الخرافـة والسحر
هروب من الواقع وليس حلاً للمشكلات
هروب من الواقع وليس حلاً للمشكلات
مواضيع تربوية
سالزيان الشرق الأوسط
للجميع
ما يدهشنا أنَّ بعض الخرافات لا تزال تُستخدم حتى في عصرنا الحاضر، إننا نتوقع أن المؤمنين بالخرافات يقلّ عددهم كلما تقدّم العلم، ونحن نشهد تغييراً في الساحة، ولكننا نشهد وللأسف الشديد أن بعض المتعلّمين يؤمنون بالخرافة ويمارسونها، هذه ظواهر غريبة جداً في مجتمعنا المعاصر.
الخرافة: ما هي؟
ليس من السهل وضع تعريف للخرافة، فهي ترتبط بعناصر عديدة في اللغة اللاتينية (Superstito) التي تعني «فارغ» أو «لا أساس له»، ومأخوذة أيضاً من اليونانية من كلمة تعني «الخوف من القوى فوق البشرية».
فالخرافة هي العقائد والعادات والممارسات الفردية أو القبلية، والتي في ضوء الاستنارة والعلم المعاصر، نراها غير مؤسسة على قيم عقلانية عن العالم والحياة البشرية.
فالخرافة في ضوء هذا المفهوم لم تكن في عصورها الغابرة خرافة ولكن مع تقدم العلم والمعرفة والاستنارة وجد أنها لا تقف على أسس سليمة فسميت خرافة.
كيف جاءت الخرافة؟ ولماذا؟
ولدت الخرافة مع الإنسان، فحيثما وجد الإنسان من قديم الزمان وجدت معه أفكاره وتقاليده وممارسته للحياة. حاول الناس منذ بدء التاريخ تفسير الأحداث البشرية، والظواهر الطبيعية، فقد كان الغموض يشوب كافة ما يحيط بهم، ولم يعرف القدامى الأسباب العلمية الحقيقية وراء الأحداث، فحاولوا تفسير الظواهر التي يشاهدونها فأضفوا عليها شروحاً سحرية من خيالهم، مثال كسوف القمر بسبب أن بنات الحور كن يمسكن القمر… مرض أحد الأشخاص (عين الحسود) تأخر زواج فتاة (بسبب عمل سحري أو تعويذة … الخ)
بحث الناس عن وسائل تأمين المستقبل والحيطة من الأحوال السيئة في المستقبل ،المستقبل الغامض يثير الاهتمام، لذلك لجأ الناس إلى أساليب بدائية عديدة كلها وليدة الخوف الشديد من المستقبل الغامض وأرادوا حماية أنفسهم من عناصر التشاؤم ومن الحسد وأعمال السحر … إلخ فهنا ظهرت مهام التنجيم واستطلاع الغيب للاطمئنان على المستقبل، فالمستقبل يرتبط بالحظ والقدر والنصيب. معنى ذلك أنه لا بد من معرفة الحظ المقدّر عليهم مسبقاً كلما أمكن ذلك.
كما ظهرت محاولات تفسير الأحلام … الخ
ارتبطت خرافات عديدة بالتمني والأمل، فالأمل خير والتمني رغبة صالحة.
ولكن القدامى في بساطتهم استخدموا وسائل عديدة تحقِّق لهم آمالهم وأمانيهم. مثال: العاقر تريد أن تلد، لذا عليها مثلاً: التدحرج على جبل أو الاغتسال من بئر معينة … الخ
وظهرت وسائل الدفاع عن النفس أو الانتقام ممن لا يستريح الإنسان إليهم أو من يريد أن يلحق بهم الضرر، فاستُخدم السحر كوسيلة لإلحاق الضرر بالآخرين، ومن هنا ظهرت وسائل الحماية من أعمال السحر الضارة، فالأحجبة حماية، ورش الملح حماية … الخ.
فالإيمان بالحظ بالغ القِدم، فقد قدَّس الناس الحيوان وعبده كإله، وفي العصر الحجري الحديث وعصر الزراعة قدسوا النبات، ثم اكتشفوا المعادن فقدسوها. في كل هذا لم يشعر الناس بالضمان الكافي الذي يعطيهم الاطمئنان النفسي والروحي، لذلك آمنوا بالحظ. والحظ يرتبط في حياة الناس بالقدر الغيبي الغير معروف، والقدر عند الناس قوة طاغية ترزق الإنسان أو تسلب منه الرزق بعشوائية كاملة، وبدون منطق، فيقع الناس أسرى لقوة عشوائية تغير أو تضر بدون حساب، وقد خلط الناس بين هذا القدر الغاشم والقدرة الإلهية، ومنذ عهد الآلهة القديمة، فالآلهة تصنع الخير وتصنع أيضاً الشر.
أمثلة: عندما تغرق باخرة ندعو ذلك قدراً، وعندما يحترق بيت نعتبره حظاً سيئاً وعندما يموت إنسان تحت سيارة يقودها سائق مخمور نربطه بالحظ السيء، وعندما يكسب تاجر في تجارة ما نفسر ذلك على أنه حظ حسن.
وهناك من يستغلون بساطة الناس في البحث عن الحظ، فمن يجد عملة مالية بالصدفة حظ حسن، ومن يشتري ورقة يانصيب فيكسب منها له حظ متميز.
وللأسف الشديد فإن خرافات الحظ والنصيب خرافات تعيش اليوم، وتنتشر بين الناس بصورة خيالية، وأنت تستمع في أحاديث الناس اليومية ما يعبر عن خرافات تصديق القدر، وما يبعث على التشاؤم أو التفاؤل وكثيرون يخلطون بين الله والحظ والقدرة فلنحلل هنا المشكلة:
هذا معناه أنه لا يوجد إله، والحياة غير مضمونة، الحظ نوع من الفوضى، كزهر الطاولة مرة يصيب ومرة أخرى يخيب، والحياة مع الحظ مخاطرة كبرى لا معنى لها ولا قيمة، ومن يعبد الحظ، يخلط بين طرفين لا يمكن الجمع بينهما.
فالذين يؤمنون بالحظ يتمسكون بخيالات وأوهام سطحية لا عمق لها ولن تحقق لهم السعادة. فإيماننا بالإله الواحد الذي نظم الكون وخطط الخليقة، يدفعنا أن نرى أساساً ثابتاً لتحرك العالم، يعطي الخليقة الثبات، ويعطي الإنسان الاستقرار.
لو مات شخص تحت سيارة يقودها سائق مستهتر، فالموت هنا نتيجة خطأ السائق، والباخرة التي تغرق نتيجة حمولة زائدة أو عطل في المحرك… كذلك عندما يواجه الإنسان محنة فهناك سبب ورائها، فرسوب الطالب يرتبط بالإهمال أو ظروف أو… تتزوج فتاة من فتى كانت تحبه ويحبها، ثم تحدث مشكلات، فيقولون: هذا يغضبها فمن أين جاء النصيب. لقد اختار كل واحد منهما الطرف الآخر، لكن لم يفهم الواحد منهما الآخر قبل الزواج كما يجب، أو أن أحد الطرفين لظروف ما تغير بعد الزواج والناس يحاولون أن يجدوا سبباً خارج الإنسان يحمّلونه المسؤولية، وكان بالأحرى بهم أن يكتشفوا الأسباب الحقيقية.
يلتمس الإنسان لنفسه العذر عندما يلقي الأسباب على الحظ، فيستسلم أو يهمل أو يتوكل على أشياء أخرى، والحقيقة أن الإنسان مسؤول عن حظه، هو الذي يحقق النتيجة التي يصل إليها، هو الذي يعمل فيبني مستقبله. الألم وليد ظروف الحياة، والمرض له أسبابه، والإنسان مسؤول أن يكافح وأن يعمل ليحقق مستقبله.
حتى في العصر الحاضر يمارس الناس وسائل ونظماً وأدوات تحول المفاهيم الدينية إلى حظ.
مثال: فهناك من يفتح الكتاب المقدس فجأة، ثم يضع إصبعه في مكان ما، ثم يقرأ ويقول هذه كلمة الله موجهه إليه، ويأخذ مما قرأه أي معنى يربطه بظروفه أو مشكلته، ويحاول منها أن يجد الحل. ثم يقول لك: الله قال لي، والواقع أن الله لم يقل له شيئاً. ثم كيف يستخدم الإنسان في بعض الأحيان كلمة الله تعويذة تجيب على أسئلته ومشكلاته اليومية؟ فهبات الله شيء، والحظ شيء آخر، هبات الله للإنسان كلها خير، وكلها عطية من الله تتحقق من خلال جواب وجهه الإنسان لهذه العطية.
لله دور في حياة الإنسان، لكن دور الله في حياة كل فرد أو مجتمع يرتبط بكفاح الإنسان والمجتمع لتحقيق الأفضل، وللطبيعة نظام خلقه الله لها ليسير عليه، فلا مكان للحظ والصدفة والنصيب.
فتعامل الله مع البشرية يتحقق من خلال الإنسان الذي يتحمل مسؤوليته لما يعمله، فالإنسان من خلال عقله وعمل يديه شريك مع الله في الفكر والاختيار والعمل، ومتى أخطأ الإنسان أو عمل حسناً فهو يحمل مسؤولية ما حدث.
السحر:
ما هو السحر؟ وما هو المقصود بالعمل السحري؟
السحر هو العمل الذي يقوم به شخص معين ليحاول التأثير على الآخر، ليحقق من وراء ذلك أهدافاً يرجوها، خيراً كانت أم شراً، ارتبط السحر بالطب وبالدين من قديم الأزمان ولا عجب أن رأينا في ديانات ممارسة سحرية. وقد ظهر السحرة الذين يقنعون الناس بأن لهم القدرة على الاتصال بالآلهة لتحقيق الأماني المرجوة وللسحرة دور في الاسترشاد بالآلهة، فهل يتزوج الإنسان من فلانة؟ أو تتزوج هي من فلان؟ هل يدخل تاجر في صفقة تجارية معينة؟ وإلى غير ذلك.
أيضاً انتشر السحر الأسود الذي يعمل ليلحق الضرر بالعدو، وهناك سحرة يمارسون تعاويذ خاصة للإضرار بالناس، كما أن الساحر يحاول معرفة الغيب وقراءة مستقبل الحياة.
يلجأ الناس للسحرة لأعمال عديدة، كما أن هناك فكر قديم بأنه توجد علاقة بين الإنسان وأي جزء منه أو من أي شيء استخدمه… فيمكن أخذ خصلة من شعر إنسان وقطعة من ثوبه تستخدم سحرياً ضده، والساحر يستخدم البخور كما يستخدم النار فهي مصادر قوة، كما يستخدم أمور أخرى، كما أن نبوءات السحرة مرات تتحقق ومرات لا تتحقق.
فلماذا يلجأ الناس لأعمال السحر؟ هناك دوافع معينة تدفع الإنسان للجري وراء السحرة، يصل الإنسان أحياناً إلى حالة يأس، فيبحث عن أية وسيلة قد تعطيه أملاً أو رجاءً، فيذهب إلى السحرة، وهناك من يشعر بالخوف والقلق فلذلك يلجأ للسحرة ليريه الأمن والأمان، واثقاً أن الساحر قد يحقق له هدفه.
يلجأ الناس عادة في حالات الفشل في الحبّ، في الحياة الزوجية، انخفاض في الدخل… إلخ، والسحر لا يزيد على كونه نوع من الإيماء، يدفع الإنسان أن يعيش على أمل كلّه سراب هيهات أن يتحقق.
اعتبر الرسول بولس السحر من بين الأعمال الشريرة (غلا 5:20) وقد حاربت الكنيسة في بدء رسالتها أعمال السحر (أعمال الرسل 8:9)، كما رفض أشعيا أعمال السحر والرقي (أشعيا 47:12) وطالب فيها برفض السحر والسحرة من شعب الربّ (ميخا 5:12). فكل أعمال السحر شر مرفوض من الكنيسة والكتاب المقدس، فقد كانت وصية الله قديما لشعبه أنه لا يقبل وجود ساحر من بينهم (تثنية 1:10)، والذين كانوا يؤمنون بالمسيح كانوا يحرقون كتب السحر (أعمال الرسل 19:19). يجب نبذ جميع أشكال العرافة: اللجوء إلى الشيطان أو الأبالسة، استحضار الأموات أو الممارسات الأخرى المفترض خطأ أنها تكشف منحى المستقبل، استشارة مستطلعي الأبراج والمنجمين وقارئي الكفّ، وشارحي الفأل والشؤم أو الحظّ، وظاهرات الرائين واللجوء إلى الوسطاء، أمور تخبئ إرادة التسلط على الوقت، وعلى التاريخ.
أخيرا على البشر، وفي الوقت عينه الرغبة في استرضاء القوى الخفية، إنها على تناقض مع الله وحده علينا من واجب الإكرام والاحترام الممزوج بالخشية المُحِبّة.