التشجيع
“عامل أساسي في فن التربية”
“عامل أساسي في فن التربية”
مواضيع تربويّة
عن مجلة السالزيان الدورية نقلها للعربية الأب السالزياني بشير سكر
للجميع
عامل أساسي في فن التربية هو
” التشجيع”، تشجيع الأبناء
كل وليد يرى النور يعتبر ثروة. إنه يدخل الدنيا حاملاً في رأسه (300 gr) من المخ تمنحه إمكانيات لا حدود لها. فلو استخدمنا دماغنا بكل طاقاته لقفزت كل مؤشرات قياس الذكاء المستخدمة خلال الاختبارات العملية إلى أعلى مستوياتها. العقل يستطيع ادخار عشرة أحداث جديدة كل دقيقة ويستطيع أن يستقبل كمّاً من المعلومات يصل إلى مئة مليار! ولو اعتبرنا العقل حاسبة الكترونية لتطلّب لتشغيله طاقة تعادل الطاقة التي تولدها شلالات نياجارا!
وماذا لو تكلمنا عن الخيال والإبداع؟ ماذا عن النطق؟ ماذا عن القدرة على رفع الدعاء والابتهال؟
هذا هو الطفل الوليد بكل ما يملكه من إمكانيات لا تحصى!
لديّ اذاً كل الأسباب لأشجع ابني… إن من يشجع فريقاً لا يسمح له بدخول ساحة الملعب. عليه أن يترك للاعبين مهمة قيادة المباراة. الأمر مشابه في مجال التربية: عليه هو، الابن، أن يبني حياته، لا أستطيع الحلول مكانه. لا أستطيع القيام بدوره. لكنني أستطيع تحفيزه، أستطيع تشجيعه وبث الحماس في عروقه!
أبث فيه الحماس لأن الحماس يشعل الطاقة ومن امتلك الطاقة لا شيء يوقفه.
أبث فيه الحماس لأن التقويم يصنع الكثير أما التشجيع فهو يصنع المعجزات.
أبث فيه الحماس لأن الحماس يكشف له طاقاته الكامنة والتي هي هبات غير عادية.
وهذا ما كان يؤيده بكل الأشكال الفيلسوف الفرنسي “لويس لافيل” الذي كان يقول: ” أكبر خير نصنعه للآخرين ليس أن نهديهم ثرواتنا وانما أن ندلهم على الثروات الكامنة في داخلهم.”
أبث الحماس لأننا لو سلّمنا بقبول الإنسان على ما هو عليه، فسيبقى على ما هو عليه. أما إذا تعاملنا وإياه حسب ما يجب أن يكون، فسنحثه إلى أن يصبح ما باستطاعته أن يكون…
من الأمور التي تم اختبارها أن المعلمين الذين يثقون بتلاميذهم ويتوقعون الكثير منهم ينالون أداء أفضل كثيراً من أداء التلاميذ الذين يدرّسهم معلمون متشائمون، غير مبالين، لا يثقون بقدرات تلاميذهم…
وهذا أيضاً دليل واقعي على أن من يقلل من قيمة ذكاء إنسان لن يجني منه إلا ثمارا زهيدة.
الفتيات والرياضيات
نستطيع أن نفرز الأولاد إلى فئتين حسب طريقة مواجهتهم تحدياً جديداً:
فئة ” سأنجح ” وفئة ” لن أنجح “
أولاد الفئة الأولى لديهم صورة إيجابية عن أنفسهم وينظرون إلى الاختبارات الجديدة كأشياء يمكن إنجازها بالإرادة الحسنة. وهذا لا يعني أنهم لا يرون بواقعية الصعوبات، لكن ثقتهم بأنفسهم تصل إلى حدّ يجعلهم يدرسون بعناية وهدوء ما يجب عمله قبل أن يبادروا إلى البحث عن الحلول. على هذا الأساس توقعات نجاحهم تزداد بشكل ملحوظ وبالتالي فنتائجهم الجيدة ستدعم أيضاً فيما بعد ثقتهم بأنفسهم.
من ناحية أخرى فرد الفعل الاعتيادي من قبل الفتى الذي كوّن صورة سلبية عن ذاته هو الاعتراض بمقولته: ” لن أنجح”. وهذا كلما صادف أمراً غير متوقع… الأولاد من فئة ” لن أنجح ” يبدأون عادة بالشك في مهارتهم وقدرتهم في مجال معيّن، غير أنهم عاجلاً ما يعممون ترددهم هذا أمام أية مشكلة شبيهة.
الفتى ” لن أنجح ” قد يبدأ بقوله: “عمليات الجمع هذه لا قدرة لي عليها” وهذا عندما يطلب منه تمرين جديد مثلاً في مادة الحساب. وإذا لم يتدخل أحد لتقوية احساسه بالمقدرة، فسريعاً سيكون رد فعله ” لا أعرف حل عمليات الجمع”…
الفتى من فئة “لن أنجح” يرى صعوبات لا يمكن تخطيها حتى في أسهل الاختبارات وتتحول حياته إلى وضع بالغ التعقيد. والمؤسف أن رد فعل الكثير من البالغين أمام استمرار عبارة “لن أنجح” هو اعتبارهم الفتى غبياً بلا عودة. وفي الواقع الصورة التي كونها عن ذاته هي التي تخونه وليس ذكاؤه،
هناك اختبار مثير وفعال أثبت كيف أن فئة “لن أنجح” يمكن أن تتحول إلى فئة “سأنجح”. هذا الاختبار أحدث انقلاباً حقيقياً في الموازين حين تم تسليط الضوء على ما يقال حول الفوارق بين الذكور والإناث من حيث القدرات في مادة الرياضيات. في الماضي كانوا يفسرون ضعف أداء الفتيات في اختبارات الرياضيات كون الفتيات لا يمتلكن “ذهناً نشطاً في الرياضيات”. غير أن بحثاً أجري في الولايات المتحدة أثبت أن الخلل قائم في أسلوب التعلم وليس في فروق جينية تخص وظائف المخ. فمثل باقي مجالات الذكاء هذا المجال أيضاً هو نتيجة ما يتعلمه الانسان في السنوات الأولى.
فمنذ تجاربهن المدرسية الأولى، كان الاعتقاد السائد أن معظم الفتيات محكوم عليهن بالتصديق بديهياً أن مادة الرياضيات هي مادة يتوقع فيها أن يتفوق الذكور فقط وإنها تتطلب معارف وقدرات لن تصل الفتيات إلى سبر أغوارها.
أجري البحث وتم تدريب الفتيات خلاله على حل المسائل وفي الوقت نفسه تم تدريبهن على تقليص الشعور بالقلق وعلى تقوية الثقة بأنفسهن…
خلاصة البحث أن الفتيات لم يثبتن فقط تقدماً في استيعاب مادة الرياضيات لا بل واهتماماً أكبر في كافة المواد العلمية. كما وإن الصورة التي تخيّلنها عن ذاتهن تبدّلت إيجابياً…
فريق الباحثين علّق على ذلك بقوله: “النتائج كانت في الماضي ضعيفة في هذه المواد لسبب أحكام مسبقة سلبية ترسّخت في الأذهان وتم تعميمها”.
وراء تلك التجربة واستنتاج الباحثين نصل إلى حكمة عملية هامة جداً: ” غيروا الصورة التي تشكلت في المخيّلة عن الذات فتتغيّر القدرات”.