الحنان
معنى للإنسانية
معنى للإنسانية
مواضيع تربوية
عن مجلة السالزيان الدورية نقلها للعربية الأب السالزياني بشير سكر
للجميع
يستحيل فهم معنى “الإنسانية” من غير الحنان.
من غير الحنان تحلّ البرودة في العلاقات ومعها اللامبالاة والوحشية واللاإنسانية.
كانت إحدى الأمهات تحاول إقناع ابنتها (وكانت في نهاية المرحلة الثانوية) ببعض الإرشادات والمواعظ. كانت الفتاة تصغي وملامحها توحي بالتوتّر والانزعاج. ثم ما كان منها إلا أن حدّقت في عيني والدتها وصرخت: ” أنا مللت وتعبت من مواعظك يا أمي! أليس من الأفضل أن تضمّيني بين ذراعيك وتعانقيني؟ هذا أفضل من أية نصيحة. أرجوكِ عانقيني.”
هذا ما نفتقده اليوم. نفتقد الحنان. نفتقد جوهر الإنسانية.
فالحنان ليس مجرد عواطف حسية سطحية. إنه يعبق بالقيم النبيلة.
الحنان هو:
يؤكد علماء النفس أن الحنان ينعش الحياة ويسندها أكثر مما تفعل وجبة طعام شهيّ.
كيف ننمّي الحنان؟؟ نقتصر على نقطتين:
لانفرّط في أمسياتنا. المساء هو الفرصة الذهبية لتقاسم الحنان. المساء وقت السكينة والهدوء والراحة.
قبل الرقاد، يحتاج الإنسان إلى حرارة العاطفة، إلى التآلف والتقارب. الليل داهم ومرهب؛ نحتاج إلى من يأخذ بيدنا…
التعاطف المسائي يُنسينا توتّر وانفعالات اليوم. دون بوسكو الخبير بالتربية فَهِم أن الساعات المسائية هي ذات أهمية خاصة. لهذا السبب دأب على إلقاء كلمة المساء: إنها تلك الخطبة الوجيزة التي يلقيها المدير في المراكز السالسية على أهل البيت (شبان ومربين) لاختتام اليوم. كان دون بوسكو قد فهم أنّ في المساء يمكن إصلاح ما اعترى القلوب من عطب خلال ساعات النهار…
الأهل الذين يهتمّون بتوفير نوم هادئ لأولادهم يؤمّنون ليس فقط الدفء الضروري للأسرة، لكنهم يجعلون كوكبنا مأهولاً بسكان مازالوا يزاولون الحنان ورقة الإحساس، مأهولاً بسكان لا يتقنون فقط جشع التكديس لكنهم يشعّون ضياءً على مَن حولهم، ويا له من دور صائب! إذ ما الفائدة من إنجاب أولاد دون الاكتراث بأنسنتهم؟ … أليس ذلك شبيهاً بتصنيع أشخاص آليين؟
الوسيلة الأخرى التي نريد أن نلمّح اليها لإدخال الحنان الى البيت هي نبرة الصوت:
النبرة ليست حجم الصوت وليست نغمة الصوت؛ فحجم الصوت مرتبط بالطاقة الصدرية والنغمة مرتبطة بالجينات الوراثية التكوينية.
النبرة هي الحرارة والتلوين اللذين تضيفهما النفس إلى الكلمات.
نبرة الصوت البشري تحتوي على تعديلات شاسعة يمكن أن تبث ألف إحساس: الحب، الحماس، الفرح، العذوبة، الشجاعة، الأمل وخيبة الأمل…
إننا نقترح استثمار نبرة الصوت كاستراتيجية ممتازة لري جذور الحنان.
إنه فن الأمهات… إنهن يخاطبن رضيعهن منذ ولادته بنبرة عذبة، عاطفية، حنون، ناعمة، ترحيبية، مطمئنة، أخّاذة…
كل علماء النفس متفقون على الإقرار بأن الصغار يستشعرون نبرة الكلمات أكثر من مضمون الكلمات. إن حساسيتهم مرهفة إلى حدّ يجعلهم جميعاً عدوانيين في وجه الصراخ.
الصراخ يولّد انفعالاً وتوتراً
الصراخ هو الضفة العكسية للحنان. وبالتالي فالصراخ مرفوض ممن يسعى لبناء عالم يسكنه آدميون…الصراخ موطنه بين وحوش الغابات.