اترك أثراً طيباً
قيمة الذكريات
قيمة الذكريات
مواضيع تربوية
عن مجلة السالزيان الدورية نقلها للعربية الأب السالزياني بشير سكر
للجميع
” لقد وهب لنا الله الذاكرة لكي نرى الورود في الشتاء “، قالها جيمس باري الكاتب الإسكوتلندي.
في مجالنا نستطيع القول إن الله وهب لنا الذاكرة لكي نستحضر ذكريات الطفولة في أعاصير الحياة.
– في كتاب عنوانه: ” قيمة ذكريات الطفولة “، أدرج الكاتب الكاليفورني نورمان لوبسِنز ردوداً على السؤال: ” ما هي أجمل ذكريات طفولتك؟”
ابن مؤلف الكتاب نفسه، حين سُئل، أجاب: ” أتذكر إحدى الأمسيات حين كنا وحدنا في السيارة، وأنت يا أبي توقّفت لتساعدني على مطاردة الفراشات!… كنت في الخامسة من العمر…”
وحين سأله والده: ” لماذا تذكرت هذا الحدث؟”
أجاب: ” لأنني لم أكن أتوقع أن تتوقف لتلتقط الفراشات معي، غير أنك توقفت!”
– وبالنسبة لآخر، فالذكرى الأجمل كانت: ” يوم الرحلة المدرسية، والذي ظهر فيه والدي، وهو الذي اعتدنا أن نراه صارماً وقوراً وأنيقاً، ظهر مرتدياً قميصاً خفيفاً، جلس على العشب وأكل معنا وشاركنا ألعابنا، لا بل استطاع أن يرمي الكرة إلى أبعد مما وصلنا إليه… وقد علمت فيما بعد أنه أجّل سفر عمل هاماً مفضلاً البقاء بالقرب مني ذلك اليوم!”
أن نترك أثراً طيباً، هذا أيضاً يساهم في العملية التربوية؛ لا بل قد تكون إحدى الذكريات الطيبة سبباً في إنقاذ عمر بكامله. وقد أدرك ذلك الكاتب الروسي الخالد دوستويفسكي الذي أعلن بيقين واقتناع شديدين: ” اعلموا أن ليس هناك ما هو أسمى وأقوى وأنفع لحياتكم المستقبلية من ذكرى طيبة خاصة لو رافقتكم منذ نعومة أظفاركم وانطلاقاً من البيت الوالدي. ذكرى واحدة من تلك الذكريات الجميلة المقدسة، لو حفظناها منذ الطفولة، قد تكون أفضل ما تأصّل فينا تربوياً. ولو أن ذكرى واحدة فقط حفظناها في قلبنا، فقد تكون هي سبب نجاتنا يوماً ما.”
تسع نصائح لكي يحوّل الأهل مائدة الطعام الى فرصة مثمرة:
1- لنركّز على وجبة العشاء. إنه الوقت الأنسب ليلتئم أفراد الأسرة معاً. لنتوافق كي لا يغيب أحد ويلتزم الجميع بالموعد.
2- عندما نتّكئ حول المائدة، لا نشغّل التلفاز. إنها فرصتنا للتكلم ولتبادل الأحاديث. نتداول أحداث اليوم…حتى أصغرنا قد يكون لديه ما يحكيه…
3- أن نتناول الطعام ونمكث معاً كأسرة، يجب أن يكون أجمل أوقات يومنا وحياتنا. وهذا ما يدعونا لتجنّب الحديث عن همومنا ومشاغلنا على المائدة…
4- لا نبالغ في التقيّد بآداب المائدة، يمكن التدخل عند الضرورة، بل لنترك مجالاً للعفوية والمرح بدلاً من ” مراقبة القواعد والتقاليد.”
5- ليس لطيفاً أن نبدي ملاحظاتنا حين يكون مذاق الحساء غريباً ولا نبدي استحساننا حين تُقَدَّم لنا وجبة لذيذة.
6- ليس من العدل أن تهتم الأم وحدها بالإعداد والخدمة والترتيب وأخيراً بغسل الأواني. البيت أسرة وليس مطعماً. كل فرد من الأسرة مسؤول عن إسعاد أهل البيت.
7- لا مجال للمواعظ أثناء تناول الطعام. لا نقُل: ” أنا الآمر والناهي!” لو كان الصراخ مسموحاً به فليكن بالتناوب دورياً!!
8- لا نستخدم وجبة الطعام لتنفيذ جزاء أو عقاب. هذا تصرف غير تربوي.
9- أخيراً، لو أمكن، فلنخرج أحياناً لنتعشّى في مكان ما. قد يبدو هذا إسرافاً لكنه أمر هام لتنشيط الروح العائلية.
انظروا اليّ
منذ سنين كتب “ثورنتون وايلدر” كوميديا جميلة جداً بعنوان ” مدينة صغير”.
أحد مشاهد المسرحية أثار انتباه جميع الحاضرين: إنه موت سيدة شابة، إيميلي، أصيبت بحمّى بعد أن أنجبت طفلاً.
في الطريق إلى المقبرة وجّه الحاملون سؤالاً إلى الجثة: ” إيميلي! لو استطعت العودة إلى الحياة، أي يوم تفضّلين استحضاره؟
أجابت: ” آه، أتذكر كم كنت سعيدة يوم عيد ميلادي الثاني عشر! أريد استحضار يوم عيد ميلادي الثاني عشر…”
أموات المقبرة حاولوا جماعياً ردعها: ” لا يا إيميلي، لا تفعلي ذلك يا ايميلي!”
لكن إيميلي ألحّت …تريد أن تعود وترى أباها وأمها…
يتغيّر المشهد ونراها هناك، وهي في الثانية عشرة من العمر، في اليوم العظيم الذي حُفِر في ذاكرتها. تنزل الدرج مرتدية ثوباً جميلاً وشعرها يتماوج بشكل جدائل. لكن والدتها منشغلة جداً في إعداد كعكة حلوى عيد الميلاد لابنتها، حتى إنها لم تلتفت لتشاهد ابنتها نفسها…غير أن إيميلي أخذت تهتف قائلة: ” ماما! أنظري إليّ…ألستُ أنا المحتفَل بها ؟!” فتجيب الأم: ” جيد جداً آنستي المُحتفَل بها! اقعدي وتناولي وجبة الفطور…”
لكن إيميلي مازالت واقفة لتقول: ” ماما انظري إليّ !!” لكن الأم لا تهتم…
يدخل الأب، وهو الآخر منشغل جداً ليوفر المال، ولم تسنح له الفرصة ليوجه نظره نحوها…أخوها هو الآخر لا يعيرها اهتماماً وهو منصرف الى شؤونه ولا وقت لديه…
المشهد ينتهي وإيميلي وسط خشبة المسرح وهي تقول: “أرجوكم! لينظر أحدكم إليّ… لست أحتاج إلى كعكة الحلوى ولا إلى المال… فقط انظروا إليّ من فضلكم!”
بديهي ألّا تجد من يسمع…
حينذاك تلتفت مرة أخيرة إلى أمها قائلة: ” ماما! أرجوكِ! ”
ثم تتدارك نفسها وتقول: ” قودوني بعيداً عن هذا المكان…لم أعُد أتذكر شكل المخلوقات الآدمية…ليس هناك من يبالي بالآخرين ويلتفت إليهم…ليس هناك من يهتم… أليس كذلك؟”
لم يسمعها أحد…لم يشاهدها أحد…
وإيميلي تموت إلى الأبد.
إيميلي تعبّر عن احتياج دفين أساسي في قرارة كل الأبناء، كل الكائنات الإنسانية، الإحساس بالوجود، الإحساس بأنك لست نكرة، الإحساس بأنك ذو كرامة وأهمية. اللامبالاة، أي عدم الاكتراث بالغير، هي سبب موت الكثيرين عن واقع الحياة الآدمية والإنسانية.