هناك خلط واضح في مفهوم العاطفة والحب
وفى اللغة اليونانية تترجم كلمة “الحب” بثلاث كلمات:
- ايروس (Eros) أي الحب الجسداني الشهواني.
- فيلى (Phily) أي الحب الإنساني العادي.
- أغابي (Agapi) أي الحب الروحاني المقدس.
والعاطفة هي طاقة الحب، التي تتشكل بنوع من هذه الأنواع، حينما يقودها الإنسان إلى الوجهة التي يريدها فهو يمكن أن يتدنى بها إلى مستوى الماديات والخطيئة، أو يكتفي بمحبة إنسانية نشاهدها كل يوم في الحياة العملية، أو يتسامى بها – بنعمة المسيح وعمل روح الله القدوس – لتصير محبة روحانية مقدسة، من خلالها يتعامل مع كل الناس في الأسرة والكنيسة والمجتمع والصداقة والزواج.
ما هي العاطفة؟
العاطفة – حسب علماء النفس – هي انفعال متكرر نحو شخص أو شيء أو قيمة… ومن كثرة تكراره يتثبت ويصير عاطفة.
فمثلاً يتعرف الإنسان بشخص ما لأول مرة فيشعر نحوه بالقبول والارتياح ويتكرر هذا الانفعال عدة مرات كلما التقى مع هذا الشخص فيصير هذا الانفعال عاطفة حب لهذا الشخص.
ويمكن أن يحدث العكس حينما يشعر الإنسان بانقباض أو عدم ارتياح نحو شخص آخر ويتكرر هذا الانفعال فيتحول إلى عاطفة سلبية هي الكراهية (نتحدث هنا نفسياً لا روحياً بالطبع).
كذلك حينما ينفعل الإنسان بارتياح نحو شيء ما (كالصلاة أو الألحان أو التسبيح أو الخدمة) فيحبها وتتحول عنده إلى عاطفة مستقرة وبالعكس إذا انفعل بعدم ارتياح نحو شيء آخر (كالمال أو الأفلام الرديئة) فلا يحبها، بل بالأحرى يرفضها.
ونفس الأمر في مجال القيم فيحب الإنسان الطهارة والشجاعة والوداعة ويكره النجاسة والتهور والعنف… الخ.
وهكذا تصير العاطفة (سلباً وإيجاباً) نتيجة لانفعال متكرر، نحو شخص، أو شيء، أو قيمة، يثبت فيتحول إلى عاطفة.
موقع العاطفة في الكيان الإنساني:
العاطفة جزء من الجهاز النفسي للإنسان، فإذا ما قلنا إن الإنسان يتكون من:
- روح تتصل بالله وبالإيمانيات والسماويات.
- وعقل يفكر ويدرس ويحلل ويستنتج.
- ونفس تحس وتشعر وتحب وتكره.
- وجسد يسعى ويتحرك على هذه الأرض.
تقع العاطفة في نطاق النفس فالجهاز النفسي في الإنسان فيه خمس مكونات أساسية هي:
- الغرائز (أو الدوافع) كالجوع والعطش والجنس وحب الاستطلاع والأبوة والأمومة وحب الاقتناء وحب الحياة… الخ.
- الحاجات النفسية كالحاجة إلى الأمن، والحب، التقدير، والانتماء، والتفرد، والمرجعية.
- العواطف أي المشاعر التي نكتسبها نحو أشخاص أو أشياء أو قيم.
- العادات التي تتكون لدينا بفعل التكرار، سواء العادات السلبية أو الإيجابية.
- الاتجاهات أي الخطوط الرئيسية التي يتبناها الإنسان في حياته، وتكون سائدة على تصرفاته فواحد يحب الله والكنيسة والخدمة، وآخر للأسف يحب المال والمقتنيات… الخ.
العاطفة إذن هي جزء من الجهاز النفسي للإنسان، وهي لا تصلح وحدها لقيادة الإنسان، بل الإنسان الحكيم، وبخاصة الإنسان الروحي.
كيف أقود عواطفي؟
الإنسان الروحي عنده ضوابط ثلاثة غاية في الأهمية، من خلالها يقود عواطفه، لتسير في الخط السليم الروحي البنّاء، فكثيراً ما قادت العاطفة الإنسان في طريق هادم ومدمر، حينما سلّم قيادته للمشاعر، وربما للأمور الحسية، كما يحدث في علاقات الشباب مثلاً التي تقودهم أحياناً إلى الخطيئة، وربما إلى ترك المسيح أو في محبة المال والعالم حتى أن ديماس ترك المسيح وبولس، لأنه أحب العالم الحاضر.
والضوابط الثلاثة للعاطفة هي:
- العقل: أعطاه الله للإنسان لكي يدرس الأمور، ويوازن فيما بينها، ليختار الأصلح. وكمثال: هل يوافق العقل أن يرتبط الإنسان بعاطفة مع آخر خارج الحظيرة، أو إنسان غير روحي يمكن أن يدمّر حياته الروحية؟! ومثال آخر: هل من السليم حدوث ارتباط عاطفي بين شاب وشابة في سن مبكر، وهما بعد في “المرحلة الجنسية الشاملة” قبل أن يدخلا إلى “المرحلة الجنسية الأحادية” والتي فيها يمكن للإنسان أن يكون في استقرار نفسي جيد، يسمح له باختيار شريك الحياة؟ ومثال ثالث: عند اختيار شريك الحياة، هل هنالك توافق روحي واجتماعي وثقافي وتربوي، أم أن هناك مجرد عاطفة؟ وهكذا.
- الروح: بمعنى أن من يشعر بعاطفة معينة نحو شخص، أو شيء، أو قيمة، عليه مع الدراسة العقلية أن يصلي ويسترشد برأي أبيه الروحي، هل هو يسير في الطريق السليم أم لا؟ إن الزوجة الصالحة هي من عند الرب، لذلك فالشاب المسيحي الروحاني عليه أن يصلي كثيراً، ومن أعماق قلبه، لكي يعطيه الرب الإرشاد المناسب والاستنارة الجيدة، ليعرف مشيئة الله في كل أمر، مستعيناً في ذلك بأمرين: الصلاة الحارة وإرشاد أب الاعتراف.
- الروح القدس: وقد ذكرنا ذلك أخيراً لأنه الضمان النهائي، بل الضمان اللانهائي، في حياة الإنسان وقراراته. إن عقل الإنسان محدود، ومن الممكن أن يخطئ، وهو لا يستطيع أن يعرف الأعماق، ولا المستقبل لذلك يمكن أن تكون قراراته خاطئة. وروح الإنسان محدودة، ويمكن أن تتلوث أو تتوه أو تخطئ لذلك فالضمان الأكيد والفريد هو عمل روح الله، وقيادته المضمونة والإنسان الذي يريد أن يقود عواطفه حسناً عليه أن يرجع إلى الله، في الكتاب المقدس، وفي الصلاة، وفي الارشاد الروحي، وفى المثابرة على الاستنارة المسيحية من خلال الاجتماعات والقراءات وبعد كل ذلك يجب أن يسلّم قيادة نفسه وعواطفه وأفكاره للسيد المسيح، طالباً منه أن يكون القائد الوحيد لسفينة حياته. وهكذا يسلِّم الإنسان إرادته بإرادته لله، تتحد إرادة الإنسان بإرادة الله، ويضمن الإنسان سلامة مسيرته “سلّمنا فصرنا نحمل” (أع 15:27).