أولاً: ما هي الرؤيا؟
الرؤيا هي أن يكشف الله لأشخاص يختارهم، أموراً حقيقية لا يعلمها سواهم، وأكثرها من أحداث مستقبلية. وهي تحتوي على رموز كثيرة. ليس من السهل تحديد الفرق بين الرؤيا والنبوءة.. لكن الرؤيا في نوع من النبوءة…
ثانياً: الرؤيا في العهد القديم:
لا نجد في العهد القديم إلا سفر دانيال، الذي يحتوي على الرؤى، الفصول 7-12، حيث في هذا السفر من أوله إلى آخره فكرة انتظار الملكوت، كما في سفر رؤيا يوحنا… الرؤى الموجودة في الفصول من 7إلى 12، هي إعلان سيادة الله على التاريخ… ومن خلالها يذكر انتهاء مملكة بابل ومجيء مملكة عتيدة يرأسها ابن البشر “ابن الإنسان” وأن مجيء هذا الملكوت الذي يتحدث عنه دانيال، فيحتل المحل الرئيسي في الأناجيل، فيسمي يسوع ذاته “ابن البشر” ليبين أنه أتى يحقق نبوءات سفر دانيال.
ثالثاً: الرؤيا في العهد الجديد:
نجد أن المسيح قد استعمل أسلوب الرؤيا، وذلك في الفصل الثالث والعشرين من إنجيل متى، وما يشبهه في إنجيل مرقس ولوقا، للأنباء بما سيحل يوماً بأورشليم وبما يحدث في آخر الدنيا.
أما سفر “رؤيا القديس يوحنا” فهو السفر المميز الذي استعمل الأسلوب الرؤيوي، فدعي “سفر الرؤيا”.
رابعاً: رؤيا القديس يوحنا:
كتب هذا السفر، الذي هو آخر الكتاب المقدس، القديس يوحنا الرسول، كاتب الإنجيل كتب سفر الرؤيا في نهاية القرن الأول، سنة 95م، في منفاه في جزيرة بطمس.
إن “رؤيا يوحنا” كتب في ثلاثة أسفار كتبت منفردة، ثم جمعت بعدئذ، مع مقدمة وخاتمة، على هذا النحو:
- الرؤيا الأولى (ف 4-11):
كتبت بعد عهد نيرون، لتشهد بزوال اسرائيل، فاليهود أثاروا الرومان ضد المسيحيين، فهذا الرؤيا تاريخية، تنتهي بسقوط أورشليم “هناك حيث طلب ربهم”(8,11).
- الرؤيا الثانية (ف 12-20):
كتبت على عهد دوميتيانس (80-95) لتشهد بأن اضطهاده للمسيحية ليس آخر المطاف، لكن في النهاية سينتصر المسيح، وتزول الدولة الرومانية الوثنية، فيتعقبها حكم المسيح الألفي، فهي “رؤيا نبوية”.
- الرسائل السبع (1-3):
إلى كنائس آسيا الصغرى الرومانية التي كان يرأسها يوحنا الرسول من أفسس كتبت بعد اضطهاد دوميتيانس تعزية لها، وتشجيعاً على الثبات، وتهنئة بانفراج الكرب العظيم.
كتاب الرؤيا هو:
- كتاب الإيمان الثابت برعاية الله لشعبه في محنه.
- كتاب الرجاء بالمستقبل الظافر والانتصار على أعداء الله والكنيسة.
- شهادة للمسيح في قراءة مسيحية لنبوءات العهد القديم.
- تعليم أهل الأرض صلاة أهل السماء.
- كشف سر “المسيحية” ومصيرها، وفي مصير البشرية وسرها.
- كشف “حكم المسيح الألفي” (الأزلي) “ملك الملوك ورب الأرباب” لكنيسته في سيطرته الشاملة العميقة على البشرية والكون.
يوحنا الرسول يصف في “سفر رؤيا” ما يكشف له الله عز وجل من الأمور، بصورة الرموز والتشابيه، من غير أن يعني بتنسيقها وربطها بعضها ببعض. فالرؤيا ملحمة رمزية في أوصافها وألوانها وأعدادها.
يوحنا الرسول هو من عباقرة الملاحم العالمية: فقد تأثر من أسلوبه “دانتي” الإيطالي في “الكوميديا الإلهية” و “ميلتن” في “الفردوس المفقود”. وأقرب الناس إلى عبقرية يوحنا كان ” شكسبير” الإنجليزي في رواياته العالمية الصاخبة.
الحقائق الكبرى:
تؤكد الرؤيا هذه الحقائق الكبرى، في اليوم الآخر:
- القيامة العامة لجميع البشر (12:20 و13)
- الدينونة العامة للعالمين (12:20 و13)
- الجزاء على الأعمال (3:4و 11/13:14/12:20و13/12:22).
- مكافأة المؤمنين (10:2-28/14:7و 17/22/12) خصوصاً الشهداء منهم (13:2 و26/9:6-11/11:12).
- شفاعة الشهداء والقديسين عند الله (2:8 و4)
- حقيقة جهنم: “بحيرة النار”(14:20و15) “البحيرة المتقدة بالنار والكبريت” (8:21)
- حقيقية السماء: “سماء جديدة وأرض جديدة”(1:21)، وسعادة السماء هي سكنى مع الله (3:22) ورؤية الله (4:22).
“رؤيا يوحنا “هي سفر رمزي:
كما قلنا سابقاً، الرؤيا ملحمة رمزية، في أوصافها وألوانها وأعدادها. فكل ما فيها رموز. وكل ما يراه النبي الرائي فيها، من أشياء وذوات يأخذ شكل رمز، وكل الإشارات الرمزية فيها، لها معان مقصود لذاتها، جملة وتفصيلاً، وتلك المعاني في الرموز هي التعليم المقصود في الرؤيا. لذلك نقول: أن أسلوبها الغالب في البيان والتبيين هو الرمزية وقلما بلغت الرمزية، في كتاب من آداب الدين والدنيا، مبلغ رؤيا يوحنا في الرمزية.
- أوصاف الرؤيا رموز:
- الثوب الطويل: يرمز إلى الرتبة الكهنوتية.
- زنار من ذهب: يرمز إلى سلطة الملك.
- الشعر الأبيض: يرمز إلى الشيخوخة – الأبدية والأزلية.
- العيون: ترمز إلى المعرفة.
- الأجنحة: ترمز إلى الحركة.
- الأيدي: ترمز إلى القدرة والانتصار.
- سعف النخل: ترمز إلى النصر.
- السيف: يرمز إلى الهلاك.
- التيوس: ترمز إلى الأشرار.
- الخراف: ترمز إلى الشعب.
- القرن: يرمز إلى القدرة.
- وحش البر: يرمز إلى النبي الكذاب.
- وحش البحر: يرمز إلى الإمبراطورية الرومانية “بسبعة رؤوس وعشرة قرون” وهذا يشير إلى الأباطرة السبعة حتى تيطس والمغامرين الثلاثة الفاشلين: جلبا واوتونو فيتاليوس. “تلال روما السبعة والعشر أباطرة”.
- الوحش الأكبر: الإمبراطور نيرون، مضطهد المسيحيين الأكبر.
- المرأة الملتحفة بالشمس: ترمز إلى أم المسيح وإلى الكنيسة معاً.
- أورشليم الجديدة: تعني معاً “أورشليم الأرضية” أي الكنيسة، “أورشليم السماوية ” أي السماء (2:21 و10).
- الحيوانات الأربعة: تمثل العالم المخلوق بآفاقه الأربعة (جهات الأربعة).
- المصابيح السبعة: عطايا الروح القدس السبعة.
- الكتاب: العهد القديم، الذي يبقى مختوماً “غير مفهوم” ما لم يفتحه المسيح.
- ألوان الرؤيا رموز:
- اللون الأسود: يرمز إلى الموت والكفر.
- اللون الأبيض: يرمز إلى الفرح والطهارة (8:19).
- اللون الأحمر: يرمز إلى القتل والاستشهاد.
- اللون القرمزي: يرمز إلى العهد والفجور (3:17)
- اللون الأصفر المائل إلى الخضرة: يرمز إلى التفسخ والفناء.
- أرقام الرؤيا رموز:
وهذه مميزة أخرى في كتاب الرؤيا. ونلاحظ أن الأعداد فيها تؤخذ لدلالتها الرمزية، لا العددية، والأعداد فيها بسيطة ومركبة:
- العدد “7”: يرمز إلى الكمال والشمول. لذلك فهو المسيطر على كتاب الرؤيا كله. فهناك سبع حلقات، كل حلقة سبعة مشاهد، وترمز إلى الكمال والشمول فيما تهدف إليه: سبعة رسائل- سبعة أختام- سبعة أبواق- سبع ويلات- سبعة أصوات- سبعة رؤى- سبعة “طوبى”- سبعة “هاأنذا آتٍ عن قريب”.
- العدد “6” يرمز إلى النقصان لأنه 7 ناقص 1.
- العدد “12” يرمز إلى الكمال المطلق، كما في رؤيا أورشليم الجديدة “العروس، امرأة الحمل”: “لها سور عظيم عال، واثنا عشر باباً، وعلى الأبواب اثنا عشر ملاكاً، وأسماء مكتوبة هي أسماء أسباط بني إسرائيل الإثني عشر (أي الكنيسة، إسرائيل الجديدة) ولسور المدينة اثنا عشر أساساً، وعليها اثنا عشر أسماً هي أسماء رسل الحمل الإثني عشر (أساس الكنيسة) (9:21-14).
- العدد “3” يرمز إلى الله تعالى وسره.
- العدد “4”: يرمز إلى العالم المكون من أربعة عناصر، أو الذي له أربع جهات، أو أربعة أقسام: السماء والماء والأرض والهاوية ” الجحيم”.
- العدد”1000″: يرمز إلى كمية لا تحصى أو إلى زمان طويل لا حد له، مثلاً في حكم المسيح وكنيسة ” ألف سنة”.
- العدد” 3.5″ وهو نصف السبعة، لا يرمز إلى النقص والعذاب وزمن المحنة والاضطهاد، يظهر بأشكال عديدة، لكن قيمته الرمزية لا تتغير: زمن + زمنان + نص زمن أو 3.50 سنة وثلاثة أيام ونصف – 42 شهراً- أو 1260…
- الأعداد المركبة: مثل 12×12 (12 ألفاً من 12 سبط يساوى (144000) يرمز إلى عدد الشهداء الرمزي من المسيحيين من الأصل اليهودي (4:7-8) وعدد العذارى التابعات للحمل من الأميين…