في إحدى ليالي شهر أيار من عام 1847 ، كانت السماء تمطر منذ أربع وعشرين ساعة. في أحد البيوت في ريف تورينو وفيما أهل البيت مجتمعون حول نار الموقد في المطبخ، دق أحدهم باب المنزل بإصرار. كانت في البيت امرأة عجوز وإلى جانبها ابنها الكاهن، ذهبت العجوز لترى من الطارق. إنه صبي في الخامسة عشرة من العمر، طويل ونحيل، مبتل حتى العظم بماء المطر المنهمر.
كان يرتعش من شدة البرد. قال:” لو سمحت، دعيني أدخل ولو للحظة، فأنا لا أستطيع أن أقاوم أكثر من ذلك”. أخذته المرأة نحو المدفأة، وبينما جلس يتدفأ ويجفف ملابسه المبتلة أحضرت له بعض الخبز ليأكله، وحساء ساخنا ليدفئ جسده. بعد ذلك قال الصبي :”أنا يتيم مسكين قدمت من فالسيزيا باحثا عن عمل، كان معي ثلاث ليرات لكني صرفتها كلها. أنا الآن لا أملك أي شيء”. بينما كان يتحدث هكذا بدأ يبكي، فتأثرت الأم العجوز وبدأت تبكي معه. وقالت لابنها الكاهن:”إذا أردت، أستطيع تحضير سرير اليقضي هذه الليلة هنا، والله سيهتم بالغد”. خرج الكاهن تحت المطر ليجلب بعض القرميد، حيث جعل منها قواعد للسرير ووضع عليها بعض الألواح الخشبية وفوق الألواح وضع کیسا للنوم . تلك المرأة العجوز هي ماما مارغريتا، وابنها هو دون بوسكو، وعلى ذاك السرير استقبلا أول صبي فقير ومتروك.