أيها الإخوة المحترمون، والأبناء الأحباء.
1- بهذه الرتبة الاحتفالية نُنهي الذكرى المئوية التاسعة عشرة لاستشهاد القديسين بطرس وبولس، وبها نختم “سنة الإيمان” التي خصصناها لتكريم الرسولين القديسين، إعراباً منا عن تمسّكنا الوطيد بوديعة الإيمان التي سلّماها إلينا، وتشديداً لعزمنا على السير بموجب هذا الإيمان، في الظروف التاريخية التي تحدق بالكنيسة في مسيرتها وسط العالم.
2- وإننا لنرى من واجبنا أن نُعلن شكرنا لجميع الذين لبّوا دعوتنا، فجاءت سنة الإيمان على تمام حقيقتها الرائعة، بما أتاحته من تعمْقٍ في اعتناق كلام الله عن وعي وقصد، ومن تجديد الاعتراف بالإيمان في مختلف الجماعات، ومن تأدية شهادة السيرة المسيحية. فإلى إخواننا الأساقفة، بنوع خاص، وإلى جميع مؤمني الكنيسة الكاثوليكية المقدسة، نعرب عن امتنانا ونمنحهم بركتنا.
3- ويلوح لنا أن الواجب يفرض علينا القيام بالمهمّة التي وكلها المسيح إلى بطرس، ونحن خليفته وبين خلفائه أقلّهم فضلاً، وهي أن نثبّت في الإيمان إخوتنا. وإننا، مع وعينا لضعفنا البشري ولكن بملء العزم الذي تَسِم به هذه الوظيفة قلبنا، نُقْدِم على الاعتراف بالإيمان، في صيغته العلنية، التي، وإن لم تكن لها صفة التحديد العقائدي، فهي مع ذلك تُعيد في الأساس، مع بعض التوسّع الذي تقتضيه ظروف زماننا الروحية، قانون نيقية، قانون التقليد الخالد في كنيسة الله المقدسة.
4- ولا يفوتنا، فيما نقوم بذلك، ما يراود النفوس من قلق حول موضوع الإيمان، في بعض الأوساط المعاصرة، وهي ليست في عزلة عن عالم يتحوّل من الأعماق، ويقوم فيه اعتراض وجدل على أكثر من أمر يقين. وإننا لنرى كثيرين من الكاثوليك يندفعون، على غير تؤدة، في تيار التغيير والتجديد.
أجل إنه لمن واجب الكنيسة أن تجدّ باستمرار في سبر أغوار الله السحيقة، الغنية بثمار الخلاص، وفي عرضها على الأجيال المتعاقبة، بأقرب ما يكون إليها من أساليب. على أنه من واجب الباحثين، فيما يقومون بالتنقيب الضروري، أن يحرصوا الحرص كله على سلامة تعاليم العقيدة المسيحية، وإلاّ لتعرضت كثير من النفوس المؤمنة للاضطراب والحيرة، كما نرى ذلك في أيامنا آسفين.
5- ولا بد من التذكير في هذا المجال بأن العقل الذي وَهبنَاه الله، يدرك، من وراء ما يَخبره الحس والعلم، ما هو كائن، ولا يقتصر في إدراكه على التعبير الذاتي عن المقوّمات وتحوُّلِ الوجدان. وبأن مهمة التفسير – تفسير الكتاب المقدس – إنما تقوم بفهم وكشف المعنى الذي ينطوي عليه النصّ مع احترام التعبير، لا باستنباط هذا المعنى اعتباطاً.
6- وإننا لنضع فوق كل شيء ثقتنا الوطيدة، بالروح القدس، مبدأ الحياة في الكنيسة، وبالإيمان الفائق الطبيعة الذي ترتكز عليه حياة جسد المسيح. ويقيننا أن المؤمنين ينتظرون كلمة نائب المسيح، وتلبية لامنيتهم هذه، نلقي تعاليمنا المتتالية، على أن سانحة اليوم تفتح لنا مجالاً لكلمة أعلى.
تابع القراءة بتحميل الملف