الحب في المراهقة
حقيقي أم إعجاب؟
حقيقي أم إعجاب؟
مواضيع تربوية
سالزيان الشرق الأوسط
للشباب
العقبات التي تعيق اكتمال الحبّ لدى المراهق:
محوريّة “الأنا”: هذا لا يعني أن المراهق “أناني” إنما أنه “أنويّ” أي أنه مدفوع لا شعورياً، بفعل العوامل النفسية التي تعمل فيه في هذه المرحلة من نموه، إلى التركيز الشديد على ذاتيته الناشئة.
هذا نابع من جهة لاكتشاف المراهق الحادّ لتمايزه وفرادته، ومن جهة أخرى، من سرعة التغييرات التي تطرأ في هذا العمر على شخصيته بأبعادها الجسدية والنفسية، وما توقظه هذه التحولات السريعة والجذرية من قلق ومزاجية وعدم استقرار، وإثارة وتعب وأزمة هوية.هذا ما يتضح أولاً في نزعة المراهق إلى التهافت، في الحبّ، وراء الإثارة الجنسية أو العاطفية أو الاثنين معاً، وإلى اتخاذ الطرف الآخر واسطة وذريعة لبلوغ هذه الإثارة دون إقامة الوزن الكافي لشخصية هذا الآخر. هذا ما يشير إليه تركيز المراهق على مظاهر الشخص المحبوب (من جمال ووسامة وحلاوة معشر وحسن حديث وروح نكتة وما شابه ذلك)، دون الاهتمام الكافي بالمقومات الأساسية لشخصيته (من آراء وقناعات وتطلعات وهواجس وميول ومشاكل…).
وتتجلى “محوريّة الأنا” أيضاً في نزعة المراهق –اللاشعورية إلى حد بعيد- إلى اتخاذ الحب ذريعة لإشباع حاجات هي ذاتية في الأساس:
المراهق يهوى الحب ويخشاه بآن لأنه لا يزال غير واثق من نفسه، غير راسخ في كيانه الذاتيّ. من هنا نزعته إلى التقلّب من محبوب إلى آخر خوفاً من الفشل أو الضياع وتأكيداً لذاته بأنه مرغوب.
من هنا إلى جانب التزامه في علاقة حب، يخشى من الضياع فيها، يخاف من سيطرة الآخر عليه، ويرهب من ألا يكون على مستوى ما ينتظره هذا الآخر منه. من هنا أيضاً نزعته إلى تجنّب كل التزام عميق ودائم في علاقة محددة ثابتة.
السير نحو الحب الناضج “أحبب قريبك كنفسك”:
فبمقدار ما ينجو المراهق من دوامة القلق والتأزم والتمزق والضياع، بمقدار ما يحدّد هويته ويؤكّد استقلاليته، فإنه لا يعود محتاجاً إلى الانهماك بنفسه، بل يتحرر من هذا الانهماك ويصبح بالتالي قادراً على الانفتاح إلى الآخر واكتشاف هذا الآخر على حقيقته، مما يستتبعه القدرة على إقامة علاقة أصيلة مع هذا الآخر تتجاوز “العلاقة” التي يقيمها المرء مع صورة له يتأمّلها في مرآة.
صفات الحب الناضج:
إن هذا الحب الناضج وليد تحرّر المراهق من تمزّقه وحيرته وما ينتج عنهما من انهماك قَلِق بالذات. “فالحب وليد الحرية”.
الحب المراهقيّ مسيرة على درب الحبّ الحقيقي:
إن الحبّ موجود في المراهقة، إنما هو حبّ في طور النشوء والمخاض، على منوال شخصية المراهق بجملتها.
إنه لأمر حسن أن يخوض المراهق خبرة الحبّ ومعاناته. ذلك أن الحبّ المراهقيّ، وإن كان مشوباً بالأنوية، فإنه يحمل في ذاته طاقة تجاوز للأنوية من حيث توقه إلى لقاء حميم بذات أخرى. لذا فهو مرشح بطبيعته للتطوّر نحو النضج ولتطوير شخصية المراهق بجملتها في هذا الاتجاه، شرط أن يتجاوب المراهق قدر الإمكان مع توق اللقاء وألا يتوهّم أنه بلغ مرحلة الحب المكتمل.
لنتعلّم أن ننظر إلى الحب والجنس على مستوى أخلاقي عالٍ، نظرة إنسانية هادئة وواعية. نظرة مقدّسة.
الله حب ومحبة، ولكونه كذلك فهو مصدر المحبة والحب فينا. “فما طهّره الله لا تنجسه أنت” (أع 15:10). لا تنظر بازدراء لما قدّسه الله. ليس في العالم شيء دنس بحد ذاته، إن الله خالق كل الأشياء وخالق الإنسان قد “رأى جميع ما صنعه فإذا هو حسن جداً” (تك 31:1).
إن حقيقة الزواج والعلاقة الجنسية كانتا في الخطة الإلهية منذ البدء: “وقال لهم انموا وأكثروا واملأوا الأرض” (تك 28:1)، “وكانا عريانين وهما لا يخجلان” (تك 25:2). لكن بعد الخطيئة نجد أن موقف الإنسان من جسده وجسد الآخرين قد تغيّر: “فانفتحت أعينهما فعلما أنهما عريانان” (تك 7:3).
إن المسيحية قد تأثرت بمذهب يسمى “المانية” نسبة إلى “مانى” وهو فيلسوف ظهر في القرن الثالث الميلادي، وهو بدوره قد تشرّب من فلسفة زاردشت التي شادت بلاد الفرس (إيران حالياً). فهذا الفيلسوف قسّم العلم والخليقة إلى عالمين، عالم الروح وهو من صنع إله الخير، وعالم الجسد من صنع إله الشر. فظهرت بعض التيارات المسيحية التي ترفض الزواج، وتحتقر الجسد على أنه مصدر كل شر. إنما تعاليم الكنيسة تؤكّد بأن الإنسان من روح وجسد، وسلامة بنيانه تكمن في ارتباط عنصريه معاً، وكلاهما من صنع الله.
الطاقة الجنسية في الإنسان:
في الإنسان العديد من الطاقات: بدنية، عقلية، نفسية، عاطفية، روحية…
المعنى الحصري لكلمة جنس هو اللقاء الجسدي بين رجل وامرأة. إنما المعنى الشامل للكلمة هو تلك الطاقة غير المحدودة والقابلة الى التحوّل والنضج…
هدفها: تكوين روابط بين البشر لبنيان الخلية الأسرية ومن ثم بناء الأسرة البشرية كلها.
إنها طاقة “حسنة”. ولكن هل يجوز استخدام كل ما هو حسن بأي ظرف؟
السكينة “حسنة” لقطع الطعام والأكل ولكنها تصبح أداة إجرام عند استخدامها الخاطئ.
ما هو حسن ومفيد هو كذلك في ظروف معينة، وهو سيء في ظروفٍ أخرى. هذه الطاقة هي “وزنة” أعطيت لنا لنستخدمها وتعطي ثماراً جيدة لا فاسقة.
المسيحية تشدد على إنسانية الآخر واحترامه، وتحذّر من اعتباره آلة لإشباع الرغبة. الحب قيمة عليا فلا تجعل منه سلعة رخيصة.
يتصوّر بعض الدارسين لفسيولوجية الإنسان والكثير من العامة أن النزعة الجنسية في الإنسان هي نزعة اضطرارية قاهرة، لا يستطيع الفرد أن يتحكم فيها، شأنها في ذلك شأن جاذبية الأرض التي تجبر الأشياء على السقوط. فإن كان هذا الأمر صحيحاً فلا داعي إذن لأخلاقيات والمبادئ ما دام الأمر خارج عن إرادتنا.
إذن هذه النزعة الجنسية خاضعة للإرادة والوعي، وليست ملحة واضطرارية. هذا لا يعني أننا نستطيع أن نلغيه من حياتنا! فهو جزء أساسي في كياننا. وتشمل إنسانيتنا بكليتها.
كبت أم ضبط نفس؟
إن كبت الطاقة الجنسية لا جدوى منه، لأنه من غير المعقول أن نكبت طاقة دون أن تظهر بطريقة أو بأخرى. أما ضبط النفس فهو ناتج عن وعي وتحكّم وتوجيه سليم للطاقة. (مثال مدرّس أمام تلاميذه). جسدنا جزء منا علينا أن نقبله ونحبه.
مجالات توزيع الطاقة الجنسية:
وحدة كيان الإنسان:
الإنسان المثالي هو الذي يستطيع أن يوحّد كيانه.
المسيحية دين التجسد وقيامة الأجساد. المسيح قدّس جسدنا بتجسده. “الكلمة صار جسداً وحل فينا” (يو 14:1).
والمسيحية تؤمن بقيامة الجسد لا بخلود الروح كما كانت عقيدة المصريين القدماء. الإنسان سوف يحيا حياته الأبدية بجسده وروحه معاً. فالمسيح صعد الى السماء بجسده. فلم يأت المسيح ليخلص نفوسنا فقط بل وأجسادنا أيضاً.
علينا أن نجعل أجسادنا طاهرة وألا نوقعها في الدنس أي في الخطيئة. فالدنس يساوي العبودية. دنس الجسد هو الشهوة، حيث يفقد الإنسان سيطرته على جسده. هناك أيضاً دنس الفكر حين يقع الإنسان عبداً لأحلامه وأفكاره.
يتحقق كمال الإنسان عندما يحصل الانسجام بين جسده وروحه، وقتها يصل إلى قمة الحياة الروحية. الطاقة الجنسية تكون حسنة بقدر كونها تحت سيطرة الروح، حين تستخدم كوسيلة لتكوين الذات. لكن حين يفلت الزمام تتحول إلى طاقة عشوائية، في هذه الحالة تكون ضارّة لأنها تضاد انطلاق الروح. تماماً كالحصان البري، فهو غير صالح للخدمة طالما لم يروّض ترويضاً كاملاً.