إعلان الإنجيل Evangelii nuntiandi
دعوة رسولية
دعوة رسولية
وثائق كنسيّة
البابا بولس السادس
إلى الكنيسة جمعاء
إن مهمة إعلان الإنجيل لجميع الناس تشكل الرسالة الأساسية للكنيسة
مقدمة
من البابا بولس السادس إلى الإخوة الأجلاء والأبناء الأحباء السلام والبركة الرسولية
تشجيع خاص للبشارة بالإنجيل:
1- إن الجهود التي تبذل من أجل إعلان الإنجيل لسائر البشر في عصرنا، مع ما يحدوهم من آمال من جهة، وما يساورهم كثيراً من مخاوف وضيق من جهة أخرى، لتعد بلا شك خدمة تسدى لجماعة المسيحيين، بل أيضاً للبشرية جمعاء.
لذلك فإن التكليف “بتثبيت الإخوة”، الذي أؤتمنا عليه من قبل الرب مع تولينا خلافة بطرس (1)، ويعد بالنسبة لنا “انشغالا يومياً” (2) ومنهاج حياة وعمل، والتزاما أساسياً في حبريتنا، إنما يبدو لنا واجباً أكثر نبلاً وأبلغ ضرورة عندما نكون بصدد تشجيع أخوتنا على قيامهم برسالة البشارة، حتى يؤدوها في هذه الأيام المحفوفة بعدم الاستقرار والجزع، على وجه يتزايد فيه باستمرار الحب والبذل والفرح.
في مناسبات ثلاث:
2- إن هذا الواجب هو ما نقصد أن نؤديه الآن، في ختام هذه السنة المقدسة التي خلالها “ركزت الكنيسة كل جهدها على إعلان الإنجيل لجميع بني البشر” (3)، فلم تقصد سوى إنجاز ما كلفت به من حمل البشرى السارة بيسوع المسيح، التي تعلنها انطلاقاً من وصيتين أساسيتين: “ألبسوا الإنسان الجديد” (4)، و”تصالحوا مع الله” (5).
ونريد أن نؤدي الواجب في هذه الذكرى العاشرة لاختتام أعمال المجمع المسكوني “فاتيكان الثاني” الذي تتلخص أغراضه في هدف واحد: جعل كنيسة القرن العشرين أكثر قدرة على إعلان الإنجيل لعالم هذا القرن.
كما نود أن نسدي هذا التشجيع بعد مرور سنة على انعقاد الدورة الثالثة لسينودس الأساقفة العام – التي نعلم أنها خصصت لقضية البشارة الإنجيلية، ولاسيما أن آباء السينودس قد طلبوا إلينا ذلك. فعند انفضاض هذه الدورة التاريخية، أرادوا أن يعرضوا على راعي الكنيسة الجامعة، بكل ثقة وبساطة قلب، ثمار مجهودهم كلها، معلنين أنهم ينتظرون من البابا دفعة جديدة كفيلة ببعث عصر جديد للبشارة الإنجيلية، في كنيسة تغرس جذورها أكثر فأكثر في قوة العنصرة وفاعليتها الخالدتين (6).
موضوع كثيراً ما ركزنا عليه خلال حبريتنا:
3- إن موضوع البشارة الإنجيلية هذا قد ركزنا على أهميته في مناسبات عديدة، ما قبل دورة السينودس العام، حيث قلنا في مجمع الكرادلة المقدس يوم 22 يونيه 1973 “إن أوضاع الحياة الاجتماعية تضطرنا جميعاً إلى إعادة النظر في الأساليب، وإلى السعي بكافة الوسائل، لدراسة كيفية توصيل الرسالة المسيحية إلى إنسان هذا العصر، بحيث يستطيع أن يجد فيها الإجابة على جميع تساؤلاته، والقدرة على التزامه بالتضامن الإنساني” (7). وقد أضفنا حينذاك أنه حتى نستطيع تقديم الإجابة السليمة على المتطلبات التي يوجهها إلينا المجمع المسكوني، يتعين علينا أن نضع نصب أعيننا تراث الإيمان الذي يجب على الكنيسة أن تحافظ عليه في نقاوة سليمة من كل شائبة، بل يتعين أن تقدمه إلى أبناء هذا العصر، بطريقة مفهومة ومقنعة قدر الإمكان.
على نهج سينودس عام 1974
4- فإن هذه الأمانة نحو الرسالة التي نحن خدامها، ونحو الأشخاص المطلوب توصيلها إليهم سليمة حية، هي بمثابة المحور الرئيسي للبشارة. فهي تثير أسئلة ثلاثة ملحة وخطيرة، لم تبرح قط أنظار آباء سينودس عام 1974:
– ماذا أصبحت في أيامنا هذه تلك الطاقة الكامنة في الإنجيل هذا الخبر السار، القادرة على إيقاع تأثير عميق في ضمير الإنسان؟
– إلى أي مدى وبأية كيفية تستطيع هذه القوة الإنجيلية أن تحول حقاً إنسان هذا العصر؟
– ما هي الأساليب التي على غرارها ينبغي إعلان الإنجيل بحيث تكون قوته فعالة؟
إن هذه الأسئلة لتبرز أساساً السؤال الرئيسي الذي تطرحه الكنيسة على نفسها اليوم، والذي يمكن ترجمته كالآتي: على أثر المجمع الذي يعد بالنسبة للكنيسة، في هذا المنعطف من التاريخ، “ساعة الله”: هل تجد الكنيسة نفسها على كفاءة أوفر لإعلان الإنجيل، ولتيسير إندماجه في قلب الإنسان عن اقتناع وتحرر في الروح وجدوى فعالة، أولاً تجد نفسها كذلك؟
دعوة إلى التأمل:
5- إننا نرى جميعاً ضرورة عاجلة في الإجابة على هذا السؤال إجابة صادقة ومتواضعة وجريئة، وفي التصرف والعمل حسبما تكون عليه الإجابة.
ففي إطار “عنايتنا بجميع الكنائس” (8)، نود مساعدة أخوتنا وأبنائنا على الإجابة على التساؤلات هذه. فكلماتنا التي تبغى أن تكون وقفة تفكير في البشارة، معتمدة على حصيلة الثروة التي جمعها السينودس العام، عساها تكون بمثابة دعوة للتفكير عينه، موجهة لكل شعب الله الذي تجمعه الكنيسة، وتثير انطلاقة جديدة من جانب الجميع، وبخاصة أولئك الذين “يتعبون في الكلام والتعليم” (9) حتى يصبح كل منهم “مفصلاً كلمة الحق بأحكام” (10)، عاملاً على الوعظ بالإنجيل، ومؤدياً خدمته على وجه أكمل.
إن مثل هذه الدعوة لتبدو لنا أمراً أساسياً، لأن تقديم الرسالة الإنجيلية لا يعد بالنسبة للكنيسة مساهمة اختيارية، وإنما هو واجب ملقى على عاتقها، بتكليف من الرب يسوع، من أجل أن يتسنى للناس أن يؤمنوا فيخلصوا. نعم إن هذه الرسالة أمر ضروري، أوحد، ولا بديل له، ويأبى اللا مبالاة أو المساومة أو التلفيق. إذ عليها يتوقف خلاص البشر. وما تمثله هو جمال الوحي. وما تتضمنه هو حكمة ليست من هذا العالم. إن من شأن هذه الرسالة أن توقظ بذاتها الإيمان، الإيمان الذي يستند إلى قدرة الله (11). فهي الحق. وهي جديرة بأن يخصص لها الرسول وقته كله، وطاقاته كلها، وأن يضحي في سبيلها بحياته متى اقتضى الأمر ذلك.
تابع القراءة بتحميل الملف