الاكتفاء
“نعمة الشبع”
“نعمة الشبع”
مواضيع تربوية
الأب السّالسي داني قريو
للجميع
الانسان النّاضج هو الشّخص المتصالح مع فكرة وجود الخير والشّر
قصّة قرأتها منذ فترة ليس بطويلة، وأظن أنّها تناسب الزّمن العادي الذي تقدّمه لنا السّنة اللّيتورجية.
إنّ أيّ شيء في العالم، لو أردنا جعله جميلاً، نحاول تقريبه من الطّبيعة، أي أن نجعله Biomimetic أي يُحاكي الطّبيعة.
بالتّالي، نشأ علمٌ خاص لهذا، وأصبحت تقنيّاته تُدرّس في كلّيات طبّ الأسنان لما فيه من نسب وأرقام تساعد أطبّاء الأسنان على صنع أسنان تُماثل الأسنان الطّبيعية.
لكن في اليابان كان الأمر مختلفًا تمامًا، كان لديهم رأي آخر، ونظرة أخرى وأطلقوا عليها مصطلح ’’ وابي سابي Wabi-Sabi ‘‘ والذي يعني جمال العيوب.
هذا المفهوم كان مبني على أنّ أي شيء طبيعي هو: Imperfect, impermanent, incomplete معيوب وغير دائم وغير كامل.
لذا تعلّم اليابانيّون ليس فقط تقبّل عيوبهم، إنما أيضًا بدأوا يحبّون عيوبهم، لدرجة أنّهم أصبحوا يحبّون أسنانهم أكثر لو أنّها غير مرصوصة وفوق بعضها، وتدعى باللغة اليابانية ’’ Yaeba ياييبا ‘‘والتي تعني أسنان فوق بعضها، وهي ترمز إلى سنّ الشّباب أو الصّحة حسب ثقافتهم.
لذا عندما ننظر للمرآة، تعالوا نحاول، ليس فقط تقبّل عيوب أسناننا التي تجعلنا غير واثقين من أنفسنا ولكن أيضًا نحبّها، كي تكون شيئًا مميزًا فينا.
بالتأكيد هذا لا ينطبق على أمراض الأسنان والتسوّس… هذه يجب أن تُعالج مباشرة، ولا يوجد أي مشكلة لو أردنا أن تكون أسناننا مرصوصة بشكل مثالي أو أفتَح قليلاً… ولكن لا أن تقف حياتنا على هذا ولا أن تهتز ثقتنا بأنفسنا ونتعلّق بإفراط فيها.
بالتأكيد، البنات اليابانيّات ليسوا أجمل بنات بالنسبة لثقافات كثيرة، ولكن لو تعلّموا محبّة عيوبهم فبالنسبة لهم البنات اليابانيّات هنّ أجمل بنات في العالم.
لذا دعونا نستمتع بـ ’’وابي سابي Wabi-Sabi ‘‘ نستمتع بالطّبيعي الذي نعيشه في حلوّه ومرّه، كما يقول فريد الأطرش: ’’الحياة حلو بس نفهمها‘‘ أن نفهم الحياة أي أن نتقبّلها وهذه أولى علامات النّضوج: نظرة الانسان المختلفة للحياة.
الانسان النّاضج هو الشّخص المتصالح مع فكرة وجود الخير والشّر، لا يرفض وجود الشّر أبدًا، ولا يتعامل بسذاجة مع الواقع كي لا يُصدم ويُجرح مرة بعد مرة فقط لأنّه يرفض أن يتعلّم، أو ينكر وجود الخير تمامًا فيقرر أن يكون حازمًا صارمًا وشديدًا مع الكل.
النّضج هو أن تتصالح مع وجود هاتين الفكرتين، وتبدأ تهدأ وتتعامل بحكمة أكبر.
النّضج أيضًا هو أن تقلّل العشم وألاّ تنتظر من الآخر.
أن تعي أنّ لا حق لك في أيّ غرض من الآخر، فتصبح خفيف الظّل على النّاس وتفهم أنّ العلاقات هشّة جدًا، وأنَّ الإنسان المحظوظ هو من يملك بعض المقرّبين في حياته، يملك شخص أو اثنين من النّاس المحترمين الصّالحين الذين يحبّهم ويحبّوه، ويعاملهم برقّة ولطف كي لا يخسرهم.
النّضج هو الوعي أنّك مهما كنت مظلومًا أو تمر في ظروف قاسية، لا يوجد هناك من يهتمّ لحالك، ولا يوجد ’’الشخص الفاضي‘‘ المستعد لاحتضانك.
فحياتك ستصبح أفضل، فقط، عندما تبدأ بالاعتناء بها أنت! وحتى لو تأذّيت من شخص سيئ، وكلّنا متّفقون معك ونطبطب عليك، أنّك أنت المسؤول الأول عن حماية نفسك، والمسؤول عن إيقاف تمدّد هذا الأذى.
لا تلقي مسؤوليّتك على الآخر، أنت الذي سيخسر وليس هم.
النّضج هو أن تعي أنّ أغلب الأحداث السّلبية أو الإيجابية التي ستحصل لك هي مجرّد مراحل، تحتاج بعض الوقت وستهدأ العاصفة وستفكّر بشكل موزون أكثر.
ستأتي أيامك وتجد أنّك أصبحت بعقلية مختلفة وشعور مختلف، وأن مشاعرك لا تدوم للأبد، النّضج هو إعطاء الأمور حجمها الطبيعي.
النّضج أيضًا، هو أن تلتمس العذر للنّاس أكثر. أن تعي أنّك أنت أيضًا مليء بالعيوب والمشاكل، فتتقبّل فكرة أن غيرك لديه مشاكل هو أيضًا، لأنّه لا أحد سيستطيع أبدًا أن يفهم مشاعرك وهو منفصل تمامًا عن مشاعره، وفهمك لمشاعرك واتّصالك بها هو من أكبر علامات النّضج.
لنتعلّم أنّ الحياة هي طبيعية بعيوبها وبحسناتها وننطلق فيها، مدركين أنّ الله معنا، ويحبّنا كما نحن، لهذا دفع ثمنًا باهظاً لمحبته.