الرجل والمرأة في الكتاب المقدس
على صورة الله ومثاله
على صورة الله ومثاله
مواضيع في التعليم المسيحي
الأب السالزياني داني قريو
للعائلات
وجودنا هو ثمرة حب نابعة من الله
المحبس:
إذا سألت العلم ما هذا: هو حلقة أو دائرة كاملة، أو معدن غالي الثمن، أو مجموعة نترونات وإلكترونات صيغتها الرمزية…
وإذا سألت الدين نفس السؤال: هو رمز لرباط الزواج، رمز للعلاقة القائمة بين شخصين والمبنية على الحب.
إن قصة الخلق (تك1) قصة جميلة جداً لأنها تُظهر عظمة الله وقدرته وسهولة الخلق بكلمة منه، ولكن وضع الإنسان ليس كوضع السماء والارض أو السهول والبحار كما خلقها الله. سفر التكوين يأتينا بمعنى أعمق للخلق ولاسيما في خلق الإنسان. “وجبل الرب الإله الإنسان تراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفساً حية” (تك2:7)
نجد الله يخلق آدم بيديه وحين نتحدث عن آدم نتحدث عن شخص مفرد جامع فهو شخص مفرد لكنه يرمز إلى جميع البشر. استخدم الوحي الإلهي صورة الله الفنان ليصور خلق الإنسان “صورة رمزية”.
فماذا فعل الله ليخلق آدم؟
وكأنّه بعد الانتهاء من خلق العالم يجلس ويتأمل ويفكر كيف يصوغ هذا المخلوق الثالوث بأجمعه يتصور ملامحه، وكأنّه يجلس على حافة النهر وبدأ يأخذ طيناً ويشكله: الجسم ثم الأطراف، الرأس وما به من فمٍ وأنفٍ وعينان و. وشيئاً فشيئاً بدأت ملامح العمل الفني تتضح تماماً كما يفعل أي فنان تشكيلي حين يبدع في نحت تمثال. ع.ق يرينا وكأن الله في صنعه الإنسان أخذ وقتاً وصنع وتوسخت يداه ورأى أنَّ ذلك حسنٌ جداً وليس حسنٌ فقط إنما حسنٌ جداً. كأنّه يدهش في هذه الخليقة في الانسان.
يرينا ع.ق كم أحبنا الله عندما خلقنا. ميزنا عن الكون خلق الكون كلّه بكلمة كن فكان، لكن مع الأنسان أقام علاقة معه، أشرك كامل حواسه ووجدانه حتى يخرج هذا الإنسان إلى الوجود.
إنّ كلمة خلق في اليونانية تعني “أبدع الشعر”، “أبدع التناسق والتناغم” فإلهنا فنان شاعر يخلق الحياة ويبدع الجمال. والفنان الحقيقي يخلق ما هو نفسه عليه. إنَّه مليء بالمفاجآت لأنه في شعره يعبِّر عن أعماق ذاته.
فالفنان أو الشاعر، المبتكر، العالم، الفيلسوف… يفهم ما معنى الخلق. يدرك لماذا اتخذ الوحي الإلهي هذه الصورة وذلك التصور لخلق الإنسان وإلى أي مدى ينقل الفنان حبَّه إلى الخامة التي يعمل بها ليشكل منها عملاً فنياً.
عندما انتهى ميخائيل أنجول من صنع تمثال موسى توقف برهة وصرخ في وسط الساحة أمام الجميع وقال: أنطق يا حجر. لأنه شعر بهذا الاندماج بينه وبين عملِّه وكأنه يقول أيها الصخر تكلّم معي، عبِّر، خاطبني، تجاوب مع هذه العظمة عظمة عملي، فقد وضعت كلَّ أحاسيسي، مشاعري، مواهبي، فني وحبّي لأصنعك لأخرج هذه التحفة.
هكذا فعل الله كما صوره الوحي الإلهي في الفصل الثاني من سفر التكوين، فقد أخذ يشكِّل، لطخ يديه بالطين حتى مرفقيه، لكنه كان سعيداً. هذه الطينة ابتلت من عرق جبينه، فالخامة التي خُلقنا منها ممزوجة بعرق الله: هكذا أحبَّ الله الإنسان حتى شكلّه بيديه وقلبه، وعجنه بعرق جبينه ووضع كل طاقاته في خلق هذا الكائن. وحين أكتمل العمل، قال إنه حسن، هذا هو الانسان الذي تصورتُه وتمنيتُه، فلنبث فيه من روحنا نسم حياة. وانحنى الله حتى اقترب بشفتيه من شفتي الإنسان، ونفخ فيه من حياته وروحه، وبدأت الحياة تدب في هذا التمثال، فأصبح الإنسان كائناً حيّاً، وفتح عينيه لأول مرة فالتقت نظرته نظرة الله، وكان أول لقا بين الخالق والمخلوق، وشعر الإنسان بعطف الأبوة المتدفقة من الله الخالق، نظرة تقابل نظرة، وابتسامة تقابل ابتسامة، ووجد الله في الانسان شكله، فقد خلقه على صورته كمثاله.
هذا التعبير قد نتخيله تعبيراً مجازياً شعرياً. إنه حقيقي، لا بمعنى الحقيقة المادية، بل حقيقة جوهرية. فالوحي الإلهي يريد أن يصور لنا مدى الاهتمام والجهد والتعب والحب الذي بذله الله في سبيل خلق الإنسان، وجودنا هو إذاً ثمرة حب نابعة من الله، وما جرى لآدم جرى لكل فرد منّا، لأن الله لم يخلق البشر جملةً واحدة كما فعل مع بقية المخلوقات، بل خلق إنساناً واحداً، ووضع فيه كل حبِّه. لهذا من الممكن أن يعتبر كل إنسان نفسه آدم.
الرجل والمرأة كما صورتهما قصة الخلق:
عندما يموت البشر تعود أجسادهم إلى التراب ونسمة حياتهم تختفي. الجسد والنفس “الروح” تشكل وحدة أساسية وما من شيء يقاوم الموت. لهذا السبب فإن تعبير “ابن الانسان” فقد استعمله للتأكيد على الضعف البشري وعلى فناء الانسان وموته فمصيره المحتوم هو الموت. الموت الذي وضع حداً لحياة الجسد وإن الإيمان بإله خالق قادر أن يظهر حبَّه المخلص والصادق نحو البشر أبعد من الموت، ولم ينم إلا ببطءٍ في ع.ق. وهو يعلق أهمية كبيرة على الحياة الحاضرة. ثم نسير إلى الدينونة النهائية لأعمال الإنسان.
نوعاً ما يريد كلٌّ منّا أن يعيش. لكن كل واحد سيموت.، وهذا أكيد فالموت شيء بديهي حقيقة تفرض نفسها وبهذا المعنى كأنّ شيء ممكن ألا يوجد فالموت ليس غريب عنّا لكن يصعب علينا.
طبيعياً: كل كائن مركب هو فاني، لو الإنسان لا يموت هذا سيؤدي إلى ازدحام رهيب، الموت يسمح بتجدد الأجيال. بالتالي الموت ظاهرة طبيعية. بالتالي الموت هو أكيد ومن المستحيل نفيه، لأن المادة الحية معرضة للتلف آجلاً أم عاجلاً. كل الكائنات الحية تحاول الحفاظ على الحياة لكن لا تضمن الاستمرار. تضعف لدرجة أنها لا تستطيع أن تقاوم الموت.
غير طبيعي: رأينا الإنسان هو الذي يعطي معنىً للوجود، وبما أنّ الإنسان صاحب معنى وعلاقة والعلاقة تطلب استمرار بالتالي الموت هو النهاية للعلاقة والمعنى لهذا الاستمرار.
ويمكن للإنسان أن يعطي معنى للموت بطرق مختلفة. فيصبح الموت جزءاً من حياته فالموت يلعب دور مهم بما يعطي للحياة معناها. في الغالب نحن لا نصل لعمر ال 100سنة وما فوق. فالموت يعطي معنى لكل لحظة (لا نستطيع القول بعد 200سة سأعمل كذا وكذا) وأعمق خبرة للحدود هي حد الموت. حياتي محدودة لمتى؟ لا أعلم. لكن أعلم أنها محدودة. فحياتي محدودة، مجهولة لكن لها متوسط معين. فالموت يحدد نوعية المغامرة الإنسانية فالموت عنصر أساسي في حياة الإنسان بالتالي شروط الوصول إلى النضوج، هو الوصول إلى قبول الموت، فقبول الموت هو مسيرة من الوعي (عادةً نحن حتى نتجنب ذكر الموت ولو على سبيل اللغة). فالمهم أن نأخذ موقف،
مهما يكن الموقف أمامي فترة لكن لا أعلم طولها ولن تزيد عن 100سنة وهذا يعطي جدية لكل لحظة من حياتي. فإذا كانت الحياة ممتدة إلى اللانهاية كان الوقت سيفقد معناه. فالإنسان يتميز وخاصة في مواجهة الموت كصاحب معنى. فسؤالي عن الموت يبرز أهمية المعنى في حياتي، والمعنى في الإنسان يظهر في العلاقة. والعلاقة ليست حقيقية إلا من خلال إعطاء أهمية جذرية للآخر من حيث هو آخ وبالتالي من خلال الحب. فالإنسان يكتشف أنّه موجود بفضل الحب ومن أجل الحب. ما يسمح لي أن أحب (هو اكتشاف خبرتي في أني محبوب قد أكتشف جذرياً أني موجود لأني محبوب وبالتالي حتى ولو اختفى كل حب الآخرين لي يبقى هذا الحب الجذري الذي أنا موجود به. فيظهر هكذا الوجود من حيث هو حب وحب غير مشروط “أحبك أقول لك ضمنياً أنت لن تموت “ففعل الحب فيه بُعد غير مشروط ثم الحب الحقيقي ليس امتلاكاً بل بذلاً. بقدر ما يتخلى عن ذاته من أجل الآخرين. فمن ناحية أكتشف عمق جذرية الحب الذي أنا موجود به والذي يعطيني أن أعطي معنى لحياتي بفضل حبي للآخرين الذي يتحقق في بذلي فأكتشف أنّ الحب أقوى من الموت. فيظهر أنّه يستحق أن يموت الشخص من أجل حبيبه. بالتالي يظهر في الحب معنىً أقوى من الموت وأن الكلمة الأخيرة ليست للموت إنما للحب فأكتشف الحب الذي يعطني أن أغلب الموت بالحب.
ففي الحب يكتشف الإنسان أن الخلود ليس من كيانه، لا يمتلكه ولكن يعطى له وأنّ الحياة الأبدية هبة تعطى للإنسان من قِبل من أحب الإنسان ويحبّه حبّاً جذرياً غير مشروط. ونحن نعيش الأبدية من الآن بقدر ما نعيش الحب الحقيقي الذي يصل إلى تمامه من خلال خبرة الموت التي فيها يتخلى الإنسان تماماً عن كلِّ امتلاك. (امتلاك الحياة حتى يعيش نهائياً في تلك الحياة الأبدية التي هي ليست خبرة امتلاك إنما خبرة بذل والعطاء المتبادل إلى أقصى الحدود). فيكون الموت للذي يحيا لذاته النهاية المرة النهاية العبثية التي لا معنى لها. وللذي يحيا لغيره المرحلة الحازمة في إتمام كل ما عاش به ومن أجله من خلال خبرة التخلي عن امتلاك كل شيء حتى الحياة فبقدر ما صار الإنسان حبّاً حقيقياً يعيش وينتصر على الموت. وعندما أقول لك أحبك ضمنياً أقول لك لن تموت. نكتشف الحب الجذري الذي هو المصدر الأول. وحب الله لي يعطيني أن أوجد كطاقة حب أي حب الله لي يعطيني أن أحب. وعندما أحب الآخرين أعطي الحياة للآخرين. وجذرياً نتيجة حب الله فيَّ يعطيني الحياة الأبدية وبقدر ما أحب الآخرين أحب أن أحيا وبقدر ما أحب الآخرين أعطيهم المجال لأن يحيوا. وحب الله هو الأساس الذي يشفيني بداخلي من سوء الحب. فالخطيئة شوهت الحب فهي إعاقة، ضباب لظهور إرادة الله المحيّة بالتالي إعاقة أمام ظهور الحياة الأبدية التي هي التحقيق الأساسي والأخير للحياة كلّها.
ومن هنا الخطيئة تحوي على منطق يؤول إلى الموت الثاني. وإرادة الله الخلاصية تقطع دائرة الموت وتدخلنا في إمكانية حياة جديدة.
الخطيئة تعطي للموت الطابع المأساوي. ومن هنا نفهم أنّ الموت للذي يرفض المحبة هو النهاية العبثية وأنّ الموت للذي يحيا المحبة لغيره مرحلة في مسيرة حياته كحب.