الأسرة المسيحية
استمرارية لعمل الخالق وتحقيق مخطط الخلاص
استمرارية لعمل الخالق وتحقيق مخطط الخلاص
مواضيع في التعليم المسيحي
سالزيان الشرق الأوسط
للعائلات
مقدّمة:
إن الأسرة جزء لا يتجزّأ من المجتمع ومن الكنيسة. فهي كما يقول قداسة البابا في رسالته «في وظائف العائلة في عالم اليوم» تشكلّ أغلى القيم الإنسانيّة. فهي ليست وليدة الصدفة ولا مجرّد تطوّر القوى الطبيعيّة اللاواعية، بل هي مؤسسة وضعتها حكمة الله الخالق لكي يحقّق في الناس مقاصد حبه. فالأسرة إذاً مؤسسة طبيعيّة من وضع الله لا من وضع الإنسان، والله نفسه هو الذي جعل في طبيعة الإنسان القوانين والسنن اللازمة والكفيلة بتحقيق مخططه الإلهي. والتي تدعوه لعيش المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة والتكامل بينمها (تكوين 3: 18-24).
ويقدّم لنا الكتاب المقدس صوراً لأسر مثالية في صفحاته المقدسة كأسرة طوبيا الذي لم يتخذّ زوجته سارة لسبب شهوة وإنما رغبة في النسل الذي يبارك فيه اسم الله (طوبيا 8: 5-10). كما إنه يقدّمهما مثالاً للصلاة، فقيل إن يتحدّ جسدياً صليا حتى يبارك الله اتحادهما ولا يخرجا عن خطته. ويقدّم أسر الآباء جميعهم مثل ابراهيم وسارة واسحق ورفقة كيف حقّقا مشيئة الله في اختبار بعضهما البعض.
كما إنه يقدّم لنا أسرة الناصرة مثالاً رائعاً إذ شاء ابن الله أن يولد ويترعرع في حضن لأسرة بشرية. ويذكّر لنا مباركة يسوع لعرس قانا الجليل بحضوره وتدخّله العجيب (يو 2: 1-11).
القسم الأول: الأسرة في الكتاب المقدس
تحظى الأسرة في الكتاب المقدس بأهميّة كبرى. وبعد تصفحنا لأسفاره نكتشف الأساس الذي تبنى عليه الأسرة وغاياتها وصفاتها.
ترتكز الأسرة في تكوينها على مبدأ الخلق: ذكراً وانثى خلقهما. فقد عرف الإنسان أنه كائن اجتماعي وأول اجتماع عرفه التاريخ عن الإنسان هو اجتماع آدم وحوّاء. وأول أليف للرجل هي المرأة، كما نصّ الكتاب المقدس بوصف رائع في الفصل الثاني من سفر التكوين: «وقال الرب، لا يحسن أن يكون الإنسان وحده فأصنع له عوناً بإزائه. فأوقع الرب سباتاً على آدم، فنام. فاستلّ إحدى أضلاعه وستر مكانها بلحم، وبنى الربّ الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة. فأتى بها آدم فقال آدم: هوذا هذه لمرّة عظم من عظامي ولحم من لحمي. وهذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أخذت. ولذلك يترك الرجل أباه وأمّه ويلزم امرأته، فيصيران جسداً واحداً. خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى خلقهم، وباركهم الله، وقال لهم انموا أكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها». (تكوين 1: 26و 2:18-24).
انطلاقاً من طبيعة الأسرة المرتبطة بالله، الزواج هو أمر مقدس: «ورأى الله جميع ما صنعه، فإذا هو حسن جدّاً» (تكوين 1:32). إن الرجل والمرأة يصبحان جسداً واحداً وهذا إشارة إلى وحدة الزواج، الوحدة التامة الكاملة بين الزوجين. وقد رأى بولس الرسول في اتحاد الزوجين صورة لوحدة المسيح مع الكنيسة، إذ قال: «ليخضع بعضكم لبعض بتقوى المسيح أيّتها النساء اخضعن لأزواجكن خضوعكن للرب، لأن الرجل رأس المرأة كما أن المسيح رأس الكنيسة التي هي جسده وهو مخلّصها. وكما تخضع الكنيسة للمسيح فلتخضع النساء لأزاوجهن في كلّ شيء. أيّها الرجال أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيح الكنيسة وجاد بنفسه من أجلها… إن هذا السرّ لعظيم (أفسس 5: 21-32).
هذا السرّ المقدس له مفعول على الأسرة فهو يقدِّس الزوجين فيفتح عليهما الله غزير نعمه ويحوّل حبّهما البشري ليصبح حبّاً مقدساً مرتبطاً بالمسيح مستمدّاً منه القوة ليكون على مثال حبّ المسيح للكنيسة في العفّة والخدمة والتضحية. ويساعد الزوجين على القيام برسالتهما كأب وكأم ويفوّضهما ليكونا والدين مؤمنين مربّين.
قداسة الأسرة تثبتها على مبدأ الأحادية الزوجية وعدم الانفصال فهي شاهدة للحبّ وما يفترض من احترام للآخر والاعتراف بمساواته وكرامته. قداسة الأسرة تدعوها لأن تكون شركة وعطاء متبادل لخدمة الحياة، وتتخطّى الأنانيّة لبلوغ مسؤولية ناضجة مبنيّة على التضحية.
الأسرة صورة للإله الثالوث وما يتميّز به من وحدة صمدانيّة في حركة أزلية بين ثلاثة. وهي انعكاس حيّ، بين الناس، للزواج السرّي العظيم بين المسيح والكنيسة. فإذا عاشت الأسرة هذا الحبّ وخلّدت هذا السرّ العظيم فهي تشترك في خصوبة الله الخلاّقة وتقدّس ذاتها في الوئام والسلام والمجّانيّة والفرح.
وعلى الأسرة أولاً وخصوصاً يجب أن نعوّل في تربية الحبّ، وتطوير معنى الشخصيّة وتعزيز حرمة الجسد واحترام المرأة والولد. فصميم دعوة الأسرة وعطاؤها المميّز الذي لا بديل منه ولا ثمن يوازيه، إنّما هو تربية الحبّ. وفيما عدا ذلك، وفي أحسن الحالات، لا بدّ مثلاً من أن تتحوّل الزمالة إلى صداقة، وروح التضامن إلى روح خدمة نزيهة، والتباهي في الضيافة والكرم إلى صفات قلب متواضعة. في الأسرة يتصدّر الحبّ كلّ شيء بمنتهى العفوّية ويتغلّغل في كلّ شيء. إنه التربية الخصبة التي يجب تنميتها وتنقيتها والتي منها تتغذّى الفضائل الأخرى.
القسم الثاني: الأسرة تعليم الكنيسة
لقد خصّت الكنيسة الأسرة برعايتها واهتمامها على مدار العصور، إن تعاليم الكنيسة حول الأسرة والزواج غنيّة جداً، ورفيعة المكانة. فنجد أهميّة كبرى في المجمع الفاتيكاني الثاني، كما وقد انعقد مجمعاً لرؤساء الأساقفة في روما عام 1980 واحتفلت الكنيسة بسنة الأسرة في العام 1994. وقد عالجت في رسائل بابويّة عديدة أمور تخصّ الأسرة.
“ينشأ الزواج برضى بين طرفين يعبّر عنهما، وفقاً للقانون، شخصان ذا أهليّة شرعاً، ولا يمكن لأيّة سلطة بشرية أن تعوّض عنه. الرضى الزواجي فعل إرادة به يتبادل كلّ من الرجل والمرأة نفسه مع الآخر تسليماً وقبولاً في سبيل الزواج بموجب عهد لا رجوع فيه” (الحقّ القانوني الكنسي المادة 1075).
“إن الشراكة الأولى هي تلك التي تقوم وتتطوّر بين الرجل والمرأة: وبقوة الحبّ الزواجي لم يعد الرجل والمرأة “اثنين بل جسد واحد”، وهما مدعوان لينموا باستمرار في شراكتهما عبر أمانتهما اليوميّة لعهدهما الزوجي بهبة الذات المتبادلة التامة” (في وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم رقم 19).
يعرّف البابا في رسالته العامة “السنة المئة” الأسرة كالتالي: الأسرة هي الخليّة الأساسيّة للبيئة البشرية فيها يتلقّى الإنسان أولى المبادئ الحاسمة المتصلة بالحقّ والخير ويتعلّم معنى الحبّ، حبّه للآخرين وحبّ الآخرين له… نفكّر هنا بالأسرة المبنيّة على الزواج… لا بدّ من اعتبار الأسرة قدس أقداس الحياة (رقم 39).
“إن حبّ الله يرفع الحبّ الزوجي الحقيقي، كما أن المسيح بقوّة الفداء والكنيسة بعملها الخلاصي يوجهانه ويوّفران غناه حتى يقود الزوجين عملياً إلى الله وحتى يساعدهما ويثبّتهما في رسالتهما كأب وكأم. ولكي يقوم الزوجان المسيحيّان بواجبات حالتهما كما ينبغي يعطيان القوّة وكأني بهما يتكرّسان بسرّ خاص. وأنهما إذ يتممان رسالتهما الزوجيّة بقوّة هذا السرّ، مرتويين من روح المسيح الذي ينعش كلّ حياتهما بالإيمان والحبّ والرجاء، يبلغان أكثر فأكثر كمالهما الشخصي وقداستهما المتبادلة: وهكذا يساهمان معاً في تمجيد الله” (المجمع الفاتيكاني الكنيسة في عالم اليوم رقم 48).
“والدعوة الشاملة إلى القداسة تتوجّه إلى الأزواج كما تتوجّه إلى الوالدين المسيحيين: فهي يحدّدها بالنسبة إليهم الاحتفال بالسرّ وتنتقل عمليّاً إلى الشؤون الخاصة بالحياة الزوجية والعائلية. ومن هنا تولد النعمة والحاجة إلى الروحانيّة الزوجية والعائليّة الحقّ السامية. وانطلاقاً من قداستها هذه تندفع الكنيسة بروح رسولي باطني لكي تكون علامة نيّرة لحضور المسيح ولمحبّته. فهي مدعوّة بشهادتها ومثالها أن تنير الطريق للآخرين. فهي كما يقول البابا: جماعة مؤمنة تبشّر بالإنجيل” (في وظائف العائلة رقم 56).
“الأزواج يعرفون أنهم يساهمون في عمل الخالق ويتذكّرون بأن الله هو سيّد الحياة وقد عهد إليهم في خدمة الحياة البشرية” (إنجيل الحياة رقم 38).
“إن حياة كلّ كائن بشري، منذ الحبل به، يجب أن تحترم احترماً مطلقاً، لأن الإنسان هو الخليقة الوحيدة على الأرض، التي أرادها الله لذاته، ولأن النفس الروحيّة في كلّ إنسان قد خلقها الله بذاته. فعلى كلّ كيانه صورة الخالق. إن الحياة البشرية مقدّسة، لأنها منذ بدايتها، تستشفّ عمل الله الخالق، وتبقى أبداً في علاقة خاصة معه وهو غايتها الوحيدة. وليس لأحد في أيّ ظرفٍ كان، أن يدّعي لذاته الحقّ في قتل كائن بشري بريء قتلاً مباشراً” (الحياة هبة الله رقم 5).
“الحبّ الزوجي يُلزم الزوجين أن يتفّهما رسالتهما في نطاق “الأبوّة المسؤولة” وانطلاقاً من هذا المبدأ” ترى الكنيسة أنه يجوز اللجوء إلى فترات العقم فيما تحرم على الدوام استعمال الوسائل المضادة مباشرة للإخصاب، حتى لو أوحت بها أسباب قد تبدو شريفة وذات شأن. ذلك إن بين الحالتين فارقاً جوهريّاً: فالمتزوجون، في الحالة الأولى يستفيدون بوجه شرعي من واقع طبيعي، أما في الحالة الأخرى فإنهم يمنعون سير الوظائف الطبيعيّة. صحيح أن الأزواج، في كلتا الحالتين، يتّفقون في إرادة اجتناب النسل لأسباب معقولة، ساعين إلى التأكد من أنه لن يولد، ولكنه صحيح أيضاً أنهم في الحالة الأولى وحدها، يمتنعون عن ممارسة أعمال الزواج في فترات الخصب عندما يكون الإنجاب غير مرغوب فيه لأسباب صوابية، ويمارسونها في فترات العقم للتعبير عن تعاطفهم وللحفاظ على الأمانة المتبادلة، وهم بعملهم هذا يبرهنون عن حبٍّ شريف صادق” (تنظيم النسل رقم 16).
“تغرس مهمة الأسرة جذورها في دعوة الأزواج الأساسيّة إلى الاشتراك في عمل الله الخلاّق: وذلك أن الوالدين بإيلادهم في الحبّ ومن الحبّ إنساناً جديداً يحمل في ذاته دعوة إلى النمو والتطوّر، يأخذون على عاتقهم مهمّة مساعدته مساعدة فعّالة على أن يحيا حياة إنسانيّة كاملة” (في وظائف العائلة في عالم اليوم رقم 36)
ويذكر المجمع الفاتيكاني الثاني “بما أن الوالدين، قد أَعطوا أولادهم الحياة، فيقع على عاتقهم الواجب الخطير جدّاً بأن يربّوهم، ويجب الاعتراف بأنهم المربّون الأولون والرئيسون لأولادهم. ومهمّة الوالدين التربويّة من الأهميّة بحيث يعسر الاستعاضة عنها، إذا ما تقاعسوا عنهم عن القائم بها. فمن واجب الوالدين خلق الجوّ العائلي الذي تسوده المحبّة والاحترام تجاه الله والناس والذي يساعدهم على تربية أولادهم تربية كاملة، شخصيّة واجتماعية. فالأسرة هي المدرسة الأولى للفضائل الاجتماعية الضروريّة لكلّ مجتمع” (المجمع الفاتيكاني الثاني إعلان في التربية المسيحيّة رقم 3).
القسم الثالث: نتائج الاستفتاء حول موضوع سرّ الزواج:
تعليق: لا يزال وعي المؤمنين إلى أهميّة وقدسيّة سرّ الزواج ضعيفاً مما يجعل العديد منها تُقبل عليه من دون استعداد كافٍ. فالأسر المسيحيّة بحاجة إلى توعيّة أكبر إلى رسالتها كاستمرارية لعمل الخالق وكتحقيق لمخطط الخلاص. وعلى الأبرشيّة أن تُلزم المتقدّمين للزواج بضرورة الاستعداد من خلال اللقاءات التي تهيئهم لفهم سرّ الزواج وأسسه وقيمته.
تعليق: لا يزال مجتمعنا مجتمعاً مُتديّناً ويجب استغلال ذلك لمساعدة الأزواج على اكتشاف الأهميّة الدينيّة لزواجهم وتوجيههم التوجيه الصحيح للتفكير بزواجهم كجزء أساسي من حياتهم الإيمانيّة المسيحيّة.
تعليق: على الكنيسة التركيز في شرح مبادئها فيما يختصّ بموضوع أخلاقيات الحياة الزوجية كموضوع تنظيم النسل والإجهاض والإسراع في توجيه الازواج إلى احترام الحياة البشرية والطبيعيّة البشرية ووحدة سرّ الزواج من خلال شرح وافٍ وعميق لكلّ المبادئ الأساسيّة في الحياة الزوجيّة.
القسم الرابع: العناية الراعوية بالعائلة واقتراحات:
تقوم العائلة اليوم بجهد كبير مكثّف، يهدف إلى توعية الأسرة على كيانها ورسالتها في الكنيسة والمجتمع ويتم ذلك من خلال الأعداد للخطبة والزواج ومتابعة الأسر الشابة. يركّز البابا في رسالته “في وظائف الكنيسة المسيحيّة في عالم اليوم”
ويرتكز هذا الجهد على خطوات عديدة تقوم بها الكنيسة المحلية في سبيل ذلك وأهمها:
أمور عمليّة:
أسئلة للنقاش: