التوجيه الرسوليّ 2026
“مَهما قالَ لَكم فافعَلوه” (يو ٢/ ٥)
“مَهما قالَ لَكم فافعَلوه” (يو ٢/ ٥)
التوجيه الرسولي
الرئيس العام للرهبنة السالسيّة الأب فابيو أتّارد
للجميع
مؤمنون، أحرار من أجل الخدمة
“مَهما قالَ لَكم فافعَلوه“ (يو ٢/ ٥)
مؤمنون، أحرار من أجل الخدمة
سنة بعد سنة، يُقدَّم التوجيه الرسوليّ كفرصة لجميع أفراد العائلة السالسيّة لكي يجتمعوا حول موضوع معيّن، لكي تجد دعوة كل مجموعة غذاءً لمسيرتها الروحيّة، الكاريزميّة والراعويّة، من خلال الصلاة والتأمل، الإصغاء والمشاركة.
في ضوء خبرة اليوبيل، أعطانا التوجيه الرسوليّ 2025، “ثَابِتُونَ فِي اَلرَّجَاءِ، حُجَّاجٌ مَعَ اَلشَّبَابِ”، فرصةً للسير مع الكنيسة بأسرها في تأمل سرّ المسيح، مصدر رجائنا ودعامته.
ومن خلال موضوع الرجاء الذي لا يخيّب، تأمّلنا كيف أن سرّ الله الخالق الذي يزورنا في ابنه ما زال اليوم يعضدنا بقوة الروح. وقد ساعدنا هذا الأمر على التعرف إلى علامات الله في الحياة اليوميّة، هذه الحقيقة الملموسة التي تعكس سرّ محبّة الله لنا. فالرجاء هو قوة وتأكيد على “الحاضر” الذي نعيشه ونتأمل فيه، وهو أيضًا مصدر شجاعة وفرح تجاه “ما لم يتحقق بعد”.
وقد شكّلت الذكرى الـ150 لأول إرسالـيّة سالزيانيّة حدثًا واقعيًا ملموسًا أتاح لنا اكتشاف كيف أن الرجاء، بالنسبة إلى دون بوسكو، كان يولّد في قلبه تلك الشجاعة التي دعمته في اكتشاف مشروع الله والانخراط الحازم في تنفيذه.
وعند التأمل العميق في هذا الحدث، يمكننا القول إن الرجاء كان محرّك القلب الراعويّ لدى دون بوسكو. لقد كان الرجاء هو الذي جعله قادرًا على قراءة علامات الأزمنة، والنظر إلى العالم مدعومًا بإيمانه بالله.
وقد حصلت هذه الذكرى التاريخيّة في لحظة مميزة من حياة دون بوسكو: فإلى جانب الإرساليّة، كان يعمل على إرسال السالزيان إلى فرنسا، وكذلك على تأسيس جمعيّة السالزيان المعاونين.
لقد كان زمنًا مليئًا بالحيوية بالنسبة لأبينا، الذي لطالما أولى في قلبه الأولوية للانفتاح والاستعداد لقبول إرادة الله. فبقيادة الرجاء، كان دون بوسكو متجذّرًا بعمق في الإيمان.
وإن كان صحيحًا أن دون بوسكو عاش في تورينو، فإن الأصح أن قلبه وعقله كانا يعيشان في العالم كلّه. فما إن يكتشف مشروع الله، حتى يصبح الرجاء مصدر يقين وقناعة تامة بأن هذا المشروع يجب اتباعه بالإيمان حتى النهاية، دون خوف أو تردّد.
وقد فهم السالزيان الأوائل قوة الرجاء الذي كان ينعش قلب دون بوسكو وعقله. وليس من قبيل الصدفة أنهم هم أنفسهم، لاحقًا، سيصفونه قائلين: “دون بوسكو رجل إيمان، دون بوسكو مؤمن، دون بوسكو في اتحاد مع الله”.
وقد تمحورت العديد من التأملات والمشاركات التي برزت في المجلس الاستشاري للعائلة السالسيّة العالميّ المنعقد في مطلع شهر حزيران/يونيو 2025 حول موضوع “الإيمان”: فإذا كانت قوة الرجاء متجذّرة في الإيمان، فإن حياةً مليئة حقًا بالرجاء تقود إلى علاقة أعمق وأصيلة بالإيمان بيسوع، ابن الآب، الذي صار إنسانًا من أجلنا وما زال حاضرًا في وسطنا بقوة الروح.
أقدّم إليكم بعض النقاط التي سيتم تطويرها لاحقًا في التوجيه الرسوليّ 2026.
“مَهما قالَ لَكم فافعَلوه” ليست مجرد اقتباس من الكتاب المقدس، بل هي بيانٌ روحيٌّ وراعويٌّ بكل ما للكلمة من معنى. هذا النداء، هذه الوصية، تخرج من فم مريم في بداية الإنجيل نفسه.
السياق كان لحظة احتفال، وفجأة أصبح مُهددًا بأن ينتهي نهاية سيئة، فشلٌ تام: الخمر نفد. في هذه الحالة من الأزمة والصعوبة، تقوم مريم، الأم الحنونة، ببساطة بدعوة الخدّام إلى أن يصغوا بانتباه إلى ما سيقوله يسوع عندما تأتي “ساعته”.
من الجميل أن نقرأ هذه الصفحة من جديد: إنجيل يوحنا ٢/ ١-١١
وفي اليَومِ الثَّالِث، كانَ في قانا الجَليلِ عُرسٌ وكانَت أُمُّ يَسوعَ هُناك.فدُعِيَ يسوعُ أَيضاً وتلاميذُه إِلى العُرس ونَفَذَتِ الخَمْر، فقالَت لِيَسوعَ أُمُّه: لَيسَ عِندَهم خَمْر. فقالَ لها يسوع: ما لي وما لَكِ، أَيَّتُها المَرأَة؟ لَم تَأتِ ساعتي بَعْد. فقالَت أُمُّه لِلخَدَم: مَهما قالَ لَكم فافعَلوه. وكانَ هُناكَ سِتَّةُ أَجْرانٍ مِن حَجَر لِما تَقْتَضيه الطَّهارةُ عِندَ اليَهود، يَسَعُ كُلُّ واحِدٍ مِنها مِقدارَ مِكيالَينِ أَو ثَلاثَة. فَقالَ يسوعُ لِلخَدَم: اِمْلأُوا الأَجرانَ ماءً. فمَلأُوها إِلى أَعْلاها. فقالَ لَهم: اِغرِفوا الآنَ وناوِلوا وَكيلَ المائِدَة. فناوَلوه، فلَمَّا ذاقَ الماءَ الَّذي صارَ خَمْراً، وكانَ لا يَدري مِن أَينَ أَتَت، في حينِ أَنَّ الخَدَمَ الَّذينَ غَرَفوا الماءَ كانوا يَدْرُون، دَعا العَريسَ وقالَ له: كُلُّ امرِىءٍ يُقَدِّمُ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ أَوَّلاً، فإِذا سَكِرَ النَّاس، قَدَّمَ ما كانَ دونَها في الجُودَة. أَمَّا أَنتَ فحَفِظتَ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ إِلى الآن.
هذِه أُولى آياتِ يسوع أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه فَآمَنَ بِه تَلاميذُه ونَزَلَ بَعدَ ذلكَ إِلى كَفَرناحوم هو وأُمُّه وإِخوَتُه وتَلاميذُه، فأَقاموا فيها بِضعَةَ أَيَّام.
إن كلمات مريم للخدّام في قانا (يو ٢/ ٥) تحمل في طياتها أسلوب تربويّ للإصغاء وأيضًا للإجابة. إنها تربية تتناقض مع كلّ شكل من أشكال الطاعة السلبية. مريم لا تقول ببساطة: “أطيعوه”، بل تدعو إلى إصغاء شخصيّ، فعّال واستباقيّ: “مَهما قالَ لَكم فافعَلوه “.
إنها دعوة إلى الثقة بشخص المسيح، ثقةٌ تتحوّل إلى تصرّفٍ مسؤول، وهذا بدوره يولّد حريةً أصيلة.
العنوان الفرعيّ للتوجيه الرسوليّ: “مؤمنون، أحرار من أجل الخدمة”، يُكمل الصورة برسم مسار وجوديّ: من الإيمان تولد الحرية، ومن الحرية تنبثق الخدمة، أي حريةٌ تُعاش وتحرّر الآخرين.
وليس الأمر مجرد تسلسل زمني، بل ديناميكيّة حياتيّة، حيث كلّ عنصر يُغذّي الآخر ويُسنده. لا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنًا وهو بعيد ومنفصل عمّا يجب أن يولّد الحياة والفرح والشركة. الإيمان يعني الرهان، رهان كلّ الذات.
الإيمان يدفع إلى الخروج من حظيرة الراحة التي تكتفي بـ “التعليق” على التاريخ. الإيمان خبرةٌ تولد وتُسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة. الإيمان يصبح طاقة تُغذّي تلك العمليات المؤدية إلى إنسانيّة أكثر نضوجًا ونجاحًا.
إن مقترح التوجيه الرسوليّ يسير وفق تطوّر يُحاكي منهج التمييز المسيحي: التعرّف – التفسير – الاختيار.
إنه مسار يتجنّب من جهة النشاطيّة العمياء والخاضعة، ومن جهة أخرى يتجنّب روحانيّة مفصولة عن الواقع ومتمركزة في الذات. إنه دعوةٌ إلى سلوك الطريق الذي ينفتح أمامنا عندما نقبل بالإيمان دعوة “الكلمة”.
طريقٌ مرسومة بعلامات الثقة والمسؤولية. إنه الطريق الذي يميّز أفضل ما في التقليد السالسيّ: “مرافقة الشباب لمساعدتهم على اكتساب الثقة وإعطائها، ومرافقتهم وتربيتهم على اتخاذ قرارات تجعلهم مسؤولين، بهدف أن يُكوِّنوا أنفسهم ليكونوا: “مسيحيين صالحين ومواطنين شرفاء”.
علينا أولًا أن نتأمل في ضرورة “احتضان الزمن والتاريخ”. فالتاريخ الذي نحياه، بكل تحدياته، يجب أن “نلتقيه” بتعاطف. هذا الموقف يُعبّر عن فعل محبّة نشط تجاه الواقع الذي يحيط بنا. وبصفتنا مربّين ورعاة مؤمنين، لا نقبل أن نقع في ذلك الجمود الذي يجعلنا فقط نُعاني الأحداث بشكل سلبي. إن دعوتنا هي أن “نتعرّف” إلى التحديات بذكاء روحيّ.
إنها خطوة حاسمة ومصيرية: الاعتراف بالواقع هو ثمرة التمييز، أي تلك القدرة التي تَعرف كيف تقرأ بعمق ما يحدث. فقط بهذا الشكل يمكننا تجنّب القراءات الكارثية والتشاؤمية.
أما بالنسبة إلينا نحن المنخرطين في المسارات التربويّة–الراعويّة، يمكننا أن نقول إن صورة “التاريخ كصندوق ثمين يحتضن ويكشف عن عمل الله” هي صورة معبّرة وعميقة للغاية.
فالصندوق يوحي بأنه – بينما ينكشف البشريّ أمام أعيننا – فقط بالانتباه والإصغاء نكتشف أن العمل الإلهيّ حاضر، وإن كان مخفيًا، ناشطًا بلطافة.
نحن بحاجة إلى عيون الإيمان كي نكتشف عمل الله ونحتضنه ونتجاوب معه. وهذا أسلوب سالزياني بامتياز: كان دون بوسكو يعرف كيف يستشعر عمل “العناية الإلهيّة” في أعقد القصص وفي أصعب الظروف، وكان يستطيع أن يُحوِّل كل عائقٍ أو صعوبة ظاهرية إلى فرصةٍ لنمو الشبيبة نموًّا متكاملًا، ولانتشار الملكوت.
الحركة الثانية تقودنا مباشرة إلى قلب الخبرة المسيحيّة. قراءة الأحداث على ضوء المسيح هي خيارٌ أساسيّ لا ينضج إلا كثمرةٍ لالتزام مستمر. إن يسوع المسيح لا يمكن اختزاله إلى “موضوع للإيمان”. بل هو، ابن الله الذي صار إنسانًا من أجلنا، هو الـ “الوغوس logos”، أي المعيار الذي يساعدنا على فهم الواقع. إنه أسلوب، عندما يُنار بقوة الروح القدس، يتجاوز كل ثنائية بين المقدّس والعلمانيّ.
فقط هذه العلاقة الصحيحة بالمسيح تستطيع أن تكشف في عقولنا وقلوبنا الإلهيّ الموجود في البشريّ. وفقط بهذه الطريقة تصبح الدعوة إلى اكتشاف كيف تنبثق إرادة الله من الأحداث التي نعيشها، دعوة ذات معنى خاص.
إن هذا المنهج الناضج للإيمان يُدرك أن الله لا يتكلم فقط من خلال الكتاب المقدّس والتعليم الكنسيّ، بل – وهذا ما يطال دعوتنا من العمق – يأتي للقائنا من خلال التاريخ الحيّ للشباب والناس الذين نلتقيهم على دربنا. فحياتهم هي إعلانٌ مستمر ونداء دائم إلى حضور الله.
كل تمييز دقيق يتطلّب تكوينًا روحيًّا متينًا. وعنصرٌ أساسيّ وجوهريّ في ذلك هو اللقاء مع “الكلمة” أيّ يسوع.
ومنه تأتي القوة التي يغذّي هذا المسار: فمن خلال العلاقة المنظّمة مع “الكلمة”، ننمو بنحوٍ سليم. فقط عندما نتغذّى بها ونستنير بها، نفهم أن “كلمة الله” ليست مجرد معلومة، بل غذاءٌ روحيّ، ونورٌ للطريق اليوميّ.
يمكننا أن نقول إن الكلمة، عندما نُصغي إليها حقًا – ob-audire – لا تكتفي بأن “تُعلِمنا”، بل تذهب أبعد من ذلك: تُربّينا وتُحوّلنا.
المرحلة الثالثة تُعالج موضوعًا دقيقًا: الحرية المسيحيّة في ثقافة يسودها كثيرٌ من الارتباك في هذا المجال. فقط عندما نعيش “الإصغاء الحرّ”، نختبر “القوة المُحرِّرة” للبشرى السارة.
أما الإصغاء القسري، أو ذاك الملوَّن بالخوف أو المصلحة، فهو لا يُثمر، بل قد يصبح ضارًّا على المدى الطويل.
الإصغاء الحرّ يُحرّر حقًا عندما يشعر الإنسان أنه يعيش خبرة ترحيب فرِح بإرادة الله. إنها حرية أبناء الله، التي – عندما تُختبَر وتُعاش – تجعلنا نتجنّب انحرافات خطرة في العمل الراعويّ.
ونحن نلاحظ هذا بأنفسنا: عندما تكون “كلّ تصرّفاتنا” “نابعة وموجَّهة بكلمة الله”، تظهر معالم روحانيّة متكاملة، لا تعرف الفصل بين الصلاة والعمل، بين الحياة الروحيّة والانخراط في العالم.
إن خبرة قانا تدعونا إذًا إلى الانتباه إلى “خطر الإيمان المرجعيّ للذات، الذي يخضع للعقل البشري”، أي الإيمان الذي يقوم على “ما أراه أنا”، كما نسمع أحيانًا (وربما نقول): “بالنسبة لي…” وكأنّ الإيمان ينحني لمقاييس “عقلي أنا”.
في السياق السالزيانيّ، الإيمان والعقل هما دائمًا حليفان، يَسيران جنبًا إلى جنب بوعي أن التوازن المطلوب بينهما هو مسيرة دقيقة وعاجلة في آن.
خطر النهج الأفقي المحض يظهر من خيارات أنانية تحاول أن تقيس كل شيء بمقاييس بشريّة بحتة. وهذا يؤدي إلى تقليص الإيمان، وبالتالي تقليص كلّ مقترح تربويّ في الإيمان، إلى مجرّد مشروع عقلي بارد.
وهنا يبرز نداء واضح: ليس المطلوب إلغاء العقل، بل الحرص على ألا يتحوّل إلى المعيار الوحيد للحكم، فيطمس أبعاد السرّ والنعمة، وهما بُعدان لا يمكن التخلّي عنهما في أي منظومة تربية متكاملة.
الحركة الرابعة والأخيرة تقود إلى ذروة هذا المسار: الخدمة. “متجذّرون وأحرار – فلنخدم”. هذا هو الوجه الناضج للمسيرة كلّها: من التجذّر في الإيمان إلى الحرية، ومن الحرية إلى الخدمة، وكلّ ذلك كتعبير طبيعيّ عن نمو تدريجيّ في المحبّة التي نلناها.
إن الدعوة إلى “التعاون الكامل مع مشروع الله” تتردّد بقوة خاصة في قلب كلّ مؤمن. إنّ كلمة “كامل” يُبرز أهمية الشموليّة، دون تحفظات. إنه أسلوب كلّ مسيرة إيمان حقيقيّة، حيث يكتشف المؤمن أنه شريك فاعل في عمل الله.
ومن هنا يمكننا أن نفهم قوة التعبير “جرأة الإيمان”، وهو من التعابير العزيزة على البابا الراحل فرنسيس: “فالإيمان الأصيل ليس خجولًا، بل جريء. إنه مستعد للمخاطرة من أجل الملكوت. هي جرأة من يعرف أن بإمكانه الاتكال لا على قوّته الخاصة، بل على قدرة الله”.
ويُختتم مسار عرس قانا بـ “فرح المشاركة”، وهو علامة مميزة للكاريزما السالسيّة. إنه ليس فرحًا سطحيًا أو عاطفيًا، تافهًا أو هزليًا، بل فرحٌ حقيقيٌّ وعميق، ينبع من مشاركة صادقة تُقوّي تلك الخبرة التي نشعر فيها جميعًا أننا جزء من مشروع أعظم منّا: مشروع الله.
إن الإشارة إلى مرور ١٥٠ سنة على تأسيس السالزيان المعاونين ليست مجرد مناسبة احتفاليّة، بل هي دعوة موجهة نحو المستقبل، لما يطلب الرب منّا اليوم. فـالحلم النبويّ لدون بوسكو لا يزال حاضرًا اليوم، مستدعيًا الرؤية التي نقلها بنفسه، وأيضًا المسؤوليّة التي تقع علينا الآن، نحن الوارثين والمروّجين للكاريزما.
إن هذه الذكرى لا تعني فقط تذكارًا للماضي، بل انطلاقة نحو المستقبل.
سيكون عامًا تتاح فيه لنا الفرصة لأن ندرس، نتأمل، نشكر، ونحتفل بخبرة السالزيان المعاونين، التي ما تزال تعبّر عن نعمة حيّة معاشة.
وإذ نشكر الرّب على عنايته الإلهيّة التي رافقت جمعيّة السالزيان المعاونين وجميع مجموعات العائلة السالسيّة، نعمّق معرفتنا بتلك الهوية الكاريزميّة التي أطلقها روح الله من خلال دون بوسكو.
إن الماضي هو إرث جميل يدفعنا إلى مستقبل نكون فيه، أكثر من أي وقت مضى، مؤمنين وأحرارًا لنكون خدّامًا جديرين في سبيل ملكوت الله.
خاتمة
في هذا الزمن من التحوّلات الكبرى والتحديات، إلى جانب فرص غير مسبوقة، يريد التوجيه الرسوليّ 2026 أن يكون مسارًا روحيًّا يقدّم بوصلة لنموّ الإيمان على الصعيد الشخصيّ، ونموّ الخبرة الراعويّة على الصعيد الجماعيّ.
وفي هذا الإطار، نحن مدعوون، كمجموعات من العائلة السالسيّة وكجماعات محليّة، إلى الانطلاق من الإصغاء إلى الواقع، متجذّرين في الإيمان بالمسيح.
وفي هذا المنطق، نعيش دعوتنا بحرية أصيلة، حرية تدفعنا إلى اتخاذ قرارات لصالح الشبيبة وجميع من ينقصهم “خمر” الرجاء.
إنها حرية تدعونا إلى تعزيز التزامنا من أجل تنمية بشريّة متكاملة.
لقد كان دون بوسكو، منذ البداية، “يتخيّل” حركةً عظيمة من الأشخاص، يعملون معه ومثله من أجل خير الشبيبة. وهذا هو حقًا حلم دون بوسكو الذي لا يزال حيًّا اليوم.
إن الاحتفال بالذكرى الـ١٥٠ للسالزيان المعاونين يعزز فينا جميعًا العزم على أن نكون خدّامًا للشبيبة وهم يواجهون تحديات الحاضر. وهذا العزم هو شهادة على تجاوبنا الأمين والسخيّ مع كلمات مريم التي تُوجَّه إلينا اليوم: قولها “مَهما قالَ لَكم فافعَلوه”.
الرئيس العام للرهبنة السالسيّة
الأب فابيو أتارد