قانون إيمان المنشّط:
- يحمل كل إنسان تاريخه معه. يؤمن بشيء ما أو لا يؤمن بشيء، فمن منطلق هذا الإيمان يقرأ واقع حياته ومشاريعه والواقع الذي يحيط به. تاريخنا أكبر منّا، ومع أنه ملك لنا، فإنّه يتخطانا ويدعونا. حياتنا قصّة هذا التاريخ ويقرأها الذين هم حوالينا ولعلّنا نحلم أن يجد أصدقاء كثيرون فيها ما يدعوهم لمزيد من الحيوية والأمل والالتزام والعطاء. فهذا التاريخ هو تاريخ شغف الله بالإنسان وتجسّد في يسوع الناصري، ومريم أم يسوع، وبطرس وبولس، ومار شربل، ودون بوسكو، ودومنيك سافيو، وماريا مازاريللو، ولورا فيكونيا وغيرهم… وأنت وأنا وآخرين كثيرين…
- وبما أن هذا التاريخ يجرّنا، نؤمن بشخص كل إنسان قبل كلّ شيء. فالشخص هو المطلق، ولو تخبّط في شبكة من العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تكيّفه وتفرض عليه شروطها وتخنقه أحياناً. لا نستطيع أن نلجأ إلى واحة سلام وطمأنينة حيث لا مشاكل. فالتاريخ الذي نؤمن به والذي نريد أن نُخبر عنه يفرض علينا أن نجعل الإنسان سعيداً، بإعادة فرح الحياة والبسمة إليه. إنّه لأمر صغير في خضمّ التجاوزات والاستغلال والعنف والظلم، بيد أنه أمر رائع وجذّاب، يجدر بأن يضحّي أحد بحياته في سبيله.
- لهذا السبب بالذات نؤمن بالتربية ونراهن على قدرتها في تجديد الإنسان والمجتمع. لاشكّ أن أسباب الأزمة كثيرة ومعقّدة، وبحاجة إلى مداخلات متعدّدة ومركّزة. ولكن، إن كانت التربية تساعد على مواجهة الحياة والنظر إلى المستقبل بأمل، فإنّها قد تساهم في الخروج من الأزمة.
- ليس الرهان على التربية مجرّد اختيار. فأهمّية الإنسان وحياته لا تقبل أيّ نوع من الاهتمام به ولا نجهل كم هي عديدة أنواع التربية عبر التاريخ. فالتربية عندنا تقوم على التنشيط، وهو أسلوب مميّز للتربية. فالتنشيط إذن ليس فصلاً من فصول التربية، إنّما هو كتابها بجميع فصوله.
- التنشيط هو نوع من النظرة إلى الإنسان ((Anthropologie وإلى طاقاته وكل ما يُسهم في إنضاجه. فكل إنسان قادر على تحرير ذاته بتفعيل ضميره وحسّه النقدي تجاه نفسه وتاريخه والآخرين والعالم. فتفعيل الضمير تسانده العلاقات ما بين الأشخاص، وبنوع خاص التواصل والعلاقات التربوية القائمة بين الشباب والبالغين.
- التنشيط هو أسلوب أيضاً، لأنه ينتقي الإمكانيات التربوية الموجودة في مؤسّسة ما وينظّمها بشكل علمي في مشروع تربوي كامل، حيث تُحدَّد إستراتيجيّة الأوقات والأماكن والفاعلون والمسارات والوسائل. فالخيار الأنثروبولوجي رهان يتطلّب شجاعة الإيمان بقيم معيَّنة. أما التنشيط كأسلوب فيُعلّم تدريجياً في “مدارس التنشيط” أو في دورات تنشئة.
- هدف التنشيط الأساسي والشامل إعادة فرح الحياة وشجاعة الأمل لكل إنسان. لقد اكتشفنا في التاريخ الذي هو تاريخنا أيضاً شخص يسوع ودوره الأساسي في حياتنا. فالتنشيط، من منظار مسيحي، يهدف إلى ملاقاة ربّ الحياة، وإن لم يكن تبشيراً مباشراً. فالتنشيط، كعمل إنساني، يتمتّع بعناصره الإنسانية الخاصة. ويبقى أن الشهادة بأن يسوع المسيح هو الرب، تسهم في تحقيق أهداف التنشيط بصورة أفضل. وهذا واضح جداً في أسلوب دون بوسكو التربوي القائم على اتّباع يسوع الراعي الصالح واستمداد القوة من قيامته.
- التنشيط كأسلوب له فضل في مجال التريبة على الإيمان أيضاً، إذ إنّ التربية على الإيمان ممكنة من خلال التنشيط، وذلك لأنّ الرهان على الإنسان يرتكز على بذور الإنسان الجديد الموجودة في المؤمن بيسوع المسيح وعلى ما يقتضيه لاهوت التجسُّد من منهجية في تطبيق أسلوب التنشيط في التربية على الإيمان. تتميّز التربية على الإيمان عن التربية عموماً، لأن الإيمان ينفتح على قدرة الله غير المتوقَّعة وعلى نعمته المنبثقة من الليتورجيا والأسرار المقدّسة، وبالتالي يتخطّى الإيمان حدود التنشيط ويسمو عنه.
- يتجسّد التنشيط في شخص المنشّط فهو إذن صورته المنظورة. يكشف المنشّط من خلال التنشيط عن قصة حياته، آملاً أن يجد آخَرون أيضاً قدرة العطاء في سبيل امتداد حدود الحياة إلى ما وراء حدود الموت. لذلك يتأهّل بالدرس والتفكير والتأمّل والخبرة واستيعاب أساليب التنشيط المختلفة. فضلاً عن إظهار ما يؤمن به من مشروع حياة. فهو محترِف وحامل مشروع في آن واحد.
بعض مقاييس الحياة والعمل للمنشّطين:
من الخبرة:
- التحمُّس والعطاء في الخدمة التربوية.
- الخوف، الإحباط، التوتُّر، عدم الاستقرار…
- لا أحد يولد منشّطاً… بل يصبح منشّطاً.
- لذّة التنشيط في نقل الحيويّة.
- وتنمية الشخص.
- والتوجيه إلى الخدمة.
- والخدمة الموجَّهة إلى الصغار والجماعة.
يجب الانتباه إلى:
- الطمع في حبّ الذات، بأن يلعب أحد دوراً مركزيّاً، أو يبالغ في النشاط، أو يطالب بالشكر وعرفان الجميل…
- التواضُع والاستعداد للتعاون (رفض الخضوع السلبي والتذمُّر المستمرّ، بل يجب التركيز على الحوار والتقييم).
- الحضور التربوي، وهو حضور موجِّه ومشجِّع.
- نظرة الأولاد إلى المنشّط (أقوال، مواقف، تصرّفات: التدخين – طريقة اللباس – نمط الحياة…)
- الخدمة موجَّهة للأولاد وليس للذات…
تجنُّب تجربتَين تهدّدان شفافية حياة المنشّط:
- الاعتزال والهَرَب مع الأصدقاء وانغلاق على الذات والمصالح الخاصّة، بدل إعطاء الأولوية للأولاد.
- الاهتمام بالأولاد وكأنّهم ملك له (عاطفيّة – تفضيل – محاباة – حسَد…).
احترام الأدوار والمسؤوليّات المختلفة (اللجوء إلى المراجع العُليا – عدم الانفراد في اتّخاذ القرارات، خاصّة في مجال النظام والعقوبات…)؛ ومع ذلك فلا أحد يعتبر نفسه من الدرجة الثانية، لأنّ الدور التربوي أساسي وذو معنى، ولو لم تكن المسؤوليّة كاملة.
روحانية المنشّط:
الروحانية هي اختبار الله والسير إلى الأمام لتحقيق الهويّة المسيحية والتربية على الإيمان والتطلُّع إلى القداسة. فهي نمط حياة يتجسّد في الحياة اليومية حيث الله حاضر، والعمل في سبيل ملكوت الله.
أساس هذه الروحانية: سرّ التجسُّد (تلاقي الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية في يسوع المسيح). فمن هذا المنطلق أصبحت حياة الإنسان والعالم واقعاً لاهوتيّاً وسرّيّاً ((sacrementel، أي علامة تكشف وتستُر حضور الله.
الروحانية تطال كل أبعاد الحياة (الذاتية، الاجتماعية؛ الثقافية…).
مواقف المنشّط الروحية:
- قبول الذات بشكل إيجابي (مع معرفة نقاط الضعف)، ويعني ذلك قبول الحياة؛
- إثبات الهويّة الذاتية لإقامة علاقات إيجابية.
- حبّ الحياة ومكافحة بذور الموت المتفشّية.
- اعتماد سُنّة الحبّة (“إن لم تمُت لا تُثمر” – كل حبّة، مهما كانت صغيرة، تحمل الحياة).
- الانفتاح على الماضي والمستقبل.
- حبّ التربية، أي العمل في سبيل تنمية الأشخاص بالتركيز على طاقاتهم الذاتية.
الوصايا العشر لروحانية المنشّط:
- أؤمن بأن التنشيط هو أجمل خدمة يمكن إسداؤها للشبيبة، وأتطوّع للعمل المجّاني في سبيل الإنجيل، عالما بأن الله يحبّ من أعطى متهلِّلا.
- أسعى إلى تحقيق انسجام عميق مع الأسرة السالسية وجميع المنشّطين.
- أؤمن بأن الروح القدس يعمل دائماً في كل مكان وفي الجميع.
- أكتشف الخير أينما وُجد وأعمل لتنميته.
- أتقبّل ُالجديد في الفكر وفي العمل مهما كان صعباً ومُلزِماً.
- أتمثّل غنى كلام الله في الصمت والتأمُّل.
- أدرس بتعمُّق الخصائص المميّزة لروحانية دون بوسكو.
- أتعاون بإخلاص وصدق مع أسرة الرهبان والراهبات والعائلة السالزيانية وأتعهّد بالنظام والطاعة والقيَم المرعيّة في المركز.
- أكرّس وقتاً للصلاة الحارّة والنابعة من قناعتي الشخصية.
- أعترف بالصليب والعطاء طريقاً إلى الفرح الحق في الحياة.
المنشّط والفريق:
العلاقة مع الفريق تحدِّد دور المنشّط (ولو هنالك منشّطون بدون فريق).
فهمّه الأول تشكيل فِرَق وتنشيطها بأسلوب تربوي والاهتمام بنوع خاص بالذين لا يحبّون الانضمام إلى فريق. ويجب التذكير بأن كل فريق، بغضّ النظر عن هدفه الخاص، يصبّ في خانة التنشئة وبالتالي في خانة التربية على الإيمان، وبأن المرجع الموحِّد للجميع روحانية دون بوسكو وأسلوبه التربوي.
الفريق صاحب تنشئة:
يتحقّق تنشيط الفريق لمّا يعي الفريق التنشئة التي يتلقّاها، حينئذٍ يصبح فريقاً موحَّداً ومتشعِّباً، أي يتحوّل من مجرّد تكتُّل إلى فريق حقيقي (تجنُّب الاستقلالية الذاتية من جهة والاتّكال الكامل على الفريق من جهة ثانية)، ويصبح أيضاً فريقاً واعياً وناقداً (باستيعاب نقدي لمضمون التنشئة في داخله).
أمّا الأسلوب التربوي فيُعتبَر أسلوباً جماعياً لمّا يُستفاد من طاقة الفريق بشكل تربوي، ويتحوّل الفريق إلى مختبَر حياة، ويتعلّم من خلال الخبرة (خبرة الفريق – التفكير النقدي في الخبرة – الاستفادة من المضامين الثقافية والدينية الموجودة في الخبرة)، ويتعلم أيضاً من البحث (تساؤلات – فرز المضامين – عرض مضامين جديدة – إعادة ترتيب المضامين بابتكار…).
دور المنشّط في الفريق:
تخضع علاقة المنشّط بالفريق لبعض “التوتّرات”:
- بين الانسجام والبُعد.
- بين نقل المعلومات والبحث.
- بين السلطة والمساواة.
- بين الدور والتعبير عن الذات.
أمّا كفاءته التربوية فتظهَر من خلال وسائل خاصّة:
- توعية الفريق (لا يقدّم الحلول الجاهزة، بل يساعد على البحث عنها ويوسّع آفاق الفريق).
- يرافق في اتّخاذ القرارات.
- يشجّع على الانتقال من الأقوال إلى الأفعال.
- دوره الأساسي أن يضمن وحدة مسيرة الفريق التربوية ونوعيّة تنشئته.
- يساعد على تحويل الفريق إلى فريق حقيقي من خلال تفاعُل أعضائه الإيجابي.
- يلعب دور الوسيط بين الفريق والبيئة المحيطة به.
- يساعد على إيجاد مشروع مشترَك.
- يعتني بكلّ فرد.
مسيرة التنشيط في الفريق:
الانضمام والاستقبال:
- حضور المنشّط في حياة الأولاد اليومية (يعرفهم ويحترمهم ويلتقي بهم).
- المنشّط صاحب أفكار واقتراحات (يلبّي حاجات ويُنمي بذورا).
- يحسُب حسابا للمصاعب (عدم المبالاة – البُعد تجاه المناخ التربوي، تجاه الإيمان، تجاه النظام…).
- لذلك يخلق جوّا من الثقة (ينمّي الحوار).
- يشجّع الرغبة في الانضمام إلى فريق (ينمّي الحشريّة والاهتمام والبحث).
- يمهّد الطريق (بتسهيل تحقيق اهتمامات الأعضاء قدر الإمكان).
أمّا أهمّ مداخلاته فهي:
- تحسيس أعضاء الفريق للاعتناء بشخصهم.
- كسر الاعتزال والانفراد.
- توجيه انتظارات الأفراد واهتماماتهم صوب نظرة توافقيّة.
- الصراحة في مطالبة الأعضاء بأن يؤلّفوا فريقاً.
ترسيخ الفريق:
- يتحوّل الاستقبال إلى موقف واعٍ يضطلع به المنشّط شخصيّاً.
- تتأزّم الصداقة العفوية والتواصُل يتطلّب عمقاً.
- تظهر تدريجيّاً هيكليّة الفريق وتبرُز الأدوار والتوصُّل إلى برمجة…
- يظهر أيضاً الاستعداد للتغيير، لأن الفريق يفرض طريقة مشترَكة في التفكير والعمل والتقييم.
- المنشّط يؤهّل الأعضاء للقرار بالبقاء معاً في الفريق وممارسة التضامُن.
- حريص على عُمق التواصُل والمشاركة الفعليّة.
- يربّي على العمل المشترَك (مشاركة الجميع).
- يشجّع على أن يتمثَّل الفريق بالجماعة الكُبرى.
- يعمل في سبيل تنظيم الفريق (تعارُف – تحديد الأهداف والأدوار – كيفيّة الوصول إلى القرارات…)؛
- إطلاق التعبير، انطلاقا من التواصُل الشخصي.
- التدريب على التفكير والحوار الداخلي (معرفة الذات).
- تنمية حسّ الانتماء.
بداية المقارنة وحبّ الحياة:
بعد ترسيخ الفريق، تبدأ مرحلة اتّخاذ المواقف ومواجهة التحدّيات.
- الموقف الأساسي حبّ الحياة (الوعي – وضع مشروع).
- مواجهة الذات والواقع.
- توعية الفريق أمام الواقع الإنساني.
- إمكانيّة الخروج من المشاكل.
- وضع مشاريع قابلة للتنفيذ.
- التدرُّب على وضع المشاريع.
- ترسيخ الأفراد والفريق في البيئة الاجتماعية- الثقافية والكنسية.
مشروع الفريق وخيار الإيمان:
- عدم ضياع طاقات الفريق: التركيز على الالتزام والخيارات.
- العرض الصريح لقِيَم الإنجيل.
- البحث عن وجه يسوع وكنيسته: البحث عن التوافُق بين التساؤلات الذاتية وخبرة يسوع.
- الإنجيل دعوة للجميع للدخول في ملكوت الله.
- فتح المجال للخيارات الشخصية والحياتيّة.
- ممارسات تعبّر عن الإيمان وتعزّزه.
النضوج المسيحي والتعمّق في الحياة المسيحية:
- من إيمان سطحي أو بدائي إلى إيمان واعٍ وناضج.
- مظاهر الإيمان الخارجيّة.
- الشعور مع الكنيسة.
- دور الإيمان في الخيارات الأخلاقية.
- يسوع مقياس الحياة المسيحية.
- التمرُّس بالحياة المسيحية أي اختيار ثابت ونهائي لنمط حياة مسيحي.
- من الممارسات الإيمانية الجماعية إلى الممارسات الفردية عن قناعة.
- أبعاد الإيمان الأساسية: الصلاة والخدمة.
- مراجعة الحياة الذاتية والجماعية على ضوء الإنجيل.
- النموّ في الانتماء الكنسي والتعبير عنه.
الانتساب إلى فريق والدعوة الذاتية:
- توجُّه الفريق نحو الاستقلاليّة بالنسبة إلى المنشّط.
- ظهور مسائل جديدة (عمل الأعضاء – خطبتهم أو زواجهم – الاحتكاك ببيئات اجتماعية جديدة…).
- اكتشاف دعوات ذاتية خاصّة.
- الاعتراف بالمسافة المقطوعة كمسيرة إيجابية والانفتاح على الواقع الجديد بدون أسف.
وسائل لتأليف فريق:
- الثقافة المعاصرة تفضّل وتشجّع الفردية والنجاح الذاتي. لذلك يُعتبَر خيار الفريق عكس السير.
- التمرُّن على التفاعُل الإيجابي.
- تشجيع التواصُل.
- تلبية الحاجات المختلفة.
- أهمّية التماسُك الداخلي للفريق على صعيد العواطف والقِيَم والعمل.
- تحديد واضح للأهداف والتركيز عليها.
وضع نظام داخلي (تنظيم اللقاءات – أسلوب العمل – طريقة اتّخاذ القرارات- تناوُب الأدوار…).