القسم
مواضيع تربوية
مواضيع تربوية
عن مجلة السالزيان الدورية نقلها للعربية الأب السالزياني بشير سكر
للجميع
ألَسْنا نبالغ؟
هناك أطفال يحملون إسواراً. إنه ليس حِلية لكنه جهاز استشعار. فعندما يبتعد الصغير عن مدى العين يطلق جهاز الالتقاط الذي في حوزة الأم إشارة تنبيه. إشارة حمراء! تركض الأم لاسترجاع صغيرها الذي كان يحاول أن يتمتع بنظرة خاطفة تجاه العالم الخارجي…
من المؤسف أن الأمر لا يرتبط بالخيال العلمي. هناك طراز مشهور من الأجهزة الإلكترونية المنزلية قد روَّج دعاية حول إسوار إلكتروني للصغار. فائدة الإسوار توجيه الأطفال وقيادتهم والسيطرة على تحركاتهم 100%!!
هل أمسينا نعامل أطفالنا كما نعامل الكلاب المربوطة بالطوق أم كما يُعامَل بعض المجرمين المشهورين الذين يبقون باستمرار تحت المراقبة من خلال إسوار فُرِضَ عليهم أن يحملوه بلا انقطاع؟
فلنحكّم عقلنا
ألم يحِن الوقت لنصرّح بأن الأمهات (أبراج المراقبة)، مهما ادّعَيْنَ محبة أطفالهن فإنهن في الواقع يدمّرْنَهم؟
في بلاد الغرب هناك رعب من المخاطر التي قد يتعرّض لها الأطفال، رعب يحاذي الغباء.
هذا فيما يخصّ الطوق الإلكتروني.
في الواقع، هناك نوع آخر من الأطواق مرفوض هو الآخر وهو الطوق الكلامي:
“لا تلمس”، “لا تركض”، “قف في مكان مشمس”، “لا تقف في مكان مشمس”، احذر من السقوط”، “نبهتك من السقوط”، “ارتدِ القميص”، “انزع القميص”!…
إنهم أطفال مسيّرون بتحكّم الطوق الكلامي.
كل هذا يوصلنا الى حتمية الخضوع للتعقل:
حين نحرم الصغير من كل أنواع الاستقلالية، فإننا نخنق حيويته.
كلنا نعلم أن الطفل توّاق الى الحياة.
لديه موهبة البصر ويريد أن يرى.
لديه موهبة السمع ويريد أن يلتقط الأصوات.
لديه يدان ويريد استخدامهما.
لديه ساقان ويريد استعمالهما.
أن تقول للطفل: “لا تُحرِّك”، “لا تلمس”، فكأنما تقول له: “قُضِيَ عليك”…
صدقت عالمة النفس “فيرّاريس” إذ قالت:
“لم نَرَ في أي عصر أطفالاً جُمِّد نشاطهم كما نرى في عصرنا اليوم”.
الطفل يملك حق التمتّع بالهواء الطلق. لو احتجزناه يموت!…
الملقِّن الآلي
يلحّ الخبراء على أن الأهل يجب أن يتخلّوا عن “الملقّن الآلي”؛ فهناك من يستخدم جهازاً يبدأ بالتلقين الآلي حالما يقترب الأبناء من مجال الصوت، مُرسِلاً تعليمات تربوية روتينية للتوعية والإرشاد… فالخبراء يصرّحون أن معظم الأبناء يصمّون آذانهم تجاه الآلة ابتداء من الثالثة من العمر… الشريط المسجَّل يحتوي عادة على مجموعة من الحكم الموروثة عن الأجداد، ممزوجة بنصائح عصرية قُرِئَت في مجلة أو سمِعَت في التلفاز…
المشكلة تكمن في خطورة تأثير الجهاز لأنه آلي… فالكلمات تبدو بريئة لكن الرسائل المبطّنة يمكن أن تكون ذات أثر مدمِّر، فكأنها تقول: “إنك غير قادر على التصرف كابن محترم، مسؤول، مهذّب، متعاون، إذا لم أضخّ في رأسك اللحظة تلو الأخرى ما عليك أن تفعله.” أو ما كان يقوله أهلنا في الماضي: “عليك أن تحمد السماء على وجودنا في جوارك، وإلا فما كان سيؤول اليه مصيرك؟”.
وكلما تكرّر الشريط، كلما ترسّخت في الذهن تلك الرسائل المقيتة!
مقدرة الأبناء على التعبير عن مسؤوليتهم وممارستها تنمو مع السن (…) وأفضل الأهالي هم أولئك الذين يميّزون بين صلاحياتهم والصلاحيات الخاصة بأولادهم.
من أهم الممارسات التي يجب أن ترافقنا باستمرار أن يسمع الصغار هذا الأمر من أهاليهم: ” اركض الى اللعب “… والنتيجة أننا سنرى أولادنا أقل توتراً، أقل اكتئاباً، أقل عنفاً، أقل ضجراً وسأماً من الحياة…
وهذا ما عناه المثل القائل: ” الطوق وحده لم ينتج قَط كلباً ماهراً نشيطاً!”…
الاعتماد كُلّياً على الجهد الذاتي
في ممرّ أحد مراكز إعادة تأهيل الأطفال ذوي الإعاقات متفاوتة الجسامة، كان هناك طفل ساقاه مشلولتان ومحتجزتان داخل أجهزة معدنية ثقيلة، كان يزحف وهو جالس على الأرض، متضجّراً وباكياً…
” يا تيتيانا، تعالي لتقوديني “، كان يصرخ متلوِّعاً منادياً المتطوّعة الشابة التي كان تنظر اليه مبتسمة وهي واقفة في نهاية الممرّ الطويل باسطة ذراعيها… ” ساعديني “، كان الطفل يصرخ باكياً… لكن الفتاة ظلت تبتسم دون أن تتحرّك…
ازداد الطفل هياجاً وبكاء، ومدّ ذراعيه الى الأمام بكل قوة، وبجهد ذاتي أرغم ساقيه على أن تنثَنِيا، إلى أن نهض على قدميه وهو يترنَّح، وبخطوات تُجاري السلحفاة راح يجتاز الممرّ…
بعد زمن كاد لا ينتهي وصل الى حيث كانت الفتاة والتي كانت طول الوقت في انتظاره مبتسمة باسطة ذراعيها…
ألقى الطفل بنفسه بين ذراعيها صارخاً: ” بمفردي! هل رأيتِ؟ كل هذا فعلتُه بمفردي!”
ضمّته الفتاة بين ذراعيها باكية وظلّا على هذه الحال مدة غير قصيرة…
كل المارّين كانوا يتأملون بإعجاب تلك اللحظات من السعادة الخالصة والتي يصعب وصفها بين فتاة وطفل يتعانقان طويلاً باكيَيْن.