الشباب واتخاذ القرار
أهمية اتخاذ القرار
أهمية اتخاذ القرار
مواضيع تربوية
سالزيان الشرق الأوسط
للشبيبة
الإنسان كائن حر:
خلق الله الإنسان كائناً حراً وأعطاه فرصة دائمة لاتخاذ القرار لا يريد إله المحبة أن يكون أبناءه حجر ودمى أو قطع شطرنج بل يريدهم أحراراً في قراراتهم صادقين في اختياراتهم.
الإنسان مع هذا الحال لا يلغي مشيئته أو يقهرها أو حتى يتحايل عليها ليضع مشيئة الله عن خوف ولكنه بالعكس تماماً يجعل مشيئته ومشيئة الله واحداً في رضى وقناعة وحب.
إنها ليست (استقالة إنسانية) ولكنها (تسليم وثائق) فهو لا يتنازل عن مشيئته وتفكيره وكل قدراته البشرية في المستلم المتهور أو في روح المستقبل المرغم، ولكنه يوحّد مشيئته بمشيئة الله وفكره بفكر المسيح “أما نحن فلنا فكر المسيح” (1كو2:16).
سمات الحكمة الإلهية:
يقول القديس يعقوب عن سمات الحكمة الإلهية فيقول “أما الحكمة التي من فوق فهي أولاً طاهرة، ثم مسالمة، مترفقة، مذعنة، مملؤة رحمة وأثماراً صالحة، عديمة الريب والرياء” يع 3: 17. إذاً فالحكمة الإلهية تتسم بما يلي:
1- طاهرة: أي نقية من كل خطيئة، بعكس الحكمة البشرية، الملوّثة بالضعف البشري والطمع والأغراض الشخصية.
2- مسالمة: أي فيها روح الوداعة والهدوء والسلام، بينما الاتكال على الفكر البشري المجرد بعيني العجرفة والكبرياء يقود إلى الغضب والانفعال، ثم إلى المخاصمات.
3- مترفقة: أي أنها طويلة الأناة، طويلة البال، تجعلك تحاور في هدوء وصبر حتى تريح الآخرين وتريح نفسك دون تسرع أو تعسّف.
4- مذعنة: أي تجعلك قابلاً لتصحيح موقفك، فاتحاً صدرك وقلبك لرأي الآخر مهما بدا مضايقاً أو مناقضاً لك، فهي تعلّمك أن تذعن للحق، تتفاهم بهدوء عارضاً رأيك في وداعة، منتظراً آراء الآخرين ونقدهم.
5- مملوءة رحمة: رقيقة مرهفة غير متكبرة على الآخرين، بل تحس بأحاسيسهم وتحترم مشاعرهم، وتحن عليهم، حتى في أخطائهم أو ضعفهم.
6- ثماراً صالحة: وما هي ثمار الحكمة الإلهية إلا ثمر الروح القدس: محبة وفرح وسلام وطول أناة ولطف وصلاح ووداعة وعفة (غل 5: 22-23)
7- عديمة الريب والرياء: أي خالية من التشكك والوسوسة، إذ يكون الإنسان واثقاً من فكر الله وقادراً على تمييز مشيئته وهي أيضاً عديمة الرياء ليس فيها غش، ولا كذب ولا التواء، بل بالأحرى يكون الإنسان واضحاً ومستقيماً ونقياً أمام الله والناس.
هذه هي سمات الحكمة الإلهية، وهي عكس الحكمة البشرية، التي لوثتّها الخطيئة فصارت سبب غيرة مرّة، وتخرّب، وتشويش، وكل أمر رديء… ذلك لأنها أرضية، بشرية نابعة من الانفعالات والغرائز والعواطف والعادات والاتجاهات الخاطئة التي تموج بها النفس، وشيطانية أي موجهة ومقادة بروح إبليس العامل في أبناء المعصية (يعقوب 3: 13-18).
من هنا كان لا بد للإنسان من أن يتخذ قرارات في الحياة اليومية، حسب مشيئة الله وفكر المسيح، ومن خلال قنوات محددة، وهذا أمر في غاية الأهمية، فلا شك أن استسلام الإنسان لفكره أو شهواته أو حكمته المحدودة أمر خطير يضع الإنسان في طريق الهلاك.
لأنك محدود في إمكانياتك الفكرية ومحدود في قدراتك التنفيذية، فقد تقتنع بشيء ما، ولكنك لا تستطيع الوصول إليه.
ومحدود في معرفة المستقبل والغيب، فقد تختار ما تراه صالحاً الآن، ثم أنه غير صالح في المستقبل.
مثلاً: قد تختار حياة معينة، وتتشبث بها، ولا تعرف ما قد يحدث في المستقبل. لهذا فالأفضل أن تعترف بضعفك ومحدوديتك، وتتفاهم مع الله طالباً منه أن يقود سفينة حياتك فهو:
* الأب الحنون الذي يحبك، صانع المعجزات، صانع الخيرات …
* وهو القادر على كل شيء، ضابط الكل …
* وهو العالِم بمسار حياتك، وحياة غيرك، حتى النفس الأخير، بل حتى الأبدية …
ومن هذا المنطلق الثلاثي: الحنان، والاقتدار، والعلم، يُسلِّم الإنسان نفسه في ثقة ورضى واقتناع ليختبر كل يوم عجباً من فيض حنان الرب.
يمكنك أخي الشاب أن تعاند مشيئة الله وتتمسك بفكرك الخاص! لكن ثق أن هذا الطريق مهلك وفاشل. ويمكنك أن تستطلع مشيئة الله في كل أمر متيسّر في نور المسيح، ومساندة النعمة، فتثمر وتنجح دائماً في حياتك.
القوى الإنسانية المشتركة في اتخاذ القرار:
هناك قوى عديدة، لكلّ منها وطأتها وضغطها وتأثيرها الخاص، ومن حصيلة هذا كله يصدر القرار، إنها “مراكز صنع القرار” فما هي:
* الروح: ذلك العنصر الإلهي الذي يقود الإنسان إلى التأمل في الله، والغوص في بحار ما وراء الطبيعة والمادة والموت، عنصر الخلود والإيمانيات، والتعرّف على أمور الحياة الأخرى، والعالم السماوي.
* الضمير: يكتشف الإنسان في ذات ضميره ناموساً لم يصدر عنه، ولكنه مُلزمٌ بطاعته، وصوته يدعو أبداً ذلك الإنسان إلى حب الخير وعمله، وإلى تجنب الشر ويدوي أبداً في آذان قلبه (…) إنه ناموس، حفره الله في قلب الإنسان، والضمير هو المركز الأشد عمقاً وسرية في الإنسان، والهيكل الذي ينفرد فيه إلى الله ويسمع فيه صوت الله.
إن الضمير الأخلاقي، الموجود في قلب الشخص، يوعز إليه في الوقت المناسب أن يفعل الخير ويتجنب الشر.
يستطيع الضمير، في مواجهة اختيار أخلاقي، أن يصدر حكماً يكون إما مستقيماً متوافقاً مع العقل والشريعة الإلهية وإما على العكس، حكماً خاطئاً يبتعد عنهما.
* العقل: وهو الطاقة المفكّرة في الإنسان، والتي تجعله يناقش، ويدرس ويحلل، ويستنبط ويربط ويستدل ويستنتج …الخ وهذا ما يميز (مع القوتين السابقتين) الإنسان عن الحيوان والنبات.
* النفس: وهي ذلك الجهاز الإنساني الذي يحوي الكثير من مكونات الشخصية الإنسانية مثل: الغرائز /العادات / الاتجاهات /العواطف.
* الجسم: ولا شك أنَّ له وطأة خاصة في اتخاذ القرار سواء من جهة الضعف أو القوة أو الجمال أو الطول والقصر… فالشاب يختار العمل المناسب لطاقته الجسمانية، ويختار شريكة الحياة واضعاً في الاعتبار الملامح الجسمية وهكذا…
* المجتمع: شرقي أو غربي، تقليدي أو متحرر.
وهكذا تكون هذه القوى سيمفونية متناسقة ومترابطة، ليس نشاز، والنشاز هنا هو أن تنفرد قوة أو تبرز بحيث تتوارى خلفها باقي القوى.
أمثلة على قرار الاختيار: شريك أو شريكة الحياة. نوع الدراسة. نوع العمل اختيار خط ودعوة الحياة: حياة مكرسة / زواج.
*مظلة الصلاة: إن كل ما مضى من قوى هي قوى بشرية محضة، محدودة، عاجزة عن إسعاد الإنسان، أو إنارة الطريق، ما لم تكن جميعها تحت مظلة الصلاة أي أن يكون الإنسان في روح صلاة مستمرة قبل وأثناء وبعد مشروع القرار، تاركاً للرب أن يقول كلمته في أي مرحلة، ومهما كانت بالموافقة أو بالرفض أو بالتأجيل في ثقة كاملة إنه أكثر حناناً وأكثر قدرة، وأكثر علماً. “توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد” (أم 3: 5).
فمن خلال الصلاة والتسليم يتدخل الله، ويتم مشيئته المقدسة، ويعلن رأيه في الأمر، ورأيه هو الرأي البنّاء والكامل والمريح.