الخطيئة والكفّارة في المسيحية
كفّارة المسيح عن خطيئة الإنسان
كفّارة المسيح عن خطيئة الإنسان
مواضيع في التعليم المسيحي
سالزيان الشرق الأوسط
للجميع
الخطيئة: هي ظاهرة في تاريخ البشر، يقرّ بها كل إنسان يفحص قلبه، أو ينظر إلى سيرة أبناء جنسه، لأن جميع بني البشر، حتى الذين لم يتلقّوا نور إعلانات السماء يشعرون بخطاياهم، ويقرون بنقصهم وعجزهم عن القيام بما كُلفوا به أدبياً،
والخطيئة ليست هي الشر الفاضح فقط، كما يظن قسم كبير من الناس، بل هي أيضاً الانحراف عن الله، بوصفه خالقنا والهدف الوحيد لنا، وهذا الانحراف لا يكون بالنزوع إلى الشر فحسب، بل هو أيضاً الانفصال عن الخير.
وقد عُرف بالاختبار أن الإنسان الطبيعي لا يستطيع أن يميّز قوّة الخطيئة وشدة فعلها في البشر، كما يميزها المؤمن.
والخطيئة في وجهها العام هي التعدي (1 يوحنا 3:4) على شريعة الله، بحيث تصبح جرماً بحق الله، مهما كان عذر مرتكبها، وأياً كان حجمها.
دخول الخطيئة إلى العالم:
نقرأ في (رسالة رومية 5:12) “بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الخَطِيَّةُ إِلَى العَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ المَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَا لْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الجَمِيعُ”. وقول الرسول هنا يعني أن علة كون جميع الناس خطأة هو آدم أبو البشر، وقد اعتبر بولس في قوله “بإنسان واحد” أن آدم وحواء شخص واحد، كما ذكر في (تكوين 5:2) ولم يذكر الرسول تجربة الحيّة، ولا معصية حواء أولاً، لأن غايته أن يبيّن أن آدم كان فيما فعله نائباً عن كل نسله.
يقول بعض الفلاسفة إن الإنسان يولد طاهراً، وإنما إذا عاش في بيئة فاسدة تأثر بها وتسربت إليه الخطيئة، قد تساعد البيئة الفاسدة على نمو الخطيئة، ولكن الإنسان يولد وفيه مجموعة من الغرائز، التي وإن كانت لها غايات خاصة، فهي تحمل نزوات شريرة.
الخطيئة إرث:
نفهم من الاختبارات أنه لا يمكن للكائن الحي أن يلد كائناً مغايراً له، فالثور لا يمكن أن يلد حملاً، وهذا القانون ينطبق على الإنسان، فآدم أبو البشر، كان قد فقد بعصيانه حياة الاستقامة، وقصاصاً له طُرد من فردوس الطهر إلى أرض لُعنت بسبب خطيته، وعلى الأرض أنجب نسلاً، وكان هذا النسل بالطبيعة مطروداً، فاقداً ميراثه بالفردوس، والكتاب المقدس يقرّ هذه الحقيقة، إذ يقول المزمور بفم داود: “هَائَنَذَا بِالْإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي ”
نشأ عن معصيته ضياع الصورة الإلهية وفساد طبيعته كلها، حتى صار ميتاً روحياً، لا يميل إلى الخير الروحي وعاجزاً عنه ومضاداً له، وصار أيضاً قابلاً للموت جسدياً، وعرضة لكل سيئات هذه الحياة والموت الأبدي.
ألا يكفي أن ينظر الإنسان إلى أعماق نفسه، ويتحسس ميوله ونزواته، ليعلم أن ناموس الخطيئة ساكن فيه؟
الكفّارة في المسيحية:
الكفّارة كلمة تعني الستر أو التغطية، وهي في المسيحية تعني عمل المسيح بطاعته الكاملة، لأجل خلاص البشر من لعنة الشريعة ومصالحتهم مع الله بدم صليبه وقيمة كفّارة المسيح مبنية على كونه ابن الله الأزلي.
كفّارة المسيح تكفير عن خطيئة الإنسان، وإنها تعبير واضح عن مفعول ذبيحة المسيح في خلاص الخاطئ من لعنة الشريعة، ورفع الدينونة عنه، وأيضاً إن كفّارة المسيح ترضية لله وإيفاء لعدله.
إن الكفّارة، هي ستر النفس المذنبة بدم المسيح، حتى لا يُطالب المذنب بالقصاص، لأن القصاص رُفع عنه بوضعه على المسيح، الذي مات لأجله، وهذا ما أشار إليه الرسول يوحنا بقوله: “فِي هذَا هِيَ المَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا ” (1 يوحنا 4:10).
إن الكفّارة فتحت باب المصالحة بين الله والإنسان بدون إهانة شريعة الله المقدسة،
لقد تفلسف البشر كثيراً في طبيعة الله ونسبته إلى خلائقه الخطأة، ولم يصلوا البتة إلى نتيجة مرضية، ولكن ما عجزت فلسفات العالم عن تبيانه، أوضحه الكتاب المقدس، إذ يقول إن الله عادل، وعدله يطلب قصاص المذنب، فلا يمكن أن تكون مصالحة بدون تكفير، وانطلاقاً من هذه الحقيقة قام عهد الذبائح لستر الخطيئة.
في العهد القديم:
نعلم من الكتاب العزيز أن ذبيحة هابيل التي تقّبلها الله وتنسم منها رائحة الرضى، لم تكن إلا ظلاً للفداء العتيد الذي يتفق مع فكر الله، بل إنها كانت من وحيه وإلهامه (تكوين 4:4).
وكذلك الكبش الذي أرسله الله لإبراهيم، ليفدي به ابنه، لم يكن إلا رسماً لذبيحة الكفّارة، التي أعدها الله منذ الأزل، بيسوع المسيح (تكوين 22:1-14).
وأيضاً خروف الفصح، الذي أمر الله الشعب أن يقدموه في مصر (خروج 12:1-42) “الحمل الكامل الذي لا عيب فيه ولا يكسر فيه عظم” لم يكن إلا رمزاً بارزاً لفصح العهد الجديد، الذي ذُبح فيه حمل الله
في العهد الجديد:
تمثّلت الكفّارة بالفداء، الذي أكمله يسوع بموته على الصليب، لكي يوفي مطاليب شريعة الله عوضاً عن الإنسان الخاطئ ولأجل خلاصه، فكان في آلامه وموته البديلين كفّارة، لإتمام جميع الغايات المقصودة بقصاص البشر على خطاياهم، فهو قد وفى العدل الإلهي حقه، وجعل الخاطئ الذي يؤمن بالفداء ويتوب مبرراً.
ويُعبَّر عن فداء يسوع في لغة الكتاب المقدس بكلمة نعمة، لأن الآب السماوي لم يكن مضطراً لأن يقدم ذبيحة عن البشر الخطأة، وكذلك الابن، لم يكن مجبراً لأن يتجسد ويقوم بوظيفة الفادي.
وقد أعلن الفادي الرب هذه الحقيقة، حين قال: “وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الخِرَافِ ” (يوحنا 10:15) وحين نقابل هذه العبارة بقوله له المجد: “لَيْسَ لِأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ ه ذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لِأَجْلِ أَحِبَّائِهِ ” (يوحنا 15:13).
لزوم الفداء:
السبب الأول: أنه وعد به المؤمنين، جزاء لطاعة المسيح وآلامه، هكذا نقرأ في الكلمة الرسولية: “فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، ه كَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الحَيَاةِ. لِأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الْإِنْسَانِ الوَاحِدِ جُعِلَ الكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ الوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الكَثِيرُونَ أَبْرَاراً ” (رومية 5:18-19).
السبب الثاني: لأن الفداء وفّى مطاليب عدل الله، لأنه بني على العهد الأزلي القائم بين الآب والابن لأجل فداء الإنسان.
أما من جهة التوبة، ففي قلب كل إنسان شعور طبيعي بديهي بأنها لا تستطيع رفع خطاياه السالفة، ولا بد من وسيلة أخرى لنوال الصفح، وهذه الوسيلة هي الفداء، وإلا فبماذا نعلل وجود الذبائح، منذ القديم القديم، وانتشارها بين معظم أديان العالم؟ أليس لأن مبدأها موافق لما يشعر به قلب الخاطئ من الحاجة إلى الفداء؟
– البرهان العقلي: وصورة هذا البرهان أن الله قدوس والإنسان خاطئ، وأن خطيئة الإنسان ضد القداسة الإلهية، فهي تستحق الدينونة، ولا يصح أن تُغفر إلا إذا أُزيل حكم الدينونة، في أن يحمل عن الخاطئ جرمه، لأنه لو صار صالحاً بالتوبة، لا يزيل صلاحه الحكم عن الخطايا السالفة، ولو غفر الله له بدون فداء، لا يبقى عنده إكرام لشريعته، ولا اعتبار لقداسته، لذلك كان الفداء أمراً محتماً لرفع دينونة الخطيئة، وبالتالي إظهار صفات الله في كمالها المطلق.
وهناك حقيقة يجب ذكرها، وهي أن الغفران بدون كفّارة بمثابة القول إن الخطيئة لا تستحق العقاب، مع العلم أنها إهانة لقداسة الله وعدله.
ذكره في الديانة الإلهية: فلو كان لا لزوم للفداء لما أدرجه الله في كلمته المقدسة، إذ قال بفم المسيح: “وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الحَيَّةَ فِي البَرِّيَّةِ ه كَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ا بْنُ الْإِنْسَانِ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ ” (يوحنا 3:14، 15).
خلاصة ما تقدّم:
ومن خصائص ذبيحة المسيح إنها ليس فقط ترفع الخطيئة عن الإنسان بل هي تشفيه من الخطيئة كمرض أدبي، لأن كل من يقبل يسوع المصلوب تتجدد حياته ويصير فيه كره للخطيئة، وخصوصاً لأن الصليب فتح عيني ذهنه ليرى فعل الخطيئة الرهيب وعقوبتها المخيفة، ولهذا قال الرسول: “إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ المَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ ” (1يوحنا 1:7).