أمكث معنا يا رب Mane nobiscum Domine
رسالة رسولية
رسالة رسولية
وثائق كنسيّة
البابا القديس يوحنا بولس الثاني
إلى الكنيسة جمعاء
مقدّمة:
1- “أبق معنا يا رب، فالمساء يقترب” (لوقا 24، 29).
هذه هي الدعوة التي وجّهها تلميذا عماوس ليسوع المسيح مساء يوم القيامة. فقد كان الحزن يعصر قلبيهما، ولم يفهما أن المسافر الغريب هو يسوع المسيح القائم من الموت. ومع ذلك فقد كان قلبهما “متّقدًا في داخلهما” بينما كان يفسّر لهما الكتب. واستطاع نورُ الكلمة أن يليّن قساوة القلب، فانفتح قلبهما وانفتحت “أعينهما”. ففي ظلام المساء وظلمة قلبهما، كان المسافر بمثابة قبس نور أحيا فيهما الرجاء والرغبة في النور الكامل. “أبق معنا”. وقَبِِلَ. بعد قليل سيختفي وجه يسوع، لكنه سيبقى تحت شكل الخبز المكسور الذي انفتحت أعيتهما أمامه.
2- صورة تلميذي عماوس تساعدنا في هذا السنة التي تركّز فيها الكنيسة على سر الإفخارستيا. فالمسافر الإلهي يرافقنا في طرق حياتنا المليئة بالأحزان والقلق وجميع أنواع الإحباطات، ويفسّر لنا الكتب في ضوء سرّ الله. وعندما يكتمل اللقاء، يتبع نورَ الكلمة النورُ المنبثق من “خبز الحياة”، الذي يحقق المسيح من خلاله وعدَه بأن يبقى معنا “طول الأيام إلى منتهى الدهر”.
3- إن “كسر الخبز”، كما كانت تدعوه الكنيسة الأولى، هو منذ البدء مركز حياة الكنيسة. فالمسيح يأوّن من خلاله سرَّ موته وقيامته. وفيه يُقبل المسيح، هو “الخبز النازل من السماء”، وفيه نُعطى عربون الحياة الأبدية، ونتذوّق الوليمة الأبديّة في أورشليم السماوية. وقد دعوت الكنيسة أكثر من مرّة الى التفكير في سرّ الإفخارستيا، لا سيما في رسالتي الأخيرة “الكنيسة من الإفخارستيا”، واضعًا نفسي في خطّ من سبقني وفي ضوء تعليم الكنيسة الرسمي المتواصل. لا أريد أن أكرّر في هذا الرسالة ما سبق وقلته، إنما أقول إن تكريس سنة كاملة للتفكير في سرّ الإفخارستيا أمرٌ فيه الكثير من الفائدة.
4- تعلمون أن سنة الإفخارستيا تمتدّ من تشرين أول 2004 إلى تشرين أول 2005. وقد حملني على تحديد هذا التاريخ حدثان يقعان في بداية السنة وفي نهايتها. الحدث الأول هو المؤتمر القرباني التي سيُعقد في المكسيك من 10 – 17 تشرين أوّل عام 2004، واجتماع سينودس الأساقفة التي سيتم من 2 – 29 تشرين أول عام 2005 حول موضوع: ” الإفخارستيا نبع وقمّه رسالة الكنيسة”. هنالك حدث آخر ألهمني، وهو يوم الشباب العالمي الذي سيتم في كولونيا (ألمانيا) من 16 – 21 تشرين أول عام 2005. أريد أن تكون الإفخارستيا المحور الذي يهدي الشباب في صلاتهم وتفكيرهم. كانت هذه الفكرة تراودني منذ زمن طويل، وهي تشمل التطور الرعوي للخط الذي أعطيته للكنيسة في سنوات التحضير للاحتفال باليوبيل الكبير وما تلاه.
5- أودّ في هذا الرسالة أن اركّز على الاستمرار الراعوي لهذا الخط، كي يسهل على الجميع الوقوف على طبيعته الروحية. أما بخصوص التطبيقات العملية لهذه السنة، فأعهد بذلك الى الأساقفة الذين سيقومون بما يرونه مناسبًا، لا سيما وأنه سيكون من السهل على الأساقفة أن يروا أن موضوع الإفخارستيا، والذي يأتي بعد سنة المسبحة الوردية، لا يتعارض بأي شكل مع البرامج الراعوية التي وضعتها مختلف الأبرشيات، لا بل ستلقي عليها نورًا إضافيا وستساعد المؤمنين على تأسيس عملهم الروحي على سرّ الإفخارستيا. لذا، لا أطلب أن تتوقف الأبرشيات عن برامجها الراعوية، بل أن تطعّمها بسر الإفخارستيا. من هنا أعرض بعض الأفكار العامّة وأنا على يقين من أن شعب الله سيقبلها بطواعية ومحبة كبيرة.
تابع القراءة بتحميل الملف