الإباحية والعنف في وسائل الإعلام
يجب على وسائل الإعلام أن تأثير بشكل مفيد على الوحدة والتفاهم المتبادل بين البشر
يجب على وسائل الإعلام أن تأثير بشكل مفيد على الوحدة والتفاهم المتبادل بين البشر
مواضيع شبابية
سالزيان الشرق الأوسط
الشبيبة والمربين
الإباحية والعنف في وسائل الإعلام
في الأعوام الماضية الأخيرة عمّت العالم ثورة طاولت القيم الأخلاقية وانعكست انعكاسا عميقا على الأسلوب التقليدي والمسلكي عند الناس. وكان لوسائل الإعلام، ولا يزال، دور بارز في هذا التحول الذي شمل الأفراد والجماعات، نظرا لما تسوقه هذه الوسائل وتنطوي عليه من مواقف وأنماط حياتية جديدة.
لقد اتخذ بعض هذه المتغيرات منحة إيجابية تجلى، في “أن الوجه الإيجابي الأول هو أن ثمة كثيرا من الرجال والنساء يعون وعياً كاملاً كرامتهم وكرامة كل كائن إنساني… فمما لا ريب فيه أن وسائل الإعلام ساهمت في أحداث هذه التحولات المجيدة.
ولكن من جهة أخرى، وفي عدد لا يستهان به من الحالات، نشاهد تدهورا ملموسا. فهناك، فضلا عن التجاوزات السابقة المتنكرة للقيم والمثل المسيحية، انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان… فإذا كانت وسائل الإعلام، “تؤدي خدمات جلى إلى الجنس البشري”، فمن الثابت أيضا أن “بإمكان الناس أن يستخدموها عكس تصميم الخالق الإلهي ويحولها إلى هلاكهم بالذات”.
تتمثل إحدى الظاهرات المقلقة في أيامنا الحاضرة في تفشي الإباحية الجنسية والعنف وترويجها في وساءل الإعلام. فالكتب والمجلات والسينما والتلفزيون وأشرطة الفيديو، حتى وسائل التواصل عينها، تعرض غالبا مشاهد عنف أو جنس مباح تلامس عتبة الإباحية الجنسية أو تكون مرفوضة أخلاقيا.
إن الإباحية الجنسية والتباهي بالعنف، بوصفهما الانعكاس القائم للطبيعة البشرية التي شوهتها الخطيئة، إنما هما مظهران من مظاهر الواقع البشري العتيق. وقد اكتسبا في الربع الأخير من هذا القرن أبعادا جديدة، وباتا يطرحان معضلات اجتماعية خطيرة. وفيما يتفاقم التضليل في مسألة الأعراف الأخلاقية، نجد أن وسائل الإعلام تضع الإباحية الجنسية والعنف في متناول الأعداد الغفيرة من الناس، بمن فيهم القاصرون والفتيان.
لهذا يمكن أن يكون لوسائل الإعلام تأثيرها المفيد على الوحدة والتفاهم المتبادل، كما يمكن أنى تخفي نظرة مضللة عن الحياة والأسرة والقيم الدينية والأخلاقية، لكونها لا تحترم ما للإنسان من كرامة للحق والمصير.
عواقب الإباحية والعنف:
إن التجارب اليومية تؤكد نتائج الدراسات التي يقوم بها الباحثون في العالم حول المؤثرات السلبية الناجمة عن الإباحية الجنسية ومشاهد العنف المتداولة في وسائل الإعلام. ونعني بالإباحية الجنسية في وسائل الإعلام كل انتهاك يرتكب عن طريق استخدام التقنّيات البصرية السمعية بحق السرية الخاصة التي يتمتع بها الجسد البشري، ذكرا كان أم أنثى، ومن شأنه أن يجعل من الشخص الإنساني والجسد البشري سلعة مغلقة تسخَّر لقضاء حاجة سيئة بقصد المتعة. في هذا المعنى يعتبر العنف كل مشهد يهدف إلى إثارة الغرائز البشرية الدنيئة معتمداً على إبراز شديد للقوة الجسدية التي توحي ممارستها بالأذى والشهوة العدوانية، بما يتنافى مع الكرامة الإنسانية.
لا يعتبرنّ أحد نفسه محصنّاً بوجه العواقب الوخيمة الناجمة عن الإباحية الجنسية والعنف، أو في مأمن من المخاطر التي يتسبب بها أولئك الذين يستلهمون هذه الظاهرة. إن القاصرين والفتية هم اكثر الناس عرضة للسقوط في آفة الإباحية الجنسية والعنف السادي التي تسفّ بالحيوية الجنسية وتفسد العلاقة البشرية وتستعبد الأفراد، لا سيما منهم القاصرون والنساء، وتقوّض الحياة الزوجية والعائلية وتفضي إلى مسلكية لا اجتماعية تضعف اللحمة الأخلاقية داخل المجتمع.
لذلك فان الخطيئة هي إحدى العواقب الثابتة الناجمة عن الإباحية الجنسية. وبالتالي فان المشاركة الطوعية في إنتاج السلع المضرّة ونشرها يجب أن ينظر إليها على أنها شر منكر…
إنَّ تعرض القاصرين المتكرر لمشاهد العنف عبر وسائل الإعلام يلقي البلبلة في نفوس هؤلاء، إذ لا يستطيعون، بحكم سنّهم، أن يميزوا بعد بين ما هو خيالي وما هو واقعي. أضف إلى هذا، أن العنف السادي الذي تعرضه وسائل الإعلام قد يؤدي في مرحلة لاحقة إلى الهيمنة على الأشخاص السريعي التأثر، ولا سيما منهم العناصر الفتية التي يذهب بها الاعتقاد إلى أن العنف أمر مقبول ومألوف ولا عيب في تقليده.
إن ثمة علاقة تربط بين الإباحية الجنسية والعنف السادي… إن بعض الإباحية هو بحد ذاته عنف صريح في تعبيره ومضمونه. إن من يشاهد أو يستمع أو يطالع مادة من هذا النوع، إنما يتعرض لخطر إدراج هذه المادة في سلوكه الخاص وينقاد إلى فقدان معاني الاحترام والتقدير نحو الآخرين الذين لا يعود ينظر إليهم على أنهم أبناء الله واخوة وأخوات في العائلة الإنسانية الواحدة…
من عواقب الإباحية الجنسية أنها تولد التخيلات النفسية وتدفع أصحابها إلى اقتراف أعمال بذيئة، وتؤدي إلى إعاقة النمو الأخلاقي لدى الشخص الإنساني وتعطيل علاقات الإنسانية السليمة والراشدة في الحياة الزوجية والأسرية تتطلب الثقة المتبادلة والنزاهة الخلقية الصريحة فكرا وعملاً.
في الواقع يمكن للإباحة الجنسية أن تفسد الطابع العائلي الذي تتسم به العلاقة الجنسية الصحيحة. وبقدر ما تبدو العلاقة الجنسية بحثا عن إشباع نزوة فردية اكثر منها بحثا عن التعبير الصادق لحب زوجي ثابت، فبقدر ما تبدو الإباحية عاملا من عوامل تقويض الحياة العائلية بكاملها…
من الدلالات الخطيرة التي ينطوي عليها العنف والإباحية الجنسية إنما هو ازدراء الآخرين والنظر إليهم وكأنهم أشياء لا أشخاص، حيث تنعدم مشاعر الحنان والرأفة، لتحل مكانها اللامبالاة والقسوة.
أسباب المعضلة
يبدو أن من الأسباب التي يعزى إليها تفشي الإباحية في وسائل الإعلام، إنما هو انتشار تلك الأخلاقية المتساهلة المبنية على إرضاء الذات بأي ثمن كان، وعلى تلك النزعة العدمية اليائسة التي تنظر إلى المتعة وكأنها السعادة الوحيدة التي لا يمكن للفرد أن ينال سواها.
وثمة أسباب أخرى مباشرة تساهم بدورها في تفاقم الإباحية الجنسية والعنف، نذكر منها:
– الطمع بالربح: الإباحية ذاتها صناعة مبنية على الربح، ذلك أن بعض القطاعات الصناعية الإعلامية سقطت سقوطا ذريعا في تجربة استغلال الضعف البشري، ولا سيما منه ضعف الشبيبة والنفوس الرخصة.
– التذرّع بالحرية: يدعي البعض أن حرية التعبير تقتضي التساهل حيال الإباحية الجنسية، حتى ولو جاءت على حساب العافية الخلقية لدى الشباب، وعلى حساب الحشمة والأخلاق العامة… إن الحرية لا يمكن أن تكون رديفة للفلتان.
– غياب القوانين الدقيقة لحماية الخير العام ولا سيما أخلاق الشباب.
– ضلال العديد من الناس وبلادتهم، ممن يعتبرون أنفسهم، وهم على خطأ في ذلك أنهم لا دخل لهم في ظاهرة الإباحية الجنسية والعنف، أو أنهم عاجزون عن الإتيان بأي حل لهذه المعضلة.
كيفية مواجهة المعضلة
نتناول في هذا الصدد، الواجبات المطروحة في بعض قطاعات وهي: الأهل، المربون، الشبيبة.
الأهل: على الأهل أن يضاعفوا من جهودهم لتأمين التربية الصحيحة لأبنائهم.
المربون: المربون هم دون شك، أقرب المتعاملين مع الأهل في تربية الشبيبة.
الشبيبة: إن الشبيبة قادرة على أن تسهم في لجم موجة الإباحية والعنف المنتشرة في وسائل الإعلام، وذلك عندما تتجاوب مع الأهل والمربين، وتضطلع بمسؤولياتها الشخصية في قراراتها الأخلاقية وفي انتقاء برامجها الترفيهية.