لقاء المرأة الكنعانية بيسوع
إيمانها وإصرارها
إيمانها وإصرارها
مواضيع في التعليم المسيحي
سالزيان الشرق الأوسط
للجميع
“وخرَجَ يَسوعُ مِنْ هُناكَ وجاءَ إلى نواحي صورَ وصيدا. فأَقبلَتْ إلَيهِ اَمرأةٌ كَنْعانِـيّةٌ مِنْ تِلكَ البلادِ وصاحَتِ: “اَرْحَمني، يا سيَّدي، يا اَبن داودَ! اَبنتي فيها شَيطانٌ، ويُعذَّبُها كثيرًا”. فما أجابَها يَسوعُ بكَلِمَةٍ. فَدنا تلاميذُهُ وتَوَسَّلوا إلَيهِ بقولِهِم: “اَصرِفْها عنّا، لأنَّها تَتبَعُنا بِصياحِها!” فأجابَهُم يَسوعُ: “ما أرسلَني الله إلاّ إلى الخِرافِ الضّالَّةِ مِنْ بَني إِسرائيلَ”. ولكنَّ المرأةَ جاءَتْ فسَجَدَتْ لَه وقالَت: “ساعِدْني، يا سيَّدي!” فأجابَها: “لا يَجوزُ أنْ يُؤخذَ خُبزُ البَنينَ ويُرمى إلى الكِلابِ”. فقالَت لَه المَرأةُ: “نَعم، يا سيَّدي! حتَّى الكلابُ تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ الذي يَتَساقَطُ عَنْ موائدِ أصحابِها”. فأجابَها يَسوعُ: “ما أعظَمَ إيمانَكِ، يا اَمرأةُ! فلْيكُنْ لَكِ ما تُريدينَ”. فشُفِيَت اَبنَتُها مِنْ تِلكَ السّاعةِ. واَنتَقَلَ يَسوعُ مِنْ هُناكَ إلى شاطئِ بحرِ الجليلِ، فصَعِدَ الجبَلَ وجَلَسَ هُناكَ.”
(متى 15: 21 – 29)
1) بعض الأسئلة للبحث التمهيدي:
يمكن اختيار بعض الأسئلة التالية للبحث الشخصي أو الجماعي (أو إضافة أسئلة أخرى!)
ونعطي عنوانا لكل قسم. لماذا تعتبر الآية 25 “نقطة تحويل” للقصة؟
2) للتفسير والتعميق:
وضعت هذه المقابلة في إنجيل متى بين القصتين عندما يطعم يسوع المسيح الجموع. ففي القصة الأولى تتبقّى “اَثنتي عَشْرةَ قُفَّةً مملوءةً” وفي القصة الثانية “سَبعَ سِلالٍ مُمتَلئَةٍ”. فبعد جدل متوتر على “التقاليد” وما “يجنّس” الإنسان وما لا “يجنّسه”, يخرج يسوع من هناك ويجيء “إلى نواحي صورَ وصيدا” باحثاً عن الهدوء والراحة ويمثّل اغتيال يوحنا المعمدان علامة تثير القلق.
نداء المرأة الكنعانية الأول (الآيتان: 22 و23 أ): لا يستطيع يسوع أن يظل مدة طويلة في الخفاء! فرأته امرأة وهي كنعانية أي من عدو اليهود! من المحتمل أنّها سمعت عن قدرة يسوع على شفاء المرضى… هي “صاحت” وهذا يعني أنها بعيدة عن يسوع. وهي كنعانية أي “وثنية”, “نجسة” في نظر اليهود. ويظهر أن يسوع الذي كان يقبل جميع الناس بمودّة، يرفض أن يسمعها.
يمكننا تفسير هذا الموقف بطريقتين:
تدخل التلاميذ (الآيتان: 23 ب و24):
يحاول التلاميذ أن يتخلصوا من المرأة ويظهر يسوع كأنّه يشاركهم في موقفهم: “ما أرسلَني الله إلاّ إلى الخِرافِ الضّالَّةِ مِنْ بَني إِسرائيلَ”.
نداء المرأة الكنعانية الثاني (من الآية 25 إلى الآية 29): فهي تقترب من يسوع وتتضرّع: “ساعِدْني، يا سيَّدي!” إجابة يسوع شديدة اللهجة: “لا يَجوزُ أنْ يُؤخذَ خُبزُ البَنينَ ويُرمى إلى الكِلابِ”: من المحتمل أن يسوع يريد أن يتأكد من إيمان المرأة ومن المحتمل أيضاً أنه يدري أن هذه المؤمنة غير العادية ستفتح عيون تلاميذه وفعلاً، هي تشهد بإيمان لا يتزعزع: “حتَّى الكلابُ تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ التي تتَساقَطُ عَنْ موائدِ أصحابِها”! مثلما في كل وقت يواجه آلام الناس، يسوع يتأثر بثقة المرأة فيشفي ابنتها. هكذا إيمان المرأة الكنعانية يعطي ليسوع الفرصة لإظهار أن رسالته هي رسالة لأجل الجميع. كذلك نرى في “أعمال الرسل” أن مؤمني الكنيسة الأولى يعترضوا على قبول الوثنيين في الكنيسة (أعمال 10, 28) ثم، بعد أن ثابروا على الصلاة وبدافع الروح القدس، أخذت الكنيسة في قبولهم (أعمال 10, 44 – 48).
استنتاجات النص:
كان أشعيا يرى جميع الأمم يتحركون نحو نور أورشليم (“فتَسيرُ الأُمَمُ في نورِكِ” (إشعيا 60: 1 – 6): فيسوع هو هذا النور…
يسوع يرفض أن يحكم على الناس حسب المظاهر:
اهتدى دائماً يسوع بهذا المبدأ: “الإنسانُ ينظُرُ إلى المَظهَرِ، وأمَّا الرّبُّ فينظُرُ إلى القلبِ”. (1 صموئيل 16: 7)
فأقبل إلى الخطأة، الأجانب، وغفر لمبغضيه… يرى يسوع الإنسان في كل فرد ويطلب بأن لا نحكم على الآخرين (متى 7: 1 – 5) لأن الحكم يقيّد الشخص ويمنعه من التغيير والتقدّم. يريد منا أن نحبّ الآخرين حتى يستطيعوا الخروج من المنحة التي يعيشون فيها.
في نظر يسوع، لا يمكن أن يقتصر الإنسان على ماضيه: ينظر إلى المرأة الزانية، وزكّا، والخطأة والمنبوذين (ومن ضمنهم الأجانب) بثقة ومحبة وهذا يجعلهم يقومون من جديد ويتجهون نحو مستقبل جديد. يرى دائماً في كل شخص المواهب المدفونة فيه لفعل الخير. “أنا لا أحكُمُ علَيكِ. اذهبي ولا تُخطِئي بَعدَ الآنَ”. فيؤمن بقدرة الإنسان على الخلاص ويعطيه من جديد الرجاء، يطلب من كل إنسان أن يساهم في تغيير المجتمع الذي يعتمد على نبذ العنف…
ما احترم إنسان الآخرين من قبل مثل يسوع. هو الابن الوحيد للآب “الذي يُطلِـع شمسه على الأشرار والصالحين، ويُمطِر على الأبرار والظالمين”. (متى 5: 45)
أسئلة خاصة للمربين:
– ما تصرفاتنا مع الزملاء والتلاميذ وأولياء الأمور؟
– هل هي فعلاً تصرفات تربويّة حَسَب المعايير الإنجيلية؟
للتأمل والتفكير:
لا يقول يسوع: هذه المرأة متقلّبة المزاج، لا أخلاق لها ولا دين، هي مجرد امرأة!
بل يطلب منها كوب من الماء ويباشر الحوار معها…
لا يقول: هذه الأرملة الفقيرة التي تلقي درهمين في صندوق الهيكل تدفعها الخرافات!
بل يدعو تلاميذه ويقول لهم أنها ألقت أكثر مما ألقاه الآخرين…
لا يقول: هذا الرجل (“زكّا”) موظف فاسد يجمع ثروة كبيرة بمدح السلطات وذبح الفقراء!…
بل يدعو نفسه ضيفاً عنده ويؤكد أنه أيضا من أبناء إبراهيم وأن الخلاص حل ببيته…
لا يقول: هذا الضابط من جنود الاحتلال!…
بل يتعجّب منه ويقول: “ما وجدت مثل هذا الإيمان حتى في إسرائيل”…
لا يقول: هذا المجرم يستحق العقاب!…
بل يقول له: “ستكون اليوم معي في الفردوس”…
لا يقول: يهوذا هذا خائن!
بل يقول له: “يا صاحِبـي”…
لا يقول: هؤلاء رؤساء الكهنة والشيوخ حكّام ظالمون، والجموع الذين يشتموني أناس جاهلون لا يعرفون الجميل!…
بل يقول: “اغفر لهم يا أبي، لأنّهم لا يعرفون ما يعملون”…
يقول القديس بولس:
“فالمَسيحُ هوَ سلامُنا، جعَلَ اليَهودَ وغَيرَ اليَهودِ شَعباً واحداً وهدَمَ الحاجِزَ الذي يَفصِلُ بَينَهُما، أيِ العَداوَةَ، وألغى بِجَسَدِهِ شَريعَةَ موسى بأحكامِها ووَصاياها لِيَخلُقَ في شَخصِهِ مِنْ هاتَينِ الجَماعتَينِ، بَعدَما أحلَ السَّلامَ بَينَهُما، إنساناً واحداً جَديداً ويُصْلِحَ بَينَهُما وبَينَ الله بِصَليبِهِ، فقَضى على العَداوةِ وجعَلَهُما جسَداً واحداً. جاءَ وبَشَّرَكُم بالسَّلامِ أنتُمُ الذينَ كُنتُم بعيدينَ، كما بَشَّرَ بالسَّلامِ الذينَ كانوا قَريبينَ، لأنَّ لنا بِه جميعاً سَبيلَ الوُصولِ إلى الآبِ في الرُّوحِ الواحِدِ”. (أفسس 2: 14 – 18)