحدث عندما لا يسمع الفتى أبداً كلمة “لا”؟ الفوضى.
يوافق الجميع اليوم بعد فشل أساليب التساهل مع الأبناء أن “لا” تساعد على النمو. طفل تدرب على القوانين سيصبح يقيناً فتى ومراهقاً أقدر على مواجهة الصعوبات…وعلى العكس، طفل متروك على سجيته يصبح متمرداً يكبر مضطرباً، متوتراً، طفولي المزاج، طفل غير مدرب منذ البداية على الحدود يصبح بسهولة طاغية صغيراً، على حد قول الخبراء.
التشجيع على التضحيات!
خطر على الانسان أن يبقى طويلاً بلا ألم. يوم بلا تضحيات هو يوم فاشل: الإرادة تتراخى؛ العدو (الكسل، الأنانية، الغرائز…) سيجد سهولة في الغلبة. ما هو الحل اذن؟
الإجابة واضحة: فتح الباب للتضحية! وهناك نوعان من التضحيات: السلبية والايجابية.
السلبية هي تلك المفروضة من طبيعة الحياة: الشغل، الدراسة، المهنة، الوعكات الصحية، التعايش الإنساني…
الإيجابية هي تلك التي نحن نبحث عنها.
على سبيل المثال: القفز من السرير حال يرن المنبه، أن نأكل ما لا يروق لنا، تحمل ألم الأسنان دون شكوى، إعطاء الدور للآخرين، الانقطاع عن مشاهدة التلفاز، الامتناع عن المكالمات الماراتونية… قد يجعلنا هذا نبتسم. رغم ذلك فهذه هي التضحيات التي تدعم الإرادة لكي تواجه ثمن الحياة الإنسانية.