خبز مكسور لحياة العالم
رسالة بمناسبة اليوم العالمي للكرازة
رسالة بمناسبة اليوم العالمي للكرازة
وثائق كنسيّة
البابا القديس يوحنا بولس الثاني
إلى الكنيسة جمعاء
من يأكل من هذا الخبز يحيا للأبد”(يو 6، 51)
إخوتي وأخواتي الأعزاء،
1- اليوم العالمي للكرازة، المكرّس هذا العام من أجل الإفخارستيا، يساعدنا لكي نفهم بعمق أكثر المعنى “الإفخارستي” لوجودنا، بأن نحيا من جديد مناخ العشاء السري (خميس العهد)، عندما قدّم يسوع ذاته للعالم، في ليلة آلامه: “في الليلة التي اُسلِم، أخذ خبزاً وشكر ثم كسره وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي، يكسر من أجلك. اصنعوا هذا لذكري” (1كور 11، 23- 24).
في الرسالة البابوية الحديثة أمكث معنا يا رب، وجّهت الدعوة لنتأمل يسوع “خبزاً مكسوراً” للبشرية بأسرها. متمثّلين به كقدوة لنا، نحن أيضاً، يجب علينا أن نهب الحياة من أجل أخوتنا، بالأخص الذين هم في احتياج أكثر. تحمل الإفخارستيا “الرمز الشمولي الجامعي” الأعظم وتجسّد بطريقة أسرارية لما سيحدث “عندما يستطيع جميع الذين يشتركون في الطبيعة البشرية، متجددين في المسيح بالروح القدس، وناظرين معاً مجد الله، يستطيعون أن يقولوا: “أبانا” (مرسوم في نشاط الكنيسة التبشيري، 7). حيث تشرح “الإفخارستيا” المفهوم العميق للرسالة في ذات الوقت تدفع كل مؤمن، وبالأخص المرسلين، ليكونوا “خبزاً مكسوراً لحياة العالم”.
احتياج البشرية للمسيح “خبز مكسور”
2- في عصرنا الحالي، يبدو المجتمع الإنساني وكأنه مغلّف بظلام سميك، بينما هو مهتز بأحداث مأسوية، ومتوتر بمصائب طبيعية فاجعة. لكن كما أنه “في الليلة التي أُسلِم” (1كور 11، 23)، يسوع، اليوم أيضاً، “يكسر الخبز” (راجع مت 26، 26) من أجلنا وفي الاحتفالات الإفخارستيا، يقدّم ذاته تحت الرمز الأسراري لمحبته للجميع. لهذا السبب أردتُ التذكّرة بأن “الإفخارستيا ليست فقط تعبير الشركة في حياة الكنيسة؛ انما هي أيضاً مشروع تضامن للبشرية بأجمعها” (إمكث معنا يارب، 27)؛ هي “خبز السماء” واهب الحياة الأبدية الذي يفتح قلوب البشر إلى رجاء عظيم (يو 6، 33).
الفادي بنفسه، عندما رأى الجموع المحتاجة، أشفق عليهم “لأنهم كانوا تعبين ورازحين كغنم لا راعي لها” (مت 9، 36)، حاضر بالإفخارستيا، ويستمر على مدى الدهور مظهراً رحمته تجاه البشرية الفقيرة والمتألمة.
وباسمه يجول العاملين بالرعايا والمرسلين دروب مجهولة لكي ينقلوا للجميع “خبز” الخلاص. إنهم متحمسين عن ثقة لاتحادهم بالمسيح، “مركز ليس فقط لتاريخ الكنيسة انما أيضاً لتاريخ البشرية (راجع أف 1، 10؛ كو 1، 15- 20)”، (امكث معنا يا رب، 6) فإنه من الممكن إرضاء التوقّعات الأكثر عمقاً للقلب البشري. فقط يسوع الذي يمكنه أن يطفئ جوع الحب وعطش العدالة الانسانية؛ هو بمفرده يهب إمكانية المشاركة في الحياة الأبدية لكل إنسان: “انا الخبز الحيّ الذي نزل من السماء “من يأكل من هذا الخبز يحي للأبد”(يو 6، 51).
الكنيسة مع المسيح، “تصير جسداً مكسورا”
3- عندما تحتفل الجماعة الكنسية بالإفخارستيا، وبالأخص يوم الأحد، يوم الرب، تختبر في ضوء الإيمان، قيمة اللقاء مع المسيح القائم وتدرك أكثر فأكثر بأن ذبيحة الإفخارستيا هي “للجميع” (مت 26، 28). إذا تغذينا من جسد ودم المسيح المصلوب والقائم، فإنها لا تستطع الاحتفاظ بهذه “العطية” لنفسها فقط. بل على بالعكس تماماً، لابد من نشرها. المحبة المُولعة بالمسيح تحملنا إلى اعلان المسيح بشجاعة، اعلان يصبح، من خلال الاستشهاد، تقدمة فائقة لمحبة الله والإخوة. تحث الإفخارستيا لعمل تبشيري سخي ولالتزام نشط في النهوض بمجتمع أكثر عدالة وإخوّة.
أتمنى من كل قلبي أن ينُشّط عام الإفخارستيا جميع الجماعات المسيحية في ان تكافح “بالعمل الأخوي جميع اشكال الفقر القابع في عالمنا “(أمكث معنا يا رب). هذا لأن “بالمحبة المتبادلة وخاصة، العناية التي سنظهرها للذين في احتياج، سنكون معروفين كرسل حقيقيين للمسيح. (راجع يو 13، 35؛ مت 25، 31-46). انه المعيار الأساسي الذي يبرهن على صدق احتفالاتنا الإفخارستيا”(امكث معنا يا رب, 28).
المرسلين، “خبز مكسور” لحياة العالم
4- اليوم أيضاً، يوصي المسيح تلاميذه “اعطوهم أنتم ليأكلوا”(مت 14، 16). باسمه يجول المرسلين أماكن عديدة من العالم للتبشير والشهادة بالإنجيل. يدوّوا بأفعالهم، كلام المخلص: “أنا هو خبز الحياة. مَنْ يقبل إليّ فلا يجوع ومَنْ يؤمن بي فلا يعطش أبداً” (يو 6، 35)؛ يصيرون هم أنفسهم “جسداً مكسوراً “للأخوة، ويصلون أحياناً إلى التضحية بحياتهم.
كم من مرسلين شهداء في عصرنا هذا! مثالهم يجذب العدد من الشباب على طريق الإخلاص البطولي للمسيح! تحتاج الكنيسة إلى رجال وسيدات مستعدين لتكريس أنفسهم تماماً لدعوة الإنجيل العظيمة.
اليوم العالمي للكرازة يشكّل فرصة مناسبة لإدراك الضرورة الملحّة للمشاركة بالرسالة التبشيرية التي تلتزم بها الجماعات المحلية والهيئات الكنسية العديدة، وبالأخص، المنشآت البابوية الرسولية والهيئات الإرسالية. إنها رسالة، بجانب الصلاة والذبيحة، تنتظر أيضاً سند مادي ملموس. انتهز مرة أخرى المناسبة لأوضّح الخدمة الثمينة التي تبذلها المنشآت البابوية الرسولية وأدعوكم جميعاً لكي تساندوهم بتعاون سخي روحي ومادي.
لتساعدنا، العذراء مريم، والدة الله، لكي نعيش ثانية خبرة العشاء السري (خميس العهد)، حتى تصبح جماعاتنا الكنسية حقيقة “كاثوليكية”، بمعنى جماعات تجد بها “الروحانية الإرسالية”، التي هي بمثابة “وحدة حميمة مع المسيح” (رسالة الفادي، 88) ترتكز في علاقة وطيدة مع “روحانية الإفخارستيا” والتي نجد مثالها في مريم “إمرأة الإفخارستيا” (الإفخارستيا حياة الكنيسة، 53). جماعات منفتحة لصوت الروح القدس وضروريات الإنسانية، جماعات بها المؤمنين وخاصة المرسلين، لا يترددون بأن يصيروا “خبزاً مكسوراً لحياة العالم”.
بركتي للجميع!
حاضرة الفاتيكان، 22 فبراير 2005، عيد القديس بطرس