عيد العنصرة
ما معناه وكيف نعيشه؟
ما معناه وكيف نعيشه؟
مواضيع في التعليم المسيحي
الأب د. لويس حزبون
للجميع
نحتفل بعيد العنصرة الذي يختتم الزمن الفصحيّ بعد خمسين يوماً من أحد القيامة. ويُعتبر عيدُ العنصرة عيد ميلاد الكنيسة في القدس، أمّ الكنائس كلّها، لأنها كنيسة القيامة وكنيسة الروح القدس. تعلّم الكنيسة الأولى أن المسيح الذي مات وقام وصعد إلى السماء وتمجَّد عن يمين الآب تمّم عمله بإفاضة الروح على جماعة الرسل يوم العنصرة (أعمال 2: 23- 32). وعليه تُشكّل العنصرة إكمال الفصح والصعود.
ويذكرنا هذا العيد بحلول الروح القدس على الرسل والتلاميذ الآخرين الذين كانوا مجتمعين للصلاة مع مريم العذراء في العلية. وكانت عدد الجماعة نحو مئة وعشرين شخصاً (أعمال الرسل 1: 14-15). إن يسوع القائم من الموت والذي صعد إلى السماء أرسل روحه إلى الكنيسة ليجعلنا نعيش العنصرة من جديد (أعمال الرسل 2، 1-11) كي يتمكن كل مسيحي من مشاركته حياته الإلهية، ويصبح شاهداً حقيقيّاً له في العالم.
ومن هنا نسأل عن معنى العنصرة وما هي علاماتها وكيف نعيش العنصرة وأين تمت العنصرة؟
ما معنى العنصرة في المفهوم اليهودي والمسيحي؟
أُطلق لفظ “عنصرة” على العيد الذي يحتفل به بعد الفصح بخمسين يوماً. وقد تطوَّر موضوع هذا العيد: كان أولاً عيداً زراعياً، ثم أخذ يعني، فيما بعد، ذكر حادث العهد التاريخي. وأخيراً أصبح هبة الروح، معلناً إنشاء العهد الجديد على الأرض.
عنصرة لفظة عربية مأخوذة من العبرية (عتصيرت) ومعناها اجتماع أو احتفال. وأما التسمية اليونانية للعيد πεντεκοστεν “البندكُستين”، والإنكليزية Pentecost أي “الخمسين”، لأنه كان يُحتفل به بعد مرور سبعة أسابيع (تثنية الإشتراع 16/9) او خمسين يوماً بعد الفصح (أحبار 23: 16). نجده في يوسيفوس فلافيوس (3 :252) والكتابات الرابينيّة، فيدلّ على ختام “الخمسين الفصحيّ”. ودُعي أيضاً “عيد الأسابيع” “شفوعوت” (طوبيا 2 :1). ويعتبر عيد العنصرة (عيد الأسابيع) أحد أعياد الحج اليهودية الثلاثة مع عيد الفطير (الفصح) في الربيع وعيد الأكواخ (قطف الثمار في الخريف) (تثنية الإشتراع 16/13 واحبار 23/ 34). يحتفل به اليهود به في حضرة الله مع جميع أهل البيت ومع الفقراء. وبعد دخولهم أرض كنعان كان يحتفل اليهود بهذه الأعياد في الهيكل.
وعليه احتفل اليهود في البداية في عيد العنصرة في الربيع كعيد شكر لحصاد القمح (خروج 23 :16). فكان يتحتم على الذكور من الشعب أن يجتمعوا معاً للعبادة (أحبار 23: 21). وسمي “يوم البواكير” (عدد 28:26) لأنه كان يقدمون فيه رغيفين من الدقيق الذي طُحن من غلّة الحصاد (أحبار 23:17)، ويقدمون عشر ذبائح (أحبار 23:18) ويذكرون المحتاجين (تثنية 16:11). العنصرة هو عيد اختتام عيد الفطير (تث 16 :8) أو عيد المظال (أحبار 23 :36).
وفي القرن الثاني قبل الميلاد تطوّر العيد وأصبح ذكرى نزول الشريعة على يد موسى كليم الله في طور سيناء لأن الشريعة أُعطيت خمسين يوماً من بعد الفصح أي عبور الشعب من أرض العبودية إلى صحراء الحرية (خروج 19: 1- 16). وفي قمران تبدو العنصرة أهم الأعياد التي فيها يحتفلون بتجديد العهد. ولكن المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس (3 :252) تجاهل مدلول العيد هذا واكتفى بالحديث عن عيد زراعي في التوراة. وكذلك في الكتابات الرابينيّة، فيدلّ على ختام “الخمسين الفصحيّ”.
ومنذ القرن الثاني ب. م. ظهر المعنى الديني للعنصرة في الكتابات الرابينيّة (كتاب اليوبيلات ف 6). فبدت وكأنّها تأثّرت بخبر الفصح المسيحيّ كما رواه أعمال الرسل 2.
أما في المفهوم المسيحي في العهد الجديد فيشير عيد العنصر إلى مواصلة التجلّيات الإلهية في العهد القديم بحلول الروح القدس. يوضّح بطرس الرسول أن العنصرة تحقق مواعد الله: “ففي الأيام الأخيرة سوف يعطى الروح للجميع” (يوئيل 3: 1- 5، حزقيال 36: 27). وسبق يوحنا المعمدان وتنبأ بحضور ذلك الذي كان مزمعاً أن يعمّد بالروح القدس (مرقس 8:1). وقد ثبَّت يسوع بعد قيامته هذه المواعيد: “تعمَدون بالروح القدس بعد أيام قليلة ” (أعمال 1: 5).
في يوم الخمسين بعد الفصح حين كان كثيرون قد أتوا إلى أورشليم واجتمعوا بمناسبة عيد العنصرة تمّ إنجاز وعد ربنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بإرسال الروح القدس على التلاميذ الأطهار (اعمال 1:2-14). ويستعمل كتاب أعمال الرسل لوصف العنصرة رموز للإشارة إلى الروح القدس: صورة ريح عاصفة وصورة النار والتكلم باللغات.
يشير أعمال الرسل بصورة العاصفة إلى ظهور الله في سيناء، الذي يتحدث عنه سفر الخروج (19، 16 – 19) والتثنية (4، 10) وهي علامة للجبروت الإلهي، الذي يشعر الإنسان بحضوره أنه خاضع وأنه عدم. ومما لا شكّ فيه أنّ روح الرّبّ قد أعطي للتلاميذ قبل صعود الرّب إلى السّماء عندما “نَفَخَ فيهم وقالَ لَهم: خُذوا الرُّوحَ القُدُس مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم” (يو20: 23-24). ولكن قبل العنصرة لم نسمع صوت الروح القدس ونرى إشراقة قوّته. ولكن ومنذ يوم العنصرة صار ” صَوتُ الرَّبِّ على المِياه … صَوتُ الرَّبِّ يَقُدُّ شُهُبَ نار… وكلٌّ يقولُ في هَيكَلِه: لَه المَجْد” (مز 29: 3) وبدد خوف التلاميذ
بهيئة ألسنة “كأنها من نار” حل الروح القدس على التلاميذ في صباح العنصرة وملأهم منه (اعمال 3: 2-4). وترمز النار إلى قدرة أعمال الروح القدس. بشَّر يوحنا المعمدان بالمسيح معلنا أنه هو الذي “سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار” (لو 3:3: 16)؛ هذا الروح الذي سوف يقول عنه يسوع: “جِئتُ لأُلِقيَ على الأَرضِ ناراً، وما أَشدَّ رَغْبَتي أَن تَكونَ قدِ اشتَعَلَت!” (لو 12: 49). حمل يسوع إلى الأرض النار أي الروح القدس بواسطة أكبر فعل حب في التاريخ “موته على الصليب”. اختار الله يسوع ابنه الوحيد لكي “يلقي النار على الأرض”. ولقد حفظ التقليد الروحي رمز النار كأفصح تعبير عن عمل الروح القدس “لا تطفئوا الروح” (1 تس 5:19).
هي صورة من المواهب الروحية التي نجدها لدى الجماعات المسيحية الأولى وإن كان الكلام بالألسن غير مفهوم في ذاته (1 قورنتس 14: 1-25)، إلا أن جميع الحاضرين فهموه. وهذه المعجزة، القائمة في الاستماع، تدل على انتشار الجماعة المسيحية لتشمل كافة الشعوب، وعلامة من علامات دعوة الكنيسة الجامعة، حيث يأتي إليها المستمعون من مختلف العالم (أعمال 2: 5-11). وتحقق العنصرة في أورشليم الوحدة الروحية بين اليهود والمهتدين من كافة الشعوب التي تفتتَّت بسبب برج بابل (تكوين 7: 1-9). ومن هنا أصبحت الكنيسة زمن الكنيسة والأزمنة الأخيرة والوحدة.
ما هي علامات العنصرة؟
في البدء، ووفقًا لمخطّط الله، كان “رُوحُ اللهِ يُرِفُّ على وَجهِ المِياه” (تكوين 1: 2) وكانت قوّته “تَمتَدُّ مِن أَقْصى العالَمِ إِلى أَقصاه وتُدَبّر كُل شيء لِلفائِدَة (حكمة 8: 1)، أما في إطار عمله لتقديس الإنسان، وبدءاً بيوم العنصرة صار “روح الرَّبِّ يَملأ المَسْكونَة” (الحكمة 1: 7)”، فالآب والابن يرسلان اليوم روح الوداعة ليقدّس كلّ مخلوق حسب المخطّط الجديد وبطريقة جديدة وتعبير جديد عن جبروته وقوّته. فمن أهم علامات العنصرة افتتاح زمن الكنيسة والأزمنة الأخيرة وزمن الوحدة والتفاهم والمشاركة.
أولاً العنصرة زمن الكنيسة:
يوم العنصرة أفاض السيد المسيح الروح القدس على الكنيسة لكي يعلمها ويذكرها بكل ما قال (ت ك 92)، وينشئها على حياة الصلاة (ت ك 2623) ويقدسها أيضاً باستمرار” (ك 4). ويكشف لنا كتاب أعمال الرسل، وهو “إنجيل الروح القدس”، بالمكانة التي يحتلّها الروح سواء في إدارة الكنيسة ونشاطها الرسولي (أعمال 4: 8، 16: 6)، أو بتجلياته الخارجية (4: 31، 10: 44). فالكنيسة في مسيرتها نحو لقاء الرب، تتلقّى منه باستمرار الروح الذي يجمعها في الإيمان والمحبة، ويقدسها، ويوفدها للرسالة.فعطية الروح هذه افتتحت عهداً جديداً، وكما ورد في تعليم الكنيسة الكاثوليكي “هي زمان الكنيسة، الملكوت الذي صار ميراثنا منذ الآن ولما يكتمل بعد” (732). “فظهرت الكنيسة ظهوراً علنياً أمام الجماهير وابتدأ نشر الانجيل مع الكرازة” (ل 6). في هذا الزمن أيضاً يعلن المسيح عمله الخلاصي ويفعله ويوزِّعه، من خلال ليتورجيا كنيسته، “إلى أن يأتي” (1كو 11: 26). على امتداد زمن الكنيسة هذا، يحيا المسيح ويعمل في كنيسة ومع كنيسته بوجه جديد يلائم هذا الزمن الجديد. إنه يعمل بواسطة الأسرار المقدسة. منذ العنصرة يجري الروح القدس نعمة القداسة عبر الأسرار في الكنيسة (ت ك 1125). فمثلا “سر التثبيت يواصل، نوعاً ما، في الكنيسة، موهبة العنصرة” كما ورد في تعليم الكنيسة الكاثوليكي (ت ك 1288).
ثانياً العنصرة افتتاح الأزمنة الاخيرة:
تميِّز هبة الروح “الأزمنة الأخيرة”، وهي الفترة التي تبدأ بصعود الرب وتنتهي بمجيئه الثاني في اليوم الأخير. يمنح الله الروح من أجل شهادة يجب أن نحملها حتى أقاصي الأرض (أعمال 1:8). فتشكّل العنصرة نقطة الانطلاق لرسالتها ويعتبر خطاب بطرس الذي ألقاه “واقفاً مع الأحد عشر” (أعمال 2: 14)، أول عمل الرسالة التي كلّفه يسوع بها: “ولكِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يَنزِلُ علَيكم فتَنَالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهوداً في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض” (1: 8). ويرى الأنبياء في العنصرة منح الشريعة الجديدة للكنيسة (إرميا 1 3: 33، حزقيال 36: 27) والخلق الجديد (تكوين 1: 2).
ثالثاً عيد العنصرة هو عيد الوحدة والتفاهم والمشاركة:
كما وضّح البابا بنديكتس في عظته عن العنصرة لعام 2102. “مع تطوّر العلم والتقنيات، تمكّنا من السيطرة على قوات الطبيعة، ونحقق ما نريده بأنفسنا”. ولكننا نلاحظ أنّنا نعيش من جديد قصّة بابل. ولكن ما هو بابل؟ يجيب البابا: “إنّه وصف لمملكة حيث بذل الناس جهداً كبيراً معتقدين أنّه بإمكانهم التغلّب على إله بعيد ويكونوا أقوياء كفاية لبناء درب بمفردهم يقودهم حتى السماء وأخذ مكان الله. ولكن، لاحظوا فجأة أنّهم كانوا يبنون بعكس بعضهم. وفقدوا أهمّ عنصر في الطبيعة البشريّة: القدرة على الاتفاق والتفاهم والعمل سوياً. يمكن للوحدة أن تتحقّق فقط من خلال نعمة روح الله، التي تمنحنا قلباً جديداً ولساناً جديداً وقدرة جديدة على التخاطب. هذا ما حصل في العنصرة. في عيد العنصرة، حيث كان الانقسام والتباعد، ولدت الوحدة والتفاهم. ويقول القديس بولس في الواقع: “إنّ ثمر الروح هو المحبّة والفرح والسلام” (غلاطية 5، 22).
كيف نعيش العنصرة في أيامنا؟
في عيد العنصرة، يقول لنا الكتاب المقدس كيف يجب أن تكون الجماعة، كيف يجب أن نكون لكي ننال هبة الروح القدس وبالتالي شهوداً ومبشرين.
يذكر الكاتب المقدس أن التلاميذ كانوا متواجدين كلهم في مكان واحد. هذا المكان هو العلية، حيث أقام يسوع مع تلاميذه العشاء الأخير، وحيث ظهر لهم بعد قيامته من الموت، هذه العلية باتت “سدّة” الكنيسة الناشئة (أعمال الرسل 1، 13). ولكن لا يسلَّط سفر أعمال الرسل الضوء على المكان بقدر ما سلّطه على حالة التلاميذ الداخلية: “كانوا مثابرين على الصلاة بقلب واحد” (أعمال 1، 14). وبالتالي فإن اتفاق التلاميذ هو الشرط لكي يأتي الروح القدس؛ وركيزة الاتفاق هي الصلاة. الجماعة المصلية هي العلامة المميِّزة للجماعة المسيحية الأولى في أعمال الرسل.وهذا الأمر ينطبق أيضاً على كنيسة اليوم. إذا أردنا ألا يضحي عيد العنصرة مجرد رتبة وذكرى، بل أن يكون حدث خلاص آني، يجب أن نستعد بانتظار تقوي لهبة الروح القدس من خلال إصغاء متواضع وصامت للكلمة مواظبين على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات على مثال الكنيسة الناشئة. وعلى مثال الرسل نؤدي الشهادة بقيامة الرب يسوع ونبشّر به بمؤازرة الروح القدس. فعيد العنصرة تحدٍّ كبير ودعوة ملحة موجهة إلى كنيسة اليوم في العالم.
وعليه: الإيمان بعيد العنصرة يقتضي الشهادة والتبشير العلني. لا مجال للمسيحي أن يفكّر بأن الإيمان أمر فردي. الإيمان هو القرار بأن نكون مع الربّ لنعيش معه. وهذا “الكيان معه” يدخلنا في تفهّم الأسباب التي من جرائها نؤمن. الكنيسة يوم العنصرة تظهر بوضوح البعد العلني لقرار الإيمان وللقيام بجرأة بإعلان إيماننا الذاتي لكلّ إنسان. إنّ موهبة الروح القدس هي التي تؤهّل للرسالة وتقوّي شهادتنا بجعلها صريحة وشجاعة.
وخير دليل على ذلك تجربة التجدد بالروح القدس. الكاهن الإيطالي فولفيو بريشاني. كان في التاسعة من عمره عندما توفي والده. أبعده الألم الشديد عن الله والكنيسة، وأصبح فولفيو شاباً شيوعيّاً وقال مؤكداً “كنت أومن حقاً وكنت مقتنعاً بأن الشيوعيّة ستغيّر العالم”. عمِل جاهداً، بالمنشورات وبالعضويّة. وأصبح أمين عام لاتحاد الشباب الشيوعي الإيطالي. وهكذا تم انتخابه إلى الأمانة العامة للحزب. درس كيفيّة تجنيد الشباب. وكان قلقاً إزاء الحركات الكاثوليكيّة التي كانت تنتزع من الحزب الشيوعي أعضاءه. وأصبح مديراً لحركة الشباب الشيوعي. اهتم بحركة التجدد بالروح القدس لمعرفة وفهم كيفيّة جذبهم للشباب. لكن هذا اللقاء مصحوب بالصلاة والتراتيل فتح قلبه. وعندما بلغ من العمر الرابعة والعشرين طلب دخول المعهد الإكليريكي المدرسة وأصبح كاهناً ومندوب حركة التجدد بالروح القدس للشباب. ويوضح عمل الروح القدس فينا بقوله “تتركز ثقافة عيد العنصرة التي تتحدث عنها جماعة التجدد بالروح القدس على التثبيت، لأنه إذا كان الروح فينا، يمكننا أن نصبح جنود المسيح في خدمة الكنيسة”. تستند جاذبيّة هذه الحركة على ثلاثة عوامل:
عندما جاء بيننا، وهبنا يسوع الحياة الإلهية التي تحوّل وجه الأرض وتجعله جديداً (راجع رؤيا 21/5) ولم يجعل منا الوحي مجرد مستفيدين من الخلاص بل مبشرين وشهود له. وأعطانا المسيح القائم القدرة على إعلان الإنجيل بقوة في العالم كله. هذه هي خبرة الجماعة المسيحية الأولى التي رأت الكلمة تنتشر بالوعظ والشهادة (أعمال 6/7). وعليه العنصرة هي انطلاقة التبشير الجديد حسب قول البابا بنديكتس السادس عشر. إن تبشير الرسل انطلق من أورشليم (اعمال الرسل 1/8). التبشير الجديد لا يعني أن هناك “إنجيل جديد” لأن يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد (عبرانيين 13/8). إن التبشير الجديد يعني: الرد المناسب على علامات الأزمنة وعلى حاجات البشر والشعوب اليوم وعلى كل السيناريوهات التي ترسم ملامح الثقافة التي نكتشف من خلالها هوياتنا ونبحث فيها عن معاني وجودنا. فالتبشير الجديد يسلط الضوء على ثقافة متجذرة بعمق في الإنجيل: وذلك يعني اكتشاف الإنسان الجديد الذي فينا بفضل الروح القدس الذي وهبه لنا الآب بيسوع.
“كما أن ليس هناك كنيسة من دون عنصرة، كذلك، ما من عنصرة من دون مريم” كما يقول قداسة البابا بنديكتس. فلا بد من المثابرة على الصلاة مع مريم أم يسوع وأمنا (أعمال 1/ 14) فهي التي تطلب لنا بصلواتِها عطيَّةَ الروح الذي كان حلَّ عليها يومَ البشارة.
في أي مكان تمّ حلول الروح القدس يوم العنصرة؟
اتفق علماء الآثار والكتاب المقدس على أن حلول الرح القدس تم في علية صهيون. وتقع علية صهيون على جبل صهيون في القدس. صهيون كلمة سريانية وبالعبرية، وتعني بالعربية صوّان أو صوّة، ومعناها قلعة أو صرح. وفي الأجيال المسيحية الأولى أطلق اسم صهيون على الموضع الذي تم فيه العشاء السري الأخير (أعمال الرسل 2: 29) ومن هنا جاءت الكلمة اللاتينية (Coenaculum) التي تعني مكان العشاء المأخوذة من اليونانية ἀνώγεον (مرقس 14: 15) التي تعني عليّة أي غرفة استقبال الضيوف. واتخذ العديد من الرسامين العالميين العشاء الأخير كموضوع للوحاتهم لعل أهمها هي لوحة الفنان ليوناردو دافينشي.
جرت في علية صهيون حوادث إنجيلية على غاية الأهمية، نذكر منها: