مقدّمة:
عندما أريد أمراً ما أتشوق له (التشويق) فأفعل شيئاً للحصول عليه (الفاعلية) فأحصل على نتيجة ما وأحاول ترسيخها وتثبيتها والاحتفاظ بها (التعزيز) وعليه فالخطوات الأساسية في عملية التعلّم ثلاث: التشويق والفاعلية والتعزيز.
الأطراف في مسألة التشويق: التلميذ والمربي:
- دور التلميذ: ثمة عوامل تتعلق بشخصية التلميذ تدفعه إلى التعلّم وتجعله طرفاً مسؤولاً في هذه المسألة أهمها:
- العزم والتهيؤ: يتوقف التشوق أساساً على حاجات التلميذ ودوافعه، فهي سبب العزم على التعلم والرغبة فيه بصورة عامة.
- الاستعداد: إذا أُريد للجهد الذي يبذله التلميذ أن ينجح، لا بد بالإضافة إلى العزم، أن يكون مستعداً للتعلم، هذا الاستعداد يقتضي منه توفر بعض القابليات والكفاءات فيه، وكلما زاد مقدار هذه زاد الاستعداد للتعلّم عنده.
- مستوى الطموح: أي حجم ما يصبو التلميذ إلى الوصول إليه، هذا المستوى يتأثر بصورة خاصة بنجاحه وإخفاقه.
- المواقف: إنها مكوِّنات أساسية للتشويق، فحب التلميذ لما يجب أن يتعلمه (الموقف الايجابي) يدفعه إلى القيام بالعمل وتعلّم ما هو ضروري، وعلى العكس فإن كراهيته له الموقف السلبي تدفعه عنه.
إن ما ذكرته آنفاً يمكن اعتباره أساساً سيكولوجياً للتشويق على المربي أن يأخذه بعين الاعتبار في مهمته وخاصة في التربية المسيحية.
- دور المربي: إن تشوّق التلميذ لتعلّم أمرٍ ما يرتبط إذاً بمدى رغبته واهتمامه، فماالذي يقوي هذه الرغبة ويضاعف هذا الاهتمام؟ وما دور المربي في هذه المسألة؟
بداية يجب أن أبيّن أن ما يجري في ساعة اللقاء الديني هو أكثر من مجرد تعلّم معارف، وبالتالي المطلوب من المربي هو أكثر من مجرد تشويق التلميذ لتعلّم هذه المعارف. فاللقاء الديني وهذا أصبح بديهياً لدى المربين، هو لقاء بيسوع هو لقاء شخص (التلميذ) بشخص (يسوع) عبر شخص المربي لا لقاء عقل التلميذ بمعلومات ومعارف عن يسوع وإلا صار درساً وما عاد لقاءً! هل يعني قولي هذا أن نهمل الجانب المعرفي في اللقاء؟ طبعاً لا ولكن المعارف التي نقدمها ونشرحها في اللقاء هي مجرد جسور ووسائل اتصال، مهمتها أن توصل التلميذ في النهاية، إلى أن يلتقي بيسوع الشخص. عندها يكون اللقاء حميماً وفاعلاً. هذا اللقاء وحده هو الذي ينمي التلميذ، هو الذي يحوله إلى تلميذ حقيقي ليسوع فيتبعه في حياته.
التلميذ الحقيقي: هو الذي يعرف معلّمه معرفة نظرية واختبارية ويرغب في مزيد من هذه المعرفة.
التلميذ الحقيقي: هو الذي يحب معلّمه ويرغب في المزيد من هذا الحب.
التلميذ الحقيقي: هو الذي يثق ويؤمن بمعلّمه ويرغب في مزيد من هذه الثقة والإيمان به.
التلميذ الحقيقي: هو الذي يدرك مشيئة معلّمه ويجسّدها في أفعاله قبل أقواله ويكون هكذا شاهداً حقيقياً له.
إن ما يجب أن يكون عليه التلميذ الحقيقي هو الهدف البعيد والغاية القصوى من عملية التشويق الذي نتكلم عليه.
إن السؤال: كيف نجعل ساعة اللقاء الديني مشوّقة، هو سؤال تربوي تقني يستند أساساً إلى سؤال أعمق هو: كيف نجعل التلميذ يحبّ يسوع ويتشوّق إلى لقائه ويأتي إليه ويقيم معه؟
ماذا يمكنني أن أفعل لأجعل ساعة اللقاء مشوقة؟
- أن أكون صديقاً لتلاميذي، ألتقي بهم قبل ساعة اللقاء، ألعب معهم، أشاركهم فرح الطفولة، أظهر على أني واحد منهم. إنها فرصة ذهبية للتعرف إليهم، ولكسب ودهم وثقتهم وطاعتهم.
- أن أتفهّم سيكولوجية الطفولة والمراهقة عامة وسيكولوجية السن التي أُعلمها خاصة، وأن أُراعيها في الإعداد والإحياء.
- أن أربط موضوع اللقاء بحياة تلاميذي، وبالكنيسة وبالليتورجيا وخاصة بالأسرار وإلاّ تحول اللقاء إلى مجرد درس جاف في الأخلاق (ما يجب وما لا يجب – ما هو مسموح وما هو ممنوع …الخ) فصار جسداً بلا روح.
- أن أُشِعر التلميذ بمختلف الطرق والمناسبات، بأنه محبوب على ما هو عليه.
- أن أُصغي إلى التلميذ، في حال إجابته على سؤال طرحته، أو في حال سؤال طرحه هو، أو في حال رغبته بالتعبير عن خبرة عاشها. إن الإصغاء ضروري، فهو انفتاح على التلميذ وعبور إلى عالمه ومشاركة في متاعبه وتعاطف مع ظروف حياته، إنه علامة حب وعطاء. هذا الإصغاء يسمح لي كمربيّ أن أكتشف حاجات التلميذ ونقاط الغموض والضعف لديه والثغرات في حياته الروحية، وهذا الاكتشاف يجعلني أتكلم انطلاقاً منه فأمسّ كل هذه الأمور في حديثي إليه مما يجعل هذا الحديث صدى لحاجاته وردّاً على استفهاماته فيلقى قبولاً لديه ويجعله يتشوق إلى كل ما أقول وينجذب إليه فيصغي بعقله وقلبه وبكيانه كله ويتفاعل مع كل ما يجري في اللقاء.
- أن أخلق جواً من التعاطف والمشاركة الأخوية (إثارة خبرات – شهادة حياة – تقسيم التلاميذ إلى فرق عمل وخاصة في مرحلة النشاط التعبيري…)
- أن أستخدم أنشطة تعبيرية متنوعة (راجع المنهجية في دفتر التحضير، دفتر النشاطات الروحية الخاص بالتلميذ) فالتلاميذ يتعلمون بالعمل والحركة وخاصة في المرحلة الابتدائية، وأن أُبدع في هذا المجال.
- أن أستخدم (المستثيرات) الحوافز المعنوية كالمديح والتصفيق حيناً والتقريع التربوي المدروس أحياناً ونادراً، والمستثيرات المادية كالمكافآت والجوائز. وهنا عليّ أن أحذر من أن يصبح المستثير غاية في ذاته بدلاً من أن يكون وسيلة وبذلك يتوه التلميذ عن القصد الحقيقي فيعمل من أجل الجائزة أو العلامة فالمقصود فعلاً بالمستثير ليس هو الحصول على المكافأة ولكن العبور منه إلى العمل، ولا يكون المستثير مفيداً حين يتوقف التلميذ عن العمل بعد الحصول عليه.
- أن أحترم منهجية اللقاء في الإعداد والإحياء بدون تصلّب، إنها حصيلة خبرات ودراسات كثير من المربين على مر التاريخ.
- أن أُحسن اختيار واستعمال الوسائل التعليمية وعلى رأسها الكتاب المقدس.
- أن أُفسح مكاناً للترانيم في اللقاء بعد تحضيرها فهي تُضفي جواً من الحماس والفرح والروحانية، فالتلاميذ بطبيعتهم يحبونها ويرغبون في إنشادها.
- أن أكون عفوياً حرّاً من الداخل، مبتسماً بشوشاً، حيوياً متوازناً، ضابطاً للذات ولتلاميذي بعيداً عن القسوة والانفعال العصبي.
- وعلى رأس هذه الإجراءات والكيفيات كلها، أن أكون مربياً صادقاً مع ذاتي، مؤمناً برسالتي، شاهداً حقيقياً للمسيح ومَعبراً أميناً للتلميذ إليه، فالتلميذ سيلتقي بالمسيح من خلال ايماني الشخصي المستنير وحياتي الروحية العميقة والتزامي وثقافتي ومعايشتي له على غرار ما فعله المسيح مع تلاميذه، فإن لم تكن حياتي لقاءً دائماً مع المسيح، وإن لم ألتقِ أنا شخصياً بالمسيح بمناسبة كل لقاء أُعده وأُحييه، فكيف لي أن أساعد التلميذ على اللقاء به؟ وهذا يتطلب مني أن تكون ثقافتي الإيمانية جيدة وعلاقتي بالله قوية كما البناء المقام على الصخر، لأنه إن لم يبنِ الرب البيت فعبثاً يعمل البناؤون، وهذا لن يكون لي إلا بالصلاة والتأمل وممارسة سرّيْ التوبة والإفخارستيا، فالكنيسة بحاجة إلى شهود أكثر من حاجتها إلى معلمين.
آثار ونتائج التشويق:
يلمسها كل من يوفِّر التشويق في لقاءاته. فيما يلي أهمها:
- يجعل ساعة التعليم محببة لدى التلميذ، فيواظب عليه بدون انقطاع.
- يُحقق المتعة والفائدة والفرح ويُثير دافعية التلميذ وحماسه.
- يُثير طاقات (وزنات) التلميذ وينشِّطها ويضعها في الاستخدام فتنمو.
- يُبعد الملل ويثير البهجة لدى التلميذ والمربي ويُفعّل اللقاء.
- يخلق مراكز اهتمام جوهرية لدى التلميذ والمربي (يجعل المسيح الاختيار الأساسي في حياتهما).
- يُحبب التلميذ بشخص يسوع، وبشخص المربي وبشخص الكاهن، ويربطه بالكنيسة.
- يخلق بين التلاميذ جواً من التعاطف والمشاركة الأخوية فيشعر كل فرد بخطوات آخر على دربه، وتتجسّد الكلمة ويتحول اللقاء من مجرد درس إلى حياة مشتركة.
- يسهم جزئياً في تحقيق الهدف البعيد للتربية المسيحية باعتبارها فعل إيمان وتقود إلى الإيمان بالله وبيسوع وبالكنيسة وبالإنسان صورة الله.