مع أنبياء الماضي وأنبياء الحاضر
إعلان كلمة الله للشعب ودعوة للتوبة
إعلان كلمة الله للشعب ودعوة للتوبة
مواضيع في التعليم المسيحي
الأب ايلي طوبجي
للجميع
مقدمة:
للأنبياء مكانة كبيرة في العهد الجديد. يعلّمنا القديس بولس أن الكنيسة قد بُنيت على أساس الرسل والأنبياء كما نقرأ في الرسالة إلى أهل أفسس: “بُنيتم على أساس الرسل والأنبياء، وحجر الزاوية هو يسوع المسيح نفسه” (2/2). وهذا الذي ما تزال تكرره وتعلنه الليتورجيا السريانية والمارونية، حيث يُذكر دوماً الأنبياء مع الرسل كأساس للكنيسة. فمهمّة الرسل ومهمّة الأنبياء مهمتان أساسيتان متكاملتان عبر الزمان والمكان.
والكنيسة تمنح الموهبة النبوية لكل مسيحي بواسطة سري العماد والتثبيت، ولن نفهم هذه الموهبة إلا إذا تعمقنا في درس أنبياء العهد القديم. فالنبوءة في العهد الجديد تفترض الحركة النبوية في العهد القديم.
ومشوارنا في حاضر الكنيسة، يدعونا للعودة إلى أنبياء الماضي واكتشافهم من جديد، فنفهم أنبياءنا اليوم.
1- تعريف بالأنبياء:
إن فعل أنبأ لغوياً يعني: أخبر، أعلم. أما بالمعنى الديني، فالنبي هو، من جهة، المُخبر عن الغيب والمستَقبَل بإلهامٍ من الله. ومن جهة ثانية، هو المُخبر عن الله وما يتعلق به.
إن النبي إنسان يتكلم باسم الله. هوت صوتُ صارخٍ أمام إله يهيئ له الطريق، وهو رسوله لدى البشر. يرى ما لا يراه الناس، لأنه ينظر إلى الأمور بعين الله. وهو إنسان حلّ عليه روح الرب فاتّحد بالرب اتحاداً حميماً لأنه إنسان مدعوّ، إذ يختار الله نبيّه ويدعوه ويرسله، ويطلب منه أن يعطي ذاته الكاملة قلباً وفهماً وروحاً، رغم الصعوبات والآلام التي يمكنه أن يتكبّدها في سبيل رسالته.
وللرسالة التي يحملها وجهان: وجه يتعلق بالحاضر، ووجه يتعلّق بالمستقبل. فكانت رسالته لمعاصريه تنبيه للشعب وتحذيره ليُصلح أخطاءه وليشدد على الأمانة لعهد الرب، ويدافع عن المظلومين والمساكين ويدعو الشعب إلى التوبة الحقيقية ويزرع الرجاء في المستقبل، فإنه يتطلع إلى الخلاص الآتي من عند الرب، فيشجّع الشعب ويطلب منه أن يتطلع إلى المسيح المنتظر الذي يحقق مواعد الرب في شعبه.
ولأن الأنبياء يعنفون الشعب، فقد واجهوا مقاومة معاصريهم ولم يفهموهم. اضطهدوهم فمات بعضهم ليشهد للكلمة. ولمّا تبيّن صدق نبوءتهم وظهر عمق كلامهم، فيما بعد، تعلّق الشعب بتعليمهم وأعاد قراءة ما كتبوا، ففهم مخطّط الله وإرادته فيما قالوا.
ولعلّ أكبر مناقض للأنبياء كان الأنبياء الكذبة الذين يقولون ما يُرضي الملك والشعب. فيسمع لهم الشعب لأنّهم يقدّمون له الطمأنينة والسلام ويجارون نزواته ورغباته. ولكنّ الشعب سيكتشف خبثهم وشرّ كلامهم. وبعد فوات الأوان، يعود إلى أنبيائه الحقيقيين الصادقين.
إن أنبياء العهد القديم ساهموا مساهمة فعّالة في تطوّر الإيمان الذي بدأ وحيه في العهد القديم وتكمّل في الإيمان المسيحي. وهذا ما يبرر الأهمية التي أعطتها الكنيسة الأولى لكتب الأنبياء فأدخلتها في قوانينها وتبشيرها وطقوسها.
والفضل يعود، بنوع خاص، إلى كتاب العهد الجديد الذي اعتبر النبوءة عنصراً لاهوتياً أساسياً في مفهوم المسيحية. (دستور المجمع المسكوني “الكنيسة” عدد 12).
هذا هو وجه الأنبياء في العهد القديم. كلّموا الشعب باسم الله ووعظوه وشدَّدوا همّته في طريق الرجاء المسيحاني. ولقد كان تأثيرهم عظيماً، فهيأوا شعب الله لاستقبال المسيح، قمّة الأنبياء كما أُعلن في تبشير الكنيسة الأولى كلقب له (أعمال 3/22؛ 7/37)، كما أن المؤمنين بعد أن حل الروح القدس عليهم، يوم العنصرة، وجعل منهم إسرائيل الجديد، يتمتعون هم أيضاً بموهبة النبوءة (أعمال 2/17). (دستور المجمع المسـكوني “الكنيسة”(عدد 12).
2- دور ومكانة النبي في جماعة المؤمنين:
إن يقين الأنبياء بأنهم يقولون كلمة الله وليس كلمتهم، جعل أنبياء الكتاب المقدس ولا سيما يسوع، يقومون بأعمال جرأة غريبة. فقد تكلّموا على موضوعات تفوق القوى البشرية، ويلتزمون بها بثقة تعود إلى الصبيانية، ظاهرياً، إلا أن التزامهم بها يعود إلى يقين سامٍ متماسك جداً. وعلى سبيل المثال لم يخشوا تحديداً سابقاً لمستقبل قريب جداً، ولم يكن للسخرية التي يسببها بعض التأخير في تحقيق ما أنبأوا به، (اش 5/19 وحز 12/21-23) أن تثنيهم عن الالتزام للمستقبل بثقة وبسلطة مطلقة آتية من الله.
والأنبياء أنفسهم يفسرون ثقتهم الكبيرة هذه، بيقينهم بأنهم يقولون كلمة الله وليست كلمة بشرية من عندهم. يُعَبَّر عن هذا اليقين في عبارات تفتتح وتختم الأقوال النبوية: “هكذا قال الرب” في البدء، و”قال الرب” في النهاية.
هذه الكلمة التي يحملها النبي والتي تغيّر حياة الجماعة من حال إلى حال، لم يكن مرغوباً بها دوماً، لأنها ستغيّر ما هو مألوف في التقليد وتعيد تنظيم الحياة الرتيبة للناس والبعيدة عن الله. في الحقيقة لم يكن الأنبياء ضد التقاليد الموروثة في شعب الله، لكنهم توصلوا عبر اختبارهم الشخصي لله، أن يكونوا أحراراً إزاء التقاليد، كانوا لا شك مرتبطين بهذه التقاليد ومن خلالها بشعوب الشرق القديم، إنما لم يؤثر ذلك على مسلكهم، بل كان اختيارهم الشخصي لله هو الحاسم، فصاغوا لهم شخصية مميزة خاصة، فابعدوا الأشكال الإيمانية المبنية على القشور والمساومة وعملوا انطلاقاً من حقيقةٍ عاشوها وجودياً. وهكذا لم يلغوا التقليد، بل استعانوا به أحياناً في تبشيرهم، إنما التقاليد لم تكن أساساً لإيمانهم. بل فهموها على ضوء جديد هو ثمرة تغيير باطني جذري قادر على أن يحوّل الإنسان إلى خليقة جديدة.
فالأنبياء الحقيقيون هم أقل تعلقاً بالمؤسسات القائمة مع أنهم لم يكونوا منعزلين، بل كانوا محاطين بمعاونين، فقد كان لإيليا النبي تلميذٌ هو اليشاع (2مل 1)، وكان لأشعيا تلاميذ (2مل 8/16)، وكان لإرميا كاتب (2مل 36/4)، هؤلاء الكتاب والتلاميذ كان لهم الدور الأكبر في تدوين ونشر ما وصلنا من أسفار وكتابات نبويّة. فمعظم الأنبياء اللاحقون استوحوا من أسلافهم السابقين وعملوا على تطوير وتحديث هذه الأفكار. وحافظوا بذلك على الاستمرارية الفكرية والنبوية المرتكزة على قراءة الماضي. فبذلك نكتشف النبي الحقيقي من النبي الكاذب كما يشرح لنا ذلك إرميا (23/16، وحز 13/2). فالأنبياء الكذبة هم الذين يتنبؤون بكلمة الرب على هواهم.
وتعرّض الأنبياء للمقاومة لأنهم كانوا يدافعون عن حقوق الشعب الأساسية بجرأة لاهبة فيندّدون بالحرمان من الأجر ومن الملكية (ار 22/13) ويفضحون الغش والاختلاسات (عا 8/5؛ هو 22/8) وارتشاء القضاة وتحيزهم (اش 1/23؛ مي 3/11) وطمع الدائنين (حب 1/4) والخبث (ار 6/6) والانحلال الخلقي (اش 5/20) وفساد الرعاة معكري ماء الخراف (حز 34/81) وأصحاب السلطة الدينية والمدنية الذين يُضِلُّون الصغار (عا 2/7) ويخالفون أحكام الشريعة (هو 5/1). اتخذ الأنبياء مواقف جذرية ضد الخبث في العبادات إبّان الأضاحي (عا 5/21) وتجاه الهيكل (ار 26/1-15) وتابوت العهد (ار 3/16)..
ولكن إذا صح أن الأنبياء هم ثوار زمانهم، فإن ثورتهم هي دعوة إلى الارتداد الروحي، وإلى تغيير ما في داخل الإنسان وهذا هو الأساس. يظهر الأنبياء ملحاحين يستعجلون استقدام المستقبلات، وبهم تفاؤل لا يتزعزع بانتصار دعواهم، لذا يعنفون معاصريهم على معاصيهم، ويدعونهم لتغيير سلوكهم والسير باستقامة أمام الله. يحدو الأنبياء رجاء راسخ، بأن إله العهد سوف يحقق الوعد، من أجل إرساء مجتمع الغد على قاعدة العدل والبر والسلام، ولن يناقض يسوع هذا التوجه بل سيكمله بشرعة التطويبات في عظته على الجبل (متى 5/1-15).
وما يميز النبي أنه كان يؤمن حقيقة بأن الله يصب غضبه على أحداث التاريخ، ومع ذلك كان يؤمن بأن لهذه الكوارث معنى. كان الأنبياء يكتشفون بعفوية، تصدع البشرية في ظلمها وغرورها؛ فيستبقون بالرؤيا ما سيحدث من تناقضات ونزاعات وصراعات ومآسي.
فالنبي في الكتاب المقدس يحسن الانخراط في منطق التاريخ، فينطلق من كل المعطيات الماضية ويحكم على الحاضر، وأكثر من ذلك يمكنه استشراف المستقبل. هكذا يمكنه أن يحافظ على ديناميكية في التغيير، فيتجنب الأفكار الكيفية وعدم الاستقرار في نسق التفكير والشعور وخضوع الموظف وخداع الممالق.
أخيراً إن الأنبياء معكرو حياة إسرائيل، وهم القادة الروحيون لمجتمع يكون مركزه الله، وهم حماة العهد، وشهود المستقبل. إنهم رجال الكلمة والروح أيضاً (هو 9/7). يتقصون الأحداث المعاصرة، ويكتشفون في مسيرة التاريخ المتقلبة والمأساوية آثار الله فيصبحون أصدقاء له حميمين، ورسله، يتركون كل ما من شأنه أن يُقيِّد لا محدودية الكلمة، وكل الاعتبارات البشرية، والعسكرية والديبلوماسية.. التي تعوق عظمة طرقه، وطبيعة ندائه القاطع.
3- التسلسل التاريخي للأنبياء:
آ – أنبياء العهد القديم:
وُجد الأنبياء منذ البداية عندما عقد الله الآب عهداً مع الشعب الذي آمن به فصار إلهه المعبود. بِدءاً من موسى وأخوَيه مروراً بصموئيل وجماعة الأنبياء وبداود الملك وأنبياء بلاطه كناتان النبي، وانتهاءً بالأنبياء الشعبيين ويمثلهم ايليا النبي وتلميذه أليشاع. هؤلاء جميعهم لم يكتبوا نبوءاتهم إنما كانت تُلقى إلى الشعب الذي حفظها وذَكَرها في بعض نصوص العهد القديم، وكان أنبياء هذه الفترة يشكلون السلسلة المتصلة التي بدأت من موسى والعهد الذي أبرمه الله معه في سيناء، وملتزمين مع داود وعائلته الأبدية المسيحانية، ومع تابوت العهد والهيكل اللذان يمثلان رموز العبادة الأصلية للإله والمتجذرة بالتقليد المتوارث.
في القرن الثامن قبل المسيح، تحوّل هذا التيار النبوي القديم الذي كان يتحرك باندفاع وحرارة الروح، إلى تيار نبوي مكتوب مؤَسَّس على الكلمة والدعوة الخاصة. نميز بين هؤلاء الأنبياء: أنبياء ما قبل السبي إلى بابل، وكانت غايتهم الرئيسية تعنيف ضد البلاط، وضد الرؤساء، وضد الشعب، الذين كانوا يخونون تقليد موسى، عائشين في شَرْك عبادة الإله الآلهة الأخرى. وكان خراب السامرة وأورشليم تأكيدٌ لما أنبؤوا به.
ويمثلهم عاموص وهوشع وإشعيا الأول وناحوم وحبقوق وإرميا، فهؤلاء الأنبياء الذين كتبوا قبل السبي وعظوا ضد تفسير بعض عقائد الإيمان وكأنه أمر سحري، مثل: إن أورشليم آمنة دوماً لأنها مدينة الله، وإن سلالة داود أبدية، والحماية الإلهية الدائمة للشعب المختار. كلها حقائق موحاة، لكنها مرتبطة بالتمسك بالعهد وبالعبادة الداخلية والروحية، وهذا ما لم يعد متوفراً في الملوك، والرؤساء والشعب، فقد غدوا كلهم مشركين.
ويأتي بعد ذلك أنبياء فترة السبي، وفي خلال هذه الفترة وضع الأنبياء سلسلة من النبوءات المعزية، كي يدعموا الشعب الذي وقع في اليأس، ممن بقي أو ممن سُبي، محرضيهم على النظر إلى ما بعد فترة الامتحان، إلى صهيون الجديدة المطهرة من قِبَل المسيا. ويمثلهم حزقيال وإرميا وأشعيا الثاني، هؤلاء الأنبياء تطرقوا إلى مواضيع مشتركة، مثل: تعزية المسبيين الذين في آلامهم يتطهرون من آثامهم القديمة ومن ثقتهم ببعض العقائد الإيمانية القديمة كأنها سحرية: كاختيار إسرائيل كشعب الله، والإيمان بأبدية بيت داود، والإيمان بقداسة الهيكل وبالعبادة الخارجية؛ وتكلّموا عن الرجاء بخروج جديد، أفضل من الأول، مع عهد جديد مكتوب في القلوب مع تحوّل القديم إلى جديد والالتزام الفردي به؛ إصلاح صهيون المقدسة، المتحولة إلى جنة أرضية، كلها قداسة وطهارة؛ الانتصار على الأعداء التقليديين لمركزية الإله في الجماعة، خصوصاً على بابل التي تجاوزت دورها كـ”مطرقة” الله.
ثم أنبياء ما بعد السبي وفترة الإصلاح، تمتد هذه الفترة من قورش إلى الاسكندر الكبير، ركّز الأنبياء كلهم، وكل واحد بحسب طبعه وميله وبحسب الجماعات التي يتوجهون إليها، على “الإصلاح”.
بعضهم يقفون عند الإصلاح المادي. وآخرين ينشغلون بإصلاح كوني، يتمركز في صهيون المقدسة، وهو مكان اللقاء للـ”العائدين” وللأمم المهتدية. وهناك مجموعة ثالثة تتكلم ببساطة عن إصلاح كوني غير مركزي. من هؤلاء الأنبياء دانيال (1-6) وأشعيا الثالث وحجاي وزكريا (1-8) ويونان ويوئيل.
إن أنبياء هذه الفترة تأملوا بإصلاح شامل: إعادة بناء الهيكل وأسوار مدينة الحضور الإلهي وروحنة صهيون المقدسة؛ وعودة المسبيين واهتداء الأمم كلها؛ وإعادة قيام خيمة داود عند ظهور إشعاع الشرق الحقيقي؛ وإصلاح الشريعة في الشعب وإطلاق القانون الذي يعظه عبد يهوه لكل الشعوب؛ وحياة سهلة تكون في جنّة أرضية جديدة وقبول تحمل الألم بدلا عن الآخرين محبة لكل الناس.
الفترة الهلينية. بعض الأنبياء الذين خاب أملهم من الأسلوب الإصلاحي الذي تحقق، أن كان أولئك ذوي الطابع الوطني، أو ذوي الطابع الكوني، إن كان المركزيين أو اللامركزيين، حلموا بأن يتحول هذا العصر الشرير بواسطة تدخل مباشر من الله، الذي يفتتح ملكوت “ابن الإنسان” وقديسي العالي (تيار رئوي).
يوصف المسيح المرغوب به من قِبَل هؤلاء الأنبياء بأنه: سيصل أورشليم، وسيكون متواضعاً وعادلاً، راكباً جحشاً مثل المواهبيين القدماء، مفتتحاً ملكوتاً سلامياً عالمياً. عندها ستصبح فلسطين كلها فردوساً مفتوحاً وكل الشعوب ستهرع إليها لتحتفل، بالقداسة، بعيد الأكواخ.
أنبياؤه باروك ورسالة أرميا. هؤلاء الأنبياء يحولون الخلاص إلى العصر الآتي، وينسبونه إلى ابن الإنسان، وهو كائن آت من السماء.
فترة التيارات الصوفية والمسيحانية. كان التعليم الرسمي في هذه الفترة يقول بأن سلسلة الأنبياء قد توقفت، ولا يمكن لأحد أن يزيد شيئاً جديداً على النبوءات القديمة. وكان يُنتَظر فقط وصول المسيح، لكي يقرر في مسائل بقيت معلّقة (1مكابيين 4/46). وبسبب هذا الإيمان، انتهت النبوة من اليهودية الرسمية وتراجعت إلى التيارات الصوفية والمسيحانية.
1) أنبياء الصدوقيين: بالنسبة لهم فإن الحبر الأعظم وحده يحوز على التقدير الذي كان للأنبياء، لأنه الشخصية الوحيدة التي كانت تستطيع أن تحتك، في قدس الأقداس، مع الألوهية، والذي يحمل اسمه على جبينه. فقط هو، لأجل أسباب الخدمة، كان بإمكانه التنعم بالتواصل الإلهي، ولذلك يعتبر الخليفة الرسمي للأنبياء القدماء.
2) أنبياء الحسانيين: في تيار الحسانيين وُجد منهم أفراد آمن بهم معاصروهم واعتبروهم كأنبياء حقيقيين. وفي الحقيقة أن النبوة في الفترة القريبة من المسيح كانت قد اختلطت مع مهمّة الكهنة ومع موهبة الصوفيين الذين يستكشفون المستقبل، من خلال تفسير الأحلام، وتفحص أسرار الأنبياء القدماء، باستعمال موهبتهم في تفسير الكتب المقدسة.
ب – أنبياء العهد الجديد:
أن المسيحية كجماعة مسيحانية أعضاء ورأس ومؤمنين، وَعَت بأنها وريثة الروح النبوي للعهد القديم.
فقد كانت الكنيسة، منذ انطلاقتها مع العنصرة، مقتنعة بأنه قد بدأت في العالم كله حقبة الروح التي تنبأ بها يوئيل (3/1ت؛ 2/16-21). وشعرت بأن النبوة واحدة من أساسات تكوينها نفسه (اف 2/20)؛ وهذا ما اختبرته في يوم المعمودية (اع 19/6-7)، واحتفظت دوماً بمكانة جليلة للأنبياء واعتبرتهم من جوهر إيمانها ووضعتهم بالأهمية بعد الرسل مباشرة (1قور 12/28؛ اف 4/11).
إن موهبة النبوة في الكنيسة كانت من الأساسيات (1قور 12/7-11)؛ فهي تلزمها لأجل بنيانها، وتحريضها للسعي نحو الأفضل، وتعزيتها في الشدائد (1قور 14/3-5). حتى إن المعرفة العميقة للإنجيل غالباً ما كانت متأتية من هذه الموهبة (1قور 13/2؛ 14/6).
ولأن للنبوة كل هذا الإجلال والتقدير في الكنيسة، يمكننا فهم لماذا كان للموضوع النبوي دور في توضيح وإظهار أن أعمال وأقوال المسيح والكنيسة ذاتها كانت معلنة مسبقاً من قبل أنبياء العهد القديم، وأنه كان موضوعاً أساسياً لمعلمي التعليم المسيحي. فقد كانوا مقتنعين بأن النبوة لم تكن ثمرة الإرادة الإنسانية، بل من إلهام إلهي، لهذا كانت النبوءات مشرقة كسراج في ليل معتم (2بط 1/19-21).
وهكذا نفهم أيضاً لماذا قدّمت الكنيسة مؤسسها كـ “نبي” قبل أن تقدّمه كإله، ولماذا توارثت أسماء كل الذين حظوا، بحسب التقليد، بالموهبة النبوية.
يسوع الناصري، النبي. أكثر من مرة، خلال حياته الأرضية، آمن الناس بيسوع كواحد من الأنبياء ذوي الأسلوب القديم: ربما نبي مشهور “عاد للحياة” (مثلا إيليا أو إرميا: متى 16/14؛ مر 8/28؛ لو 9/19). وفي بداية تبشير الكنيسة به، قدّمته كالنبي الذي سيأتي والذي تكلم عنه موسى وأعلنه مساوياً له بالذات (تث 18/15)، فإن العبرانيين والسامريين كانوا ينتظرونه. وهكذا قدمه بطرس عند وعظه بشفاء المقعد (أع 3/22)، كذلك فعل اسطفانوس أمام المجمع (اع 7/37).
حوله سيدور، أثناء حياته، أنبياء آخرين صغار، كنجوم حول الشمس. زكريا، أليصابات، سمعان الشيخ، حنة النبية، يوحنا المعمدان.
في العهد الجديد، تابع يسوع مسيرة الأنبياء، وإن كان في أسلوب جديد وفي إبداع جديد. وأول ردة فعل قام بها الشعب حين التقى بيسوع لأول مرة، هو أنه آمن به نبياً كبيراً: “لقد قام بيننا نبي عظيم وافتقد الله شعبه” (لو 7/16. ويسوع نفسه كان يعتبر ذاته نبياً (متى 13/57؛ لو 13/33) وكان يتصرف كنبي. وأن فحوى ندائه النبوي يحمل المميزات الجوهرية لخطب الأنبياء: يتكلم لغة واقعية تفضح التباس رؤساء الدين والسياسة في عالمه.
والكنيسة أيضاً توارثت أسماء أنبياءها، أي أولئك الذين أرسلهم الله لأجل “بنيانها، وحضّها وتعزيتها” خلال السنوات الصعبة من طفولتها. مثل حنانيا دمشق (أع 9/10-19)، وأنبياء أورشليم (أع 11/27)، واغابُس من أورشليم (أع 11/28ت، 21/10-11)، وأنبياء إنطاكية (أع 13/1-3؛ اف 3/5-6)، ويهوذا وسيلا (أع 15/32)، وأنبياء مختلفين: في طرواس (أع 20/22) وفي لبنان (اع 21/4)، بنات فيلبس (أع 21/9)، أنبياء طيموتاوس (1تيم 1/18، 4/14؛ أع 13/2)، نبوءة الرؤيا (رؤ 1/3؛ 11/6؛ 19/10؛ 22/7. 10. 18. 19) والكلام عن الشاهدين (رؤ 11/1-14) في نهاية العالم وبهما تنتهي سلسلة أنبياء العهد القديم والجديد.
في الحقيقة أسس يسوع كنيسته لتكون صدى صوته النبوي في كل العصور وفي كل العالم. وهذا هو هدف الكنيسة ورسالتها. ولذا يجب أن يأخذ التبشير بالكلمة مكانه الأساسي والليتورجيا ذاتها هي عبادة تبشيرية بالكلمة. ومع أن يسوع على مثال الأنبياء، أخذ موقفاً انتقادياً من الليتورجيا ومن الكهنة. فلقد أسس ليتورجيا جديدة، ولكنها ليتورجيا ذات طابع نبوي إذ معه تحوّل العشاء السري الفصحي إلى عشاء إفخارستي، هو محور العهد الجديد. وقد شددت الجماعات المسيحية الأولى على هذا الطابع النبوي والتبشيري للعشاء الإفخارستي.
ولذا من الصعب أن نتصور كنيسة خالية من كل طابع نبوي، وإلا تخون الإنجيل. وتستعيد الكنيسة اليوم تدريجياً مواهب النبوة، فإن شعب الله بأسره يشارك في هذه رسالة المسيح المثلثة الكهنوتية والنبوية والملوكية. ويقول البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي “حول دعوة المؤمنين العلمانيين ورسالتهم في الكنيسة والعالم”: “يشارك المؤمنون العلمانيون في الخدمة النبوية للمسيح التي تؤهلهم وتجندهم لقبول الإنجيل بالإيمان والتبشير به بالكلمة والأعمال دون التردد في التنديد بالشر بجرأة إذ يتحد العلمانيون المؤمنون بالمسيح النبي العظيم، ويشهدون بالنبوة لقيامته”.
4- أنبياء الحاضر والحركة النبوية اليوم في كنيستنا:
إن رسالة أنبياء الحاضر في الكنيسة، هي في الحقيقة ذاتها رسالة أنبياء العهد الجديد كما مر معنا. فهم موجودون لأجل “بنيانها، وحضّها على الثبات، وتعزيتها في الشدائد”. إن المسيحيين جميعاً بحكم عمادهم هم أنبياء لأجل بنيان الكنيسة بما يتكلمون ويعملون في هذا العالم، “إن السيد المسيح “الذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم”(يو 10/36) أشرك جسده السري كله بمسحة الروح التي مُسح بها. فبه يصبح المؤمنون جميعهم كهنوتاً مقدساً وملوكياً، يقدمون الذبائح الروحية لله بيسوع المسيح ويخبرون بعظائم ذاك الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب. فليس من عضو إلا وله دور في رسالة الجسد كله، إنما على كل واحد أن يقدس يسوع في قلبه وأن يشهد للمسيح بروح النبوة”. (قرار مجمعي في حياة الكهنة وخدمتهم الرعوية، رقم 2).
إن غاية العمل النبوي اليوم في الكنيسة، هي تركيز على الأمانة للمسيح رأسها، فيصبح ملكاً حقيقياً على القلوب وعلى الحياة في كل جوانبها، يتجلى ذلك بقول البابا يوحنا بولس الثاني: “افتحوا الأبواب، بل شرّعوا الأبواب للمسيح”، وهي أيضاً عيش الدعوة الإنجيلية بأمانة في واقع عصرنا اليوم، والذي يتم باتباعنا المسيح مثالنا الحقيقي.
وتأخذ النبوة اليوم شكل الوعظ والتعليم والبحث اللاهوتي الأمين لكلمة الله، يضاف إلى ذلك العمل النابع عن إلهام الله للأشخاص كي يقوموا بأعمال الرحمة والمحبة، بكل تجرد وطاعة ومحبة، تجعل المسيح نفسه يتجسد في عالم اليوم.
وإذا أردنا رسم صورة لنبي اليوم لنتعرف إليه فيما بيننا فسيكون على مثال أنبياء الماضي، انه إنسان “يرى ما لا يراه الناس، لأنه ينظر إلى الأمور بعين الله”. أن الله اختاره ودعاه أرسله إلى اخوته لينبئهم بما يصلح مسيرتهم ويعيدهم إلى أصالة الإيمان، إلى العلاقة مع الله، وذكر عهدهم معه منذ عمادهم. روح الله عليه فهو متحد بالرب اتحاداً حميماً، يعاني من معاصريه الإهمال وعدم الفهم فيتحمل الصعوبات والآلام في سبيل رسالته، ويبقى منبوذاً رغم أنه يقابل الجميع بالمحبة التي علمنا إياها المسيح (1يو 4/19-21) أن كلامه قد يكون قاسياً لأنه يؤنب المسيحيين على عدم أمانتهم للمسيح وكنيسته، لكن ثقته هي في المسيح الذي يقويه ويرسله وليس في البشر، إذ أنه لا يأتي من عنده بما يقول بل قد اختبر الرب في الكنيسة وفهم مشيئته وإياها يعلن. سيواجه الأنبياء الكذبة من حوله الذين يفنّدون كلامه ويحاجّوه ليفرغوا رسالته من مضمونها لتبقَ الأمور كما هي عليه.
انه لا يلغي تقليد الكنيسة بل هو مرتبط به، لقد عاش تقليد الكنيسة وتعليمها الموروث ومن خلاله اختبر الله اختباراً شخصياً فتمّ تغير جذري في حياته وكان نقطة تحوّل مميزة، فغدى يفهم التقليد على ضوء اختباره الشخصي لله ضمن الكنيسة. وهو ليس بالضرورة ضد المؤسسات الكنسية إنما يبحث فيها عن روح الله القدوس الذي أسسها والذي يجب أن يحييها دوماً. وهو أيضاً قارئ جيد للتاريخ: تاريخ الكنيسة وتاريخه الشخصي وتاريخ العالم، فالماضي الذي يحمل كل دروس الله لشعبه، هو ذاته ما يعيشه البشر في أحداث الحاضر، ومنها يستشف ما قد يكون عليه المستقبل مع الله أو بدونه.
إن كان أنبياء الحاضر ثواراً فإن ثورتهم هي دعوة الناس إلى التوبة وإلى إحياء الحياة الروحية التي فيهم، وإلى تغيير ما في داخل الإنسان، تغيير السلوك والسير بأمانة أمام الله.
أحداث نبوية كثيرة جرت في القرن العشرين تتوجت بأهم حدث كنسي نبوي وهو المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي جعل الكنيسة تعيد التفكير بذاتها وبالأمانة لرأسها المسيح ولرسالتها في عيش الحياة الإنجيلية في العالم، وها هي ذي كنائسنا في الشرق يهبّ عليها روح الله القدوس ويوقظها من غفلتها وعدم أمانتها، وتنظر إلى ذاتها نظرة صدق لتعود إلى العيش بأمانة للمسيح وإنجيله في عالمنا المشرقي المتألم والمشتت والمُنتظِر تجلّي الرب فيها، فتكون خميرة في العجين وتعود إليها الشجاعة في فتح قلبها لبيئتها والتخلي عن قوقعتها وأنانيتها وحذرها من الآخر كائناً مَن كان.
ويرسل الله أشخاصاً أنبياء لكنيسته اليوم. فكل أسقف وكاهن وراهب وراهبة وعلماني وعلمانية يصلّي ويتأمل كلمة الله ويحبّ الرب يسوع ويعطيه المكان الأول في حياته، ويعيش رسالة الإنجيل في مكانه في الكنيسة والعالم، بتجرد ودون مصالح ذاتية أو استغلال للكلمة هو إنسان تحركه روح نبوية، يفهم معنى حمل الصليب مع المخلص، فتنعش أقواله وأعماله إخوته المؤمنين والكنيسة، كي تثبت وتتجذر أكثر في مكانها وتكون شاهدة بأعمالها على حضور المسيح فيها وتستطيع أن تجسده في بيئتها التي تعيش فيها. من هؤلاء أشخاص معروفين أو مغمورين أشخاص عاديين أو منهم من أُعلنت قداسته.
ومن قديسي عصرنا البابا يوحنا الثالث والعشرون والأب بيو والأم تيريزا وكلهم عاشوا روح النبوة وهذا ما يتضح من أقوالهم وأعمالهم. حتى قديسي شرقنا كشربل ونعمة الله ورفقا وغيرهم ممن هو غير معروف بعد، عاش بروح النبوة والأمانة حتى النهاية للمسيح الرب، بطاعته وحبه للكنيسة جسد المسيح السري. إنهم علامات أمامنا لنعيش على مثالهم تجددنا اليوم.
وإني أرى تيارات نبوية تحرك كنيستنا المشرقية اليوم، الخّصها بنقاط ثلاثة:
سأتعرض لهذه التيارات من خلال أقوال نبي عصرنا الكبير والذي زار بلدنا الحبيبة سوريا من 5-8 أيار 2001، وهو قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. ومن عظته في القداس سأقتطف ما يناسب موضوعنا:
1) في معرفة الذات:
كل إنسان وكل جماعة إذا نسيت ماضيها فقدت رشدها، وكذلك الكنيسة، وكل كنيسة تحمل ماضيها بحسناته وسيئاته، وفي ماضي كل طائفة عُجن ما هو لله مع ما هو للبشر، وما تعيشه كنائسنا اليوم هو ناتج ذلك الماضي، وللأسف فان كنائسنا توقفت في ماضيها عند ما هو بشري فقط ولم تنبش فيه ما هو إلهي لتعيد له الحياة. لذلك ينبهنا قداسة البابا كي لا نقف عند ذواتنا متقوقعين على ما تعودنا عليه في كل طائفة من طوائفنا، بل فلنعد إلى أصالة الكنيسة مهما كانت الطائفة فيقول متحدثاً عن بولس الرسول: “فاللقاء بالإيمان، مع القائم من الموت، هو نور على درب البشر، نور يغير الوجود. إن حقيقة الله تتجلى بشكل رائع على وجه المسيح الساطع، فلنوجه، نحن أيضاً، أنظارنا إلى الرب! أيها المسيح نور العالم أشرق علينا وعلى جميع الناس بالنور الذي سطع من السماء وأحاط بالرسول! أضئ عيون قلوبنا وطهرها كي نتعلم أن نرى كل شيء بنور حقيقتك ومحبتك للإنسانية!
ليس للكنيسة نور آخر تنقله للعالم سوى النور الآتي من الرب. لقد أخذنا النور الإلهي نحن الذين اعتمدنا بموت المسيح وقيامته، فصرنا أبناء النور”.
“إن الكنيسة مدعوة، على مثال بولس، إلى توسيع نظرتها لتشمل أقاصي الأرض، فتواصل الرسالة التي أُعطيت له بأن تنقل نور القائم من الموت إلى كل الشعوب وكل الثقافات، مع احترام حرية الأشخاص والجماعات البشرية والعائلات الروحية. إن الجماعات البشرية الغفيرة، إلى أي أصل انتمت، مدعوة إلى أداء المجد لله.
وعلى مثال بولس، يواجه تلاميذ المسيح تحدياً كبيراً ولزاماً عليهم أن ينقلوا البشرى السارة بلغة تناسب كل ثقافة دون أن يضيع منها الجوهر أو يتغير فيها المعنى. فلا تخافوا إذن أن تشهدوا أنتم أيضاً، بالكلام وبكل حياتكم، للبشرى السارة هذه”.
2) في وحدة المسيحيين:
بعد أن تنظر الطوائف إلى ذاتها ككنيسة المسيح الحية، ستصطدم حتماً بوجود الانقسامات فيها والتي هي أمر جوهري في ذات الكنيسة، لذلك يقول البابا: “أن هذه البشرى السارة يجب أن تحث جميع تلاميذ المسيح لأن يفتشوا بكل غيرة عن سبل الوحدة حتى إذا ما جعلوا صلاة المسيح خاصتهم ليكونوا بأجمعهم واحد يؤدون شهادة أكثر أصالة ومصداقية.
متحدين ببطاركتكم وأساقفتكم، المسيح ينادينا لنعود إلى بعضنا البعض بالمحبة التي تصنع وحدتنا. كونوا فخورين بتقاليد ليتورجيا كنائسكم الشرقية الروحية العظيمة! فهي تعود أصولها إلى تقاليد كنيسة المسيح الواحدة وتشكل جسوراً بين مختلف المشاعر”.
3) في الحضور الإسلامي:
في الوقت الذي تعي فيه الكنيسة السورية نفسها وتسعى لوحدتها، تعي أيضاً وجودها في بيئة إسلامية وهي تسائلها دوماً وعليها أن تجيب. وهذه الإجابة تنعكس على معرفتها ذاتها وعلى تألمها لانقساماتها، يقول البابا: “لا شك أن انقسام المسيحيين هو عائق في طريق إعلان الإنجيل، والأكثر من ذلك، فإن الحركة المسكونية ليست فقط مسألة داخلية في الجماعات المسيحية، بل أنها تتعلق أيضاً بحب الله للبشرية جمعاء في يسوع المسيح. الوقوف عائقاً أمام هذه المحبة هو إهانة لله في تصميمه على جمع الناس في المسيح، لا شك أن العيش، على مدى عصور، بكل هذا القرب من المسلمين، يتيح للمسيحيين في سورية أن يفهموا العلاقة الحميمة بين وحدة الجماعة والشهادة النابعة من الشراكة الأخوية”.
كما أن وجود الكنيسة في الوسط الإسلامي يدفعها لتشهد على أيمانها بالمسيح بالاشتراك مع الإسلام في بناء الوطن الواحد، يقول البابا متوجهاً إلى الرعاة: “تستطيعون أولاً أن تسهموا في بنيان البلد المزدهر اقتصادياً، حيث لكل مواطن ذات الحقوق والواجبات أمام القانون، وحيث الشعب كله يهتم بالعيش في سلام عادل داخل حدوده مع جيرانه. الإسهام في رفع الثقة بمستقبل وطنكم هو إحدى أهم الخدمات التي يمكن للكنيسة أن تؤديها للمجتمع. إن وسيلة عمل أخرى هي تشجيع المسيحيين على التضامن بمشاركة صعوبات شعبكم وآلامه. إن تأثيركم على الشبيبة كبير: خاطبوا قلبهم السخي، اشرحوا، صححوا، شجعوا وبالأخص ازرعوا فيهم، بمثلكم الشخصي، القناعة بأن القيم المسيحية، قيم القلب والروح، هي القادرة على إسعاد الإنسان، انقلوا إلى شبيبتكم مثالاً إنسانياً ومسيحياً واجعلوهم يكتشفون، “إن المكانة التي خصهم الله بها هي من النبل ما لا يسمح لهم بالهروب منها”. بهذه الروحية، يغدو الحوار بين الأديان والتعاون المتبادل، لا سيما بين المسيحيين والمسلمين، إسهاماً مهماً في السلام والتفاهم بين الناس وبين الجماعات. وعلى هذا الحوار أن يوصل أيضاً إلى شهادة مشتركة من أجل الاعتراف الكامل بكرامة الشخص البشري”.
فلنكن جميعنا أنبياء لنحقق فعلاً غاية العهد الجديد بأن نكون أبناء الله.