التوجيه الرسولي ٢٠٢٤
“الحُلُم الذي يجعلُك تَحلُم”
“الحُلُم الذي يجعلُك تَحلُم”
قلبٌ يحوِّلُ “الذئابَ” إلى “حملان”
يصادف عام 2024، مرور 200 سنة على حلم الطفل يوحنّا بوسكو (دون بوسكو) لذاك الحلم الذي عرفناه بشكل كبير في العائلة السالسيّة في جميع أنحاء العالم باسم حلم التسع سنوات. وبالنسبة لي هذه الذكرى المئوية الثانية لحلم “ساهم بتحديد أسلوب حياة وتفكير دون بوسكو بالكامل، والطريقة التي شعر بحضور الله في حياة كل شخص وفي تاريخ العالم بشكل خاص”[1]. لهذا السبب يستحق هذا الحلم بأن يكون الموضوع الرئيسي للتوجيه الرسولي هذا العام، وأن يكون الموضوع الذي سيوجه العام الرعوي لجميع أفراد العائلة السالسيّة المنتشرة حول العالم، بالإضافة إلى توجيهه للعديد من المساهمات التربوية والأنشطة الاجتماعية والتبشيرية في كل جزء من العالم السالسي الذي يضم العائلة الكبيرة التي ألهمها الروح القدس من خلال شخص أبينا دون بوسكو.
وكما أفعل كل عام في مثل هذا الوقت، أعرض هنا ملخص مسوّدة أولية لما سيكون عليه المسار الذي سيتخذه التوجيه الرسولي الذي سيتم تقديمه في نهاية العام. أود أن أشكر مجموعة الإخوة والأخوات الذين ساعدوني في التفكير في شعار التوجيه الرسولي والمسار المحتمل لهذا التأمل. كما أنني ممتن للمساهمة التي تلقيتها من المجلس الاستشاري العالمي للعائلة السالسيّة، الذي انعقد في فالدوكو بمناسبة عيد مريم أم المعونة، حيث اتفقنا بشكل كامل على توقيت هذا الموضوع، أي مرور 200 عام بعد حلم التسع سنوات.
نعم بالفعل، قبل 200 عام، رأى يوحنّا بوسكو الشاب حلماً “سيبقى معه” طيلة حياته، حلمٌ سيترك علامة لا تمحى من ذاكرته، لدرجة أنه لن يتمكن من فهم معنى هذا الحلم إلا في نهاية حياته.
عدة مرات روى فيها دون بوسكو حلم التسع سنوات، لكن سأشير إلى مرة مهمة جداً روى فيها الحلم، ويثمّن العديد من الإخوة والأخوات في الحياة السالسية هذه الرواية بشكل خاص جداً؛ حيث يروي دون بوسكو الحلم إلى الأب باربيريس Barberis في عام 1875، عندما كان يبلغ من العمر 60 عاماً، وبعدما شهد ولادة جمعيّة السالزيان (18 كانون الأول/ديسمبر 1859)، وأسس أخوية مريم أم المعونة ( 18 نيسان/أبريل 1869)، وأسس جمعيّة بنات مريم أم المعونة (5 آب/أغسطس 1872)، وعندما كانت جمعيّة المعاونين السالزيان (وفقاً للاسم الأصلي الذي قدمه دون بوسكو) على وشك أن تبصر النور، في 9 أيار/مايو 1876.
يوصف الحلم بسياقه السردي على النحو التالي: أحلام غريبة، تدوم طوال الليل، جاءت لتقضَّ مضجع دون بوسكو، هكذا اسرّ مرةً للأب جوليو باربيريس ولنا في 2 شباط/فبراير 1875.
كانت الرؤى الغامضة عبارة عن سلسلة من المشاهد السابقة، المتشابكة التي ظلت تتكرر مع العديد من المشاهد الجديدة. لكن المشاهد السابقة لم تختف تماماً عن الأنظار، بل امتزجت مع عجائب الأحلام الجديدة، وبدت هذه المشاهد جميعها وكأنها تجتمع على نقطة واحدة فقط: مستقبل الأوراتوريو.
وهذا ما رواه لنا دون بوسكو:
“كأنني كنت في مرج واسع مع حشد كبير من الأولاد الذين كانوا يتشاجرون، ويشتمون، ويسرقون، ويفعلون أشياء أخرى تستحق التوبيخ. وكان الفضاء مليئاً بالحجارة المتطايرة التي كانوا يقذفونها الأولاد في شجارهم. لقد كانوا جميعاً أولاداً متروكين، وخاليين من المبادئ الأخلاقية. كنت على وشك الرحيل عندما رأيت سيدة بجانبي، وقالت: «اذهب بين هؤلاء الأولاد، واعمل».
لقد اقتربت منهم، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ لم يكن لدي مكان لجمعهم، لكني أردت مساعدتهم. ظللت أتوجه إلى بعض الأشخاص الذين كانوا يراقبونني من بعيد، وكان بإمكانهم مساعدتي، لكن لم يهتم أحد أو يقدم لي أي مساعدة. ثم التفتت إلىّ السيدة وقالت: «هوذا حقلك»، وأشارت إلى المرج.
قلت: «هذا مجرد مرج».
فأجابت: «إنَّ ابني وتلاميذه لم يكن لديهم حتى مكان ليضعوا رؤوسهم عليه›. ثم بدأت العمل في ذلك المرج، من خلال تقديم المشورة، والوعظ، وسماع الاعترافات، لكنني رأيت أن كل جهودي تقريباً كانت بلا جدوى. كان عليّ أن أبني بعض المباني حيث يمكنني جمع وإيواء أولئك الذين تركهم آباؤهم وأولئك الذين يحتقرهم المجتمع ويرفضهم. ثم قادتني السيدة قليلاً إلى الشمال وقالت: «انظر!»
ففعلت ذلك ورأيت كنيسة صغيرة سقفها منخفض وفناء صغير وفيها عدد كبير من الصبية. استأنفت عملي، ولكن بما أن الكنيسة أصبحت صغيرة جداً، فقد توجهتُ مرة أخرى إلىّ السيدة وأشارت إلى كنيسة أخرى أكبر بكثير وكان هناك منزل مجاور لها. ثم أخذتني إلى حقل كان محروثاً ويقع قبالة واجهة هذه الكنيسة الجديدة تقريباً. وأضافت: “في هذا المكان، حيث استشهد شهداء مدينة تورينو المجيدون، افّنتور وأوكتافيوس. على هذا التراب المقدس المروي بدمائهم، أتمنى أن يتم تكريم الله بطريقة مميزة”. ثمّ مدّت قدمها وأشارت إلى المكان الذي سقط فيه الشهداء.
أردت أن أترك علامة هناك حتى أجد المكان مرة أخرى عندما أعود، لكنني لم أتمكن من رؤية عصا أو حجر واحد. ومع ذلك، أبقيت المكان في ذهني بوضوح. وهو يتطابق تماماً مع الزاوية الداخلية للأوراتوريو الشهداء القديسين، المعروف سابقاً باسم كنيسة القديسة حنة؛ إنها الزاوية اليسرى الأمامية حيث يواجه المرء المذبح الرئيسي لكنيسة مريم أم المعونة.
في هذه الأثناء، وجدت نفسي محاطاً بعدد كبير جداً ومتزايد من الأولاد، ولكن بينما ظللت أنظر إلى السيدة، كانت المباني والإعانات تنمو أيضاً وفقاً لتلك الزيادة. رأيت حينها كنيسة عظيمة جداً في نفس المكان الذي أشارت إليه على أنه المكان الذي استشهد فيه جنود الفيلق الطيبي. وكان هناك عدد كبير جداً من المباني في كل مكان، وفي الوسط كان هناك نصب تذكاري جميل.
وبينما كانت هذه الأمور تحدث وكنت لا أزال أحلم، رأيت أن الكهنة والإكليريكيين يساعدونني، ولكن بعد فترة غادروا. لقد بذلت قصارى جهدي لإقناع الآخرين بالبقاء، ولكن بعد فترة تركوني وحدي أيضاً. ثم التفت مرة أخرى إلى السيدة طلباً للمساعدة، وسألتني: “هل تريد أن تعرف ما يجب عليك فعله للاحتفاظ بهم؟” “خذ هذا الشريط واربط جباههم به.” بكل احترام أخذت الشريط الأبيض من يدها ولاحظت كلمة الطاعة مكتوبة عليه، وحاولت على الفور العمل بما قالته وبدأت في ربط جباه هؤلاء المتطوعين. لقد أحدث الشريط العجائب، وبينما كنت أمضي قدماً في المهمة الموكلة إليّ، تخلى جميع مساعديَّ عن فكرة تركي، وبقوا معي في ذلك المكان، وهكذا ولدت جمعيتنا.
لقد رأيت أشياء أخرى كثيرة جدًا، لكن ليست هناك حاجة لذكرها الآن. (ربما كان يشير إلى أحداث مستقبلية مهمة.) ويكفي أن أقول إنني منذ ذلك الحين، كنت أسير على أرض ثابتة فيما يتعلق بالأوراتوريو، والجماعة، وطريقة التعامل مع الغرباء، بغض النظر عن مناصبهم. لقد توقعت بالفعل كل الصعوبات التي ستنشأ وعرفت كيفية التغلب عليها.
كنت أستطيع أن أرى تماماً، شيئاً فشيئاً، ما سيحدث، ومضيت قدماً دون تردد، وفقط بعد أن رأيت الكنائس والمدارس والملاعب والصبيان والإكليريكيين والكهنة يساعدونني، وتعلمت كيفية تطوير الرسالة بأكملها، بدأت أذكر رسالتي للآخرين وأتحدث عنها كحقيقة، ولهذا السبب اعتقد الكثير من الناس أنني كنت أتحدث بحماقة واعتقدوا أنني مجنون.
ومن هنا نبع إيمانه الذي لا يتزعزع بنجاح مهمته، تلك الثقة التي تشبه الشجاعة في مواجهة كل أنواع العقبات التي تفوق قوة الإنسان على الاحتمال، ومع ذلك استطاع أن يصل رغم تلك العقبات إلى نهاية ناجحة.
(المصدر: ذكريات السيرة، المجلد الثاني، ص 232-233)
كما قلت سابقاً، دون بوسكو كان بالغاً عندما تحدث عن هذا الحلم بهذا الشكل، حيث عاش بالفعل أشياء كثيرة، وواجه الكثير من الصعوبات، ورأى بنفسه ما فعلته نعمة ومحبة مريم العذراء في أولاده، لقد رأى الكثير من معجزات العناية الإلهية، وعانى كثيراً ونحن نعرف هذا جيداً.
سبق الحلم الذي راود دون بوسكو عندما كان في التاسعة من عمره، والذي كتبه بنفسه في مذكرات الأوراتوريو[2] (التي بدأ كتابتها عام 1873 واستمر حتى عام 1875) عدة أحداث مثل وفاة والده والمجاعة الكبرى التي حدثت في السنين الأولى من حياته.
حيث كانت عائلته تَمُرُّ منذ البداية بصعوبات كبيرة، وكأن دون بوسكو يريد أن يقول لنا منذ بداية حياته، بأنه يجب علينا ألا نسمح لأنفسنا بالإحباط بسبب مصاعب الحياة، حتى وإن كانت كثيرة، وقد عاش يوحنا بوسكو بالفعل العديد من هذه الظروف القاسية، ولكن على الرغم من هذه الصعوبات يمكننا أن نحلم ويكون لدينا طموح ووجهة هدف للسير نحوها.
في الأسطر الأولى من هذه المذكرات، كتب دون بوسكو نفسه: “ما هو الغرض الذي يمكن أن يخدمه هذا المُجلَّد؟ سيكون بمثابة مُجَلَّد للمساعدة في التغلب على المشاكل التي قد تأتي في المستقبل من خلال التعلم من الماضي؛ وسوف يساعد في توضيح كيف كان الله نفسه مرشدنا دائماً. سوف يمنح سجل المذكرات هذا أبنائي بعض الترفيه ليتمكنوا من القراءة عن مغامرات والدهم. لا شك أنها ستُقرأ بشغف أكبر عندما يدعوني الله لأكون في السماء وغير موجود بعد فيما بينهم”.[3]
قد يتفاجأ البعض أنه في هذه الصفحات القليلة، التي أود أن أقدم فيها بعض الملاحظات الموجزة عما سأكتبه بمزيد من التفصيل لاحقاً، أريد توجيه الدعوة إلى:
الاستفادة من سنة الذكرى المئوية الثانية لحلم التسع سنوات في دراسة واستكشاف مذكرات الأوراتوريو وحلم التسع سنوات بقناعة أكثر عمقاً، حيث استمتعت بقراءة عدة صفحات من مذكرات الأوراتوريو قبل كتابة التوجيه الرسولي هذا وأدركت، مرة أخرى، أنه في هذا المجال من روحانيتنا السالسية، أي من تاريخنا وأساس الكاريزما الخاصة بنا، نحن نخاطر في قراءة هذه المذكرات والتعليق عليها ببعض الكليشيهات المبسطة للغاية وتكرار بعض الجمل بشكل عام دون التعمق بها. بينما الخدمة العظيمة التي يمكننا أن نقدمها لأنفسنا وللكثيرين الآخرين، وللعائلة السالسية حول العالم، والعديد من الأشخاص العلمانيين والشباب والأولاد والبنات، هي على وجه التحديد القدرة على تقديم “شيء قوي وملموس” عندما نطرح أي فكرة حول هذا الحلم للآخرين.
وأؤكد على هذا لأنه، كما نعلم، مذكرات الأوراتوريو هي نص سيرة ذاتية جمع فيها دون بوسكو في شكل سردي تاريخ أوراتوريو القديس فرنسيس السالسي، بالإضافة إلى تجاربه الشخصية فيما حدث هناك، مع رغبته في أن يترك لورثته الروحيين تعليماً ثميناً للمستقبل، جنباً إلى جنب مع أهم وأعمق التجارب التي عاشها، وتلخيص عمله التربوي والروحي الذي أدى إلى ولادة الأوراتوريو وتحقيق التاريخ الذي من المزمع أن يستمر إلى اليوم.[4]
“لقد سلط بيترو برايدو الضوء على هذه الصفة للمذكرات بشكل فعال، حيث صاغ تعبير “مذكرات المستقبل” لإبراز صفة العهد الذي نسعى لتحقيقه إنطلاقاً من هذه المذكرات، وذلك حتى قبل أن يتم اعتبار مذكرات الأوراتوريو وثيقة ثمينة تحتوي على رواية دون بوسكو للأحداث”[5]
وفي الوقت نفسه، ندرك أن هذا الحلم، الذي يوضع ضمن بنية المذكرات كعمود يدعم ويمهد للعديد من العناصر الأخرى الموجودة في حياة دون بوسكو، ويدلنا هذا الحلم أيضاً على أن “إعادة قراءته بأثر رجعي، أي إذا نظرنا إلى حياته من موقعه ككاهن ومؤسس وعدنا للخلف، فإننا لا يستطيع سوى أن نفهم ذلك الحلم سوى على أنه ظهور نبوي سابق لأوانه.[6]
لن أشير هنا إلى شخصيات الحلم وبنيته، ولا إلى التركيب السردي والحركات المختلفة التي تحدث في تطور الحلم كما قدمه لنا دون بوسكو. يمكن البحث عن ذلك في العديد من الدراسات العميقة والجادة التي أجراها مؤلفونا حول الروحانية السالسية، والتي تم الاستشهاد ببعضها بالفعل.
أنا فقط أقدم قائمة صغيرة عن بعض الميزات التي سيتم تطويرها بلا شك (وإن كان ذلك بطريقة سريعة، ليس كدراسة علمية ولكن كدعوة لترجمتها بشكل ملموس في حياة وكاريزما الجماعة والعائلة السالسية اليوم). وأشير إلى جوانب مثل ما يلي: [7]
أود أن أجمع هنا العناصر والمساهمات الأخرى التي تلقيتها من تفكير اجتماع المجلس الاستشاري للعائلة السالسية في عام 2023 ومن فريق العمل الخاص بنا، وتتضمن الجوانب التي ستجدها في المسودة النهائية بشكل أو بآخر ما يلي:
– قبل كل شيء، يجب أن نكون حريصين على عدم تقديم دون بوسكو كنموذج مثالي غير واقعي، إن دون بوسكو حقيقي وواقعي في الصعوبات التي واجهها خطوة بخطوة من خلال ثقته ورجائه في الرب القائم من بين الأموات وفي مريم أم المعونة.
– بالتأكيد يجب أن ننظر إلى حلم التسع سنوات باعتباره نبوءة تحتاج إلى توضيح ورؤية في سياق اليوم؛ إنه بلا شك مثال لكيفية قبول كلمة الله بكل تواضع وثقة، دون التسرع في محاولة تحقيق نتائج فورية.
– من الواضح جداً أننا بمرافقتنا لدون بوسكو في تأمله حول الحلم الذي راوده بعمر التاسعة، نشترك في تسليم دون بوسكو مشروعه وحياته إلى العناية الإلهية أي “في الوقت المناسب ستفهم كل شيء”.
– كما أعلن الرئيس العام السابق الأب باسكوال شافيز ذات مرة في التوجيه الرسولي عام 2012، سيتعين علينا بلا شك “مواجهة الذئاب” التي تسعى إلى التهام القطيع: أي اللامبالاة، والنسبية الأخلاقية، والنزعة الاستهلاكية التي تدمر قيمة الأشياء والخبرات، والأيديولوجيات الزائفة…
– يوجهنا الحلم إلى اتخاذ وسيلة حقيقية للتعامل مع الشبيبة في عالم اليوم. إن النصيحة المذكورة في الحلم “ليس بالضرب” تجعلنا مسؤولين أكثر من أي وقت مضى على التواصل مع الشبيبة بشكل فعّال، لأن خطاب الكراهية والعنف آخذان في الازدياد في عالم اليوم، وعالمنا يصبح عنيفاً بشكل متزايد، لذا يجب علينا نحن مربي ومرشدي الشبيبة أن نؤمِّن بديلاً مسالماً لما أزعج الشاب يوحنا في حلمه والذي يؤلمنا كثيراً اليوم.
– تقديم السيدة كمعلمة وأم، إنها والدة كل من السيد المهيب الذي ظهر في الحلم والشاب يوحنا نفسه؛ فهي أم تقول له وهي تمسك بيده:
لأن المنظور الأساسي هو: ليس فقط النظر إلى الحلم كمشروع دعوة تم تسليمه إلى دون بوسكو فيما يتعلق بما سيحدث في المستقبل، ولكن من المهم النظر إلى الوراء انطلاقاً من هذا الحلم، ورؤية الدموع التي ذرفها دون بوسكو أثناء قداسه في كنيسة القلب الأقدس في روما كرسالة، فمن المهم إعادة قراءة حياته، ورؤية كيف يظهر الرب كبطل الرواية الذي يحمل كل شيء بين يديه، وكيف يتفاعل حلم التسع سنوات مع أحلام كل السالزيان أبنائه وبناته لدون بوسكو، أي كل العائلة السالسية وبشكل خاص الشبيبة.
وبهذا المعنى، فإن الحلم يجعلنا نحلم ونفكر في مَن نحن ولماذا نحن موجودون اليوم:
← كل خيار من اختيارات دون بوسكو هي جزء من المشروع الأكبر: مشيئة الله في حياته (الأحلام). لذا، لم يكن أي خيار اتخذه دون بوسكو اعتباطياً.
← الكثير مِنّا لا يدركون أن الله لديه حلم لكل واحد منّا، خطة مصممة خصيصًا لنا من قبل الله نفسه. إن سر سعادتنا التي نرغب فيها بشدة هو على وجه التحديد الالتقاء والتوافق بين حلمين: حلمنا وحلم الله[8].
← يتحدث الله بطرق عديدة، ويحقق أشياء عظيمة بـ “أدوات بسيطة”، بما في ذلك في أعماق قلوبنا، من خلال المشاعر التي تتحرك في داخلنا، من خلال كلمة الله التي نقبلها بإيمان، والتي يتم اكتشافها بصبر، وتلك الكلمة المتأصلة بالحب، والتي نتبعها بثقة.
← في الحياة، الاختيار والحلم واتخاذ القرار كلها أشياء تنطوي على تحمل المسؤولية عن عواقب هذا الاختيار. كل هذا ينتج القلق والانزعاج وحتى الخوف.
← مقطع “كن متواضعاً، شجاعاً، قوياً” الذي أشرنا إليه سابقاً، يساعدنا أيضاً في التغلب على إغراء التخلي بسهولة عن الالتزامات أو الاتكال المزيف على الله دون تحملنا لمسؤولية القيام بدورنا وجهدنا في الرسالة. حيث يجب أن نواجه صعوباتنا بقوة وتواضع أولئك الذين يدركون حدودهم ولكنهم يعرفون أيضاً أنه يمكنهم الاعتماد على النعم الموهوبة من قبل الله وعلى حضور الله المستمر في حياتهم.
← غالباً ما يتأثر الشباب بأحلام الآخرين: الوالدين؟ الاصدقاء؟ أو المجتمع؟ لذا من الضروري علينا أن نشترك مع الشباب في اكتشاف أحلامهم معهم ونحن على يقين بأن الله لديه حلم لكل واحد منّا، أي مخطط مصمّم خصيصاً لكل شخص من قبل الله نفسه: وأبرز ما يجب إدراكه في هذا المخطط هو أن هذه الحياة لديها سبب تستحق العيش من أجله وأننا مدعوون للإيمان بجمال هذه الحياة؛ وأن ننفتح على الرغبات العظيمة الموجودة في الحياة مثل حلم الله العظيم لكل شاب وشابة وأن نسعى جاهدين لتحقيق هذا الحلم.
← نحن بحاجة إلى الآخرين لتحقيق ذواتنا وحلمنا، إذ لا يمكننا أن نميّز الأمور بمفردنا؛ فمن الضروري أن نثق بأنفسنا ونسلّم ذواتنا لله. دون بوسكو سلّم نفسه بثقة عندما كان صبياً صغيراً لتوجيهات “معلمة” وهذا يفترض بطبيعة الحال وجود مرشدين حكيمين وملهمين بالإنجيل يمكننا أن نعهد إليهم بأنفسنا، وأمامنا كسالزيان مهمة جيدة في هذا الأمر أيضاً.
[1] PST1, 31ff., Quoted in BOZZOLO, Andrea (ed.), I SOGNI DI DON BOSCO. Esperienza spirituale e sapienza educativa. LAS, Roma, 2017, 211.
[2] .Cf. Memorias del Oratorio de san Francisco de Sales de 1815 a 1855. Translation and historical bibliographical notes by José Manuel Prellezo García. Introductory study by Aldo Giraudo, Madrid, Editorial CCS, 2003. [Tr note: quotations from the MO in English, however, are taken from the English translation of the MO by Daniel Lyons, Salesiana Publishers, New Rochelle, New York, 2010].
[3] MO 30. Quoted in BOZZOLO, Andrea (ed..), I SOGNI DI DON BOSCO, op. cit., 215.
[4] Cf. BOZZOLO, Andrea (ed..), op. cit., 214-215.
[5] P. BRAIDO, Scrivere “memorie” del futuro, RSS 11 (1992) 97-127, in BOZZOLO, Andrea (ed.), op. cit., 215.
[6] BOZZOLO, Andrea (ed..), op. cit., 216.
[7] Cf. BOZZOLO, Andrea (ed.), op. cit., 251-268.